هل من مساحة بعد.. لفعل قومي عربي؟! / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) الإثنين 25/1/2016 م …

لطالما آمن جيلنا( جيل الخمسينيات والستينيات ) بالفعل والنضال القومي العربي من المحيط إلى الخليج! إنها وحدة القضايا الوطنية والقومية العربية. نعم أصبحنا في زمن غير ذلك الزمن! نقولها بكل الألم: زاد الانغماس في القطرية العربية المقيتة! أصبح كل بلد عربي يرفع شعارا: بلده أولا! دليلي عل ما أقول هو: أن  المتابع لردود الفعل العربية على ما يجري في فلسطين المحتلة … ينذهل لمدى اللا توازن بين حجم الجرائم والاعتداءات الوحشية وبين ردود الفعل القومية العربية، المقتصرة على بيانات استنكار رسمي، وشعبي، وأحزاب وطنية – تقدمية،إسلامية، وطنية ـ قومية ويسارية!.

 نود التأكيد على حقائق الصراع مع العدو الصهيوني وهي حقائقه التي لا أخترعها , إنما يمارسها العدو منذ إنشاء كيانه وحتى اللحظة, وأولها: إن الصهيونية وتمثيلها الكياني، ليسا خطرا على الفلسطينيين فحسب، وإنما على الدولة العربية الحديثة، وعلى الأمة العربية من المحيط  إلى الخليج , ودليلي السؤال: هل كانت هناك دولة عربية بمنأى عن الاعتداءات الصهيونية؟ لبنان, سوريا , العراق, ليبيا , تونس , السودان , مصر, الإمارات العربية المتحدة, الأردن وغيرها.

 الحقيقة الثانية: أن أية قضية وطنية مرهونة في أحد أسباب انتصاراتها، بمدى تلاحمها مع بعدها القومي، وبالمقابل تلاحمه معها. من جانب آخر، فإن إسرائيل تختلف عن أي استعمار آخر، فهي نموذج منفرد في التاريخ ـ اذا استثنينا حالة الولايات المتحدة الأميركية!ـ فولادتها قائمة على اقتلاع شعب آخر وتهجيره والإحلال محله بمهاجريين غرباء من كل بقاع العالم، واغتصاب الأرض الفلسطينية ومشروع الهيمنة عل الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه!… وإقامة دولة ( رأس حربة للاستعمار الجديد) تستقبل المهاجرين اليهود مما هب ودب ,على أرضها المغتصبة، بالتالي فإسرائيل استعمار اقتلاعي للفلسطينيين العرب، إحلالي لليهود، إضافة إلى بناء دولة نووية تمتلك من الأسلحة بما يفوق كل ما تمتلكه الدول العربية مجتمعة من حيث القدرة “وليس العدد”. وهي محكومة بهاجس أمنها أولاً وأخيراً وبالطبع مستلزمات وشروط هذا الأمن! دولة تخوض حروبها الاستباقية بما تسميه حروبا “وقائية” وفق مبدأ نقل المعركة إلى أرض العدو، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي حظيت وما زالت تحظى برعاية مطلقة من الدول الاستعمارية الكبرى قديما وحديثا، فبعد بريطانيا وفرنسا وغيرهما، هي أقرب ما تكون إلى إحدى الولايات الأميركية منها إلى دولة وحيدة قائمة، وهذا ما عكسه كل رؤساء الإدارات الاميركية منذ إنشاء الكيان الصهيوني حتى اللحظة.

إن رأس كل إدارة أميركية يؤكد في كل خطاباته: أنه أكثر إسرائيلية من القادة الإسرائيليين أنفسهم! وبالتالي، فنحن أمام عدو استثنائي في إقامة دولته، وفي نمطيته، وفي عدوانيته المستمرة على الفلسطينيين والعرب وعلى كل ما هو إنساني، وفي استمرارية وجوده، لذا فإن مجابهة هذا العدو تقتضي استثنائية قصوى من المعنيين في استعادة حقوقهم الوطنية وهم الشعب العربي الفلسطيني في الأساس، بمساندة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج.. باعتبارالأخيرة العمق القومي للنضال الوطني الفلسطيني، وهي المتضررة أيضا بطريق مباشرة أو غير مباشرة  من وجود وإقامة دولة هذا العدو، الذي (وكما قلنا في بداية المقالة) لا تقتصر اخطاره على الفلسطينيين وحدهم وإنما على الأمة العربية بأسرها. وبالتالي، فإن مجابهة هذه العدو تقتضي نضالا فلسطينيا بالدرجة الأولى بالتلاحم مع النضال القومي العربي ثانيا , وأيضا فإن تسمية الصراع العربي – الصهيوني، بالصراع أو النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، هو ابتعاد عن جوهر الصراع وعدم إدراك مفتعل للمخاطر الصهيونية الإسرائيلية على عموم وطننا العربي .. هذه هي القضية الأولى.

القضية الثانية في إدراك طبيعة العدو الصهيوني،التي تتمثل في استحالة جنوح اسرائيل (وفق المعطيات السابقة والراهنة والمتعلق بأهداف إنشاء الكيان ومجمل ممارساته) للسلام، فثلاث تجارب “سلامية” معها في أوسلو، وكامب ديفيد ووادي عربة  كانت وهي وستظل كفيلة باعطاء الاستنتاج اللازم لكيفية النظرة الإسرائيلية، للسلام مع العرب والفلسطينيين.

 

القضية الثالثة لزومية معرفة طبيعة العدو وشعاراته وأهدافه.. ومستقبل خططه, ذلك من أجل مجابهته .. وضرورة اطلاق الاستراتيجية الفلسطينية والأخرى العربية من أجل مواجهته ومواجهة من يقف وراءه أيضا !المواجهة  المتوائمة بالطبع مع إدراك عناصر الاستراتيجية الصهيونية ذاتها، ولكن للأسف فإن خللا ما كبيرا يفصل ما بين الاستراتيجيتين، إسرائيل ورغم كل المبادرات العربية لما يسمى بـ “السلام”، ما زالت تصر على أن الشروط التي تحاول فرضها من خلال سياسة الأمر الواقع، ما زالت صالحة وموائمة لأهدافها…بينما العالم العربي لا يزال مصراً على السلام معها، وبذلك يمكن ادراك الفارق الهائل بين الاستراتيجيتين.

القضية الرابعة الضرورية لعملية المجابهة، هي في تجاوز الخلل القائم في المعادلة الحتمية بين الوطني والقومي , وهذه لن تتم سوى بالانتصار على كل الدعوات القطرية العربية.

القضية الخامسة: هي أن من الوهم الارتكان إلى الذات بمنأى عن مشاكل الأخ العربي, سواء أكان العربي القريب أم البعيد! ففي ذلك تسطيح وتقزيم للذات القطرية وللعموم العربي إجمالا! انتصار قطر عربي في معاركه الوطنية هو انتصار لكل الوطن العربي, هكذا تربينا في كل زمن التحرر الوطني لهذه الدولة العربية أو تلك!الجزائر, عُمان,اليمن الجنوبي وغيرها. نود التذكير فقط: أن فلسطين كانت في مراحل تاريخية سابقة هي القضية المركزية لكل الأمة العربية من المحيط إلى الخليج, نود السؤال: هل هي فعلا هكذا في مرحلتنا الراهنة ؟سؤال أحيله على كل الإخوة العرب.. من أجل الإجابة عليه في وبضمير كل منا بكل الصراحة والوضوح  !.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.