أين مصلحة الأردن مما يجري في الإقليم ؟
الإثنين 25/1/2016 م …
محمد شريف الجيوسي
يذكر تسارع الأحداث في المنطقة العربية ومحيطها ، بما حدث أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات من انهيارات متسارعة في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي ، وهي الاحداث التي أسفرت في حينه عن ولادة نظام عالم جديد أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وما أسفر الإنهيار من حروب وتشطير دول وحروب وصيرورة العالم أقل عدلاً وأمنا واستقرارا .
لكن العالم الأن يشهد انهيارات مختلفة ، حيث الغرب ومن يليه ، يعيش أزمات اقتصادية وسياسية متفاقمة ، من صنع يديه ؛ فقد أراد الغرب إقامة شرق أوسط جديد على مقاساته ، قوامه دويلات طائفية ومذهبية وعرقية يسودها التناحر والفتن والإحتراب والعداوات والفوضى التي أسماها خلاقة ، فإذا الإرهاب والهجرات تنقلب عليه وتعبر بواباته دون إذن من أوسع بواباته .
وكان الغرب قد فتح جبهات عديدة في الدول الإسلامية السوفيتية سابقاً ، وفي افغانستان وأوكرانيا وحاول التضييق على الصين اقتصادياُ .
و أراد استخدام النفط سلاحاً ضد روسيا وإيران وفنزويلا والجزائر، فإذا به يصبح سلاحاً ضد من عملوا على استخدامه من أمريكان وعربان، بأكثر مما تضرر الذين استخدم ضدهم هذا السلاح ، ذلك أن التابعين من مستخدميه لا يتوفرون على مصادر اقتصادية أساسية أخرى غير النفط ، فيما المستهدف اقتصادهم على قدرة للتكيف ولديهم صناعاتهم ومصادر أخرى .
وحاصر الغرب إيران بذريعة سعيها للحصول على سلاح ذري ( رغم أن من حق إيران وغيرها امتلاك هذا السلاح طالما أن هناك دولاً صديقة وعدوة تمتلكه ) فإذا بالحصار يرتد على المحاصِرين لها ، فبعد نحو 13 سنة ، استطاعت ايران خلالها من تكوين بنية سياسية واقتصادية وعلاقات دولية صديقة ، جعلت الغرب رغم كل التبجحات يقدم على مصالحتها والتسابق على ودها ووأد مصالح التابعين له في الإقليم ( وإن كان الغرب لا يؤتمن جانبه ويحتمل تبييت غدر ).
وأرادوا تطويع اليمن بذريعةٍ مذهبيةٍ ، وإستعادة الشرعية ، فإذا باليمن ينقل الحرب في جوانب منها إلى خارجه، وأصبح ممكناً ان يستعيد ما تبقى له من أراض يمنية خارجه، لم يتمكن علي عبد الله صالح من استردادها، رغم انه استعاد مساحات واسعة كانت ضمن السعودية.
وشنوا على سورية حرباً دولية إرهابية ضروسا ، عسكرية واقتصادية وإعلامية على مدى 5 سنوات .. وما تزال تشن ، لكن هذه الحرب رغم كل ما أحدثته من دمار للبنى التحتية والإقصادية وما أسفرت عنه من شهداء وضحايا ، أخذت ترتد على المخططين والمنفذين لها ، يوما فيوم ، وأسهمت في خلق عالم جديد ، متعدد القطبية ونشوء تحالفات واسعة جديدة، مناهضة للإمبريالية العالمية والعواصم الإستعمارية القديم منها والجديدة وما تختلق وتدعم من حروب وفتن ورجعيات .
ولم يكن العراق،خارج حسابات التآمر عليه، فدفعوا داعش لاحتلال مساحات واسعة عنه، حتى كادت الدولة العراقية أن تسقط مجدداً ، لكنهم فشلوا الآن على نحوٍ لافت، ولم تنجح إلى حد بعيد محاولاتهم وتركيا أردوغان أن تجد لها موطئا في العراق . وسعوا في خراب الجزائر لكنهم فشلوا.
لكن السودان كان خارج المعادلة الإيجابية، حيث قسّموه وأخضعوا ما تبقى منه لإرادتهم بأنْ أسهم في الحرب القذرة على ليبيا،وما آل إليه حالها بفضل أدواتهم الراهنة من عصابات إرهابية ، لكن هذه العصابات لم تتمكن من حسم الأمور لصالحها، رغم ما أحدثته من خراب فيها والآن ( أي السودان ) يتدخل في اليمن في حرب لا مصلحة له فيها ، بل ستجر عليه مشكلات لاحقاً.
ولم يكن الكيان الصهيوني يوما على غير ما جبل عليه من عداء للأمة العربية ومن ضمنها الأردن ، ولم يكن بعد معاهدة وادي عربة بأحسن مما كان عليه من عداء قبلها ، بل إنه استغل المعاهدة أبشع استغلال ، وأطلق مسؤولون فيه ، المواقف والتصريحات الصريحة المعادية له ، وما زالت أطراف نافذة فيه تعتبر شرقي النهر جزءاً من كيانه العدواني بمن فيهم نتنياهو ، ويشكل رفض تل ابيب إقامة دويلة فلسطينية على الضفة وغزة والقدس الشرقية ، تهديدا مصيرياً لأمن الأردن الإساراتيجي ، ويحدث هذا وسط حماية غربية مطلقة وأمريكية بخاصة .
السؤال ، أين تقع مصلحة الأردن من كل ما جرى ويجري في المنطقة ، فـ الأردن جزء من هذا الإقليم أمنه من أمنه ، ومصالحه الإقتصادية من مصالحه ، واستقراره الديمغرافي من استقراره ، وتكوينه الاجتماعي وإيماناته من تكويناته وإيماناته ، وأمانيه وآماله الوطنية من آمانيه وآماله في التحرير والعودة.
والغرب أوروبيا وأمريكيا ، لا مواثيق له إلا بقدر ما تتفق مع مصالحه المتغيرة باستمرار ، وهو طالما ولغ بالدم على مدى تاريخه بما في ذلك شعوبه وطوائفه ودوله ، ولم يكن بالطبع أرحم تجاه الشرق من علاقاته ببعض ، وما نرى من توافق راهن بين أطرافه ،فلأنه يعتاش ويتفق على مص دماء شعوب أمتنا وغيرها واستغلالها ،وعندما تصحو أمتنا من أغلالها، ويتوقف استغلالنا سنرى صراعاتهم أشد من حربيهما العالميتين الأولى والثانية .
ومع بدء افتقارهم، نرى كيف تخلوا ويتخلون عن الدول الضعيفة منهم ، كما نرى توجهات لديهم للإنشقاق في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال .. وعلى الطريق غيرهم .
إن ما يقدمه الغرب للأردن وفي المقدمة واشنطن من منح وقروض وتسهيلات ، ويمنوا بها علينا ليل نهار ، ويسمحوا لأنفسهم بموجبها بالتدخل في الكثير من أمورنا ، وبفرض وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين التي تسهم في مزيد من الخراب الإقتصادي أكثر مما تصلح بكثير ، وبالصمت عن خروقات الكيان الصهيوني لمعاهدة وادي عربة ( رغم ما تنطوي عليه من إجحاف) وبالعمل على العودة للمفاوضات العبثية الفلسطبينية ( الإسرائيلية ) بعد أكثر من 20 سنة من المفاوضات العبثية؛التي لم تنتج غير مزيد من الإستيطان الصهيوني والأسرى حتى للأطفال والنساء والمرضى ، وبناء جدر الفصل العنصري ، والإفقار واجتثات المزروعات والقتل والتنكيل .
لم يصبح الأردن بنتيجة هذه السياسات والخدمات الجليلة التي قدمها ـ سواء على صعيد الحرب على العراق سنة 2003 ،أو على صعيد العلاقات مع سورية منذ الحرب الدولية عليها وقبلها،ولا على صعيد الدخول في الأحلاف الدولية الإقليمية،وقبول اللاجئين من كل حدب طالما أن قبولهم يخدم مصالح الغرب ويشكل ضغطاً سياسياً على الدول المعنية ، وقد يُستخدم بعضهم من قبل الغرب ضد اوطانهم ، ويغطي الحاجة لعمالة عادية وفنية وأكاديمية في الغرب ـ لم يصبح الأردن أكثر تراءً ، أو أقل مديونية على الأقل ولا المواطن الأردني أحسن معيشة وأقل بطالة ، بل إتسعت دائرة الفقر وأضحت الطبقة الوسطى في طريق التلاشي .
إن ما يمن به على الأردن أدنى بكثير مما يقدم للغرب من خدمات ، تضر بالدرجة بمصالحه وبمصالح أشقاء حقيقيين خارج دائرة النفوذ الغربي الأمريكي الصهوني، ولا تخدم في نهاية التحليل مصالح أصدقاء الغرب من العرب ، بل تجلب عليهم مشكلات وأعاصير هم في غنى عنها ويمكن تجنبها .
بكلمات ليس مطلوباً من الأردن،أن يعلن الحرب على (إسرائيل)أو امريكا فذلك ما ليس في قدراته، ولكن المطلوب من الأردن إقامة ديمقؤاطية حقيقية(طالما زعم الغرب أنه يريد تطبيقها في العالم) وإطلاق الحريات العامة،وقتها سنجد الأردن ينخرط شعبيا في مجابهة سلمية لمصالح الغرب بالأردن،وإقامة علاقات متوازنة مع الأشقاء العرب المتحررين من ربقة الغرب والصهيونية ومع الدول والشعوب التي تمتلك قرارها المستقل، ووقتها لن يقدر الغرب على فرض سياساته عليه على اختلافها .
عن ورقية ” البناء ” اليومية اللبنانية
التعليقات مغلقة.