اللاذقية محافظة خالية من الإرهاب.. ماذا بعد؟!
الأردن العربي ( الثلاثاء ) 26/1/2016 م …
العمليات المتناغمة الشاملة من الشمال السوري إلى أقصى الجنوب، عمليات لم تتوقف منذ أشهر تتغير فيها خرائط السيطرة يومياً بشكل دراماتيكي لمصلحة الجيش السوري.
طبعاً نحن أمام مجموعة من الإنجازات الميدانية، سواء في ريف اللاذقية الشمالي المتمثل بتحرير بلدة ربيعة ومحيطها بعد تحرير بلدة سلمى، لتكون جبهة ريف اللاذقية قريباً أمام استحقاق إقفالها بعد تحرير ما تبقى منها، وهي باتت محصورة بثلاث قرى في محيط ربيعة وكنّسْبا وكبانة والتوم في القطاع الشرقي، وبداما والناجية في اقصى الجبهة شمالًا بالقرب من جسر الشغور.
إنجاز ربيعة واستكمال التقدم وتحرير ما تبقى من المناطق التي ذكرناها وخصوصاً بعد استكمال السيطرة على تلال التوم، سيضع القوات في المواجهة مباشرة مع السرمانية وجسر الشغور، التي ستتحول إلى خواصر رخوة لن يكون بإمكان الجماعات المسلحة المدافعة عنها لوقت طويل، خصوصاً إذا ما ترافق التقدم مع تقدمٍ موازٍ في سهل الغاب، وهو أمر متاح ولم يعد يحمل أي مخاطرة كما في السابق نظراً لأن وحدات الجيش التي تواجدت في سهل الغاب كانت مكشوفة للجماعات المسلحة التي كانت تسيطر على تلال السلسلة الشرقية، التي حرر الجيش معظمها منذ أشهر.
أمام هذا المشهد، يمكننا القول إنّ السؤال الطبيعي هو: ماذا بعد ريف اللاذقية؟ والجواب طبعاً هو تثبيت مناطق السيطرة الجديدة للجيش وخصوصاً المناطق الحدودية، واستكمال العمليات اللاحقة شرقاً باتجاه جسر الشغور وسهل الغاب وريف حماه الشمالي.
إنجاز آخر يحمل في مضمونه صفة الإنجاز المفصلي، وهو ما يحصل في ريف حلب الشرقي والجنوبي الشرقي، حيث استطاعت قوات الجيش السوري العاملة في هذا القطاع بعد تحريرها لمطار كويرس، أن تؤسس اتجاهي هجوم أساسيين شرقاً نحو دير حافر وشمالاً نحو مدينة الباب. والملفت للإنتباه أنّ وحدات الجيش التي وصلت إلى بلدة عيشة بدأت بتوزيع اتجاهاتها شرقاً نحو العجوزية والعبوية والملتفتة، ما يؤمن للوحدات نطاق أمان أوسع للممر الذي تسير فيه، وبنفس الوقت هامش مناورة وتضليل وجذب وإشغال لقوات داعش ومنعها من توظيف الجهد وتركيزه، وغرباً نحو قطر وتل الحطابات وهو توجه يحمل نفس أهداف التوجه الشرقي، ولكنه سيجبر قوات داعش على الإختيار بين القتال حتى الموت أو الإنسحاب من مواقعها غرب مطار كويرس وأهمها المحطة الحرارية، ما سيساعد الجيش على ربط مناطق سيطرته الحالية بمنطقة المدينة الصناعية في الشيخ نجار، وهذا يعني تأمين نطاق عمليات واسع جداً شرق مدينة حلب وقدرات سيطرة لاحقة على الأحياء الشرقية للمدينة. في هذا الإطار، لا بدّ من ذكر أنّ طرقات إمداد داعش إلى مدينة الباب باتت تحت سيطرة الجيش النارية، وهو ما سيسهل التقدم إلى مدينة الباب بتوقيت الجيش السوري.
في الجنوب السوري استطاع الجيش خلال هذا اليوم أن يتابع تقدمه داخل مدينة الشيخ مسكين ليحكم السيطرة عليها بشكل كامل، رغم عدم إعلان الجيش سيطرته الكاملة لأسباب تتعلق باستكمال عمليات التطهير وعمليات التعقب والتفتيش في نطاق عمل القوات ضمن المهمة الأساسية.
تحرير الشيخ مسكين سيتيح للجيش السوري نقطة ارتكاز هامة ستتوزع منها مجموعة مهمات لاحقة هجومية الطابع، لا يمكن لأحد تحديد موعد واتجاه أي هجوم فيها لإرتباط الأمر بعوامل المفاجأة والإستطلاع الميداني والإستخباراتي، إلّا أنّ تمركز الجيش في الشيخ مسكين سيمكنه من الإتجاه شمالاً نحو نوى وجاسم وتل الحارة، وغرباً نحو تسيل والشيخ سعد وتل الجموع، وجنوباً نحو إبطع وداعل، وهذا ما يعطي الشيخ مسكين أهمية كعقدة مواصلات وتوزيع لإتجاهات الهجوم، ما يجبر الجماعات المسلحة على قتال البقعة وفقدان القدرة على التحشيد في قطاع محدد.
وبالعودة إلى البعد التقني للعمليات، فإننا نلاحظ أنّ ما يحصل في الميدان يندرج ضمن معيار المناورة بالحركة والنار، وهو أهم معايير العمليات العسكرية الذي يتيح للوحدات العسكرية استخدام الوسائط النارية والقدرات البشرية تحت مبدأ تطويع الجغرافيا، خصوصاً أنّ عنوان المرحلة السابقة التي اضطر فيها الجيش السوري للإنسحاب من مناطق كثيرة حصلت تحت مبدأ تحميل الجماعات المسلحة عبء الجغرافيا. هذه الاستراتيجية هي الطعم الأكبر الذي ابتلعته هذه الجماعات على أغلب الجبهات، ما رتب عليها بعده أعباء إضافية كبرى في التحكم بالجغرافيا وتوفير القدرات النارية والبشرية لحمايتها وتثبيت السيطرة عليها، في حين كان الجيش يستعد لإدخال الفيلق الرابع في الخدمة بعد سلسلة من مهام التنظيم والإعداد والتجهيز شكلت إضافة نوعية للجيش على مستوى العديد البشري مع التشكيلات الأخرى، وطبعاً طبيعة الدعم الناري النوعي الذي يقدمه الطيران الروسي، إضافةً الى منظومات اتصال وأسلحة نوعية دخلت الخدمة حديثاً وتساهم في تحقيق أكبر قدر من خاصيّة القيادة والسيطرة على القوات العاملة في الميدان بمختلف صنوفها.
في الجانب الإعلامي وبعد سلسلة الإنجازات الكبيرة التي حققها الجيش السوري، بات إعلام المقاومة أكثر قدرة على التعاطي مع المستجدات ومتحرراً من التبرير والروتين، وبات أيضاً أكثر حضوراً في الميدان وفي مجالات المتابعة الجماهيرية. ففي ظل الإنجازات الميدانية، أصبح الجمهور أكثر ارتباطاً بفضائيات ومواقع المحور المقاوم بانتظار الجديد القادم من الميدان.
هذه المتغيرات، وانطلاقاً من الخبرات التراكمية السابقة، تتيح للإعلام المقاوم مجالًا أوسع لمواكبة الميدان إن لجهة التغطية المباشرة أو البرامج المرتبطة بسير الحرب، ضمن هوامش متعددة في الجانبين التقني والبشري ستجعله قريباً شريكاً أكثر جدوى في خوض الحرب ممّا كان عليه سابقاً، لينتقل إلى التأثير في جمهور العدو وهو عاملٌ مرتبط بالوقائع ما سيجعله أكثر مصداقية وواقعية بنظر الجمهور المعادي.
تتالي الإنجازات الميدانية ستجعل الثقة في الجيش وحلفائه أكبر، وكذلك ارتفاع الثقة بالإعلام المواكب لسير العمليات، ما سيرخي بظلاله على النتائج النهائية لهذه الحرب.
بيروت برس – عمر معربوني
التعليقات مغلقة.