أميركا تعيد احتلال العراق؟! / عماد جبور

 

 عماد جبور  ( الثلاثاء ) 26/1/2016 م …

عندما يأتي جو بايدن الى تركيا ليعلن انه اذا فشل الحوار فسيكون هناك عمل عسكري ضد سوريا، وأنه يدرس مع الاتراك كيفية دعم أهل السنة في سوريا، ويترافق ذلك مع نقل القوات الخاصة المجوقلة (101) الى الحدود السورية، مع إقامة قاعدة عمليات تمتد من الموصل الى الرقة ودير الزور مدعومةً بخزان بشري عموده الفقري اقليم كردستان العراق، فهذا يعني إعادة احتلال العراق وتقسيمه وقطع طريق الوصل الذي تحاول روسيا إقامته من خلال وضع قواعد ربط ما بين القامشلي والحسكة وما بين المركز في بغداد..

في العمق، الجميع يعلم تمامًا أنّ داعش هي نتاج قرار برايمر عند سقوط بغداد، حيث كان اول قراراته حل الجيش العراقي الذي يعد بالآلاف إضافةً الى اجتثاث حزب البعث الذي كان أداة حكم السنة في العراق. هذا الكادر الضخم الذي أضيف اليه عنصر الجهادية الدولية الذي يدار من الاستخبارات التركية والباكستانية، أصبح قوةً فاعلة ميدانيًا، والذي إن ضم اليه الخزان السني في منطقة الانبار كاملة مع الخزان العربي السني في المنطقة الشرقية السورية يصبح نواةً للدولة القاطعة، أي التي تفصل القوة الضاربة الممتدة من طهران الى سوريا مرورًا ببغداد، وتمنع مرور خطوط الغاز الايراني الى المتوسط. وفوق ذلك تتيح إقامة الدولة الكردية حصرًا في كردستان العراق، التي ستسيطر على جزء كبير من النفط العراقي وتكون نواة للمواجهة الدائمة مع ايران، وخاصةً في منطقة الاحواز وغيرها..

طبعًا، لم يغب عن نظر الامريكيين الامتداد الصيني الى ايران، والذي وصل الى اتفاق استراتيجي نواته تحالف عسكري وعنوانه تعاون اقتصادي يصل الى 500 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة. إنّ أمريكا حاليًا تحاول حماية وجودها في الخليج وخلق حالة صد جغرافي امام التقدم الروسي والصيني الذي وصل الى القامشلي، أو بالأحرى الى بغداد وطهران، ولم يعد يبعد إلّا أمتارًا عن آبار نفط الخليج، وفوق ذلك اصبحت “إسرائيل” على مرمى حجر مع اكتشافاتها النفطية في المتوسط تحت تهديد أي عملية يقوم بها حزب الله، المسلح حسب التصريحات الامريكية بآلاف الصواريخ.

إذًا، الأمر مهيّءٌ لحربٍ إقليمية أو لحربٍ دولية مصغرة، والقارئ الجيد يعلم أنّ العناوين المطلوبة في الحوار السوري هي أكبر من حجم التجاوب معها من قبل كل الاطراف. والامريكيون الآن يتم الضغط عليهم من قبل مخاوف حلفائهم الممتدة من “تل ابيب” الى الرياض مرورًا باسطنبول. إذًا هناك نوع من الرياء السياسي الذي يعلن أنّ المفاوضات في سوريا هي الحل إن نجحت، ولكن في الواقع سيقسم العراق مبدئيًا على ايقاع ما يجري في سوريا، وهذا ما دفع البرزاني للتجرؤ بالقول إنّ خريطة الشرق الاوسط ستتغير الآن.

الامريكيون في مأزق، وحلفاؤهم يعلنون الاستنفار للدفاع عن أنفسهم وخاصةً مع سقوط وجودهم في شمال سوريا وجنوبها، وحتى وصول القواعد الجوية الروسية الى تحت انفهم سواء في الشرق او الشمال او حتى الجنوب. وهذا المأزق هو الذي سيحدد توجه الانتخابات الامريكية، فانطلاقًا من ذلك سيكون هناك بعض التحركات العسكرية التكتيكية كإخراج داعش من الرقة وترحيل باقي الملف الى الإدارة الامريكية القادمة.

لا حلّ في الحوار القادم طالما أنّ الصفائح الدولية تتصادم زلزاليًا مع بعضها. إنه سباقٌ ما بين التموضع وزرع القواعد، والتحضير لتغيير الجغرافيا والزمن الذي لا يرحم، مع التحرك السريع والدائم للحلف الذي يعلم تمامًا أنّ أمريكا تعيش أسوء حالات الاختناق الاستراتيجي والتي لن تدوم طويلًا. إنه عامل الزمن والاستفادة منه، ورسم الخطوط الحمر لإجبارها مستقبلًا على الجلوس على طاولةٍ حقيقيةٍ والاعتراف بأنها ليست القوة الوحيدة، ولا شيء غير ذلك.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.