دور النخب في عملية التغيير “الحلقة الأولى” / جورج حدادين
جورج حدادين ( الأردن ) الأربعاء 27/1/2016 م …
المثقف، الأزمة، التغيير، البنية والوظيفة، مصطلحات ومفاهيم تحتاج إلى حوار للتوافق عليها، وإجراء مقاربة ما لفهم آلياتها وبنيتها، وبالتالي التوافق على تعريف المثقف ودوره في المساهمة في إحداث التغيير في المجتمع وصولاً إلى التغيير في طبيعة الدولة.
نقطة انطلاق في الحوار حول دور المثقف في عملية التغيير، تكمن في الإجابة على التساؤل التالي:
هل يمكن إحداث التغيير في بنية الدولة قبل إحداث التغيير في وعي المجتمع؟
يبدو أن تداعيات ” الربيع العربي” قد أجابت إلى حد ما على هذا التساؤل بشكل ملموس وعملي مجسّد، على صورة وشاكلة ” الفوضى الهدامة” السائدة.
من هو المثقف؟ ما هو دور المثقف؟ وأين موقعه في الصراع الوطني والمجتمعي؟ أين موقعة في سياسة “صناعة القبول وثقافة القطيع” التي تنتهجها قوى الهيمنة؟
في البدء من هو المثقف؟ يمكن القول بأن المثقف، هو كل شخص يمتلك أدوات معرفية، يستخدمها في تحليل بنية نظام وطبيعة مجتمع ونمط إنتاج، التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية القائمة بالفعل وبالواقع، ويمتلك حولها معرفة تاريخية تراكمية في المجالات والمستويات المتعددة.
في الجوهر:
• امتلاك المثقف معرفة حقيقية في تاريخية تطور التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية القائمة بالفعل وفي الواقع، والشروط والقوانين التي حكمت تطورها الذاتي والموضوعي.
• معرفة علاقة هذا التطور بالشروط الخارجية، أي هل حدث التطور بشكل مستقل أم تابع؟.
• موقف المثقف من سياسة “صناعة القبول وثقافة القطيع” التي تعتمدها قوى الهيمنة العالمية، من أجل ضمان إعادة إنتاج الهيمنة على شعوب الأرض كافة، بالاعتماد على دور جزء من المثقفين “المثقفين التابعين”.
• دور المثقف في تحديد سمة المرحلة التي يمر بها الشعب والأمة، والتي هي في واقعنا الراهن “مرحلة تحرر وطني”.
• دوره في المساهمة في إنتاج بنية نضالية ” حامل اجتماعي” من الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، صاحبة المصلحة الحقيقية في إنجاز مهمات المرحلة، وهي الشرائح المؤهلة لحمل المشروع التحرري كوظيفة وطنية.
• دوره في بناء وعي جمعي وطني يستند إلى معرفة بالثروات الطبيعية والقدرات الوطنية القائمة في الدولة والمجتمع، والمنظومة الثقافية والحضارية المتراكمة لهما، التي تمثل شروط أساسية لبناء الثقة الذاتية في صفوف الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، ثقة بقدرتها على إنجاز مهمات التحرر الوطني المتمثلة في كسر التبعية وتحرير الإرادة السياسية وتحرير الثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية، وإنفاذ التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات “بناء الاقتصاد الوطني المنتج” وتحقيق وحدة الأمة العربية.
من هو المثقف المعني فعلاً في المساهمة في عملية التغيير؟ يمكن تصنيف المثقف، بناء على دوره وموقعه في الصراع الوطني والمجتمعي، وموقفه من النظام الرأسمالي العالمي، إلى أربع مجموعات:
1: مثقف إجابي فاعل 2 : مثقف سلبي خامل 3: مثقف حائر 4: مثقف تابع.
1: المثقف الفاعل، هو شخص إجابي، يمتلك وعي تاريخي، ويستخدم أدوات معرفية في تحليل وتشخيص الواقع القائم بالفعل، ليس بهدف المعرفة المجردة بهذا الواقع ، بل من اجل العمل والمساهمة في تغييره، عبر المساهمة في خلق وعي وطني، والمساهمة في توفير شروط وأدوات التغيير، في سياق مشروع “نهضوي تنويري توعوي توحيدي تنموي”. إن فعل التغيير بحد ذاته فعل إجابي، وهدف التغيير الإجابي، هو بناء الدولة الوطنية المستقلة المنتجة، والمجتمع الصحي المعافى المنتج، الذي ينتفي بداخله استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وينتفي التمييز بين مواطنيه، ويحقق حماية المجموعات الضعيفة والحدّية من المجتمع.
المثقف الفاعل يقوم بدوره النضالي من خلال المساهمة في إنتاج بنية وظيفية نضالية (حامل اجتماعي)، والمساهمة في إدارة الصراع بنجاح، عبر:
نقل الوعي إلى صفوف الشرائح الوطنية، صاحبة المصلحة الحقيقية في إنجاز مشروع التحرر الوطني (المعادي للمركز الرأسمالي العالمي والصهيونية ومجموعة التبعية الحاكمة ونبذ مجموعات التبعية من بين صفوفها)
والمساهمة في تعميم اعتماد المنهج العلمي للتحليل بين صفوف الحامل الاجتماعي،
والمساهمة في تعميم اعتماد قوانين الصراع العلمية بين صفوف الحامل الاجتماعي،
إن دور المثقف، بالتأكيد ليس إعادة صياغة “حالة السخط الشعبي العام” والتعبير عنها بجمل ثورية أو جمل إصلاحية، بل أن مهمته الأساسية تكمن في البحث عن علة وسبب السخط، وتوعية المجتمع بالعلة الحقيقية التي سببت سخطه، التي هي بالتأكيد نتيجة هيمنة المركز الرأسمالي العالمي على القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للدول التابعة، وموقف المثقف من كل هذا، هو ما يحدد دوره، سلباً أم إجاباً، وموقفه من “صناعة القبول وثقافة القطيع” التي تهدف إلى تزييف وعي الشعوب المقهورة والمستغلة، من أجل إعادة إنتاج سيطرة قوى الهيمنة على ثرواتها ومقدراتها، ومساهمة في صياغة المشروع الوطني التحرري، الواقعي والعملي والموضوعي، لإحداث التغيير المنشود.
2: المثقف الخامل، هو شخص بطبيعته فردي أناني ، ومع أنه يمتلك أدوات معرفة، ويمتلك وعي وثقافة فردية، إلاّ انه سلبي وعاجز عن التفاعل مع الآخرين، وغير معني بفعل التغيير على أرض الواقع، يستمتع في التفكير الذهني، يهمه السكون ويكره التغيير، وبناء عليه، وبغض النظر عن رؤيته، فأنه في المحصلة النهائية، يشكل عامل إحباط معنوي لقوى التغيير، بسبب قدرته المعرفية، وتذمره الدائم من الواقع القائم، من غير أي فعل لتغييره، ما يسبب في بث روح اليأس والإحباط في محيطه، بشكل مباشر أو غير مباشر، بقسط أو بغير قسط.
3: المثقف الحائر، هو مثقف يعتمد اسلوب إعادة صياغة “السخط الشعبي العام” والتعبير عنه بجمل ومواقف ثورية، أو جمل ومواقف إصلاحية، بحسب ما يرى هو المزاج العام، ينتقل من موقع لموقع آخر، ومن موقف إلى نقيضه، ومن ايدولوجيا إلى نقيضها، ينفعل بالحالة وغير فاعل بها، غير وفٍ ولا مخلص للموقف ولا للمبدأ، ونتيجة لهذه السمات، لا يهمه المساهمة في رفع مستوى الوعي لدى جماهير الشعب الكادحة والمنتجة، بقدر اهتمامه في افتعال سجالات فوقية بين جماعات معزولة، خارج سياق الفعل النضالي الجماهيري المباشر، المستند إلى مشروع واضح المعالم، هكذا مثقف يفاقم من سخط وتشويش الدائرة المعزولة ذاتها. المشكلة في هذا المثقف الحائر لا تكمن فقط في تردده المستمر وعدم قدرته على حسم موقفه، بل مساهمته في إرباك من هم حوله، وبالتالي تعطيل مساهمتهم في فعل التغيير على الأرض.
4: المثقف التابع، هو الانتهازي الأكبر والعدو الأخطر على وعي الشعب وطموحات الشرائح الاجتماعية الكادحة والمنتجة، كونه يمتلك أدوات المعرفة، ويمتلك الخبرة، بالإضافة للقدرة أللا أخلاقية على توظيفهما لمصلحة القوى والمجموعات السائدة في المجتمع والدولة، فهو الأقدر على تزييف الوعي الجمعي، كونه عدو مستتر بثوب صديق، يتقن فن التمثيل ويتقن توظيف قدراته بحجة الواقعية والعقلانية، وموازين القوى السائدة ، وموروث الخنوع والاستكانة، وثقافة العبيد، فيستخدمها بمهارة من أجل إحباط أي فعل وتحرك إجابي. المثقف التابع يتميز بقدرة فائقة على الاستهتار بكرامته أولاً، وقدرة على بيع ثقافته وقدراته إلى من يدفع، ويمتلك القدرة على تبرير كافة الأعمال القذرة، والمتوحشة، والٌلا أخلاقية، التي يقوم بها التحالف المعادي “مراكز رأسالمال العالمي، والصهيونية، ومجموعة التبعية الحاكمة” الذي يستعبد الشعوب ويمتص دمائها، ويستغل ثرواتها ومقدراتها، ويحولهم إلى مجموعات من الفقراء والجياع والمتخلفين لا رابط بينهم.
التعليقات مغلقة.