عن أي ختان يتحدثون؟ / مرثا بشارة

 

مرثا بشارة *( مصر ) الخميس 28/1/2016 م …

*كاتبة وباحثة في علم الآثار المصرية

رغم الارتفاع الملحوظ في نسبة التعليم، وخاصة بين الفتيات، ورغم مظاهر التحضر التي غزت مجتمعنا العربي مؤخرا، إلا إنه تعليم لا يعدو كونه مجرد حشو معلومات تسقط من الذاكرة فور الخروج من أداء الامتحان، ومظاهر تحضّر لا تعدو كونها مجرد تغيير في شكل المباني والطرقات، لم يفلح هذا التعليم في تغيير شخصية المواطن العربي لحال أفضل، وهذا التحضر لم يجد له سبيلا لعقول الكثيرين الذين يأخذون عن الآخر شكله المتحضر ويحتفظون لأنفسهم بأفكار البادية القهرية المجحفة، أفكار تتحول لأفعال ظالمة في حق بعض الفئات،

واحدة من هذه الافكار، وجوب ختان الإناث…

جريمة نكراء تُرتكب في حق الكثير من الفتيات في مجتمعنا العربي، تنتهك إنسانيتهن قبل ان تنتهك أنوثتهن، تنتزع الطفولة البريئة وتُلقي بالرعب في قلب الطفلة، فتواجه الحياة بسؤال يحمل لوما تحفظه في عقلها اللاواعي خشية أن تُفصح به لأحد: لماذا يا رب تظلمني، لماذا خلقتني أنثى!!!

كلا يا صغيرتي الغالية، حاشا لله أن يكون ظالما قاسيا، بل هو فكر ذكوري فاسد يسيطر على مجتمعنا، يظنون أن قوة الرجل لا تتحقق إلا بضعف المرأة، وكبرياء الرجل لا يحققه إلا إذلال المرأة، وشرف الرجل لن يتأكد إلا بقمع وقهر جسد المرأة، لم يستوعبوا بعد أن مشيئة الله تسمو عن صغائر أفكارهم، لم يستوعبوا أن القدير خلق حواء لتكون معينا ونظيرا لآدم لا أن تكون جارية في قبضة سيد قاسي…

ربما ينكر الكثيرون ذلك، ويدّعون انهم يصونون المرأة ويكرمونها، لكن حديث النفس فاضح كاشف مهما انطلى الإدعاء على الاخرين! وهناك فرق بين الشعارات والافعال،

لقد طالبت كثيرا بمناهضة هذه الجريمة وتناولت مسألة ختان الإناث في فصل من فصول كتاب “مشكلات البنات” عام 2008، تناولتها تحليلا وتفنيدا وأنهيت حديثي بسؤال وجهته لكل من يهمه الأمر: كيف نُقر الختان لمجرد أننا نعيش في مجتمع يُقر الخطأ وكأنه الصواب؟! وللأسف مازال السؤال يبحث عن إجابة بعد كل هذه السنوات…

ويبدو أن رجال الدين هم السبب الأعمق تأثيرا في مجريات هذه المشكلة بسبب تضارب أراءهم بين مؤيد ومعارض، لكن الحقيقة، أكثر ما أدهشني هو موقف بعض رجال الدين والمثقفين المعروفين بموقفهم الوسطي، إذ في محاولة بائسة لإقناع البسطاء بأن الدين ينهى عن هذه الجريمة، أراهم يتحدثون بكل ثقة وكأنهم علماء في الآثار المصرية، ويلصقون أصل نشأة هذه الجريمة بالمصريين القدماء، يعبثون بتاريخ الحضارة المصرية القديمة ويجعلونها كبش فداء لتجميل الدين في عيون المتدينين!!! ولا أدري ما الفائدة التي سنجنيها من تشويه حضارة كانت يوما أعظم حضارات زمانها؟!

من واقع تخصصي في علم الآثار المصرية، أُجزم بأنه – حتى الآن- لا وجود لحالة واحدة سجلتها لنا كل المصادر الآثرية المصرية لختان الإناث رغم وجود مناظر ختان الذكور في المقابر منذ عصر الاسرة السادسة في الدولة القديمة، والحديث عنه في البرديات الطبية، كبردية إيبرس “‏Ebers” في الوصفة رقم‏732 التي تتضمن وصفا لمداواة الجرح الناتج عن هذه العملية للذكور ولم ترد إشارة واحدة تفيد ذلك بالنسبة للإناث‏، والشواهد العلمية الاثرية على ذلك كثيرة، فأي ختان ينسبون للمصريين القدماء؟!

بالأخير، حتى لو فاجئتنا الإكتشافات الآثرية مستقبلا بوجود ختان للإناث مارسه المصريون القدماء أو غيرهم من الحضارات المعاصرة لهم، فالحل هو أن نحارب هذه الجريمة ونعترف بأننا على خطأ، لا أن نفتش عمن نلصقها به.

إذا كان الختان يعني الطهارة وهدفه العفة، فالأجدى لنا أن نختن العقل، لا عضو صغير في الجسد يتحرك بأمر هذا العقل…

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.