الإرهاب الأبيض في أمريكا : ميليشيات مسلحة وعنصرية وجرائم كراهية

 

الأردن العربي ( الخميس ) 28/1/2016 م …

منذ بضعة أيام، اقتحم مسلحون أمريكيون مبنى حكومياً في مقاطعة هاريس التابعة لولاية أوريغون، احتجاجاً على السياسات الحكومية المتعلقة بالأراضي، وعلى الحكم بسجن مزارعين أربع سنوات.

وجاء في البيان الصادر عن مديرية الشرطة أن مديرها “التقى” المتظاهرين الذين يحتلون مبنى مركز “مالهيور” لحماية الحياة البرية، غير أن المحتجين “رفضوا دعوته لإنهاء الاحتلال”.

وبينما لم يتضح إذا كان هؤلاء يحملون حقاً أجندة خفية أم لا، وإذا كانوا يستحقون لقب “إرهابيين” من عدمه، فإن الكثير من الأمريكيين استاءوا من عدم اعتبار السلطات لهذا الهجوم “إرهابياً”، مشددين على أنه لو كان هؤلاء المسلحين مسلمين، أو من السود، واستولوا على مبنى حكومي بقوة السلاح ورفضوا الخروج منه، لكان مصيرهم القتل فوراً.

مسلحو أوريغون

وظهرت على الساحة الأمريكية أخيراً، نماذج لافتة لأفراد يصحّ أن يطلق عليهم لقب “إرهابي”، حيث يشتركون في أيديولوجية الكراهية مع أولئك المعروفين من المنتمين لداعش أو طالبان أو القاعدة. وكما تتصدر شعارات “الإرهاب لا دين له” كل مكان في الوطن العربي، في محاولة يائسة لإدانة الإرهاب، الذي أصبح أشبه بوصمة عار للشرق الأوسط، فإن الإرهاب “لا عرق له” أيضاً بطبيعة الحال، مثلما تدل العديد من النماذج التي ظهرت في الولايات المتحدة تحديداً وطرحت السؤال مجدداً حول “الإرهاب الأبيض”.

ديلان روف: قتل 9 مسيحين سود

أقدم العنصري ديلان روف(21 عاماً) على واحدة من أكثر الجرائم بشاعة في التاريخ الأمريكي الحديث، في يونيو(حزيران) 2015، والتي كان ضحيتها مصلون في كنيسة “عمانوئيل الأفريقية الأسقفية الميثودية”، حيث قتل 9 منهم، وأصيب آخرون.

وظهر روف في صوره التي انتشرت إعلامياً وقتها متجهم الوجه، قاتم النظرات، ولم يبدِ أي ندم على ما اقترفت يداه، ومع ذلك لم يلقب بالـ “إرهابي”، مثلما كان سيكون الحال لو أقدم رجل أسود أو مسلم أو من الأقليات الأخرى على الفعلة الشنعاء نفسها.

كنيسة “عمانوئيل الأفريقية الأسقفية الميثودية”

وكان أحد الناجين من هذه المجزرة صرّح أنه سمع روف يصرخ وقت ارتكابه الجريمة قائلاً: “أنتم بصدد اغتصاب نسائنا واجتياح بلدنا. يجب أن تموتوا”.

كريغ هيكس: قتل 3 مسلمين شباب

من الأحداث التي توقف عندها المراقبون أيضاً العام الماضي، إقدام العنصري الأمريكي، كريغ هيكس(46 عاماً)، على قتل 3 طلاب مسلمين بطلقات نارية في الرأس، في مجمع سكني في تشابل هيل، في ولاية نورث كارولينا، وهم ضياء شادي بركات(23 عاماً) ويسر أبو صالحة(21 عاماً) وزران أبو صالحة(19 عاماً)، وقد يواجه هيكس عقوبة الإعدام في المحاكمة التي ما زالت جارية.

المسلمون الثلاثة ضحايا مذبحة تشابل هيل

وسلم هيكس، الذي كان جاراً للضحايا، نفسه إلى الشرطة ليلة وقوع الحادث، وفي الأسبوع التالي وجهت له ثلاثة اتهامات بالقتل من الدرجة الأولى، بالإضافة إلى إطلاق النار في منزل مأهول. وبحسب الشرطة، فإن نزاعاً كان جارياً حول موقف السيارات، ربما كان أحد العوامل في إطلاق النار، فيما لم تستبعد أن تكون “جريمة كراهية”، إلا أن زوجته رفضت هذه “الادعاءات”، مشددة على أن زوجها كان “ملحداً”، وبالتالي فلا يجب اعتبار ما أقدم عليه عنصرية ضد المسلمين في حد ذاتهم.

إريك فايت: خطط لقتل مسلمين

خطط العنصري إريك فايت(55 عاماً) لقتل مسلمين أبرياء، في 2013، وتمكن FBI من القبض عليه بعد تنكر بعض عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي على هيئة أعضاء من جمعية “كو كلوكس كلان” للبيض المتعصبين، مدعين أنهم سيمولون جهازاً إشعاعياً كان فايت يعمل عليه لتنفيذ مخططه، وحكم عليه بأكثر من ثماني سنوات سجناً، في ديسمبر(كانون الأول) 2015، بتهمة “التعاون مع إرهابيين”، إلا أن الادعاء اعتبره رمزاً لـ “الإرهاب الداخلي” و”التطرف” في البلاد.

مخطط إريك فايت لاستهداف مسلمين

القبض على فايت يقود إلى أكثر الجماعات تطرفاً في الولايات المتحدة، “كو كلوكس كلان”، والتي تؤمن بالتفوق العرقي والديني لـ “المسيحي الأبيض”، إلا أن أفعالها تصنف على أنها جريمة “كراهية” بدل “إرهاب”، وبذلك تسمح الحكومة الأمريكية لمثل هذه الجماعات، على عكس داعش وأمثاله، بأن تنظم مؤتمرات وتحشد العامة في الولايات المتحدة، وتجمع التبرعات، وحتى تظهر على شاشات التلفزيون  للترويج لأيديولوجيتها، وكان أحد قادتها ظهر على التلفزيون الوطني مؤكداً أنه “سيمسح السود” من الساحة، إذا لم يتوقفوا عن التظاهر.

عنصر من جماعة “كو كلوكس كلان” المتطرفة

وأنشئت هذه المنظمات الأخوية العنصرية بعد أيام قليلة من إلغاء العبودية في الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الوقت تقوم بعمليات تفجير وذبح، وغيرها من الأفعال “الإرهابية” الأخرى، وفي قمة ذروتها، في عشرينيات القرن الماضي، بلغ عدد المنضمين إليها 8 ملايين أمريكي، بحسب مركز “غلوبال ريسيرش” الكندي.

إحصائيات وحقائق

قد يعتبر البعض أن الوقائع المذكورة أعلاه هي “حوادث فردية” لـ “إرهابيين” ذوي بشرة بيضاء، في الولايات المتحدة، ولا يصح اعتبارها حالاً عامة، لكن من قال إن الهجمات الإرهابية بأيدي مسلمين متطرفين هي حالة عامة أيضاً؟ أو أن أعمال العنف التي يقوم بها بعض الأمريكيين السود هي حالة عامة كذلك؟ فبحسب تقرير صدر في 2014، لم يؤدِ الإرهاب المرتبط بالمسلمين إلا لمقتل 37 من الأمريكيين بعد 11 سبتمبر(أيلول) 2011، وفقاً لدراسة لجامعة ولاية نورث كارولينا، في حين أن 190 ألف أمريكي قتلوا في تلك الفترة الزمنية نفسها جراء جرائم متعددة، الكثير من منفذيها من ذوي البشرة البيضاء.

وبحسب دراسة لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، الذي بحث في الإرهاب الذي ارتُكب على الأراضي الأمريكية بين عامي 1980 و2005، فإن 94% من الهجمات الإرهابية ارتُكب على يد غير المسلمين، حيث نفذت 42% من الهجمات الإرهابية من قِبَل المجموعات ذات الصلة باللاتينيين، و24 % منها ارتكبتها الجهات اليسارية المتطرفة.

ووفقاً لصحيفة “دايلي بيست”، لا تغطى الهجمات الإرهابية التي ينفذها غير المسلمين بنفس الاهتمام، نظراً لأن القصص التي تدور حول “الآخرين” المرعبين “تبيع” إعلامياً بشكل أكبر، إذ “يمكن صياغتها على طريقة الخير مقابل الشر، بحيث يلعب الأمريكيون فيها دور الصالحين، ويلعب فيها المسلمون” أو السود، دور الأشرار.

ولهذا السبب، يرى العديد من المراقبين، أن الكثير من صناع القرار في الولايات المتحدة يواجهون محاولات أوباما تقنين حيازة السلاح، ليلعبوا سياسياً على وتر “الآخر”، وينتظر أن تشهد “بلاد الحرية” ارتفاعاً واسعاً في جرائم القمع والكراهية والإرهاب، بوجود متعصبين أمثال دونالد ترامب، المرشح الجمهوري الرئاسي المحتمل، والمؤمنين بـ “التفوق العرقي” للبيض على سواهم.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.