هل تشيعت روما ؟! / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الجمعة 29/1/2016 م …
وتمر السنون وتصر معها إيران معها بأن تبقى محط أنظار العالم والدولة ذات الأهمية الكبرى من ضمن الدول التي تتحكم بحاضر ومستقبل المنطقة ، فمن الثورة الخمينية إلى حربها مع العراق ودعمها للميليشيات الشيعية المعارضة للنظام العراقي السابق ، إلى دعمها للأحزاب العراقية التي تتحكم بالعراق لتصبح اللاعب رقم واحد في السياسة العراقية السائدة متحكمة بشكل جلي وواضح في كل ما يجري على أرض الرافدين، وبشكل أكبر مما تمثله أمريكا هناك ، إلى دعمها للمقاومة اللبنانية وبعض الفلسطينية ، إلى برنامجها النووي والعقوبات الدولية عليها من قبل أمريكا وحليفاتها ، ومن ثم إلى مفاوضاتها مع ما يسمى خمسة زائد واحد ، وصولاً للاتفاق النووي الايراني الأمريكي ، ومع وقوفها إلى جانب النظام السوري والدولة السورية لتؤكد باستمرار انها ما زالت رقماً صعبا لا يمكن تجاوزه مهما كان الموقف الغربي والعربي منها.
وما كادت إيران لتخرج من حصار العقوبات الدولية المفروضة عليها حتى بدأت العواصم الأوروبية تفتح أذرعها مرحبة ومهللة بقدوم الدبلوماسيين الايرانيين إليها ، ومن بعدها زيارات الرئيس الايراني روحاني والتي استهلها خلال هذا الاسبوع بزيارة عاصمة القياصرة الرومان وبعدها إلى عاصمة النور والجمال باريس ، ولربما كانت هذه الزيارات حدث طبيعي في مرحلة تجديد المصالح والعلاقات ونفض سواد العقوبات عنها ، إلا أن ما حدث في روما خلال هذه الزيارة من تغطية للتماثيل العارية المنتشرة في شوارعها ومتاحفها وخاصة تلك الموجودة في متحف كابيتوين، في العاصمة روما حيث لوحظ أن هناك العديد من التماثيل العارية بما فيها تمثال ضخم للإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس على حصانه وتمثال فينوس الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد قد تمت تغطيتها احتراماً للرئيس روحاني أثناء زيارته لمتحف كابيتوليني في روما، حيث التقى رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي كل ذلك من أجل ان تتم الزيارة بكل يسر وسهولة .
إن عملية تغطية التماثيل العارية يعتبر أمراً بالغ الأهمية وربما أُعتبر أكثر أهمية مما حققته ايطاليا من مكاسب اقتصادية هائلة ومنافع ايرانية مرتبطة بها بعد أن تم توقيع عقود اقتصادية وتجارية بين ايران وايطاليا بما قيمته ( 17 ) سبعة عشر مليار يورو .
وتعقيباً على هذه الواقعة قال الرئيس روحاني خلال لقائه الصحافيين الاجانب في الفندق صباح يوم أمس الأربعاء بأنه “لم يجر اي اتصال (مسبق) في هذا الصدد” مع السلطات الايطالية مضيفا “ أعلم بان الايطاليين مضيافون جدا وانا اشكر لهم ذلك” فيما نقلت صحيفة كوريري ديلا سيرا عن مصادر في الوفد الايراني بأن تغطية التماثيل قد تمت بعد تفتيش مسبق ، فيما لم يتوقف الكرم الايطالي عند هذه الحادثة فلقد رفض حضور مآدب رسمية تقدم فيها الكحول، ما استدعى وفي سابقة ايطالية أيضاً منع تقديم النبيذ اثناء الغداء مع الرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريلا والعشاء مع رئيس الوزراء رينزي.
ولدى قيام وسائل الإعلام الايطالية والعالمية بسؤال وزير الثقافة الايطالي داريو فرنشيسكيني عن هذا الموضوع أثناء مرافقته للرئيس روحاني خلال زيارته للكولوسيوم قال بأن تغطية التماثيل يعتبر أمراً “غير مفهوم” ، ولقد أثارت هذه الواقعة جدلاً واسعاً في أوساط المعارضة الايطالية التي اعتبرت الأمر “تنازلاً عن الهوية الثقافية للبلاد” و”تمادياً في إرضاء الضيف الإيراني من أجل مصالح اقتصادية” كذلك قال سياسيون من أحزاب تنتمي لليمين واليسار إن رئيس الوزراء الايطالي قد تخلى عن الهوية الثقافية للبلاد عندما غطى التماثيل العارية فيما وقال آخرون من رموز المعارضة بأن “احترام الثقافات الأخرى لا يعني ولا يجب أن يعني إنكاراً للثقافة الايطالية ولا يعتبر مثل هذا الأمر احتراماً للضيف بقدر ما هو ” نوع من أنواع الخضوع.”
وقياساً على إحدى أهم قواعد المذهب الشيعي الحاكم في ايران وعلى اعتبار أن التقية هي الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير وإظهار بعض الأقوال والأفعال الموافقة لصاحب القرار من أجل الحصول على أكبر منفعة وإجتناب الضرر ولعل صاحبة القرار هنا هي ايران ، وعلى اعتبار أن قواعد التقية تنطبق تماماً على ما حصل من حيث أنها تقضي بأن يظهر الإنسان لغيره خلاف ما يبطن ولا اعتقد هنا أن أصحاب القرار الايطالي يوافقوا ولو للحظة على تغطية واحد من رموز ثقافتهم وحضارتهم وإرثهم التاريخي المتمثل بالتماثيل العارية ، وعلى قاعدة أن التقية تستعمل مع المخالفين لما يدينون به وهذا واقع لا يمكن إنكاره ، وأن التقية تكون عند الخوف على الدين أو النفس أو المال والخوف هنا على المال حاصل من خلال الخوف من فقدان الصفقات الكبيرة التي تم عقدها بين الجانبين الايراني والايطالي …..
فإنه يحق لي ان أتساءل ، هل طبقت روما مفهوم التقية ؟ وهل تشيعت روما ؟؟ ومتى نستطيع كعرب أن نوظف استثماراتنا وقدراتنا المالية والإقتصادية مع الغرب لمنفعة بلداننا ولو على مبدأ التقية وذلك بأن نستميل تلك الدول الرأسمالية اللاهثة وراء الاستقرار المالي والاقتصادي لدعم قضايانا؟؟؟
التعليقات مغلقة.