سوريا.. بين جنيف والميدان

 

الأردن العربي ( السبت ) 30/1/2016 م …

كتب عمر معربوني

“إحمل بيدك عصًا غليظة وتكلم بلطف”، إحدى القواعد الذهبية في المفاوضات يتعلمها المفاوضون كقاعدة اساسية وبديهية وعلى أساسها حصلت عبر التاريخ التسويات والإتفاقيات وحتى الإستسلام وإعلان الهزيمة.

عندما ذهب ممثلو الدولة السورية الى جنيف-1 لم تكن حالة الميدان راجحة لمصلحة الدولة، ومع ذلك لم يقدم المفاوضون أية تنازلات تمسّ العنصر الأهم وهو سيادة الدولة السورية على أرضها وشعبها.

الوضع الميداني هذه الأيام يتطور بشكلٍ دراماتيكي لمصلحة الجيش السوري، وبالتالي سيكون وقع الميدان حاضرًا بقوة في جلسات جنيف المؤجلة حتى اللحظة لاصطدامها بعقبات وعراقيل تلعب السعودية وتركيا دورًا أساسيًا فيها، على أمل حدوث متغيرات لمصلحة الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا والسعودية.

لكن الوقائع ونتائج العمليات العسكرية لا تصب في مصلحة الجانبين التركي والسعودي، فأردوغان على وشك أن يفقد تأثيره على الجماعات التركمانية في أرياف اللاذقية الشمالية، لا بل يمكننا القول إنّ ريف اللاذقية خرج من المعادلة نظرًا لوجود بؤر صغيرة لهذه الجماعات على مساحة حوالي 12% من مجموع مساحة ريف اللاذقية، وهي بؤر لا تتمتع بالقدرة على تغيير الواقع الميداني.

أيضًا في حلب وتحديدًا في الريف الجنوبي الشرقي، باتت قوات الجيش السوري على مشارف مدينة الباب التي تشكل نقطة ارتكاز مهمة للجانب التركي، وإن كان ظاهر العلاقة بين تنظيم “داعش” والاتراك يحمل العداء إلّا أنّ كشف علاقة هذا التنظيم بتركيا لم تعد معضلة تحتاج للكثير من الجهد، وبسيطرة الجيش السوري على مدينة الباب سيفقد اردوغان نقطة اتكاء اخرى في الشمال السوري بعد تحرير بلدتي سلمى وربيعة.

مع الاشارة الى أنّ وحدات الجيش المتقدمة في الريف الجنوبي الشرقي تعمل على توسيع نطاق الأمان حول الممر الذي تسير فيه شرقًا وغربًا، والأهم في هذه المرحلة هو توسع سيطرة القوات نحو الغرب ما سيؤدي الى ربط مناطق السيطرة الحالية بمنطقة الشيخ نجار.

وبالنظر الى عمليات الجيش عند مشارف الريف الغربي لحلب حيث ثبتت قوات الجيش نقاط ارتكاز مهمة عند منطقة الراشدين وعلى مشارف خان العسل، فمن الواضح أنّ القوات تتحضر لدفع وحداتها غربًا نحو الاتارب وشمالًا نحو اعزاز وجنوبًا نحو سراقب، إضافةً الى أنّ الجيش السوري لا يزال يحتفظ بنقاط سيطرة سابقة في الريف الشمالي في محيط المنطقة الحرة والسجن المركزي ومناطق واسعة من حندرات ومزارع الملاح.

في الخلاصة، إنّ ما يحصل من تطورات سيفقد تركيا أية أوراق ضاغطة وذات تأثير في المرحلة القادمة.

واذا ما انتقلنا الى المناطق التي تعتبر السعودية قوة مؤثرة فيها، كالغوطة الشرقية والغربية ومناطق الجنوب السوري، فحال هذه الجماعات ليس بأفضل حال من جماعات الشمال، فمنذ شهر تقريبًا تم استهداف زهران علوش قائد ما يسمى بجيش الإسلام وتم تثبيت التقدم الذي حصل باتجاه مرج السلطان وعمليات العزل المستمرة بين داريا والمعضمية، وخروج مسلحي وعائلات داعش من القدم والعسالي والحجر الأسود بالتوازي مع رجوع اكثر من خمسة آلاف شخص من اهالي المنطقة الى بيوتهم، وغلبة التوجه نحو المصالحة في أكثر من مكان من محيط دمشق بسبب الهزائم التي تلحق بالجماعات المسلحة وادراك هؤلاء عدم جدوى استمرارهم في القتال.

تطور مهم أيضًا وهو تحرير الشيخ مسكين، الذي كان بمثابة الصاعقة على الجماعات المسلحة وعلى السعودية لمعرفة هؤلاء أنّ استمرارهم في المواجهة لن يكون مجديًا على المدى المنظور والمتوسط، إضافةً الى تبدل الموقف الأردني وإن كان بطيئًا وبالتدريج، حيث تأكد أنّ غرفة “الموك” موجودة مع وقف التنفيذ، وهو أحد الأسباب التي لعبت دورًا هامًّا بإحداث خلل فادح في منظومة القيادة والسيطرة للجماعات المسلحة.

وبالطبع سيطول الشرح اذا ما استعرضنا باقي الجبهات، وما الهدف من هذا الإستعراض إلّا توضيح الحالة الحالية المرتبطة بسير العمليات العسكرية وتشابكها مع مجريات جنيف-3 والمفاوضات بشكل عام، والتي برأيي ستتأجل أكثر من مرة لوجود عقبات وعراقيل اهمها عدم رغبة السعودية بتمثيل اوسع يتجاوز ما سمي بالمفوضية العليا للمفاوضات والتي ولدت في الرياض، والتي ترفض حتى اللحظة اي دور للأكراد ومجلس سوريا الديموقراطي وهيئات أخرى تصر أن لها دور اساسي في المفاوضات.

عقبة اخرى ستكون اساسية ورئيسية وهي مسألة تصنيف الجماعات الإرهابية، حيث تصر روسيا على استبعاد جيش الإسلام وحركة احرار الشام وهنا لا بد من ذكر السبب الذي يجعل الرياض وانقرة تصران على دور لهاتين الجماعتين، حيث يمكن من خلالهما ضم العديد من افراد الجماعات المصنفة ارهابية كجبهة النصرة وغيرها الى جيش الإسلام وحركة احرار الشام للحصول عبر المفاوضات على مكاسب لم تحصل عليها هذه الجماعات في الميدان، خصوصًا أنّ مسألة التصنيف ترتبط بوقف إطلاق النار وهو ما لا يمكن أن يكون أمرًا واقعيًا في ظل الوضع الحالي لتداخل السيطرة بين الجماعات ذات التصنيف الإرهابي و”المعتدل”، ونظرًا لغياب ناظم وآلية تتم من خلالها عملية التصنيف والتي برأيي يجب أن تتم على قاعدة التزام الجماعات الفكر والسلوك التكفيري.

إذن نحن على مشارف انعقاد جنيف-3 الذي يمكن أن لا يحصل قريبًا، وإن حصل فسيكون ذا بعدٍ شكلي لا يمكنه التأسيس لمفاوضات واقعية تنطلق من الوقائع وليس من الرغبات كما ترغب تركيا والسعودية.

وحده وفد الدولة السورية الى المفاوضات يعيش اجواء التماسك والارتياح المرتبطة بقوة الحق التي يمتلكها وبنتيجة مسار طويل من الدفاع عن حق السيادة، والذي أثمر أخيرًا قراراتٍ أممية تجعل حق تقرير مصير سوريا بيد السوريين وحدهم، ومن ضمنها اختيار ممثليهم في مؤسسات الدولة من رأس الهرم وحتى أدنى مسؤولية.

أخيرًا، لا بدّ من الإشارة الى وجود وزير الدفاع السوري في روسيا تزامنًا مع امكانية انعقاد جنيف-3، وهي زيارة إضافة الى تنسيق الجهود تحمل رسالة واضحة لمن يعنيه الأمر أنّ التحالف الروسي – السوري مسألةٌ لا عودة فيها وخاصةً في المجال العسكري، والذي كان فيه للقوات الجوية الروسية دور كبير في تغيير معادلات الميدان.

*ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.