بالوثائق … مواقف وعلاقات واشنطن وتل ابيب تجاه مختلف أطراف المنطقة ، تركيا ، إيران ، فلسطين ، العراق والسعودية

 

إسماعيل كامل  الشريف * ( الأردن ) السبت 30/1/2016 م …

*زعزعة استقرار سورية كان هدفا أمريكيا أساسيا قبل ما يسمى الربيع العربي وما يزال

ليس لنا حلفاء أبديون ولا أعداء أبديون، مصالحنا هي الأبدية، وواجبنا أن نرعى هذه المصالح – فيسكاونت بالميرسون رئيس وزراء بريطاني. لمن فاتته الحلقة الماضية تحدثنا عن استخدام الولايات المتحدة للتعذيب في سجونها في العراق وجونتانامو، وجرائم الحرب التي ارتكبت في العراق، وعن نظرية القبضة الخفية التي تحدث عنها الكاتب الأمريكي فريدمان وهي تسخير القوة العسكرية الأمريكية في خدمة الشركات الأمريكية، وبدأنا الحديث عما تقوله الوثائق عن العلاقات التركية – الأمريكية.

لنكمل: تركيا تكشف برقية من مساعد وزير الخارجية فيليب جوردن عام 2009 عن اجتماعه مع وزير الخارجية التركي أحمد أوغلو الذي تحدث مع محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد اجتماعه مع الإيرانيين في إسطنبول، وموضوع البحث كان شحن وقود نووي عبارة عن يورانيوم غير مخصب من إيران لدول أخرى مقابل إرسال تلك الدول يورانيوم مخصب لمفاعلها النووي، وكان التنسيب بضرورة إغلاق المفاعل النووي الإيراني وقطع المفاوضات الإيرانية مع تلك الدول.

ويقول الايرانيون أنهم لا يثقون بالأوروبيين وبخاصة الإنجليز، ويثقون أكثر بالولايات المتحدة ويفضلون الحصول على وقودهم النووي من الأمريكان أكثر من الروس، وقال وزير الخارجية التركي أن الإيرانيين مستعدون لإرسال وفد إلى فيينا لبحث هذه المسألة، وأنهم يثقون بالأتراك كوسيط، وأن إيران تعاني من ضغوط داخلية كبيرة، وأن أحمدي نجاد هو أكثر مرونة مما يبدو، وأنه وافق على إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة. وتكشف إحدى الوثائق حرص الكيان الصهيوني على تغيير النظام في إيران بدعم مجموعات إرهابية، فيظهر ذلك من خلال اجتماع بين رئيس الموساد مير داجان ومساعد وزير الخارجية الأمريكي ويليام بيرنز.

وخلال الاجتماع أيضا تحدث مير عن ضعف الاقتصاد الإيراني، وعن دعم الأقليات في إيران لتغيير النظام ومنهم جيش تحرير بلوشستان ومجاهدي خلق وحزب الأكراد الحر في كردستان – إيران ( الذي تعتبره واشنطن إرهابيا ) ، ويمثل إحدى أهم أدوات إسرائيل في المنطقة، وهذه الوثيقة تبين بشكل واضح أن حرب الولايات المتحدة على الإرهاب هي حرب انتقائية. وبشكل عام تحدثنا الوثائق عن إنتقاد واشنطن للسياسة الخارجية التركية التي ترى أنها مبنية على الشعارات البراقة، وفي برقية أرسلها السفير جيمس جيفري عام 2010 كتب ملاحظة: على الرغم من القوة العسكرية النسبية لتركيا إلا أنها لا تضاهي أبدا الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو روسيا، فهي ترى نفسها كعربة رولز رويس ولكن بإمكانيات عربة روفر، وانتقدت أيضا الموقف التركي الناقد لإسرائيل واللين مع إيران والتي ترى أنه فقط لكسب أصوات الإسلاميين في تركيا لصالح أردوغان.

وتحدثت برقيات عن فساد يدور حول حزب العدالة والتنمية، وتنتقد البرقيات أردوغان، فيوصف أحيانا بأنه متعطش للسلطة بلا رؤية سياسية ولا يثق بأحد، محاط بمجموعة من المتملقين الذين بنوا سورا عاليا حوله وحجبوا عنه المعلومات، وتكشف وثائق عن دعم الولايات المتحدة لعدو أردوغان الأول فتح الله جولن الذي تراه أنه إسلامي متحرر، وتفضل على الدوام جول على أردوغان لأنها تجد أنه أقرب إلى (إسرائيل) من أردوغان.

وتتحدث وثائق عن الكاريزما التي يتمتع بها أردوغان وحلمه بإعادة مجد الإمبراطورية العثمانية. وتكشف وثائق عديدة عن عدم رضى الولايات المتحدة عن حالة التوتر بين تركيا والكيان الصهيوني وعن التقارب التركي الإيراني خاصة في التعاون النووي.

فلسطين في أواخر عام 2010 استعدت ويكيليكس لنشر كنز من الوثائق التي تكشف علاقة الولايات المتحدة بالكيان الصهيوني، فهددت الولايات المتحدة بتجفيف منابع تمويل ويكيليكس! الولايات المتحدة تدعم عسكريا الكيان الصهيوني بنحو 3 مليار دولار سنويا، وتوظّف مقعدها في مجلس الأمن لحماية إسرائيل بإستخدام حق النقض لأي قرار قد يهدد إسرائيل، ولا يمكن الفصل بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وتكشف الوثائق عن التأثير الهائل للوبي الصهيوني على سياسات الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل، وعن تطابق الرؤى بين الدولتين وأحيانا أخرى مع الدول العربية، ولأول مرة عبّر عن ذلك صراحة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو في نوفمبر عام 2010 حين قال: إن جميع دول المنطقة ترى أن إيران تشكل التهديد الأكبر في المنطقة.

يقول الكاتب الاسرائيلي سيفير بلوكر: لو لم توجد ويكيليكس لأنشأتها إسرائيل، ويؤمن بذلك أصحاب نظريات المؤامرة، فعندما نشرت أولى الوثائق كتب العديد من الكتاب العرب والمواقع الإخبارية العربية أن ويكيليكس هي جزء من المؤامرة الصهيونية لأنها تخفي المعلومات المسيئة لإسرائيل وتنشر المعلومات لإحراج خصومها.

إلى هذا نشرت ويكيليكس حوالي 4000 وثيقة في آب 2011 تتعلق بالكيان الصهيوني ولكن هذه الوثائق كانت عبارة عن قشور ومعلومات غير حساسة.

وتكشف الوثائق أن أحد رؤساء الوزراء الصهاينة كان همه فقط هو أن يسود الهدوء الضفة الغربية، من خلال قمع أية مظاهرات والتطوير الاقتصادي والتنسيق الأمني مع السلطة، واستمرت اسرائيل في بناء المستوطنات وإضعاف السلطة الفلسطينية . كما وتكشف الوثائق أنه على الرغم من تصريحات أوباما التي تلوم الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على فشل المفاوضات، إلا أنه في التصريحات غير الرسمية فإن أكبر اللوم يقع على الجانب الاسرائيلي.

وفي برقية ارسلت في نوفمبر 2009 إلى نائب وزير الخارجية جيمس ستينبيرغ تحدثت عن أن حل الدولتين أصبح من الصعب تحقيقه، ووثائق أخرى عديدة تتحدث عن رؤية نيتنياهو للسلام وهي كانتونات فلسطينية غير مترابطة منزوعة السلاح تشكل في مجموعها الدولة الفلسطينية وتكون الحدود والجو وقوات الأمن بيد إسرائيل.

وفي زيارة لوفد من الكونجرس الأمريكي اعتبر أن هذه التسوية تضحية كبيرة من جانب إسرائيل. ووثيقة أخرى تحدثت عن أن أية تسوية شاملة جديدة مع الفلسطينيين يشترط فيها إسقاط حق العودة للشعب الفلسطيني، فنتنياهو يرفض عودة فلسطيني واحد إلى وطنه، وهذا ما وافق عليه الجانب الفلسطيني حسب تسريبات وثائق فلسطينية نشرتها قناة الجزيزة.

طلب نتنياهو من إدارة أوباما الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع إدارة بوش بشأن المستوطنات، وهذا الاتفاق فحواه عدم بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية إلا إذا اقتضت الضرورة التوسع في المستوطنات القائمة. وتكشف إحدى البرقيات قول نتنياهو أن أزمة المستوطنات هي أزمة أمريكية وليست فلسطينية.

وتتحدث وثائق عديدة عن ضغط الصهاينة على الفلسطينيين لترك الأراضي المحتلة وتقويض النمو السكاني هناك من خلال عدم الموافقة على أبنية جديدة أو التوسع العمراني وسياسة هدم منازل ذوي الناشطين.

وتجمع الوثائق على ضرورة دعم الرئيس عباس، وأن غياب عباس سيضع الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية في موقف صعب لذلك يجب البذل من أجل بقائه في السلطة من وعود بالدولة الفلسطينية والاستثمار الخارجي في الضفة الغربية.

وتتحدث وثائق أخرى عن أن الصهاينة سعداء بالحالة السياسية الراهنة في الضفة الغربية، وفي نوفمبر عام 2009 قال رئيس الجيش الصهيوني بيني جانتز لموفد البنتغون اليكساندر فيرشبو أن الصهاينة مسرورون من قوات الأمن الفلسطينية ومن التعاون الأمني بين الصهاينة والفلسطينيين.

وتكشف إحدى الوثائق عن إعجاب وزير الدفاع باراك من تدريب الولايات المتحدة لعناصر الأمن الفلسطيني الذين يواجهون انتقادات بسبب انتهاكاتهم لحقوق الانسان. وبشكل عام فإن الوثائق تجمع على ثقة الصهاينة من قدرتهم على إنشاء دولة فلسطينية «مشلولة» دون الاضطرار إلى أية تنازلات سياسية بخصوص الأرض واللاجئين والحدود.

 وتتحدث الوثائق عن أن عباس في أضعف موقف سياسي وأنه لن يستطيع الصمود فهو يواجه انتقادات داخلية حادة وضعف اقتصادي وانهيار وشيك لسلطته. وهناك وثيقة مسربة في شهر فبراير 2010 من السفارة الأمريكية في تل أبيب تتحدث عن قرار من الجيش الإسرائيلي باستخدام العنف ضد المتظاهرين الفلسطينيين السلميين.

وفي وثيقة صدرت في حزيران 2007 وقبل انتصار حماس على فتح في غزة طلبت الأخيرة من السفير الأمريكي ريتشارد جونز مساعدة الاسرائيليين لهم ضد حماس.

والغريب أن هناك وثائق تتحدث عن سعادة الصهاينة لسيطرة حماس على غزة طالما أنهم لا يملكون ميناء بحريا ولا جويا، وبذلك يستطيع جيش الدفاع الاسرائيلي التعامل مع هذا الكيان على أنه دولة معادية، وبهذا الخصوص يقول ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إننا سنضع الفلسطينيين على حمية غذائية ولكن لن نتركهم يموتوا من الجوع.

وتجمع الوثائق على أن سياسة اسرائيل هي إبقاء الاقتصاد الفلسطيني على حافة الهاوية من دون أن ينهار انهيارا كاملا، ولم تكن الولايات المتحدة مرتاحة من هذه السياسة، وطلبت الولايات المتحدة من إسرائيل على الأقل تأمين رواتب موظفي السلطة.

وفي برقية مسربة من الدوحة قال السيناتور جون كيري في عام 2010 لرئيس الوزراء القطري بعد حرب غزة في عام عام 2009 ، لقد صدمت من حجم الدمار الذي شاهدته في غزة. ويعترف إيهود باراك لوفد من الكونجرس الأمريكي، أن الكيان الصهيوني قام باتصالات مع القاهرة ومنظمة التحرير الفلسطينيية قبل غزو غزة في عام 2009 لاحتلالها وتسليمها إما للسلطة الفلسطينية أو مصر، وقد عرض الجانبان دعمهما للغزو ولكنهما رفضا استلام غزة.

وتظهر الوثائق المسربة في نهايات عام 2009 أن الصهاينة اقترفتوا جرائم حرب خلال العدوان من استهداف المدنيين واستخدام القنابل الفسفورية وقد قصفوا المستشفيات والمدارس، كما وقاموا بتعذيب المعتقلين.

وتسريبات أخرى تتحدث عن دعم إدارة بوش للكيان الصهيوني في حربهم في غزة 2008-2009 وحربهم في لبنان عام 2006 كما وحصلوا على دعم الكونجرس ولكن أي من الحربين لم تحقق هدفها، ونتيجة لذلك بدأت إسرائيل بالتحضير للحرب القادمة في غزة، وفي برقية مسربة قال الجنرال جابي اشكينازي: إننا نحضر إسرائيل لحرب عظيمة.

وتتحدث وثائق عن محادثات عسكرية سرية إسرائيلية أمريكية حيث اتفقا على أنه من الخطأ إضعاف حماس بشكل كبير، وأنه يجب أن تكون من القوة بحيث تستطيع وقف إطلاق النار، ومنع إطلاق الصواريخ من أراضيها. ولطالما استخدمت إسرائيل حماس كحجة لعدم إنسحابها من الضفة الغربية.

وظل إيران نتنياهو ومساعدوه يصرخون لسنوات عديدة محذرين من برنامج إيران النووي ، إلا أنهم لا يملكون الأدلة على الخطر الإيراني، ووجود محافظين الجدد في الولايات المتحدة ، ما عزز اتخاذ موقف أمريكي متشدد من إيران.

وتكشف الوثائق منذ عام 2007 عن أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية وصلت إلى قناعة مفادها أن إيران ليست بصدد إنتاج سلاح نووي، وأن إسرائيل لطالما استغلت هذه الكذبة للتملص من المفاوضات مع الفلسطينيين أو إشغال الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بهذه المشكلة.

فعلى سبيل المثال في عام 2009 وأثناء اجتماع نتنياهو مع وفد من الكونجرس الأمريكي قال: إذا حصلت إيران على سلاحها النووي فهذا من شأنه أن يؤثر سلبا على مفاوضاتنا مع الفلسطينيين.

وفي وثيقة أخرى توقع نتنياهو حصول إيران على سلاحها النووي في عام 2012. وتكشف الوثائق أن الولايات المتحدة على قناعة بأن إسرائيل تقدم معلومات مبالغة فيها عن السلاح النووي الإيراني، ففي برقية عام 2009 تحدثت عن تحليل الجنرال بايداتز من أن اسرائيل ستطور قنبلتها في عام 2009 وبعدها بثلاثة سنوات سيصبح لها ترسانة نووية، وليس واضحا لدى الولايات المتحدة إن كانت إسرائيل مقتنعة بما تقول أو ان الهدف من هذا كله هو رفع التأهب الأمريكي.

وتكشف العديد من الوثائق أنه من الرغم التهديدات الأمريكية والإسرائيلية بقصف المفاعلات النووية الإيرانية إلا أنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن توجيه ضربات جوية لن ينهي الطموح النووي الإيراني، فالمنشآت النووية الايرانية موزعة في أماكن عديدة في إيران.

وكتب الصحفي الأمريكي سايمون هيرش أن عددا كبيرا من العلماء الإيرانيين تم اغتيالهم بشكل ممنهج بأيدي الصهاينة والأمريكان ومنظمة مجاهدي خلق التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية!

ويصف مدير المخابرات الصهيوني مير داجان فكرة الحل العسكري في إيران بأنها سخيفة، ويحدد 5 أعمدة للسياسة الاسرائيلية في مواجهة إيران وهي النهج السياسي وتتضمن التفتيش الدولي، والتدبير السري ولم يفصح مدير المخابرات عن هذه الخطة، ومكافحة الانتشار وهو منع إيران من الحصول على المساعدات التقنية، والعقوبات الاقتصادية وأخيرا تغيير النظام.

وكان الكيان الصهيوني برفض دائما التوقيع على أية إتفاقية للحد من انتشار الأسلحة النووية، على الرغم من ضغط الولايات المتحدة أحيانا كما حدث في عام 2007، حيث كانت الولايات المتحدة محرحة أمام الرأي العام العالمي لضغطها المستمر على إيران في برنامجها النووي وإرسال مفتشين هناك بينما إسرائيل ترفض دوما الاعتراف بامتلاكها ترسانة نووية.

وتكشف وثائق أن الولايات المتحدة في عدة مناسبات لم تمانع من استهداف إسرائيل للمفاعلات النووية الإيرانية، بل ومدها بصواريخ تستطيع ضرب أهداف غاية في العمق (كالتي استخدمت في ضرب ملجأ العامرية العراقي عام 1991).

وتكشف وثائق أخرى عن اعتراض إسرائيل على أية صفقات عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة مع العالم العربي.

وفي آب 2013 أعلن الرئيس أوباما عن نيته ضرب سورية ردا على استخدام الأسد أسلحة كيماوية، ولكنه كان واضحا أن هذه الضربات ستكون محدودة ولن تؤدي إلى إسقاط الأسد. يعلّمنا التاريخ أن حروب الولايات المتحدة يجب تبريرها للرأي العام الأمريكي ودائما ما تسوّق على أنها لأهداف سامية، ودائما تكذب الإدارات الامريكية على مواطنيها، وتشير البرقيات إلى أن تغيير النظام السوري هو هدف أمريكي قديم وأنها كانت دائما تؤجج الطائفية لتغيير النظام. وفي 13 كانون أول من عام 2006 وقبل سنوات من الربيع العربي تشير وثيقة إلى أن زعزعة استقرار سورية كان هدفا أمريكيا أساسيا، وتحمل هذه الوثيقة المرسلة من السفير الأمريكي في دمشق وليام رويبك هذه السياسة، فقد كتب السفير في برقيته: أن نقطة ضعف الأسد تكمن في عجزه أمام التحديات القادمة كالإصلاحات الاقتصادية – المحدودة – وفساد قواته، والمسألة الكردية وعبور الإسلام المتطرف إلى أراضيه ، ومتحدثاً عن كيفية دعم الولايات المتحدة لهذه التحديات.

وفي هذا الصدد فخطاب الولايات المتحدة الرسمي كان مناقضا لخطابها الخاص فهي تؤيد الإصلاحات الاقتصادية مع علمها بأن هذه الإصلاحات ستزيد من الضغط على النظام، وهي تحذر من الاسلام المتطرف ولكنها تجده فرصة لزعزعة النظام.

وفي التصدي للعلاقات الإيرانية السورية، يرى السفير رويبك ضرورة أن تلعب الولايات المتحدة دورا في تخويف السنّة من النفوذ الإيراني وذلك من خلال تهويل أثر هذه العلاقة على السنة، واستخدام السعودية ومصر اللتين تخشيان من النفوذ الإيراني لمساعدة الولايات المتحدة في هذه المسألة.

وعلى الولايات المتحدة إستخدام مصر والسعودية لتأجيج الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، والغريب أن نفس هذا السفير خدم في بعثة الولايات المتحدة في كل من ليبيا والعراق!

وتكشف الوثائق برقية مرسلة من السفير الأمريكي بتاريخ 22.3.2009 عن اجتماعات رئيس المخابرات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز مع وفد «برنان»، وتلخص هذه البرقية خمسة عشر اجتماعا مع مستشار مكافحة الإرهاب الأمريكي جون بيرنان وسفير الولايات المتحدة لدى الرياض فورد فرانكر، وفي محضر الاجتماعات يقول الأمير مقرن ، أن إيران قد أصبحت في كل مكان، وأصبح الهلال الشيعي بدرا له حضور في لبنان وسورية والعراق والبحرين واليمن، ولدينا مشاكل في المدينة المنورة والمنطقة الشرقية، وعندما سئل إن كان للإيرانيين دور في أعمال الشغب التي اندلعت في المدينة من قبل الحجاج الشيعة، أجاب بالطبع دعمت إيران هذه الأعمال.

وأضاف الأمير أن على الرئيس الأمريكي أن يعيدهم إلى الطريق الصحيح، وفي برقيات أخرى أرسلها السفير إلى واشنطن قال أن الإيرانيين لم يكن لهم دور في دعم أعمال الشغب ومع هذا ادّعت الولايات المتحدة في تصريحاتها الدور الإيراني في دعم الشغب .

كما سئل الأمير إن كانت سورية مستعدة لتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة، أجاب: لا أعرف، ولكن سورية لن تنفصل عن إيران إلا بثمن. وتكشف هذه الوثيقة عن رغبة الولايات المتحدة في زعزعة الاستقرار في سورية داخليا وخارجيا واللعب على نقاط الضعف كدعم عبد الحليم خدام، وعزل سوريا من محيطها العربي، ودعم التمردين، وتصوير الإصلاحات الاقتصادية المهمة التي قام بها الأسد والتي أدت إلى عودة رؤوس الأموال السورية من الخارج على أنها صبّت في جيوب المقربين من النظام، ودعم الأكراد، ودعم المتطرفين الإسلاميين، وتقديم حكومة سوريا على أنها حكومة غير شرعية، ودعم وسائل إعلام المعارضة السورية. وتقدر المبالغ التي صرفت خلال الفترة 2005 – 2010 بإثني عشر مليون دولار.

وتكشف وثائق عن دعم الولايات المتحدة لمتمردين لاغتيال المسؤولين الحكوميين السوريين، ومبلغ خمسة ملايين دولار دفعتها الولايات المتحدة للمعارضة السورية، ووثائق تتحدث عن قلة اكتراث بجماعات المعارضة وإنما استغلالها لتحقيق مصالح الامبراطورية.

وتكشف الوثائق أن إدارة أوباما ومنذ اليوم الأول لم تهدف لأية مواجهة عسكرية وإنما أرادت قلب الحكم من خلال إنهاكه، وتكشف الوثائق عن الدعم الكبير الذي تلقته مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات المعارضة في سورية، ومعرفة المخابرات السورية بالعديد من المبالغ التي دفعت لهذه المؤسسات والمنظمات.

*** نائب مدير عام ورقية الدستور اليومية الأردنية ؛ سابقاً .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.