متى يستفيق السوريون من مسلسل أحلام جنيف؟ / اسماعيل القاسمي الحسني
اسماعيل القاسمي الحسني ( الجزائر ) الإثنين 1/2/2016 م …
لا أخفي شعوري بالضجر الذي يتأبط حرجا، من حالة تكرار الموقف و اجتراره، و أعذر أي قارئ يوجه النقد و حتى الانتقاد لكاتب يكرر نفسه؛ سأعفي نفسي و إياه من العودة لمقالات نشرت جميعها تصب في معنى واحد: من جنيف واحد الى دمشق و إلا فهي الحرب. و لن أسوق مبررات هذه القراءة التي الى حد الساعة أثبتت صحتها، و لن أراجع بعض المعلقين حينها، و الذين أبدعوا في صياغة عبارات السخرية؛ و مازلت عند رأيي: جنيف 3 أو 100 لا يعني غير مزيد من الدماء و الخراب و الدمار، و ما لم ينتقل السوريون الى دمشق1، فاستقرار الحرب بدارهم أمر ثابت لا ينكره إلا مكابر.
إذا، لم يعد السؤال بالنسبة لنا: هل سينتهي مؤتمر جنييف3 الى نتائج ايجابية تصب في مصلحة الشعب السوري و دولته أم لا؟ ذلك أن الجواب معلوم سلفا؛ و إنما السؤال الجدي و الجارح: متى يستفيق السوريون جميعهم من مسلسل أحلام جنييف 3؟ هل هذه الغيبوبة العقلية و الوطنية، و التخدير المركز على الضمير الانساني ستستغرق فترة أطول؟ هذا إن قُدّر الخروج منه.
طاف السوريون أو جزء منهم، و يطاردهم الجزء الآخر أينما حطوا رحالهم بكل أصقاع الارض، من مصر الى كازخستان، مرورا بتونس و المغرب و روما و فرنسا و روسيا، و أختيرت جنييف “كعبة” لمصائب العرب يطوفون حولها عرايا، اللهم إلا قطعتان من قماش فرضتها عليهم منظمة الأمم المتحدة، تستر عوراتهم المكشوفة أصلا أمام العالم؛ ضاقت ما يزيد عن عشرين عاصمة عربية، و ما يزيد عن ثلاثين أخرى اسلامية، على الاشقاء السوريين – و ضاقت عنهم و بهم كذلك-؛ و المفارقة الجارحة هنا هي أن جنييف هذه، لا تزيد مساحة عن ضاحية من ضواحي احدى العواصم العربية أو الاسلامية، و سويسرا كلها لا تتجاوز في طولها و عرضها إحدى المحافظات؛ فضلا عن ذلك فسويسرا هي البلد الاوروبي الوحيد في العالم الغربي في حدود علمي، الذي لا يعتمد القوة العسكرية، و لا يجاريها في التسلح؛ العبرة إذا ليست في المساحة و لا في القوة العسكرية، و إنما هناك دلالة أخرى أراد تسويقها العالم الغربي للعالم، خلاصتها هي أن العالم العربي من محيطه الى محيطه فارغ، كل مظاهر القوة المتوهمة ليست أكثر من سراب بقيعة، و هو أعجز من أن يرقى لمستوى “سويسرا” أضعف الدول و أصغرها في الغرب. إن هذا المشهد للعقل السياسي العربي البائس، الذي يؤكد عجز مكة المكرمة او المدينة المنورة او القاهرة أو الجزائر أو مسقط عن استضافة مؤتمر للسوريين، لأمر يبعث على الأسى و الحسرة، بل يحمل الدليل القاطع بأن الجميع مجرد قطيع يساق حيث يريد “السيد الغربي”.
القيادة السورية اعترفت بداية الأزمة 2011 بأنها ارتكبت أخطاء، و بادرت عمليا لإصلاحات أكان على المستوى السياسي او الإداري و كذلكم الاجتماعي، و في المقابل معارضة سياسية ركبت أو صنعت موجة الاحتجاجات الأولى، كانت على يقين بأن التدخل الأجنبي في الخلاف السوري السوري، لن يأتي إلا بنتائج عكسية كارثية على الشعب و الدولة السورية، و المتابع سيقف على اعترافات خطيرة لبعض قادة المعارضة بارتكابهم خطأ فتح باب الخلاف للعنصر الأجنبي، ليتطور الى أزمة دموية مروعة، و على رأس هؤلاء أحمد معاذ الخطيب نفسه.
لا أعتقد بأن الولايات المتحدة هي من فرضت على إيران خيار “مسقط” كعاصمة للتفاوض بخصوص أخطر ملف يعني “الأمن القومي الأمريكي و الغربي”، و دون اغترار بقوة إيران، فنحن لا نسلم بأنها فرضت على أمريكا ذلكم الخيار، و إنما هو نتيجة تفاهم موضوعي و برغماتي بحت بين الجانبين، و هنا من حقنا أن نتساءل: هل عجزت القيادة السورية و المعارضة “الوطنية” على اختيار عاصمة عربية أو إسلامية؟. إن حالة التعري من الغطاء السوري ثم العربي ثم الإسلامي، ليكتفي العقل السياسي السوري بشقّيه بورقة التوت السويسرية سترا، لدليل آخر على استحالة التفاهم بين الطرفين حول ما هو أخطر و أهم.
و إذ أقرّ الجانبان بأن كل منهما يتحمل جزءا من المسؤولية في أصل الأزمة، متى يستفيقان على حقيقة منطقية بأن حلّها يعود إليهما هما فقط، و الخيارات بخصوص المكان و الزمان و محاور النقاش لا يحددها سواهم؟ لا أملك جوابا عن لحظة الاستفاقة، و إنما ما يمكنني الجزم به، هو أن الأزمة السورية لن تعرف لها حلا إلا في دمشق، أو أي عاصمة عربية مؤهلة لذلك.
فلاح جزائري
التعليقات مغلقة.