ليبيا.. والتدخّل العسكري الوشيك!
الأربعاء 3/2/2016 م …
كتب نبيل نايلي…
“إنّ طبول الحرب تدقّ ومن لا يسمعها فهو مصاب بالصمم !” مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية الأسبق، هنري كسنجر، Henry Kissinger.
تزامنا مع تصريحات صادرة عن وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي، Roberta Pinotti، مفادها أن الدول الغربية مستعدّة لقتال تنظيم داعش في ليبيا، “حتى وإن أخفق الليبيون في تشكيل حكومة موحّدة”، أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمستشاريه في مجال الأمن القومي توجيهات للتصدّي لمحاولات التنظيم التوسّع في ليبيا ودول أخرى. من جانبه أكـّد وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر،Ashton Carter، أنّ الولايات المتحدة التي “تراقب الوضع في ليبيا بعناية فائقة، لم تتخذ بعد قرارا بشأن القيام بعمل عسكريّ في هذا البلد”! إلاّ أنه استدرك مشدّدا على استعداد واشنطن ل”مؤازرة روما في مساعدة الليبيين، حتى لا تتحوّل ليبيا إلى سوريا أخرى أو عراق آخر”!! يا “للصبر الإستراتيجي”! وكأن ليبيا لم تتحوّل بعد إلى سوريا أخرى في استنساخ بطيء وعلى نار هادئة!
أبعد من ذلك وأكثر خطورة ما جاء على لسان مراسل شؤون الأمن القومي الأمريكي سبنسر آكرمان،Spencer Ackerman، الذي أكد أنّ وزارة الدفاع الأمريكية “تدرس حاليا جدوى وتبعات عملية عسكرية في ليبيا وأنّ واشنطن تقوم بالبحث عن حلفاء بين الفصائل الليبية المسلحة لتعمل معها”، تنفيذا لما وصفه مسؤول بارز في البنتاغون ب”العمل الحاسم في ليبيا”! ضمن ما “الخيارات المتاحة لمنع سيطرة التنظيم على مزيد من الأراضي في الدولة الغنية بالنفط”!
أما صحيفه النيويورك تايمز، New York Times، فقد خصّصت الأسبوع الماضي مقالا افتتاحيا، أماطت فيه اللثام عن “تكثيف وزارة الدفاع الأمريكية من عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية في ليبيا، بالتزامن مع بدء استعداد إدارة الرئيس باراك أوباما لفتح جبهة جديدة ثالثة ضد تنظيم داعش في ليبيا”! الصحيفة ذهبت حدّ ذلك الكشف عن “سيناريو مرسوم يتمّ تداوله في الكواليس، يشمل تحرّكا لقوات من عناصر نخبة الفرق الخاصة، Spec Ops، على الأرض بالتزامن مع ضربات جوية وقصف بحري”. كما أفادت أن المخطّط عند البدء ب”الضربات الجوية ضد التنظيم، سيكون من خلال نشر قوات أرضية داخل ليبيا لجمع المعلومات وتقديم دعم لوجيستي للقوات الليبية الحليفة، تماما كما تم في العراق وسوريا”! إلاّ أن ما يؤرّق العسكرية الأمريكية هو عدم وجود ما اعتبره تقرير النيويورك تايمز، “ضمانات لاستمرار هذا النجاح مع غياب قوة ليبية مركزية على الأرض يمكن الاعتماد عليها”! والخوف من”مخاطر هذا التدخل ومن إمكانية امتداد الحرب بسهولة إلى الدول المجاورة”!
صحيفة الغارديان البريطانية، The Guardian، هي الأخرى نشرت تقريرا بعنوان “الولايات المتحدة تبحث شنّ عملية جديدة في ليبيا”. من جانبه، ترأس الرئيس الأمريكي باراك أوباما أيضا اجتماعا لمجلس الأمن القومي خُصّص تحديدا لبحث الوضع في ليبيا شدّد في ختامه الرئيس الأمريكي على أن واشنطن “ستواصل مهاجمة متآمري تنظيم الدولة في أي بلد كانوا”! وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، Joseph Dunford ، قد صرّح أنّ “مسؤولين عسكريين يبحثون تنفيذ تحرّك عسكري حاسم ضد تنظيم داعش في ليبيا.. إننا نبحث قرار العملية العسكرية ضد داعش بالتزامن مع العملية السياسية، لقد كان الرئيس أوباما واضحاً في تفويضه لنا لاستخدام القوة العسكرية”. مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا تبحث كيفية وقف تنامي قوة داعش في ليبيا، لمنع انتشاره في جميع أنحاء شمال أفريقيا وبلدان جنوب الصحراء الكبرى، مع أهمية وضع جدار حماية بين داعش في ليبيا وغيرها من الجماعات المسلحة في القارة الأفريقية، والعمل على تعزيز قدرة الجيوش الأفريقية والحكومات لمحاربة تلك المجموعات نفسها”. جدار حماية لمن؟ ولماذا؟ ليسوا إخوتنا الليبيين بالقطع!
كل هذه التقارير وهذه التصريحات والإجتماعات تعكس تزايد المؤشرات على اقتراب تدخّل عسكري غربيّ في ليبيا، أبدت إيطاليا له حماسا لافتا، من خلال حثّها باقي الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية على الإسراع في التعجيل به..”قبل قدوم الربيع″!! و الترتيبات الغربية للتدخل العسكري المباشر في ليبيا متواصلة على قدم وساق، سواء بالقصف الجوي، أو نشر عناصر من القوات الخاصة والاستخبارات على الأراضي الليبية، خصوصا مع تضاعف العنصر البشري الغربي المتواجد بأشكال مختلفة في ليبيا قبل وخلال وبعد “تحرير ليبيا”!! مع حرص فرنسي وبريطاني وإيطالي، في إحلال قوات وعناصر نوعية للسيطرة الكاملة على ليبيا، بصرف النظر عن نجاح حكومة “الوفاق الوطني” من عدمه! حرص كشفت بعضه صحيفة “لوفيجارو الفرنسية، Le Figaro”، التي أكدت أن خبراء العسكرية الفرنسية “انتهوا إلى الاقتناع بأنه لا مفرّ من التدخّل لضرب سرطان داعش وأورامه التي بدأت بالانتشار في ليبيا، وهذه القناعة أصبحت أكثر من راسخة في أذهان المخططين العسكريين الفرنسيين، على أن يكون التدخل في ظرف لا يتجاوز 6 أشهر”!
تقرير صحيفة “الصنداي تايمز البريطانية، “Sunday Times ، هو الآخر، عزّز هذه التقارير التي تؤكد تدخلا عسكريا وشيكا بتزكية –من “حكومة وطنية” أو بدونها- خصوصا وهي تكشف أن قوات بريطانية وفرنسية وأمريكية، مضافة لقوات العمليات الخاصة التي كانت في ليبيا حتى قبل التدخّل السابق، توجهت إلى ليبيا “لتحديد أهداف محتملة لعمليات جوية ضد تنظيم داعش”، موضحة أن ” 6 ضباط من سلاح الجو البريطاني انضمّوا لضباط استخبارات ودبلوماسيين من المملكة المتحدة وإلى أفراد عسكريين أمريكيين وفرنسيين في مهمة استطلاعية بالقرب من مدينة طبرق الساحلية الليبية لإعداد بنك الأهداف” التي سيتم قصفها و”تحديد مواقع القوات الصديقة حتى لا تتعرض –خطأ- للعمليات التي سوف تستهدف تنظيم داعش” كما تقول الصحيفة، نقلا عن مصدر عسكري بريطاني.
ذريعة التدخّل جاهزة منذ فترة، والذريعة هي المخاوف من أن يكون بعبعهم –الذي نما وشب وتنفّذ عقب تدخلاتهم وإفشالهم الممنهج للدول، أضحى يسيطر على الشريط الساحلي الطويل حول مدينة سرت، بالكامل و”يُعدّ” – كما يروي النائب السابق لرئيس وكالة المخابرات الأمريكية مايكل موريل، Michael Morell، لنقل زعيمه أبو بكر البغدادي وجمع من قياداته من سوريا إلى شمال أفريقيا –على مرأى ومسمع من جيوش أجهزة استخبارات أكثر من دولة تملك أفضل أجهزة الرصد والتنصت تطوّرا، وأسطول طائرات الاستطلاع، التي تسمع دبيب النمل، مما يعزّز مقاربة توظيف هذه الجماعات في حروب الوكالة والمناولة إلى حين تحقيق الأهداف الكبرى، حتى لا نتحدّث عن تخطيط مدبّر وتنسيق وتواطؤ!
حتى “عنقاء هذه الحكومة الوطنية” التي يُمنّون بها الليبيين، برعاية أمم هي ذاتها متضاربة الأجندات، لا يهمّها أن تكون هذه الحكومة قادرة على ممارسة مهامها التنفيذية على الأرض، بقدر أن تكون الأداة السياسية التي ستسوّغ وتشرعن عودة الغزاة وتدخلهم في ليبيا، من أجل وضع اليد على مقدرات هذا البلد و نهب ثرواته وتوزيع غنائمه بين الدول الغازية، تماما كما حدث بعد هزيمة ايطاليا ودول الجوار عام 1945، وراء دخان تعمية “التدخّل الإنساني” وفرية مكافحة الإرهاب الكثيف تصاحبه صرخات الفزع من سيطرة مقاتلي التنظيم، على الهلال النفطي الليبي، ونتائج ال 18 شهرا من “حملة التحالف الستيني” على تنظيم داعش الذي يتمدّد، تغني عن كلّ تعليق.
إذا كان تدخّل الغزاة “الإنساني جدا”، لسنة 2011، الذي بشّر حينها عرّابوها ومسوّغوه ومتوسّلوه ب”ليبيا جديدة” وب”سويسرا المغرب العربي”، تماما كما صدّعوا آذاننا بالأمس بأكذوبة “العراق الجديد” فإذا هو “عراق الخردة” على حدّ وصف الغارديان البريطانية، ليطلقوا من جديد اسطوانة الوعود الزائفة المشروخة، عن “سوريا جديدة” و”العربي الجديد” – في استبطان لما فعله المستوطنون البيض بسكان “العالم الجديد” الأصليين بذلك الذي سموه “هنديا جديدا” ثم أبادوا أممه عن بكرة أبيهم ليطلقوا أسماءها على أكثر أسلحتهم فتكا!!!
إذا كان التدخّل الأول قد دمّر ليبيا ومؤسساتها بالكامل وشظّى نسيجها الإجتماعي، وحوّلها الى الدولة الفاشلة بامتياز، حيث بات يسود أمراء الحرب وتعمّ الفوضى وحيث يراق يوميا دم إخوتنا الليبيين جزافا وتبدّد ثرواتهم ومقدراتهم، فما الذي سيخلّفه هذا التدخّل الذي “تُقرع طبوله ولا يسمعها إلا من به صمم”؟
كيف سيكون وضع ليبيا بعد تدخل الغزاة الجديد، أليس ذلك استعدادا لنقل أدوات حروب الوكالة إلى ساحات جديدة هي الآن في عين العاصفة، ليستكمل بعبع الإرهاب المعولم والمخلّق عند أجهزة استخباراتهم، الناقة المأمورة والدبابة التي عبدت لهم طريق عودة المستعمرين في ثوب رجال إطفاء، متبعا بيانات ورسوم أطلس الموارد والثروات، من أفغانستان حتى ليبيا بانتظار “الجائزة الكبرى”، لا قدّر الله؟
أما آن للإخوة الأعداء في ليبيا، وهم يقفون في منعطف تاريخي، يكاد يعصف بما تبقى من كيان “الدولة” أن يوقفوا حرب الدمار الذاتي التي انخرطوا فيها، وأن يلملموا جراح ليبيا وأن يعيدوا ترتيب بيتهم الداخلي بأنفسهم، دون وصاية أجنبية! الآن وقد اكتووا من لهيب الاستجارة بمن اكتفى بتأمين حماية ما جاء من أجله من ثروات، وإدارة الصراع لا حلّه، ليتركهم ينزفون ويلعقون جراحهم؟ أ لم يأخذوا حصتهم من دمهم وحولوا ليبيا إلى حمام دم تحت رايات التوحيد؟ ألا انتهيتم قبل أن يجرفكم الطوفان؟
وجيران ليبيا، الذين سيكتوون–كما إخوتنا الليبيين- بلهيب التدخّل العسكري المرتقب، أ ما آن لهم أن يستشعروا خطورة ما يُعدّ لليبيا تمهيدا لما يُطبخ لهم لاحقا؟ أم سيكون بعضهم –بفعل قيود هذه الأحلاف العسكرية واتفاقيات القسمة الضيزى الأمنية والاستخباراتية، التي يوقّعونها – كرها وابتزازا – جزءا من الطبخة التي تعدّ؟ هل سيُزجّ بجيوش “الربيع″ في حروب الوكالة وحروب الإمبراطورية المستدامة، مع ما سيعنيه ذلك من مضاعفات مستقبلية غير مضمونة حين تُعطى الأوامر لأدوات الحرب وحطبها بتغيير ساحاتها؟
إلى متى سنظلّ البيادق التي يُضحّى بها على ساحة رقعة شطرنج لعبة الأمم الكبرى، تُساق إلى حتفها شاخصة صاغرة؟؟
*باحث في الفكر الإستراتيجي، جامعة باريس.
التعليقات مغلقة.