احمد حسن الزعبي يكتب الى الشهيد معاذ الكساسبة … الوطن دفترك!..
الخميس 4/2/2016 م …
هل تعرف يا صديقي أني هجرت الورق المسطّر وأقلام الحبر الجاف منذ سنوات.. منذ صار التواصل مع الغيّاب بكبسة زر، والرسائل حروفاً وهمية على شاشات الهواتف، صارت ترسل الرسالة عارية؛ فلا مغلفات تكسوها، ولا طوابع تثمّنها، ولا ساعي بريد يسلّمها، ففقدت «لهفتها» وصدق تعابيرها..
قرّرت اليوم أن اكتب إليك رسالة من حبر وورق ..لأنني أؤمن أن الحبر عصارة الشوق والسطور أجنحة الأرق…مرّ عام يا معاذ..و»عيّ» الجميلة ما زالت «عي» الجميلة..بيوتها كما تذكرها ، والطرقات مشغولة في النزول والصعود كما تذكرها …الأولاد ما زالوا يعودون من المدارس بعد الحصة الرابعة..يتقاطرون في زواريب الحارات و في ثنايا الجبال كما كنت تراهم..يحملون حقائبهم المثقلة بدروس النعاس وأرقام الحساب… ونساء الحي ما زلن يجلسن في مداخل البيوت ، ويطاردن الشمس المطلّة بين منخفضين..وما زلن يحضرن في الصباحات الى «ام جواد» يشربن القهوة ويختمن «الألفية» على المسبحة ويغادرن قبيل أذان الظهر بقليل…هل تصدّقني يا معاذ..صورك ما زالت في كل البيوت وعلى واجهات الدكاكين وعلى جدران المدارس …أنت أنت لم تتغيّر…لا الشمس ولا الريح نالت من جمال الابتسامة ولا من لون «افرهول الطيران» صدقني لا أجاملك…الصور صامدة وملوّنة…حتى لو بهتت – وهذا لم يحصل- صدقني تلوّنها قلوبنا… تخيّل لو ان صورتك هذه كانت لسياسي أو مرشح برلمان كيف سينال أبناء الحي منها…أعرف انك ستضحك وأنا اكتب هذه الكلمات، أريدك ان تضحك فقد أبكيتنا كثيراً…
صحيح! قبل أسبوع غمر البياضُ الكرك..الناس والأرصاد والأجهزة الادارية كانوا يعتقدون انه مجرد»ثلج» وهبوب..لكني رأيته ظلّ قلبك قد زار الجنوب..قلت لك لا أجاملك..
الوطن؟ تسأل عن الوطن؟ الوطن «صافي» يا صديقي!..لم تفهم عليّ؟..قلت ان «الوطن صافي» يعني انه يشبه والدك الحج صافي.. صابر، صامد، صامت، حكيم… وقوي، لكنه في قلبه حزن كبير.. لم أعد بحاجة الى قراءات التحليلات السياسية ولا التخمينات ولا التوقعات ولا كل ما يكتب وينشر .. كلما أردت أن أطمئّن على صحّة الوطن نظرت في عيني الحج «صافي».. وكلما خفق قلبي على الوطن نظرت في وجه الحج صافي .. أرأيت وطناً بعقال؟ انه صافي الكساسبة يا معاذ..
لم يتغير شيء بغيابك يا صديقي ..سوى ان السماء نقصت نسراً.. وتعرّجات الأرض خسرت «شبلا».. والشتاء صار اكثر عبئاً.. و…. كنت ساكتب لك مطولاً لكن السطر الأخير من الصفحة.. صار يحزّ اصابعي … اعذرني سأختم الرسالة كي لا أرهقك كثيراً بقراءتها:-
يا أيها الشهيد العنيد يا أجمل الأسماء .. يا من اتخذت من الصعود أدراجاً .. فكلما وصلت سماء حلّقت الى سماء … لك في ظهر الغيب دعائي …
يا معاذ . . هذا الوطن المطوي تحت جفنك … دفترك … أن نسيته، وخزك شوقه فذكّرك … يا معاذ هذا الوطن دفترك .. كلما صفّق جناح الطير في السماء تذكّرك .. وكلما حلّقت غيمة فوق «عيّ».. ذرف التاريخ طيباً وعَطّرك .. سلام يا ابن الأرض.. . سلام لعينيك.. سلام لريش جناحيك..تذكّر وانت تعدّ من تذكّرك..ان الأرض مثل الأم وان جفّ دمعها لا تنسى..وأن الأم مثل الأرض؛ تشتاقك في حضنها وتشتاقك في «معسكرك»..
التعليقات مغلقة.