دلالات مشاركة الوزير الوز بمؤتمر شرم الشيخ / د.خيام الزعبي

 

 

د.خيام الزعبي* ( سورية ) الثلاثاء 27/1/2015 م

* مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق

مرة أخرى تفاجئ سورية الآخرين بقدراتها اللا محدودة التي تنفجر من أعماق المواقف الصعبة، التي لا يقوى على مواجهتها إلا الأبطال، فرغم الدمار الذى تشهده سورية من ويلات الصراعات السياسية، والقتال الدائر على أرضها، فإن اللجنة الوطنية السورية لليونسكو ترفض أن تقف مكتوفة اليدين، رغم تأثرها من حيث العمل من الصراع الدائر هناك، لذلك شكلت دبلوماسية المؤتمرات الدولية إحدى أهم أدوات السياسة الخارجية السورية، وكانت هذه المؤتمرات بمثابة فرص نجحت الدبلوماسية السورية  في الإستفادة منها للتعبير عن توجهاتها وقضاياها، وهنا، تبرز أهمية مشاركة سورية في المؤتمر الإقليمي لوزراء التعليم العرب المزمع عقده في “شرم الشيخ” في الفترة من 27 حتى 29 يناير الجاري برعاية منظمة اليونسكو.

تشارك سورية في المؤتمر الإقليمي لوزراء التعليم العرب ويرأس الوفد السوري وزير التربية هزوان الوز رئيس اللجنة الوطنية السورية لليونسكو، وسيعرض الوفد واقع التربية ومدى التقدم الذي شهده قطاع التربية على المستوى الكمي والبرامج والمشروعات التربوية النوعية التي تم إنجازها في سورية خلال السنوات الماضية، وأهم المراسيم الصادرة والمتعلقة بالتعليم ما قبل الجامعي، والمشكلات التي يعانيها قطاع التربية قبل وبعد الأزمة

 

إن التعليم الذي أطلق في جومتين عام 1990 وأعيد التأكيد عليه في مؤتمر داكار عام 2000 هو الإلتزام الأهم تجاه التعليم في السنوات الأخيرة وقد أسهم بشكل كبير في تطوير التعليم لكن هناك تحديات أساسية تواجه جدول أعمال التعليم للجميع فلا يزال هناك أكثر من 57 مليون طفل وأكثر من 69 مليون مراهق في الدول العربية يفتقدون الوصول إلى التعليم الأساسي الفعال، وبالتالي فإن عدم كفاية الموارد المالية قوّض إلى حد كبير التطور في إتجاه تأمين التعليم الجيد للجميع، كما إن الدول العربية لم تصل إلى المستويات نفسها في تحقيق أهداف التعليم للجميع بحلول  2015  فالهدف الذي يرجع بلوغه أكثر من غيره هو الوصول إلى التكافؤ بين الجنسين في الإبتـدائي والثـانوي، وإنطلاقاً من ذلك يهدف المؤتمر لبحث سبل الإفادة من التطور الإقليمي للتعليم للجميع، والوقوف على المشاكل والأنماط والتحديات والأولويات المستقبلية الواجب معالجتها على الصعيد الإقليمي في التعليم لما بعد عام 2015، بناءً على التقييمات الوطنية للتعليم للجميع التي أجرتها الدول الأعضاء، كما يهدف المؤتمر إلى تطوير التوصيات الإقليمية حول التعليم لما بعد عام 2015 لتغذية جداول الأعمال التنموية في العالم، بما فيه إطار العمل الدولي الذي سيتم تبنيه في منتدى التعليم العالمي عام 2015، والمقرر عقده بمدينة إنشيون بجمهورية كوريا.

تنبع أهمية مشاركة  اليونسكو السورية لهذا الإجتماع مقارنة بسابقاتها، من عدة إعتبارات، أولها التأكيد على الدور الريادي لسورية بالمنطقة في مجال التعليم، بإعتبار أن سورية لها تجربة طويلة في هذا المجال، وثانيها يمثل تقديراً وإعترافًاً من المنظمة الأممية المعنية بالتعليم، بالجهود التي تبذلها الدولة للإرتقاء بالمنظومة التعليمية، وأنها تأتي على قائمة أولويات القيادة السياسية، وإهتمامها بموضوع التعليم، حيث إعتبرتها أحد المشروعات القومية، وإنعكس هذا الاهتمام، من خلال حرصها الدائم على تكريم العلماء، والعمل على الإرتقاء بمستوى المعلمين، والتوجيه بزيادة عدد المدارس والمدرسين، وهنا يمكن القول بأن سورية كانت السباقة في كل ما يخدم العمل العربي المشترك من أجل الوصول الى مجتمع مزدهر ومتقدم يستطيع الإنسان من خلاله تحقيق طموحاته وتسليحه بالعلم والمعرفة، بما تمثله سورية من ثقل في محيطها العربي والإسلامي وبوابة الوجود العربي والقومي في المنطقة.

لقد أثبتت التجارب الإنسانية أن العلم والتربية والثقافة هي الأدوات القادرة على مواجهة مشكلات المجتمع والتغلب عليها للوصول الى مستقبل مشرق من خلال عملية بناء نظام تعليمي قادر على مواجهة تحديات الحاضر وطموحات المستقبل، هذا مما حدا باللجنة الوطنية السورية لليونسكو الإسهام في دعم التربية والتعليم مدركة أنهما مسؤولية مشتركة تتضافر فيها جهود الحكومة والأفراد واضعة في الإعتبار إننا نعيش عصر التطور المعرفي، والذي هو غايتنا وسبيلنا للنهوض والاستقرار والتقدم بما يخدم إنساننا ومجتمعاتنا.

إننا اليوم  نعبر إلى مرحلة جديدة، لا بد فيها من إعادة البناء وترتيب نظرتنا للعالم من ناحية القيم والمجتمع والبنية السياسية والفنون والمؤسسات، حيث أن الجميع يسير في هذه المرحلة نحو التغيير والتحول الإجتماعي المستمر، والعمل على التفكير في الإختراعات والإبتكارات من أجل خدمة المجتمع وتحويل الرسالة التربوية إلى واقع يلمس إحتياجات السوق المعاصرة، ورأينا كيف تطور التعليم من فردي الى محلي ثم إنتقل الى وطني وعالمي لتحقيق رؤية الإحتياجات العالمية والسوق العالمي فضلاً عن نوعية التعليم والدعوة الى الإصلاح التربوي الشامل على المستوى العالمي، في إطار ذلك إننا اليوم أمام تحديات مدرسية وتربوية داخل وخارج الأسوار المدرسية تحديداً.

 

وأخيراً أختم بالقول رغم كل ما تعرض له قطاع التربية من تخريب وسرقة وإستهداف للمدارس والمؤسسات التربوية والتعليمية إلا أن إرادة الحياة لدى التلاميذ والمعلمين أقوى من أي إرهاب، فالهمم وإرادة هؤلاء الأطفال وذويهم تأبى اليأس أمام التحديات التي تواجه وطنهم، في اللحظة ذاتها أن العلم زاد السوريين قوة وعزيمة فهم  لا يستغنون عنه مهما كانت الظروف، بل هو ثروتهم التي يحرص عليها الآباء والأمهات على حساب قوتهم، وهذا دليل على أن قطاع التعليم في سورية الذي أنهكته الحروب يحاول كل مرة أن ينفض عنه غبار الصراعات المسلحة  وينبت من جديد ويتحدى الدمار والحروب ويعود إلى النشاط بأسرع وقت ممكن رغم المشاكل التي يتخبط فيها، هؤلاء يخاطرون برغم كل شيء للحفاظ على حقهم في التعليم، من دون أن يأبهوا بالدمار الذي لحق بالمدارس والتفجيرات التي طالت المراكز التعليمية وخطف الطلاب والكفاءات العلمية، هكذا، يستمر قطاع التعليم في سورية بتحقيق إنجازات يومية، بقدرته على الصمود والتكيّف مع مآسي الصراع.

 

[email protected]

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.