الثورة الإيرانية تنجز أهدافها
الإثنين 8/2/2016 م …
كتب غالب قنديل…
بزخم إنجازاتها المتوجة بكسر الحصار الاستعماري تمر ذكرى انتصار الثورة الشعبية الأهم في نهاية القرن العشرين والتي جاءت في حصيلة نضالات جماهيرية استمرت وتصاعدت طيلة عقود من الزمن وتعاقب على قيادتها رجال دين ومثقفون وزعماء وطنيون إلى ان ظهر جيل من الشباب المناضلين والمثقفين والقادة الذين تحلقوا حول الإمام آية الله الخميني الذي استطاع بعبقريته الفذة وبوعيه التاريخي الثوري تحويل الانتفاضات المتلاحقة إلى ثورة عارمة أسقطت أعتى نظام ديكتاتوري في الشرق وسدد ضربة قاسية للهيمنة الاستعمارية الصهيونية التي خسرت احد اهم أركانها وركائزها وقد رفعت الثورة راية الاستقلال والتحرر من الهيمنة الاستعمارية وحددت هويتها التحررية بأولوية التصدي للكيان الصهيوني الذي وصفه الإمام الخميني بالغدة السرطانية التي يفترض استئصالها لدفع المنطقة في طريق التحرر والاستقلال والتنمية .
أولا لا تعرف الأجيال الفتية المعاصرة من العرب (وربما من الإيرانيين كذلك) الكثير عما كانت عليه إيران قبل الثورة وفي ظل نظام الشاه الذي كان القوة المركزية في منظومة الهيمنة الغربية الصهيونية على المنطقة وحليف إسرائيل الرئيسي الذي زودها بالنفط في حروبها ووضع مخابراته الشهيرة ” السافاك ” في تصرف الموساد الصهيوني فكانت تزوده بالمعلومات من البلاد العربية وتقدم له الخدمات في عمليات القتل والمطاردة ضد المناضلين العرب والفلسطينيين بينما كانت قوات الشاه العسكرية على تنسيق دائم ومستمر ومناورات مشتركة مع الجيش الصهيوني وقد لعبت إيران الشاه دورا كبيرا في تنظيم علاقات خفية بين إسرائيل وجميع حلفاء الشاه من الحكومات العربية وهو ما شمل حكومات الخليج والأردن والمغرب وشخصيات واحزابا لبنانية وكانت السفارة الصهيونية في طهران من أهم مراكز التجسس على البلاد العربية وكانت السفارات الإيرانية في العواصم العربية مواقع رديفة للموساد.
منذ منتصف القرن العشرين كانت لإيران الشاه مكانة مهيمنة في الخليج وقد أوكلت الولايات المتحدة وكل من بريطانيا وفرنسا إليها مهمة الشرطي الإقليمي وتولى الشاه قيادة وتوجيه الحكومات الخليجية التي دانت له بالولاء والطاعة طيلة عقود واستند إلى جيش ضخم زوده الغرب بأحدث الأسلحة ودربوه على استخدامها واعتبر سادس أقوى جيش في العالم في السبعينيات من القرن الماضي كما أنشأ الغرب لإيران الشاه مشروعها النووي بالتوازي مع المشروع الصهيوني وكانت من وظائف إيران في عهد الشاه إقامة سد آسيوي في وجه الاتحاد السوفيتي فقد ركزت أهم منظومات التجسس الأميركية على الحدود الإيرانية مع آسيا الوسطى بينما كرست طهران كمركز رئيسي للمخابرات الغربية والصهيونية في المنطقة وفيها عقدت الأحلاف الاستعمارية المكرسة لضرب حركات التحرر العربية ولصد المد القومي الذي عرفه الوطن العربي بعد نهوض مصر بزعامة جمال عبد الناصر.
ثانيا بناء إيران المستقلة المناهضة للهيمنة الاستعمارية الصهيونية هو ما عاهدت عليه الثورة المنتصرة بقيادة الإمام الخميني وهو الهدف الذي بذل الشعب الإيراني العظيم تضحيات جليلة في سبيله خلال ملحمة تاريخية من الكفاح الممتد عقودا فقد استهدفت الجمهورية الإسلامية بالحصار والعقوبات من اللحظة الأولى لانتصار الثورة التي أغلقت السفارة الصهيونية وسلمتها لمنظمة التحرير الفلسطينية وشنت على إيران الثورة حرب عدوانية بقيادة صدام حسين الرئيس العراقي السابق الذي كان قد وقع اتفاقا لتسوية نزاع إقليمي مع نظام الشاه بوساطة جزائرية قبل الثورة تراجع عنه بعد انتصارها لتكوين ذريعة العدوان استجابة “لاستشارات” فرنسية اميركية وبريطانية وبناء على طلبات سعودية ملحة لسد ” البوابة الشرقية العربية ” في وجه رياح الثورة رافقتها تعهدات بالمساهمة في تمويل العدوان على إيران الذي شكل أخطر حملة تدمير واستنزاف لكل من إيران والعراق طيلة ثماني سنوات وكلف مئات المليارات وبلغ درجات هستيرية أثارت التندر في الصحافة العالمية عندما جرى استئجار أسراب من سلاح الجو الفرنسي لحساب العراق بمال سعودي وعندما قدم إلى بغداد دونالد رامسفيلد مستشار وزير دفاع إدارة رونالد ريغان ديك تشيني ليعقد صفقة أسلحة من ضمنها القنابل الكيماوية في غمار الحرب على إيران.
تمكنت الجمهورية الفتية من تطوير استراتيجية صمود ومقاومة عسكرية واقتصادية بالاعتماد على القدرات الذاتية وباشرت وضع خطط التنمية والاستقلال الاقتصادي والتكنولوجي لضرورات الصمود والدفاع ولتدعيم البنيان الاقتصادي للبلاد بتنويع موارد الثروة وصولا إلى الثورة التقنية الصناعية التي جسدها برنامجها النووي المستقل واللافت للانتباه انها طورت ديمقراطيتها الانتخابية وتعدديتها السياسية وجددت نخبتها القيادية في أصعب الظروف الاستثنائية الحافلة بالحروب والضغوط والعقوبات ووسط الحصار الكبير.
ثالثا طورت إيران في كفاحها الاستقلالي ثلاثة محاور في سياستها الخارجية كانت مصادر قوتها الفعلية التي مكنتها من كسر الحصار وتحقيق النصر الذي جسدته سياسيا وعمليا خطوات ما بعد الاتفاق النووي :
– اختراق السدود الرجعية والاستعمارية عبر التحالف الاستراتيجي مع الجمهورية العربية السورية الذي أسس لمحور المقاومة منذ الأعوام الأولى لقيام الجمهورية وكون كتلة عربية إيرانية مناهضة للاستعمار والصهيونية نزعت من العدو زمام المبادرة ووضعته في حالة الخطر الوجودي من خلال رعاية وتطوير المقاومة اللبنانية والفلسطينية ومؤخرا عبر ملحمة الدفاع عن الدولة الوطنية السورية المقاومة .
– إقامة شبكة من التحالفات العالمية والشراكات الاقتصادية والاستراتيجية التي كسرت الحصار الدولي ومكنت البلاد من تطوير قدراتها الذاتية المستقلة في مجالات التقدم التكنولوجي والتحديث الصناعي والتنمية الزراعية وهو توجه محوري في العلاقات الإيرانية الوثيقة التي قامت مع جميع الدول المستقلة المناهضة للهيمنة الأميركية وبصورة خاصة مع الصين ومن ثم مع روسيا ومع العديد من دول القارات الخمس المتمسكة باستقلالها والمناضلة ضد الهيمنة الغربية والأخطبوط الإمبريالي الصهيوني .
– اعتماد سياسة واقعية براغماتية في اختراق الحصار الاستعماري من خلال علاقات إقليمية ودولية أدارتها الجمهورية بذكاء استراتيجي لتفتح ثغرات في الجدران الغربية مع التشدد في مبادئها وخصوصا في موضوع اعتبارها الكيان الصهيوني العدو الرئيسي لشعوب المنطقة وهو ما جسدته قيادة المرشد الخامنئي للتفاوض النووي الذي توج باتفاق لم يتضمن أي تنازل عن المواقف المبدئية لإيران الثورة وجسد ما راكمته الجمهورية من قوة وقدرة من خلال محور المقاومة وما فرضه المحور مجتمعا من توازنات منعت إيران وسورية والمقاومة محاولات كسرها في حرب تموز 2006 وفي حروب غزة المتكررة ومن ثم في محاولة الولايات المتحدة الفاشلة لغزو سورية عام 2013 .
التعليقات مغلقة.