عبدالعزيز العطي.. آخر حبات اللولو / جهاد المنسي

 

جهاد المنسي ( الأردن ) الثلاثاء ) 9/2/2016 م …

قبل شهرين أو يزيد، أصر والدي أطال الله في عمره، أن يذهب لرؤية صديقه القديم عبدالعزيز العطي (ابو الوليد)، ذهبنا فكانت ساعتان من العمر، تحدثنا معه في كل شاردة وواردة، تحدثنا في السياسة الداخلية، وعن الأردن وفلسطين وسورية واليمن والعراق. تحدثنا عن الحزب الشيوعي الأردني والفلسطيني وغيرهما من تلك الاحزاب، واخذنا الكلام عن التاريخ والعبر، وعن قوات انصار، وهو الذي كان قائدها، وعن غيرها من المحطات، التي لا تكل او تمل وانت تتناولها بحضرة “ابو الوليد”.

كان عبدالعزيز العطي (أبو الوليد) حاضر الذهن والفكرة، واضح الرؤية، لم تفعل به السنين فعلتها، بعكس ابناء هذا الجيل الذين ضيعتهم الفضائيات، فضاعوا فكرا ورؤية وممارسات، كان متقد الذاكرة، يتحدث في السياسة وكأنه في ريعان شبابه، يستذكر كل ما جرى وكأن الامر حدث أمس أو قبل أمس بقليل.

حدثنا عن ايمانه الحتمي بعودة فلسطين لاصحابها، وشعوره بان الوقت لن يتأخر، وان باب التحرير سيكون اقرب مما يتوقع البعض، وعبر عن أمله في ان يساهم ما يجري من مستجدات على الارض العربية في تحريك عملية التحرير واستنهاض همم الناس والأمة من جديد.

لم يتغير ابو الوليد فهو نفسه، كما عرفته قبل 30 عاما، وهو نفسه كما عرفه والدي قبل 60 عاما، نقي السريرة واضح الرؤية متمسك بافكاره، لم يبدل تبديلا، ولم يحد عن قناعاته قيد أنملة، فهو كان دوما وما يزال، حجر الرحى في كل شاردة وواردة، وهو ايضا صندوق العطاء، وهو فوق ذلك عميد الشيوعيين، فهو آخر من تبقى من عصبة التحرر الوطني الفلسطيني، التي تأست العام 1943، فهو اخر حبات اللولو في عقد العصبة الجميل، التي تفرع عنها الحزب الشيوعي الاردني فيما بعد واحزاب اخرى مختلفة.

الاربعاء الماضي انتقل عبدالعزيز العطي (ابو الوليد) الى الرفيق الاعلى، وكنا انا ووالدي نحضر انفسنا لزيارة اخرى اليه في بيته في مدينة الرصيفة، للننهل من مخزون ذاكرته، ونسمع منه وجهة نظره فيما يجري، ونستأنس بالجلوس معه، ولكن “ابو الوليد” رحل، فأنطفأت نجمة اخرى من نجوم النضال الوطني، بعد ان كانت قد انطفأت، قبله بأيام، نجمة رفيقه ابن مادبا فايز بجالي.

رحل “ابو الوليد” وكله يقين أن طريق النصر قريب، وأن الهدف بات واضحا، رحل وهو قابض على رؤيته، التي لم يحد عنها، رحل وهو يمني النفس، بان يكون العالم أكثر إنسانية وحبا وعدالة ومساواة، رحل وهو يرفض كل فكر يقوم على قطع الرؤوس، وسبي النساء، رحل وهو كما هو، لم يغير أو يبدل، قابضا على رؤيته، مؤمنا بما ناضل لاجله طوال 70 عاما أو يزيد.

ابو الوليد آخر حبات اللولو في عقد المناضلين المؤسسين، الذين أسسوا عصبة التحرر الوطني في فلسطين، وهو واسطة حبات اللولو في عقد الشيوعيين المؤسسين للحزب الشيوعي الأردني، الذي تأسس العام 1951، وهو فوق كل ذلك النقي القريب من الناس والعباد، وهو ابن الأردن وفلسطين، ابن القضية وحبيب الكادحين.

ناضل “أبوالوليد” من أجل حق عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه، وضد الفاشية الصهيونية، وظل وفيا لشعبه مخلصا لفكره، وأمته، ولقضيته، وللإنسانية وللدولة المدنية التي عاش ومات وهو يرنو اليها.

“ابو الوليد” آمن بأردن وطني ديمقراطي، وشعب سعيد، وديمقراطية متأصلة، وفكر طليق، ودولة مدنية علمانية يكون للجميع فيها مساحة وصوت، وللكادحين وجود.

عبدالعزيز العطي، أيها الرجل الرجل، الذي ما هان يوما، ارقد بسلام، ولروحك كل المحبة والوداعة والنقاء، ولذكراك كل وفاء وامتنان، فقد علمت أجيالا بان يكون الوطني والمناضل، إنسانا متواضعا وقريبا من القلب قبل كل شيء.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.