الحرب الإقليمية بين التهديد والاشتعال / ابراهيم ابو عتيلة

 

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الأربعاء 10/2/2016 م …

لم أكن أنوي الخوض في موضوع شائك كهذا لولا ما يتردد هنا وهناك من إشارات حول تسارع الأحداث بشكل خطير في المنطقة مع ما يصاحبها من تهديد ووعيد ، ومع ما يكتنف المنطقة من توتر خطير ومتصاعد بين دول الاقليم من جهة والقوى العالمية من جهة أخرى ، وكأن الإقليم قد أضحى حلبة صراع مفتوحة لكل من هب ودب تسيرها المصالح احياناً والدولارات في أحيان أخرى ، نعم ، لم أكن  أنوي  الخوض في مثل هذا الموضوع الشائك خاصة وانا لست من محترفي الاستعراض عبر الفضائيات لقاء شهرة أو مال ولا أدعي بكوني ” خبيراً استراتيجياً ” كما يتم تقديمه عبر الفضائيات والإذاعات لكل من يدعي الخبرة الاستراتيجية مقابل المال لتسويغ ما يريده مسؤولو المحطة أو الدولة الراعية للمحطة ، بحيث أصبحت الإذاعات والقنوات الفضائية حلبة أخرى من حلبات الصراع والاستعراض .

ربما يعتقد بعض الأنقياء من أبناء العروبة أن الحرب المقصودة بكلماتي هذه ستكون حرباً طرفها الكيان الصهيوني ، وهنا دعني أعتذر سلفاً لكل هؤلاء ولا أشك لحظة بأنهم الغالبية العظمى من الشعب العربي التواق للحرية ، أعتذر لكل منهم لأني لن أحقق لهم هذا التوقع ، فالكيان الصهيوني لم يعد خصماً للعرب ولا حتى للسلطة الفلسطينية في رام الله ، وذلك بعد أن أضحى الهدف الأكبر في الصراع مع الصهاينة هو العودة لطاولة المفاوضات المهترئة التي لم تعد أرجلها تقوى على حمل سطحها المثقل بالورق الموشح بالسواد وأيدي أصحاب الوجوه الصفر والابتسامات الواسعة التي ما تكاد تراها حول الطاولة حتى تشعر بالقرف على أقل تقدير .

يشهد الإقليم حالة من الصراع والتقتيل في أماكن ودول متعددة ، وذلك بعد ربيع زائف تمخض عن أنهار من الدم ، فالعراق مازال مستمراً في معاناته وصراعه الطائفي والمحاولة الدؤوبة من البعض نحو تقسيمه إلى دويلات ثلاث ، برعاية أمريكية تارة وايرانية تارة أخرى ، ودعم صهيوني دائم في شماله وبكافة الأحوال ، علاوة على ما تفعله عصابات داعش من قتل وتدمير ، هذه العصابات التي احتلت أجزاء كبيرة منه علاوة على قيامها بالتفجيرات الدموية في المناطق الأخرى التي  تقع خارج عن سيطرتها المباشرة ، أما في ليبيا فقد فككها الصراع والاقتتال الداخلي واصبحت اشبه بقبائل وميليشيات متقاتلة وكأن هدفها نزع صفة الدولة عن ليبيا العربية ، وفي اليمن نشهد اقتتالاً داخلياً ومواجهة خفية مع ايران وعاصفة تستهدف اعادته كما كان قريباً من جيرانه الخليجيين بمشاركة عدة دول إضافة لغالبية دول الخليج .

أما سوريا التي أصبحت محور الصراع الإقليمي بل وربما الدولي، وبعد خمس سنوات عجاف استزفت فيها جل مقدراتها ، حتى حجارتها وبشرها ، ولجوء وتشريد أكثر من ثلث سكانها ، وقتل ما يزيد عن المائة ألف مواطن ، في حرب تشنها عصابات النصرة وداعش وفتات مجموعات المعارضة الأخرى تحت مسميات مختلفة وبدعم من دول كثيرة ، وسواء كانت الدول الداعمة مجاورة أو بعيدة ، فالدولار يعرف طريقه إذ ينهمر على كل من يدعي معارضة النظام ، والسلاح يأتي عبر الحدود الشمالية ، والمقاتلون الظلاميون من كل بقاع العالم يتدفقون من جهة الشمال ومن خلال الدولة العثمانية الطامعة ابداً في مناطق نفوذ جديدة ،،

بعد كل تلك السنوات ، ووجود قوات من هنا وهناك تدعي مقاتلة الارهاب وقصف داعش ، وبعد تدخل روسيا المباشر والقوي إلى جانب النظام السوري ، وبعد تدخل حزب الله ووقوف ايران بشكل مباشر أيضاً مع النظام السوري ، وبعد أن بدأت ملامح انتصارات الجيش العربي السوري تظهر على الأرض .. وبعد فشل مؤتمرات السلام في جنيف بما فيها جنيف ( 3 ) ، وبعد توتر العلاقات مع ايران على اثر اعدام نمر النمر ، وبعد المواجهات مع الحوثيين وبشكل خفي مع ايران في اليمن … تتصاعد هذه الأيام نغمة التهديد والوعيد لتنذر بالتدخل البري من قبل قوات التحالف بزعامة أمريكا ، إما لمحاربة الارهاب أو لاسقاط النظام .

ومع وجود الاحتمال بأن يكون هدف التدخل محاربة داعش والإرهاب ، فهل يعني ذلك التنسيق مع النظام السوري والاصطفاف مع روسيا وايران بهذا الشأن وهذا أمر مستبعد ، أو أن يتم  الحصول على موافقة أممية على ذلك من خلال مجلس الأمن وربما يصطدم القرار بالفيتو الروسي الذي يمنع إقراره هناك .

أما عن الاحتمال الآخر من التهديد بالتدخل وذلك بأن يكون التدخل البري يستهدف مناصرة المعارضة في وجه النظام ، أو بعبارة أخرى بأن يكون التدخل بهدف إسقاط النظام ، ومع استمرار المؤامرة الواضحة التي تستهدف تقسيم سوريا لكونتونات ضعيفة يسهل السيطرة عليها ، ومع ما يقابل هذا التهديد من وعيد أكثر شدة من النظام وروسيا والقوى المتحالفة معها بأن الرد سيكون قاسياً ، وبأن الجبهة ستفتح على مصراعيها لكل الاحتمالات وبما يهدد ليس سوريا فحسب بل ودول أخرى في الإقليم.

مع كل ما أسلفت فإن السؤال يأتي ، هل تيقى كل التهديدات التي تصرف هنا وهناك مع ما يقابلها من تهديد ووعيد مجرد كلام يستهدف التأثير على الروح المعنوية ، أم هل تبدأ مرحلة التدخل البري المباشر في سوريا من قبل أمريكا والدول المتحالفة معها ، فإن بقيت ذات هدف معنوي فلا ضير ، ولتحسم المعركة إما على الأرض او على طاولة المفاوضات ، وأما إن حدثت المواجهة المباشرة بين النظام وروسيا وايران وحزب الله من جهة والتحالف الدولي بزعامة أمريكا من جهة أخرى ، فلا أحد يستطيع حالياً أن يتنبأ بما سيحصل ، وما هي حدود الجبهة وحجم التدخل ، وما هي الأسلحة التي ستستخدم ، وما هي نتيجة كل ذلك ،،،، ومهما كانت النتيجة وفي كافة الأحوال سيكون المتضرر الأكبر سوريا بلد العروبة ، وفي المقابل فإن الكاسب الأكبر لا بد وأن يكون الكيان الصهيوني المتربص شراً بكل العرب .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.