النعامة و الوحدة الوطنية و أشياء أخرى / عشتار الفاعور
عشتار الفاعور ( الأردن ) الأربعاء 10/2/2016 م …
ما سمعت أو قرأت أو مرت في بالي كلمة الوحدة الوطنية إلا وتذكرت تلك القصة التي رواها لي والدي -أطال الله في عمرة – في يوم من الأيام نقلاً عن صديقة المسيحي حيث تقول القصة انه كان هناك صديقان يُكنان لبعضهما البعض مشاعر الإخوة والصدق في المحبة والإخلاص في العطاء والوفاء في العهد الأول مسلم من وادي الأردن والثاني مسيحي من قرى اربد , عاشوا كل العمر سوا في الأردن , ربيوا سوا , كبروا سوا , تزوجوا في نفس الوقت , أنجبوا الأطفال وربو أطفالهم مثل ماتربوا زرعوا بأولادهم الحب والإخلاص والانتماء والوفاء متجاوزين عتبة الدين وفي يوم من الأيام توفي الرجل المسيحي وكان قد أوصى بأن لا يدفن إلا بحضور رفيق عمره واخية وتوأم روحه (المسلم) فأرسل الأولاد بطلب عمهم من وادي الأردن لحضور جنازة اخية فأتى أخوه إلى الكنيسة حيث يؤبن المسيحيون موتاهم عادةً وعندما شاهد اخاة ملقاه في التابوت داخل الكنيسة صاح قائلاً بالحرف الواحد (يا خوان خافوا الله ولكو هذا الزلمه بسوا حمولة ماعندكوا جامع تطلعوه منه )…. ببساطه انتهت القصة
وبعد … هذه القصة قد يكون الحديث عن الوحدة الوطنية حديثاً ممتعاً وبدايةً دعونا نطرح هذا السؤال : ما هي الوحدة الوطنية ؟
الوحدة الوطنية : هي البناء المجتمعي الداخلي للمجتمع الواحد , بحيث يتوحد الضمير الجمعي على مجموعه القيم و المثل والمبادئ العامة مولداً احساسً داخلياً في الضمير الجمعي للمجتمع (الأمة) بوحدة الأهداف والمصير وصولاً إلى المصلحة العلياً للوطن وبالتالي فأن النتيجة الحتمية للوحدة الوطنية هي اللّحمة الوطنية التي تعني هي بأنها تماسك وترابط النسيج الاجتماعي للمجتمع بطريقة تجعله متماسكاً , متناغماً ومتجانساً وصولاً إلى حالة من الاندماج والتآلف الاجتماعي التي تقود بطبيعتها إلى السلم الاجتماعي بحيث يصبح المجتمع قادراً على استيعاب الآخر في الداخل بهوياته وإنتمئاته الفرعية عرقية كانت أو طائفية (دينية ) وبطبيعة الحال هذا كله يقود إلى حاله من السلم الاجتماعي والتعايش الطبيعي بين كافه طبقات المجتمع وكافة أطيافه …. ولنكون واضحين إن الوحدة الوطنية هي الشريحة الأوسع التي تقود إلى اللّحمة بالتالي فأن النتيجة الحتمية لذالك هي حاله من السلم الاجتماعي تسود المجتمع كامل .
وفي الحقيقية كانت الوحدة الوطنية في الأردن فطرية وإنها استوعبت الجميع وتغلغلت في شرايين الشعب وكان هذا واضحاً تماماً في خمسينيات و ستينيات إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي حيث كنا نجد المحبة بين الأردني والفلسطيني وبين مسيحي ومسلم وبين شركس وشيشاني وأرمن. …….إلخ من الأسماء التي تعزز بدورها مفهوم العنصرية. وكنا نجد في الحركات الوطنية علم فلسطين يرفرف دائماً بجانب العلم الأردني بالفعل كانت الوحدة في الأردن سلوكاً طبيعياً لا لبس فيه حيث نجح المسيحي الكركي (أبن السماكية ) نائباً عن القدس.
ولكن تراجعت الوحدة الوطنية وبدأنا نسمع مصطلحات عديدة مثل (الوطن البديل، فلسطيني -أردني، مسيحي – مسلم ,فيصلي – وحدات، منسف – ملوخية، وصولاً إلى الشماغ الأردني – الكوفية الفلسطينية ) وعند دراسة الحالة الأردنية بتمعن لمعرفة ما هي الأسباب التي قادت إلى ذالك وكانت سبباً في تراجع الوحدة الوطنية داخل المجتمع نجد أن أسباب التراجع تكمن في :
١- بروز الثورة الفلسطينية كقوة فاعلة فوضوية على الساحة الأردنية
2- أحداث أيلول المؤسفة عام 1970م وما تلاها
3- خروج الثورة الفلسطينية المسلحة من الأردن 1971م
4- إغتيال وصفي التل 1971م
5- تبني الحركات الإسلامية و دعمها المتواصل اللامحدود من قبل الدولة وأجهزتها لمقاومة ما كان يسمى بالمد الأحمر
6- التداعيات العالمية على الساحة الدولية وبروز ظاهرة المد الإسلامي بشكله السياسي من خلال:
أ- سقوط شاه إيران و نجاح الثورة الإيرانية عام 1979م
ب- الإجتياح السوفيتي لأفغانستان عام 1979م و بروز ظاهرة المجاهدين في أفغانستان
ج- إنهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991م وبروز القاعدة و هبوب رياح التغير على مستوى العالم مع سقوطه
د- الغزو العراقي للكويت عام 1990م وسقوط مفهوم الحد الأدنى من التضامن العربي ( ورقة التوت السياسة )
7- إضافة إلى ما نشاهده داخل الأردن من الرقص السياسي الذي يستمد قوته من الصرة للحنجرة
٨- وكان ختام العلم بقانون الصوت الواحد الذي جاء عام 1993م والذي أعاد الناس إلى هويتها الفرعية وأدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وأجج الصراعات الداخلية بين مكونات المجتمع حد الأدلجة.
حيث هنا يجب أن نتوقف ونقوم بشرح تفصيلي لما له من تداعيات سلبية على المجتمع وتدمير الوحدة الوطنية
أ- قانون 1989م قانون النسبية هذا القانون الذي أعطى المواطن الأردني حق التصويت لأكثر من مرشح ل دائرته الإنتخابية ( دوائر إنتخابية واسعة ) وحقيقة إن فكرة الدائرة الانتخابية الواسعة تلعب دور كبير في إعطاء وفتح الطريق أمام الأحزاب لتعزيز دورها و وصولها إلى قبة البرلمان أي هذا القانون عزز وجود الصوت الحر الذي يلعب هذا الشيء دور كبير في إنصهار المجتمع مع بعضه البعض وإلغاء العنصرية وإختيار على أساس البرامج وليس على أساس العشائرية أو الديانة
ب- ثم جاء بعد ذالك قانون الصوت الواحد الذي من خلاله يعطي لكل مواطن له الحق في الإنتخابات صوت واحد فقط مع تفتيت الدوائر الإنتخابية الذي أدى إلى إعادة العشائرية بأقوى صورها من ناحية (الوجه السلبي للعشائرية مع إلغاء الإيجابيات للنظام العشائري ) وتمزيق وتفتيت اللحمة الوطنية للمجتمع المدني…..الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الوحدة بين أبناء المجتمع من ناحية وتفتيت البناء المجتمعي للدولة وإضعاف النمو الطبيعي والذي كان مأمولا للأحزاب السياسية داخل البلاد ويجب أن نشير إلى أثار قانون الصوت الواحد على المجتمع الأردني :
١- حيث ساهم في تمزيق اللحمة الوطنية للمجتمع المدني
٢- تفتيت الوحدة الوطنية
٣- تمزيق النسيج الاجتماعي
٤- حتى ما نلاحظه من عنف في الجامعات ومشاجرات داخل أبناء العشيرة الواحدة هو من تداعيات قانون الصوت الواحد
إن هذا القانون لعب بشكل أو بآخر بقصد أو بغير قصد دورا هاما في جعل الوحدة الوطنية بدائرة الخطر وتراجع كبير جداً وأيضاً يجب أن نذكر بأن هذا القانون تك إستغلاله لأغراض سياسية بحتة من قبل الحركات الإسلامية والتي تم دعمها سابقاً بشكل لا محدود من قبل الدولة لمقاومة المد الأحمر كما أسلفنا سابقاً، إن دعم هذه الحركات عزز بدوره إطالة عمر هذا القانون الذي سوف يقود إلى المزيد من التدمير لبنية المجتمع وبالتالي زيادة العنف في المجتمع ولعل أوضح مثال على إمكانية تعزيز الوحدة الوطنية والابتعاد عن الهويات الفرعية هو بروز شخصيات مهتمة بالعمل العام وطنية صادقة فالناس على بساطتها تعشق الصدق وتحترم النقاء ولا تلتزم بشئ آخر وقد يكون الحديث عن ليث شبيلات هو ما يمكن أن يوضح هذه الفكرة …. وظاهرة ليث شبيلات صحيح إن هذا الرجل هو إسلامي ولكن مارس السياسة بالمنطق العلماني وبالتالي كان المسيحيون والمسلمون يمنحونه ثقتهم أينما ترشح نقابة أو مجالس نيابية مع إضافة أن طبيعة القانون الذي كان في حقبته ساهم بإعطاء أصوات حرة للمواطنين وبالتالي سوف يمنحونه ثقتهم وهذا قاد إلى وصول شخصيات وطنية ذات برامج تحت قبة البرلمان
وفي الخاتمة إن الحديث عن الوحدة الوطنية حديث ذو شجون يطول و يتشعب ولكن لا أقول في الختام إلا كلمة بسيطة أبسط مما بدأت ‘يا ريت ظلينا على بساطتنا الأردنية العفيفة الطاهرة ويا ريت وقف فينا الزمن على هذيك الأيام أيام زمان إلي ما كنا نعرف الفرق بين الجامع والكنيسة مثل ما روت القصة’
*ملاحظة : لقد تم نشر هذه المقالة سابقاً ، ورغبت بإعادة نشرها مرة اخرى في موقع ” الاردن العربي ” وذالك بسبب نوعية القارىء لديكم
مع خالص الاحترام
التعليقات مغلقة.