«الناتو» يدشّن «الجبهة السورية» في مواجهة موسكو

 

الخميس 11/2/2016 م …

كتب وسيم ابراهيم …

حينما يصير التنديد بتحركات موسكو، بالمبدأ والمنتهى، فاتحةً لمؤتمرات صحافية، لا يعود الأمر يحتاج إلى لف ودوران. حلف شمال الأطلسي «الناتو» بات يتبنى الجبهة السورية بوصفها ميداناً معلناً للصراع مع روسيا. إنها المحطة الجديدة لتبادل الاتهامات والتشكيك. القضية لن تكون مؤقتة، بدليل الكلام والفعل الأطلسيين. في الكلام، وجود موسكو «يغير التوازن الاستراتيجي» في المنطقة. في الفعل، هناك انخراط الحلف المباشر في «التحالف الدولي ضد داعش»، عبر دعم طلب واشنطن إرسال طائرات «أواكس»، التي لعبت دوراً مهماً في الحملة على ليبيا.

التحرك الأطلسي على جبهة الحرب السورية، من باب محاربة «داعش»، جاء مستبقاً «اليوم الكبير»: اجتماع وزراء دفاع التحالف الدولي ضد «داعش». دول الحلف الثماني والعشرون منضوية في «التحالف»، وستنضم إليها، وفق الاعلانات الأميركية، 26 دولة أخرى. إنها المرة الثانية التي يكون فيها اجتماع «التحالف» في ضيافة «الأطلسي»، بتنظيمٍ من واشنطن. هنا، ينتظر أن يحسم الجدل والغموض حول العرض السعودي لإرسال قوات برية إلى سوريا. حتى الآن، ليس واضحاً إن كان الأمر مبادرةً من الرياض، ولأي غاية، أو كان استجابةً للمطالب الأميركية بأن تأخذ دول المنطقة زمام المبادرة على الأرض.

قبل بداية عمليات «التحالف»، كان السؤال الملتصق به: من أين نأتي بقوات على الأرض لتحصد فوائد القصف الجوي؟ التقييم المستمر كان دائماً أن هذه المعركة لا يمكن ربحها من الجو. مبكراً جداً، خرجت أصوات مسؤولين غربيين تقول إن القوات يجب أن تأتي من الدول الاقليمية. لم يحصل شيء من ذلك. الآن، وفي توقيت ملتبس، تضرب السعودية على صدرها وتقول: أنا لها. كيف، من أين، لأي غرض، تحت أي مخاطر، وفق أي خطط، وعلى أي أساس؟ كلها إشارات استفهام لا إجابة حولها.

لكن الواضح أن الأمر معقد بما يكفي لجعل كل الإجابات صعبة، هذا إن كانت ممكنة أصلاً. العقبة الأساس تبقى الوجود الروسي الكبير عسكرياً. إنه هناك في سوريا، يقول ويفعل، ولا يبدو أنه قابل للتراجع. إذا كانت سيطرة روسيا على الأجواء السورية شمالاً، كثافة غاراتها، جعلت عمليات «التحالف» تتراجع، فكيف إذا تعلق الأمر بإرسال قوات أرضية ستكون على شاشة تصويبها؟ بحساب مخاطر الصدام، هل سيقوم «التحالف» بالتنسيق مع موسكو إذا أصرّ على خطوة القوات البرية وفق العرض السعودي؟

هذه الأسئلة وجهتها «السفير» إلى ممثل واشنطن لدى حلف «الناتو» دوغلاس لوت خلال مؤتمر صحافي. كانت لهجته حاسمة لجهة عدم الاستعداد لتنسيق حملة «التحالف» مع حملة موسكو، بالنسبة لخطوة كهذه أو غيرها، مع الإبقاء على أدنى مستوى يتعلق بالسلامة التقنية في الجو.

قال معلقاً بلهجة هجومية: «لن نذهب في التنسيق، لأننا لم ننجز الخطوة الأولى فيه، وهذا يعني الاتفاق على الأهداف»، قبل أن يضيف أن «المشكلة الأساسية التي لدينا هي أن التحالف يركز على داعش، والحملة العسكرية الروسية تركز على الحفاظ على (الرئيس السوري) بشار الأسد، عبر مهاجمة ليس داعش، بل مناوئي الأسد. برأيي، لن يكون هناك أي نوع من التنسيق عن قرب بين الحملتين حتى يمكننا البدء من رأس السلسلة المنطقية، وهي الاتفاق على الأهداف».

إذا كانت هذه هي الحال، مع كل التأزم الموجود، ألا يخشون من صدام إذا أدخلوا قوات من دون تنسيق؟ أقر لوت مسبقاً بأن القوات الأرضية تبقى «الثغرة الأكبر» للتحالف، لكنه ردّ على السؤال بالتأكيد أن الطرح سعوديّ، كما لا يزال مبادرة «جنينية»: «هناك العديد من الأسئلة الأولية يجب الإجابة عنها، وعلينا رؤية بأي اتجاه سيتطور هذا. هناك ممثلون سعوديون على أرفع مستوى سيحضرون، وسنرى ما لديهم ليقولوه حينما يأتون للاجتماع»، المخصص لوزراء دفاع «التحالف» اليوم.

حينما أعلن السعوديون طرحهم، استتبعوه مباشرةً بالقول إن أي خطوة برية هي، أولاً وأخيراً، تحت مظلة «التحالف» بقيادة واشنطن. حينما أيدت الإمارات الطرح، وأعلنت استعدادها للمشاركة، اعتبرت القيادة الأميركية «شرطاً مسبقاً». كل هذا يقول شيئاً عن محاولة وضع التبعات في عهدة الولايات المتحدة، (التي رددت هذا المطلب سابقاً) على طريقة أنه ما دمتم تريدون ذلك فيمكننا فعله، لا تتذرعوا بنا، لكن من لديه مشكلة فليتحدث مع واشنطن، لا معنا.

على هذا المنوال، ومع صعوبة إنجاز أي خطوة برية وتعقيداتها، تذهب تحليلات عديدة للقول إن الطرح السعودي لا يتجاوز رفع العتب، والاستثمار الدعائي في وجه الاتهامات للرياض ببث ايديولوجيا التطرف وتغذيته. لكن توقيت الطرح، متزامناً مع تقدم كبير لقوات الجيش السوري وحلفائه، مدفوعة بقوة التدخل الروسي، يجعل شكوكاً تحوم حول نيات داعمي فصائل «المعارضة»، تحديداً الرياض، وأنقرة التي يمكنها مراقبة تقدم النظام السوري بمناظير حرس حدودها.

الواضح أن المسألة، في النهاية، تبقى واردة، لكنها تحتاج تمهيداً طويلاً على أحسن حال. هذه خلاصة بعض الاجابات التي قدمها وزراء دفاع أوروبيون، على هامش اجتماع وزراء دفاع «الناتو» أمس.

قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، رداً على سؤال «السفير» حول الطرح السعودي، إنه «نريد من دول الخليج، وكل أعضاء التحالف، أن ينظروا إلى التزامهم وما الذي يمكنهم المساهمة به أكثر للحملة على داعش، وهذا ما سنناقشه في اجتماع التحالف».

البعض ذهب أبعد من ذلك، بالقول صراحة إن الأمر يتعلق بضغوط مستمرة على دول الخليج للقيام بتحرك فعال لم يصدر منها حتى الآن. وزير الدفاع التشيكي مارتين ستروبنيتسكي قال لـ «السفير» إنه «في أوروبا هناك صوت يتعالى: لماذا الدول الكبيرة في الشرق الأوسط، مثل السعودية، لا تساعد في القتال ضد داعش بفعالية أكبر»، قبل أن يعلق على الطرح السعودي بالقول إنه «إذا كانت هذه التحركات في هذا الاتجاه، فأعتقد أن أوروبا سترحب بها». مع ذلك، أكد أن قضية التدخل البري لا تزال غامضة: «إنه تحرك سعودي، ولا أعرف صراحة إن كان ذلك واقعياً أو إن كان جرى تحضيره، أو إذا كان ناضجاً».

لكن ما ليس غائماً، ولا ضبابياً، هو تدشين «الناتو» الجبهة السورية بوصفها محطة صراع وتنافس جديد مع موسكو. بات يانس ستولتنبرغ، الأمين العام للحلف، لا يحتاج لأن يسأله أحد، بل يقدم موقف «الناتو» في ملاحظاته الافتتاحية لمؤتمراته الصحافية الأخيرة. كرر أمس ان «الحشد الروسي الكبير في سوريا وشرق المتوسط يغيّر التوازن الاستراتيجي في المنطقة»، معتبراً أن ذلك «خلق أوضاعاً خطيرة مع انتهاكات لأجواء الناتو والمجال التركي».

إنها إسطوانة سيتم العزف عليها طويلاً. لكنها ليست شيئاً قليلاً أبداً. الحديث عن مخاوف «الأطلسي» من «تغيير توازن استراتيجي» على حدوده، يعني توقّع رد من الوزن الذي يمنع ميلان ميزان الاستراتيجية المحروسة لدى أقوى حلف عسكري في العالم.

هذا ما التقطته موسكو مباشرةً، مدينةً تغليف «الناتو» توجهه الجديد بالحديث عن غيرته على الحل السياسي السوري، واتهامها تالياً بتقويضه. لكن روسيا تتحدى أيضاً. مسؤول كبير في خارجيتها قال، قبل أيام، إنهم لا يعترفون «بما يسمى المجال الجوي الأطلسي»، بل بـ «مجال جوي مفرد»، لكل دولة وفق القانون الدولي.

قوس الصراع بين موسكو و «الاطلسي» بات يمتدّ من جغرافيا الأزمة الأوكرانية، إلى شرق المتوسط. الحلف استعرض أمس تعزيز قدرته «الردعية». البيت الأبيض أعلن زيادة موازنة الوجود العسكري في أوروبا ثلاثة أضعاف، راصداً 3.4 مليارات دولار لنقل معدات وتهيئة مراكز تموضع لألوية جديدة. حينما سألنا السفير الأميركي لدى «الناتو» عن الاحتكاك مع روسيا، قال إنه عبر تحديث «الردع» هناك غاية واضحة: «نعتذر أن نبعث بوضوح الرسالة أننا لا نرغب في القتال لكن يجب ألا يشكك أحد بعزمنا إذا جاء القتال إلينا».

«الناتو» وافق أيضاً على تعزيز وجوده في دوله الشرقية، المتاخمة لروسيا التي تواصل احتجاجها على سياسة تعتبرها توسعاً عدوانياً. إرسال طائرات «أواكس»، التي تعمل كمراكز قيادة وتحكم من الجو، بات في حكم الحاصل. القرار يعلن اليوم، ليبقى نشرها بيد المخططين العسكريين. جرى التأكيد أنها مقدمة لتصعيد في العمليات الجوية.

ستكون طائرات الـ «أواكس» الانخراط المباشر الأول لـ «الأطلسي»، ليصير الحلف في فضاء يزاحم الحشد العسكري الروسي الفاعل في سوريا. كيف سينتهي كل هذا؟ لا إجابات. المعروف هو من سيدفع الثمن. وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير حذّر روسيا من أن ميزان القوى يمكن أن يتغير، بين مرحلة وأخرى، لكن الشعور بالقدرة على تحقيق حسم عسكري يبقى «وهماً». تنبأ بأن الاعتداد بهذا الشعور، الإكمال على منوال الحسم، سيعني «خمس سنوات أخرى» من الحرب السورية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.