فوق تصور المجانين ولكنه وارد / محمد شادي توتونجي
محمد شادي توتونجي ( الأحد ) 14/2/2016 م …
عندما أتت الأساطيل الأمريكية لقصف دمشق في عام 2013 ، وكان حينها وضع الحرب في سورية يميل لصالح الإرهاب وحلف العدوان على سورية ، وكان الكثير من الجغرافيا السورية خارج سيطرة الدولة السورية ، لم تجرؤ القيادة الأمريكية وقتئذٍ على القيام بهذا العدوان على دمشق ، وتذرعت بمجلس العموم البريطاني والكونغرس الأمريكي الذي لم يعطي الضوء الأخضر لذلك ، وقام حينها القطب الروسي بإيجاد مخرج حفظ ماء الوجه للأمريكي وإنزال حماره من على الشجرة التي ركبها ولم يعرف كيف ينزل عنها ، عبر ما عرف ” بالاتفاق الكيماوي ” الخاص بنزع الأسلحة الكيماوية السورية ، ووقتها أيقن الجميع انهزام المشروع الأمريكي في دمشق والمنطقة وسقوط مشروع الشرق الأوسط الجديد ، الأمر الذي فرض على الأمريكي بعدها تقديم التنازلات المتدحرجة من توقيع الاتفاق النووي الإيراني صاغراً ، وقبلها إتمام انسحابه من العراق ، ولكن وبالرغم من هذا الانحدار القوي في خط القوة الأمريكي استمرت الحرب تصعيداً في سوريا والعراق وخسر كلا البلديْن الكثير من الجغرافيا والمناطق العسكرية من مطارات وأراضٍ وسيطرة على حقول نفطية ، عبر محاولة الأمريكي وأذنابه في السعودية وتركيا بدعم وتمويل وتسليح وتسهيلات لوجستية لحرب جديدة بالوكالة بواسطة ذراع الإرهاب من القاعدة ومفرداتها وفتح الحدود التركية والأردنية لها على الغارب ، لتدخل الأراضي السورية بشكل أقوى وأكبر ، وبالرغم من كل هذا لم يستطع الأمريكي الدخول بجسده مباشرة في الحرب على سورية إلا عبر ما سمي بالعمليات الجوية في سوريا والعراق زاعمين أنهم يستهدفون الإرهاب المتحرك لتنظيم ” داعش ” الذي بدأ يخرج عن الضوابط المرسومة له.
وفي هذه الأثناء كان القرار التاريخي الحاسم بدخول حزب الله المعركة مسانداً الجيش العربي السوري في معركته على الإرهاب ، وقلبت الموازين في القصير وما بعدها وتغيرت الوقائع ، وبعدها أسقطت المضادات الأرضية السورية طائرتين للعثماني الذي طلب خائباً من الناتو التدخل وفق البند الخامس من اتفاقية الناتو التي تنص على تدخل قواته في حال تعرض بلد عضو لهجوم من دولة خارجية ، محاولاً جره للحرب على سورية لتحقيق حلمه بإقامة منطقة عازلة في شمالي سورية تضم حلب بها له حسب وهمه العثماني القديم .
فاكتفى الناتو حينها بطلب الهدوء وعدم التصعيد على طرفي الحدود ، وكانت هذه هي الصفعة الثانية للتركي والسعودي والصهيوني بإدراكهم أن الأمريكي قد تخلى عنهم في المنطقة وأن الموازين تنقلب بعكس أمانيهم ، وتلقوا الضربة القاضية الثالثة بانهاء الاتفاق النووي الإيراني الذي أعلن قطبية إيران في المنطقة والعالم.
وفي هذه الأثناء كان حلف المقاومة من روسيا وإيران وسوريا وحزب الله يتحملون الأعباء مداورة ومناورة وفق تنسيق وتناغم رائع حيث صمدت طهران ودمشق وحزب الله في الوقت الذي كانت تحارب فيها موسكو في القرم وأوكرانيا إلى أن تجيّـر النصر الروسي وتثبت ، وكانت إيران وسورية تقولان : نستطيع الصمود أكثر حتى تنتهي موسكو من ملفاتها ،وقد تم النصر القيصيري وثُـبّتت روسيا قطباً عالمياً جديداً ، وجاء بعدها دور إيران التي قطفت ثمرة صمودها وتحالفها وانتصر الحلف في معركته الثانية في طهران ، وجاء دور سورية التي دفعت أغلى الأثمان في أعتى حرب كونية منذ الحرب العالمية الثانية ، فروسيا المنتصرة في أوكرانيا والقرم ، وإيران النووية لم تخلفا العهد ، فزادت إيران عدد خبرائها من الحرس الثوري وشاركت بخيرة قادتها وقدمت منهم الشهداء في كثير من الساحات السورية جنوباً وشمالاً وغرباً ، وكذلك فاجأ القيصر الجميع وأتى ببوارجه وصواريخه الجوية والبحرية وأسلحته المتقدمة إلى سورية ووسع قاعدته من طرطوس إلى اللاذقية في مطار حميميم ، ووسع حضوره من بحريّ إلى جويّ وصاروخيّ وخبراء وجنود على الأرض ودخل بجسده مباشرة في الحرب السورية ، وأعلن جَهاراً نهاراً أن لا عودة من سورية إلا بالقضاء على آخر إرهابياً فيها ، وأعلن أن حربه في سورية هي دفاعٌ عن جدران موسكو من الإرهاب الوهابي العثماني وتحدى الغرب أجمع بتزويده سورية بكافة أنواع الاسلحة ، وتدحرج انتصار حلف الممانعة في المنطقة وبشكل موازٍ انكساراً وهزيمةً للمشروع الصهيوأمريكي برأسه وأذنابه في المنطقة ، الأمر الذي رفع مستوى الشعور بالخطر والهزيمة عند الكيان الصهيوني وحليفيه السعودي والتركي الأمر الذي رفع طرداً مستوى الجنون عند تلك الكيانات المنهزمة ورفع هرمون الجنون عندها.
ليس جديداً أبداً ما نراه من التهور والحماقة عند الإخواني التركي الذي كانت له الذراع الطولى في الحرب على سورية ، وكان صاحب النصيب الأكبر من الضرر والدمار الذي أصاب الدولة السورية ، وأعلن مراراً عن نيته إقامة منطقة عازلة والتدخل في سورية ، وهذا ما يثير الكثير من الضحك ، وكأن التركي لم يتدخل بتلك الحرب من قبل بمخابراته في شمال سورية في ريف حلب ، وأسلحته ودعمه اللوجستي في كسب وريفي إدلب واللاذقية ، واستعراضه الواهم في عملية استخراج جثة ” سلمان شاه ” وعندها دخل الأراضي السورية بعمق 29 كم عبر أراضٍ هو من سلمها لذراعه الإرهابي تنظيم ” داعش ” بعد أن أبلغ الحكومة السورية وقتها بشكل غير مباشرة عن نيته الدخول.
ولتفصيل احتمال الدخول التركي في الحرب بجسده في سورية مباشرة اليوم فإننا نقول الآتي :
لا يستطيع التركي دخول الأراضي السورية ( مع أنه جغرافياً ممكن ) بدون الضوء الأخضر الأمريكي ، والتركي ومن قبله الأمريكي يعلم اليوم أنه فقدَ كل الحظوظ في ذلك بسبب جدية الروسي ونوعية الأسلحة التي استقدمها الروسي لسورية ، حيث أن أمريكا لم تعد قادرة على التدخل برجالها على الأرض في سورية وأن تدخلها سيكون فقط كغطاء جوي للقوات البرية التركية ، الأمر الذي يجعل اصطياد طائراتها مثل الذباب من خلال منظومات الـ S400 والبانتيسر التي غطت السماء السورية وما حولها ، كما أنّ عمل أساطيله قد تم تعطيله عبر منظومات الياخونت البحرية ، الأمر الذي يترك القوات التركية وحيدة على الأرض في مرمى القوات السورية الإيرانية الروسية وحزب الله وقوات الحماية الكردية وجيش سورية الديموقراطي وباقي الفصائل من النجباء وغيرهم ممن تطوعوا للدفاع عن سورية.
وقد يتساءل البعض لماذا استطاع التركي الدخول إلى العراق وحسب ما ذكرناه هو عاجزٌ عن ذلك في سورية؟؟؟
فإننا نقول وببساطة ومع احترامنا لكل الأخوة في العراق ، بأن السيد حيدر العبادي ليس الرئيس الأسد الذي صمد خمس سنوات في وجه العالم وثبت بشعبه وجيشه وحلفائه ، وأن الرئيس الأسد لم تأتِ به بريطانيا وأمريكا لسدة الرئاسة في سورية ، وكذلك فإن روسيا ليست موجودة في العراق كما هي في سورية بقضها وقضيضها.
وإضافة إلى المأزق العسكري الذي وضع التركي نفسه فيه في سورية ، كان قد سبقه جنون وورطات كبرى في تدمير العلاقات التجارية مع روسيا وسوريا وخسر ميزاناً من العلاقات الاقتصادية والتجارية يقدر بـ 31 مليار دولار سنوياً ، والأهم أنه لعب وبغباء بالمكون الاجتماعي التركي حيث كبّر ووسع الكره والعداوة مع الأكراد داخل تركيا وخارجها وألحق دماراً كبيراً في المدن ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق البلاد وافتعل المجازر فيها ، وكذلك بإخوانيته وجنونه وعنجهيته أثار العداء مع الطائفة العلوية نتيجة لعنصريته وتصريحاته الطائفية العلنية البغيضة الحمقاء تجاه تلك الطائفة.
وبالتالي فإن أردوغان خسر كل محيطه وعلى حدوده الأكبر شمالاً مع روسيا وجنوباً مع سورية والعراق وأحدث تدهوراً كبيراً على الحدود الإيرانية بعد أن منحت إيران العديد من الفرص لمجنون اسطنبول لتدارك وضعه ، ولكنه بأحلامه وأوهامه العثمانية الاستعمارية أضاع تلك الفرص.
ومن هنا نرى أنه عملياً وواقعياً وعقلياً فإن احتمال تدخل التركي بجيشه بالأراضي السورية هو احتمال خاسر كلياً ، ولكن الجنون والغباء يترك مساحة ضعيفة لهذا الاحتمال من التدخل ، الأمر الذي سيجعل من تركيا بعدها دولة تحت مشارط التقسيم ومقصاته بعد أن يهزم كلياً ويدمر جيشه ، وبعد أن أعلن السيد ميدفيدف أن أي تدخل لقوات أجنبية على سورية دونه حرب عالمية ثالثة.
فإذا كان هذا هو مصير التركي واحتمال تدخله الفاشل بالرغم من الإمكانيات الجغرافية واللوجستية كونه دولة حدودية على طول 933 كم ، فكيف سيكون حال الفاشل والمهزوم السعودي الذي أعلن أن قراره بالتدخل في سورية لا رجعة عنه حسب تصريح العسيري ؟؟؟
وبالرغم من أنه ” في الرد على الوضيع ما يضع ” ، إلا أننا مضطرون للرد والشرح لمن دخل إلى قلوبهم بعض الشك والتوهم :
أيها السادة أولاً إن صدق البعض أن لدى آل سعود جيش ليتدخل فيه في سورية فهو واهمٌ وواهمٌ وواهمٌ … إلى أن ينقطع النفس لأسباب بسيطة ومرئية للجميع ، أولها عجزه وفشله عن ذلك في اليمن المحاددة للسعودية والتي لا تمتلك جيشاً وقيادةً مثل اللذيْن في سورية وحلفاءً على الأرض مثل الذي في سورية ، وثانيها هو لوجستي متعلق بالجهل وفقدان الخبرة التامتين لميليشيات آل سعود في عمليات الحروب الخارجية ، حيث أن عمليات نقل ما ادّعوا أنه 150 ألف جندي من عدة دول للقتال في سورية هو أمر شبه مستحيل بسبب فقدان الاتصال الحدودي مع سورية ، وبسبب تنوع الجيوش حيث أن كل جيش لديه فكر عسكري مختلف ، وفقدان لغة التواصل بين قادات الجيوش المزعومة ، والأهم هو أن الدعم اللوجستي لهذه الجيوش من تأمين خطوط إمداد وتأمين السلاح ونقله إلى تلك الميليشيات يتطلب جغرافيا مؤمنة ، كما أن عملية نقلهم تستغرق على أقل تقدير شهرين براً عبر الأردن أو العراق ، وبحراً أقله ستة أشهر مليئة بل حبلى بالمتغيرات على الأرض بسبب الانتصارات المتسارعة للجيش السوري وحلفائه على الأرض بما يقدر بالساعات وليس بالأيام ، مع عدم إغفال فترة ستة أشهر أخرى لتأمين مساكن ومنصات قتال لتلك الميليشيات.
وكما قلنا عن احتمال التدخل التركي في الأراضي السورية بجيشه فإن الأمر نفسه ينطبق تماماً على السعودي ، بل ربما سيكون أشد وطأة ومرارة في نجد والحجاز بسبب الفوارق الاجتماعية والبنيوية للدولة بين السعودية وتركيا ، من حيث نظام الحكم وطبيعته ، ونوعية الجيش ، والأهم هو البيئة الحاضنة للتكفير والإرهاب التي تشكل الغالبية العظمى في مملكة آل سعود الأمر الذي أثر تدميرها أكبر وأشد ، واحتمالات نشوب الحرب الطائفية والقبلية فيها أوسع تعود فيها أراضي نجد والحجاز إلى عصر ما قبل الجاهلية.
ونذكّرهم عندها لكلا الواهميْن السعودي والتركي بمقولة المغامرين والتي تتحول في حالتهم إلى المقامرين المجانين ، ولكن إن حدث وتدخلوا فإنه عملٌ فوق تصور الجنون.
التعليقات مغلقة.