الأسد يطلق النار على «وقف إطلاق النار» / عباس الزين
عباس الزين ( لبنان ) الثلاثاء 16/2/2016 م …
شكلت الجبهة الشمالية للميدان السوري أحد اهم الإنعطافات في مسار الأزمة، على الصعد السياسية والعسكرية. فمنذ انطلاق الجيش السوري والمقاومة اللبنانية بالتعاون مع سلاح الجو الروسي، بعملياتهم المكثفة على محور حلب وريف اللاذقية، تحركت الدول الداعمة للمجموعات المسلحة، وعلى رأسها السعودية وتركيا، ضمن مسارٍ مضاد للتوسع الذي حققه الجيش السوري.
إلّا أنّ الإنتصارات المتلاحقة ميدانيًا، وما رافقها من ثبات على الموقف السياسي، كلها تفاصيل حالت دون تمكن النظام التركي وحليفه السعودي من إيقاف العمليات العسكرية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
هددت السعودية مرارًا وتكرارًا بعملية عسكرية برية، تحت غطاء “التحالف الدولي” الذي تقوده أميركا. رافق تلك التهديدات رسالة روسية واضحة، مضمونها أن “اي تدخل بري من قبل اي دولة، دون التنسيق مع الحكومة السورية، هو بمثابة إعتداء ستتم مواجهته”. تلك الرسالة ليست محصورة بالسعودية، فكون النظام السعودي يهدد بالدخول ضمن “التحالف الدولي”، فإن هذا الأمر يعني الولايات المتحدة مباشرة، وهنا تُفتح الإحتمالات على مصراعيها، حول إمكانية مواجهة روسية-أميركية، بعيدًا عن التهور السعودي، المعروفة إمكاناته العسكرية.
عدم وجود رغبة أميركية في توسيع دائرة الصراع، تُبقي التهديدات السعودية كلامًا لا واقع له، بغض النظر عن ما وصِف بأكبر المناورات العسكرية التي تجريها السعودية بمشاركة دول عربية أخرى، وما تبعها من وصول طائرات حربية سعودية الى قاعدة “إنجرليك” التركية. فالسقف الذي وضعته روسيا لأي تدخل بري يُنذر بحربٍ عالمية، ستصبح خلالها سوريا مجرد جبهة من ضمن جبهاتٍ عديدة تتصارع فيها المحاور المختلفة، وهو ما لا يمكن للسعودية تحمله، فهي غير قادرة حتى على الحفاظ على مواقعها الحدودية مع اليمن، امام الإمكانيات المتواضعة للشعب اليمني، فكيف ستقدر على مواجهة روسيا، ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم؟
لو كان للسعودية قدرة على التدخل البري، وحسم الأمور لصالحها من دون أي خسائر جسيمة، لما ترددت لحظة في ذلك. ففي أوج التكاتف الدولي ضد الرئيس بشار الأسد، وقبل ان تدخل روسيا على خط المواجهة العسكرية، لم تأخذ السعودية هكذا قرار، والسبب يعود الى إتكالها على مجموعاتها المسلحة، فلم يأتِ قرارها بالتدخل البري ولو كان مجرد كلام حتى الآن، إلا بعد فشل المجموعات التي دعمتها عديدًا وعتادًا وأموالًا، في حسم المعركة لصالحها، لتتفاقم المشاكل. فمن جهة، ليس بوسعها الدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا، لن تغطّي الإدارة الأميركية تبعاتها. ومن جهةٍ أخرى، لم يعد بمقدور المجموعات المسلحة المدعومة منها، البقاء في المناطق التي سيطرت عليها سابقًا، وعكس تلك السيطرة على طاولة المفاوضات.
وفي هذا السياق، اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد ان “تركيا والسعودية ليستا دولتين مستقلتين، وهما في تلويحهما بشن عملية برية في سوريا تنفذان أجندة أسيادهما”، وأضاف الأسد خلال كلمةٍ له، لدى استقباله أعضاء مجلس نقابة المحامين، انه “عندما نناقش إذا كانت تركيا أو السعودية ستهاجم، فهذا يعني أننا نعطيهما حجمًا كبيرًا وكأنهما دولتان تمتلكان قرارًا وتمتلكان إرادة وتستطيعان أن تغيرا الخريطة، هما مجرد تابعَين منفذين حاليًا”، لافتًا الى ان السعودية وتركيا “تقومان بدور البوق بهدف الابتزاز، ولو كان مسموحًا لهما لبدأتاه منذ زمن طويل على الأقل منذ أشهر”، موضحًا انه “علينا أن ننظر للسيد، لسيد هؤلاء.. إذا كانت هناك رغبة في الدخول في مثل هذه الحرب بين القوى الكبرى أم لا، وليس بين قوى هامشية لم يكن لها دور سوى تنفيذ أجندة الأسياد”.
واضاف الأسد انه “علينا أن لا نستبعد الحماقات، فهي موجودة، وخاصة أن مصير هؤلاء مرتبط بحل الأزمة في سوريا، إذا تم حل الأزمة سوف ينتهي المصير السياسي لهذه المجموعات التابعة للغرب في المنطقة”، مؤكدًا انه “بنفس الوقت الغرب لديه أجندة دولية، لا يستطيع أن يسمح لدول تابعة بأن تقوم هي بما تشاء وفي أي وقت تشاء إلا حسب الخطة الموضوعة، فإذًا الموضوع كبير وليس سهلًا الدخول في مثل هذه الحرب لأن تداعياتها ستكون عالمية وليست محلية فقط”.
كلام الرئيس الأسد يوضح المأزق السعودي التركي، في ظل عدم رغبة أميركية بالمواجهة مع روسيا، ويؤكد في الوقت نفسه الكلام الروسي، الذي حذّر من حربٍ عالمية، ليس بمقدور السعودية وتركيا تحملها، بل ستكونان مجرد أرقام فيها، او محور بين عشرات المحاور.
وضع الرئيس الأسد كل التهويل السعودي في الحرب ضمن دائرة الإبتزاز السياسي، غير المؤثر على مجريات الميدان، مع الحفاظ على هامش “الحماقة” لدى النظام السعودي، الذي ممكن أن يدفعه لمثل هكذا خطوة غير محسوبة.
التحركات العسكرية التركية السعودية تحصل في وقتٍ تطالب به بعض الدول الداعمة للمجموعات المسلحة بوقف إطلاق النار، بما يتناسب مع تموضع المجموعات المسلحة، أي خدمة لها، عبر إبعاد الجيش السوري عنها لبعض الوقت، وإيقاف عملياته لتستعيد نشاطها العسكري، وتفتح طرق إمداد جديدة بحجة المساعدات الإنسانية، التي تطالب الدول ذاتها بضرورة تأمينها الآن، وهذا ما لم نسمعه من قبل، أي قبل حصار الجيش السوري للمجموعات المسلحة في المحافظات الإستراتيجية، ومنها حلب.
انطلاقًا من هنا، اكد الرئيس الأسد ان “النقطة الأخرى المطروحة الآن هي موضوع وقف إطلاق النار، متى يتحدث الغرب عن وقف إطلاق النار أعتقد بأنّ الجواب واضح، عندما يتألم المسلحون” مضيفًا أنّ “وقف إطلاق النار يحصل بين جيوش وبين دول ولكن لا يحصل بين دولة وإرهابيين فالمصطلح خاطئ.. قد يكون وقف عمليات.. قد يكون وقف أعمال قتالية أو أي شيء”.
يعطي الرئيس الأسد أولوية لمحاربة الإرهاب، فموضوع وقف إطلاق النار اذا ما اتفق عليه من قبل المجتمع الدولي، لن يؤثر بطبيعة الميدان، كون المجموعات المسلحة بأغلبيتها لا تعترف بالمفاوضات التي تجري، ولا يمكن لأي “معارضة” متواجدة في جينيف او فيينا ان تؤثر على سير عمليات الإرهابيين، الذين يشكلون النسبة الأكبر من المسلحين، اذا ما ربطناهم بلائحة الإرهاب الرسمية للأمم المتحدة، التي تختلف عن لائحة الدولة السورية، حيث ان الإرهابي بنظر الرئيس بشار الأسد، هو كل شخص حمل السلاح ضد الحكومة السورية والجيش السوري، وهنا الإختلاف الجوهري في وجهات النظر، أي ان وقف إطلاق النار من دون تسليم المسلحين لأسلحتهم، ودخولهم ضمن مسار سياسي خاص بالدولة السورية، لن يؤثر بأي شكلٍ من الأشكال على مسار الحل العام، من منظور الدول السورية.
بناءً عليه، اشار الرئيس الأسد الى ان “موضوع وقف إطلاق النار هو الدليل الأكبر حتى هذه اللحظة لأنهم لم يتحدثوا بأولوية مكافحة الإرهاب، تحدثوا بأولوية وقف إطلاق النار، هذا يؤكد بأنهم يكذبون، لماذا لم يقولوا الأولوية هي مكافحة الإرهاب؟” مؤكدًا أنه “بالنسبة لوقف إطلاق النار أو وقف العمليات في حال حصلت لا تعني بأن يتوقف كل طرف عن استخدام السلاح هذا مفهوم ضيق جدًا، وقف إطلاق النار يعني بما يعنيه بالدرجة الأولى وقف تعزيز الإرهابيين لمواقعهم، لا يسمح بنقل السلاح أو الذخيرة أو العتاد أو الإرهابيين”.
التعليقات مغلقة.