تحليل سياسي هام حول تراجع تركيا والسعودية عن التدخل البري في سورية

 

الأربعاء 17/2/2016 م …

عن النداء اللبنانية …

*تركيا والسعودية  تتراجعان عن حماسة التدخل… والشمال السوري نحو الحسم نصرالله: وصلنا إلى المفترق نفوز بسورية أو بالمنطقة… و«إسرائيل» في المأزق .

تراجعت حماوة الرؤوس التركية والسعودية عن لغة التهديد والوعيد بدنوّ ساعة المواجهة الحاسمة وتدفق الوحدات الخاصة للتدخل البري عبر الحدود السورية لإعادة التوازن الذي دعا إليه وتفاءل بحدوثه بعد التصريحات النارية لرئيس الحكومة التركية داوود أوغلو عن الخطوط الحمراء وكلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن الخيار العسكري الموجود على الطاولة، وحلّت فجأة العقلانية وصبّ الماء البارد على الرؤوس الحامية، فنفت السعودية وجود أيّ وحدات برية لها خارج حدودها، وربط الأتراك تحرك قواتهم داخل الحدود السورية بالتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضدّ داعش.

واصلت وحدات الجيش السوري تقدّمها وواصل الأكراد تقدّمهم نحو أعزاز، وبدأت الجماعات المسلحة في مارع بالانسحاب والمفاوضة على التسليم، فيما بلغت المفاوضات مع الجماعات المنتشرة في عندان وحريتان لتسليم المدينتين دون مواجهة عسكرية مراحل متقدّمة، رغم استمرار القصف التركي على مواقع تابعة للأكراد والجيش السوري.

التحذير الروسي من مغبّة التورّط التركي بخلفيته الأطلسية وما يمثله ذلك من مخاطر مواجهة دولية، حرّك الأميركيين وحلفاءهم الأطلسيين لرسم ضوابط للحركة التركية، تدعو إلى وقف التحرّش في منطقة العمليات الروسية والانتقال مع السعودية إلى منطقة عمليات التحالف التي تمثلها مناطق انتشار داعش، خصوصاً في الرقة، وهو ما أكد عليه الأميركيون مراراً كسقف لأيّ دور عسكري تركي سعودي في سورية وفقاً لمراهنة أميركية تقوم على عبثية التصادم مع السقف الروسي الإيراني الذي يظلّل الجيش السوري شمال وجنوب سورية، والدعوة إلى رهان على استباق حسم هذه الجبهات بفتح جبهة الحرب بوجه داعش والسعي للفوز بها وما تعنيه مقاسمة الدولة السورية جزءاً من الجغرافيا تحت اسم المعارضة من فرص تفاوضية غير متوافرة الآن، ولن تتوافر بالتصادم المباشر مع الجيش السوري وحليفيه الروسي والإيراني، كما بدت الحماسة المتسرّعة للتركي والسعودي.

الأمر نفسه استحوذ على خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهداء القادة من بوابة قراءته للمشهد الإقليمي ومستقبل الحرب مع «إسرائيل» على خلفية الحرب في سورية، التي ستبقى عمود خيمة المقاومة، ليخلص إلى الاستنتاج أنّ المفترق اليوم يضع المنطقة أمام فرضية التدخل التركي والسعودي في مناطق داعش بالتنسيق مع التنظيم أو بدونه، وهذا يعني حرباً طويلة لكنها ستنتهي بفوز محور المقاومة بالمنطقة، أو تفادي تركيا والسعودية لهذا الخيار وبالتالي فوز محور المقاومة بسورية وفوز سورية بفرصة حلّ سياسي يحفظ وحدتها وسيادتها

وفي الأحوال كلّها، وفقاً لاستعراض السيد نصرالله لتوازنات الصراع مع «إسرائيل» والخيارات المتاحة أمامها، فإنّ «إسرائيل» في المأزق وليس المقاومة، فلا خيارات لكسر توازن الردع الذي أنشأته المقاومة والذي يحرم «إسرائيل» مما تحتاجه كي تفكر بحرب جديدة، وهو نصر حاسم وسريع، لا تزال المقاومة تمتلك كلّ يوم المزيد من الأسباب التي تجعلها أشدّ ثقة بقدرتها على إلحاق الهزيمة بـ»إسرائيل» في أيّ حرب مقبلة.

في المقابل بدا لبنان يقارب السياسة الداخلية، بعيداً عن الملف الرئاسي، بانعقاد هيئة الحوار اليوم بغياب الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون، وما قالته مصادر متابعة عن تفرّغ الحوار لتفعيل العمل الحكومي، خصوصاً من باب ملف النفايات الذي عاد للتعثر مجدّداً.

نصر الله يَعِد بانتصارات مقبلة

مع التركيز على الحاجة الماسة لبنانياً للمقاومة في حماية لبنان وردع العدو ومنع الحروب، وإجلالاً لقدسية المناسبة حصر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خطابه في ذكرى الشهداء القادة بالخطر الأساس «إسرائيل» ولم يعرّج أو يُشغل نفسه بأي ملف آخر لأن «إسرائيل» عندما تحضر بخطرها تتراجع كل المخاطر الأخرى.. لم يَرد السيد نصر الله أن ينزل بالنقاش إلى ما دون هذه العناوين الكبرى والاستراتيجية ولا تصغير الوقائع أمام تفاصيل محلية قد تُرضي شهوة البعض لتوهّم الندية معه، لكنه قرر أن يُحرمهم من مجرد الندية عبر إهمال التفاصيل الصغيرة جداً هذه الأيام أمام العناوين الكبرى التي تناولها. وفي هذه النقطة خيّب ظن البعض في الداخل والخارج الذي كان ينتظر رداً على هذا أو ذاك من الذين امتهنوا التصويب على المقاومة وقادتها وشهدائها.

أعطى السيد نصر الله حلف المملكة العربية السعودية وتركيا حقه بهول خسارته الاستراتيجية في الميدان السوري واضطراره في المرحلة الحالية أمام سقوط منطق الأدوات إلى الاضطرار للنزول مباشرة إلى الميدان، ورغم أنه تعاطى مع هذا الأمر كاحتمال، لكن الاستنتاج الأهم الذي توصل إليه من خلال هذا الاحتمال أن قدومهم قد يؤدي إلى حل كل أزمات المنطقة عبر هزيمتهم ولو كانت طويلة، وعدم قدومهم سيؤدي إلى حل أزمة سورية ولو كانت طويلة، وفي الحالتين سينجح حلف المقاومة في هزيمة هؤلاء عبر الاستمرار في إفشال أهدافهم.

ولفت السيد نصر الله إلى أن مسألة الحرب على داعش من قبل هؤلاء ليس إلا شماعة، إما لتأكيد حضورهم على طاولة التفاوض الإقليمي الدولي حول سورية وإما لإعادة ضخ الحياة لمشروعهم المستمر لتدمير سورية، علماً أن السيد نصر الله حذّر من أن تهور بعض هذه الدول قد يأخذ المنطقة إلى مواجهة إقليمية وحتى عالمية.

تحدث الأمين العام لحزب الله عن سورية وما تمثل في هذه المعركة على أبواب اكتمال خمس سنوات من عمر الحرب. وقدّم تأكيداً إضافياً على خيار المقاومة النهائي والمستمر بالدفاع عنها بقداسة مقاومة «إسرائيل» لأن الأهداف واحدة. وجزم أن سورية ستبقى «عمود الخيمة» بالنسبة لمحور المقاومة وأن حزب الله لن يتأخر عن خوض أي معركة في أي مكان على قاعدة هذا الإيمان وهذه القناعة. وقال إن الشعب السوري هو الذي يقرر قيادته وحكومته وخيارات دولته الاستراتيجية وليس أي أحد آخر. وأعلن باطمئنان أن تطور الميدان السوري هو في مرحلة انتصارات حالية ووعد بانتصارات مقبلة في إطار الحرب الطويلة التي تستشرف النصر من بعيد، لكن طريق هذا النصر لا زال حافلاً بالتضحيات والمواجهات خاصة أن المتآمرين على سورية يعاندون بالتسليم بهزيمتهم.

ولفت السيد نصر الله إلى أن «إسرائيل» ليست الوحيدة ذات المشاريع في سورية، فإلى جانبها هناك المشروع السعودي والتركي والإرهابي والقاعدي وكل هذه المشاريع تصب في المصلحة الأميركية وهنا كان السيد واضحاً عندما أكد أن هذه المشاريع فشلت.

مصافحات ميونيخ الأخيرة

وفي العنوان الخليجي ومن خلال القراءة «الإسرائيلية» لمجموعة التحالف مع الخليج العربي، حذر السيد نصر الله من أن تشريع الأبواب العلنية أمام «إسرائيل» في العالمين العربي والإسلامي على قاعدة الحقد على إيران وحلف المقاومة ستكون نتيجته الحتمية ضياع قضية فلسطين التي تمثل ذروة بالنسبة لعدوان «إسرائيل» على السنّة بالتحديد، حيث تقع مسؤولية هذه الجريمة على عاتق دول الخليج وخصّ السعودية بالذات وغمز من مصافحات ميونيخ الأخيرة التي لا تشكل سوى رأس جبل الجليد في مساحات التلاقي والتحالف غير المعلن بين بعض هذه الدول و«إسرائيل»، متوقفاً باستهجان أمام سلوكيات الدول الخليجية مع العدو وهم يصافحونه ويحضّرون أنفسهم ليكونوا أصدقاءه، ولم يتردد السيد نصر الله في إطلاق صفة الخونة على مَن يصادقون العدو.

المقاومة تمتلك القدرات الهجومية والدفاعية

أما بالنسبة إلى مسألة الحرب مع «إسرائيل»، أكد السيد نصر الله ولو بشكل مرمّز على مخاوف «الإسرائيليين» من امتلاك المقاومة القدرات الهجومية والدفاعية الجديدة مع الحفاظ على سياسة الغموض البناء في هذه القضية ومارس هوايته الهادئة في الحرب النفسية على «الإسرائيليين» بدءاً من القيادة ممثلة برئيس الأركان الحالي غادي ايزنكوت وهو صاحب «عقيدة الضاحية»، وصولاً إلى الساسة والمؤسسة العسكرية ومراكز الأبحاث. وهذه الحرب النفسية كانت عبر استعراض قدرات خلاقة للمقاومة وطريقة تعاملها مع حاويات الأمونيا في مرفأ حيفا عبر سلاح الصواريخ، لافتاً إلى ما يتداوله «خبراء «إسرائيليون» وما يقولونه من أن الهجوم على هذه يوازي قنبلة نووية تماماً». وهنا تقول المصادر المتابعة لـ«البناء» إن السيد نصر الله توجه لـ«إسرائيل»: إياك اللعب بالنار والتفكير بحرب فالحرب المقبلة ستكون الثالثة والأخيرة، لأنها ستكون النهاية. هذه العبارة لم يلفظها السيد نصر الله لكنها بدت متَضَمَّنة في كلامه. ولفتت المصادر إلى أن مجرد أن يعيد السيد نصر الله قراءة هذه المعلومات مرة أخرى على الملأ، بمناسبة ذكرى قادة المقاومة الثلاثة السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والقائد عماد مغنية فإنه يضفي على هذه المعلومة «الإسرائيلية» بعداً نفسياً وواقعياً رادعاً يكفي لإشغال «الإسرائيليين» في تفسيراته لفترة طويلة.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.