السعودیة بین صراعات الداخل وتحدیات الخارج … ( تحليل واستنتاجات )

 

 

الأردن العربي – الوقت ( الأربعاء ) 28/1/2015 م …

 

في توقيت حرجٍ بالغ الأهمية على المستويين الإقليمي والدولي، رحل الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، تاركاً خلفه مملكة تعيش صراعات متنامية في الداخل وتحديات عظيمة في الخارج، فكيف سيكون مستقبل المملكة في عهد سلمان؟

يسجّل للنظام الملكي السعودي أنه أتاح إنتقالاً هادئاً وسلساً للسلطة، لا يحصل عادةً في أنظمة حكم مماثلة. صحيح أن أروقة القصر الملكي وباقي القصور، شهدت حراكاً وتسويات بقيت طيّ الكتمان، إلا أنّ القرارات الملكية الصادرة بعد ساعات على رحيل الملك، وقبل دفنه، كشفت حجم المداولات بين الأمراء وخطورتها، وبدا أنها صدرت في مرحلة دقيقة للغاية، لا تسمح بتأخير، ولوللحظة واحدة .

سلمان ملكاً ومقرن ولياً للعهد

أعلن الديوان الملكي السعودي مبايعة ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز ملكا للسعودية والأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد، وذلك بعد إعلان وفاة عبدالله بن عبد العزيز .

وقد نعى الملك سلمان أخاه عبدلله، مؤكداً “تمسكه بوحدة الصف وخدمة الشعب والاستمرار على النهج القويم الذي تأسست عليه المملكة “.

وقد ولد سلمان بن عبد العزيز آل سعود يوم ٣١ ديسمبر/كانون الأول ١٩٣٥ في العاصمة السعودية الرياض، وهو الابن الخامس والعشرون لمؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة عبد العزيز آل سعود، وهو أحد أبناء الملك عبد العزيز السبعة الأشقاء من زوجته حصة بنت أحمد السديري .

الملك الجديد دعا هيئة البيعة في العائلة المالكة التي تضم ابناء وأحفاد الملك عبد العزيز آل سعود إلى مبايعة الأمير مقرن كولي للعهد في البلاد، سيراًعلى خطى سلفه عبدلله .

وولي العهد الجديد في السعودية هو الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود الابن الخامس والثلاثون من أبناء الملك عبد العزيز الذكور وأصغر أبنائه الذين على قيد الحياة، وهو من مواليد عام ١٩٤٥ وليس له أخوة أشقاء .

التحق الأمير مقرن بالقوات الجوية الملكية السعودية طياراً حربياً وكان بذلك أول طيار من أبناء الملك عبد العزيز، وظل يعمل في القوات الجوية الملكية السعودية حتى عام ١٩٨٠ ثم عين عام ١٩٨٠ أميراً لمنطقة حائل، وظل بهذا المنصب حتى عام ١٩٩٩ عندما عين أميراً لمنطقة المدينة المنورة .

وفي ٢٠٠٥، عُيّن مقرن رئيساً للاستخبارات العامة خلفاً لأخيه الأمير نواف وظل يتولى المنصب حتى عام ٢٠١٢ عندما عُيّن مستشاراً للملك ومبعوثاً خاصاً له، وفي عام ٢٠١٣ عين مقرن نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، كما صدر أمر ملكي بتاريخ ٢٧ مارس ٢٠١٤ يقضي باختياره وليا لولي العهد .

في هذا السياق يؤكد مصدر سعودي مطلع أن الأمير مقرن بن عبد العزيز المحسوب على معسكر متعب بن عبدالله بن عبد العزيز، والذي كان بمثابة جسر لإيصال متعب الى الحكم، سوف يقضي فترة قصيرة في منصبه الجديد، وربما تكون قصيرة جداً، ومن ثم سيتم إعفاؤه من المنصب بمرسوم ملكي، حيث يتوقع أن يكون محمد بن نايف ولي العهد في القريب العاجل، وبذلك يكون قد تم القضاء على معسكر كان طوال سنوات ذو ثقل كبير في العائلة السعودية .

ويصف المصدر نفسه دور مقرن بن عبدالعزيز بالوظيفي، وأن هدفه تبريد أجواء الصراع المحموم على السلطة حتى حسم الخيارات، التي لن يستطيع بعدها مقرن الاستمرار في منصبه، فمقرن المنحدر من أم يمنية لا يمكن لآل سعود تقبله كملك .

محمد بن نايف وتكريس المُلك للجناح السديري

بينما كان السعوديون في الرياض يؤدون صلاة الجمعة أعلن الملك سلمان بن عبد العزيز تعيين الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز في منصب ولي ولي العهد مما يؤكد تكريس المُلك الى السديريين، وأصدر قراراً بطرد رئيس الديوان الملكي خالد التويجري”صانع الملوك” من منصبه، وهو الرجل الاقوى طوال السنوات العشرة الماضية التي حكم فيها الملك عبد الله بن عبد العزيز السعودية .

وبتولي الأمير محمد بن نايف منصب ولي ولي العهد تكون الولاية في الأحفاد قد ظهرت، ويكون مستقبل الحكم في السعودية قد ظهر لأول مرة، حيث أن محمد بن نايف سيكون أول الأحفاد الذين سيتولون الحكم في المملكة، وهو ما يعني أن الامير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز قد تلقى الضربة القاضية التي أطاحت به وخيبت أمله طوال حياته، بعد أن كان منذ سنوات يعمل من أجل أن يصل لاحقاً الى عرش السعودية، فقد استحدث والده منصب ولي ولي العهد في السعودية لأول مرة، وعين فيه الأمير مقرن في خطة كانت ترمي الى أن يتولى متعب هذا المنصب لاحقاً .

 

وكان الأمير متعب بدعم من والده الراحل حليفاً للرجل الأقوى في المملكة خالد التويجري، الذي كان يقول عنه السعوديون إنه الملك الحقيقي وإنه الآمر الناهي في البلاد، أما الحليف الآخر لمتعب والذي كان يدفع باتجاه إيصاله الى الحكم فهو الأمير بندر بن سلطان الذي كان رجلاً قوياً في المملكة خاصةً عندما تولى رئاسة جهاز الاستخبارات السعودية، قبل أن يطاح به من راس الجهاز، ومن ثم الان ينهار بشكل كامل بسبب انهيار المعسكر الثلاثي: (متعب – بندر – التويجري ) .

محمد بن سلمان..أصغر وزير دفاع بالعالم

ما زاد السعودية “سديريةً” هو تعيين محمد بن سلمان” ابن الملك، وزيراً للدفاع بالإضافة لاستلامه منصب رئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص للملك بالإضافة إلى عمله .

ولد الأمير محمد بن سلمان في الرياض عام ١٩٨٠، وتلقى تعليمه في مدرسة الأمراء بالعاصمة، حصل الأمير على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة الملك سعود في الرياض، ثم حصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون الأمريكية .

وبدأ عمله الحكومي مستشاراً بهيئة الخبراء للحكومة السعودية عام ٢٠٠٧ حتى عام ٢٠٠٩، فتم تعيين محمد بن سلمان بعد ذلك مستشاراً خاصاً للأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض آنذاك .

أصبح الأمير محمد بن سلمان مشرفاً على مكتب ولي العهد والشؤون الخاصة به، وذلك بعيد تولي الأمير سلمان ولاية العهد. وفي شهر أبريل/نيسان من عام ٢٠١٤ صدر أمر ملكي بتعيينه وزير دولة عضواً في مجلس الوزراء .

و تباينت ردود الأفعال حول القرار الملكي بتعيين “محمد بن سلمان” بالإضافة إلى المناصب السابق ذكرها “وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي” بين مؤيد ومعارض ومستنكر لصغر سن “محمد بن سلمان من ناحية، وعدم خبرته العسكرية من ناحية آخرى .

في ظل هذه الصراعات داخل البيت السعودي، يتوقع العديد من المحللين “حكما قصيرا” للملك سلمان، فهناك أسباب كثيرة تجعلنا نعتقد أن السعودية تتجه نحو أيام صعبة، ولعل “وجود ملك يعاني من الخرف، هو آخر شيء تحتاج إليه السعودية في هذا الوقت الصعب”، حسب وصف الباحث في معهد واشنطن، سايمون هندرسون .

تحديات المملكة الخارجية في ظل سلمان، وموقف الأخير من الملفات الإقليمية الساخنة

جاءت التغييرات التي أجراها الملك الجديد للسعودية سلمان بن عبد العزيز في دائرة البلاط الملكي، مثيرة لكثير من التكهنات حول تأثيراتها على السياسة الخارجية للمملكة في العهد الجديد، فالسؤال الذي يُطرح بعد غياب الملك عبد الله عن المشهد: هل ثمة تغييرات مرتقبة في السياسة السعودية إزاء الملفات الإقليمية الساخنة؟

توقع عدد من الخبراء بتغيير السياسة السعودية بعد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأشار الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست”، الى أن نجاح سلمان في التخلص من خالد التويجري -أمين الديوان- الذي يعتبر لاعبًا رئيسًا في صناعة السياسة الخارجية، سيلقي بظلاله على سياسة السعودية في بعض الساحات ولو بشكل جزئي، ولعل البحرين خارج هذه المعادلة.

اذاً، سلمان سيواجه تحديات أمنية و سياسية متشابكة، خاصةً أن شمال المملكة أضحى في تماس واحتكاك مع تنظيم “داعش” في كل من العراق و سوريا، بينما خسرت السعودية جنوباً أورقها ورجالها في اليمن بعد أن تعاظم دور أنصار الله.

على الصعيد الاقتصادي، يشير مركز «ستراسفور» للدراسات إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه السعودية في المرحلة المقبلة يتمثل في تراجع أسعار النفط، حيث تعد الأموال البترودولارية التي تحصدها السعودية من بيع البترول الوسيلة الرئيسية للحفاظ على الاستقرار الداخلي، كما أن دبلوماسيتها تعتمد كثيرًا على استخدام أموال النفط في تأييد الحلفاء وتدعيم مواقفهم السياسية داخل دولهم.

الامارات والعداء مع محمد بن نايف

تشير تقارير إعلامية إلى أن العلاقة بين محمد بن نايف، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ليست جيدة، حيث كان بن زايد قد هاجم الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي الأسبق وولي العهد السابق، ووصفه بكلمات مشينة أثناء مباحثات له مع أحد المسؤولين الأمريكيين.

ويعرف عن الشيخ محمد بن زايد عداؤه الشديد لولي ولي العهد الجديد في السعودية، الأمير محمد بن نايف، ولوالده الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، ولقد أظهرت ذلك وثائق وكليكس، التي قالت في تسريبات لها في مارس الماضي: إن محمد بن زايد وصف الأمير نايف بـ “القرد”، حيث قال لمدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ريتشارد هاس، في عام ٢٠٠٣، وهما يتحدثان عن الأمير نايف: “إن أخلاقياته وتصرفاته أقنعتني بنظرية داروين التي تقول: إن الإنسان يتطور من الأسفل إلى الأعلى”.

ويؤكد مهتمون بالشأن السعودي، أن الارتباط كان قويًا بين خالد التويجري رئيس الديوان الملكي للملك الراحل، وزملائه من المحافظين الجدد في منطقة الخليج الفارسي ، وعلى رأسهم في الإمارات محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، وقد كان أول قرار للملك الجديد الإطاحة به من منصبه، وتعيين ابنه الأمير محمد بن سلمان رئيسًا للديوان الملكي. علاقة محمد بن زايد مع نجل الملك السعودي الراحل، الأمير متعب بن عبد العزيز، كانت وثيقة، إلا أن انقلاب السديريين الناعم حرم متعب ومن خلفه محمد بن زايد من تلك الفرصة لصالح محمد بن نايف، فكيف ستكون علاقة السعودية مع الامارات، وهل ستؤثر الأزمة بين الطرفين خصوصاً بعد غياب بن زايد عن مراسم تشييع الملك عبدالله، على العلاقة بين البلدين؟

الشأن المصري وغياب السيسي عن الجنازة

لم يحضر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مراسم دفن الملك عبدالله بن عبد العزيز بحجة سوء الظروف الجوية ما اعتبره البعض تصرف ناتج عن شعور السيسي بتغير المزاج العام في القصر السعودي، ففي حين يرى مراقبون أن الملك الجديد سيعمل على تطوير علاقته مع مصر بحكم أن ( الأمير ) الملك سلمان هو من كان يدير الملف المصري، يرى آخرون أن تصرفات الرئيس المصري لا توحي بذلك، لأن إعلان السيسي قطع زيارته لمنتدى دافوس وحضوره الجنازة، قبل أن يعود ويتراجع بدعوى سوء الأحوال الجوية (بعد إعلان عدم حضور ولي عهد أبو ظبي ونائب رئيس دولة الإمارات للجنازة) “حجة واهية”، فطائرة ملك الأردن عبدالله طارت ووصلت السعودية بعد أن أنهى الملك الأردني مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا مبكرا تماما كما قال السيسي إنه فعل.

في هذا السياق قال نبيل فهمي -وزير الخارجية الأسبق في مصر: “إن هناك قدر من التغيير في السياسة الخارجية السعودية بعد وفاة الملك”، وقد أوضحت بعض التقارير أن هناك محاولتان قد جرتا من قبل مستشارين للملك سلمان للتواصل مع قيادات من المعارضة الليبرالية المصرية بينهم محام وليس منهم أحد من الإخوان المسلمين لكن توجد اتصالات بينهم.

من جانبه أشار الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، إلى أن الملك الجديد وحاشيته، يتخذون اتجاهًا مختلفًا نحو الشأن المصري، مما اتخذه الملك الراحل وسكرتيره الخاص، خالد التويجري، وابنه متعب بن عبد الله.

سوريا

لا نستغرب ان يقدم الملك سلمان على تغيير سياسة بلاده في سورية وبدء انسحابها التدريجي، لانه لا يوجد لديه مشكلة شخصية مع الرئيس الاسد على غرار شقيقه الراحل، الذي لم يغفر للرئيس السوري استخدام وصف “اشباه الرجال” في اشارته الى الزعماء العرب في مؤتمر للقمة العربية في شرم الشيخ، كما أن ظهور تنظيم داعش الارهابي قد يساعد في ارساء العلاقة من جديد بين البلدين، لكن ومع سطوع نجم محمد بن نايف ، سيبقى القرار السعودي تجاه الرئيس الاسد رهن الاشارات الأمريكية.

ايران.. هل من جديد؟

لا جديد حالياً في موقف الملك الحالي تجاه الجمهورية الاسلامية الايرانية ، ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط”فريديريك وِيري”، أن السعوديين يشعرون بالقلق من البرنامج النووي الإيراني، لكنهم في الواقع أكثر قلقًا من احتمال أن يؤدّي تقارب إيران مع الولايات المتحدة إلى تهميش الرياض، ولاتريد السعودية لطهران أن تحلّ محلها، لذلك ان تمديد المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق نووي نهائي، قد يلقي بظلاله على الموقف السعودي تجاه ايران.

نمو تنظيم “داعش” الارهابي وسفكه للدماء في العراق و سوريا ادى الى تعقيد المعادلة بشكل اكبر، اذ انه “توجد دلالات من قبل السعودية وايران على رغبتهما في التقليل من التوتر للتمكن من مواجهة داعش”، وفقا لما يراه حارث القرعاوي من معهد رادكليف في جامعة هارفارد للدراسات المتقدمة، الذي اضاف بانه “في الوقت نفسه، من المستحيل الانتقال من المعاداة الی التحالف بشكل سريع.”

في الخلاصة، الأيام القادمة حبلى بمتغيرات جذرية للسعودية، و لا شك أن الرياض تقف على أعتاب مرحلة انتقالية، فتحدياتها متشابكة بشكل كبير، لأن مكافحة داعش تتطلب تنسيقًا مع إيران في الوقت الذي تسعى فيه السعودية لمواجهة الأخيرة، كما أن الابتعاد عن الحركات السلفية يقوي حركات مثل الإخوان المسلمين.

اذن خيارات الملك الجديد سلمان مصيرية و شديدة الحساسية على الرياض والمنطقة.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.