أتاكم نصر الله بالبينات فهل أنتم مهتدون؟ / محمد شادي توتونجي
محمد شادي توتونجي ( الأحد ) 21/2/2016 م …
دائماً وأبداً ما يضع السيد النقاط على حروفها ، ويصوب اتجاه البوصلة لمن ضل عنها ، وينير عقول من ضُللوا وغُـرر بهم من الشعوب التي تعبث حكامها بعقولها ومصائرها وتسير بها على خطا الأحقاد والعمالة والكيدية ، عبر التلاعب بالمصطلحات وتضليل البوصلة بمغناطيس الفتنة والخطابات الدينية التحريضية ، وهذا ما أكدته اتجاهات خطاب سماحة الأمين العام حسن نصر الله في خطابه الأخير بذكرى القادة الشهداء حيث دخل إلى نقاط خطابه من الزاوية الإسرائيلية وكيف تتطلع للمنطقة من زاويتي سورية ولبنان .
وكعادته فإن سماحة السيد حسن نصر الله لا يلجأ إلى الكذب والتضليل حتى في الحرب الإعلامية مع الكيان الصهيوني ولا مع غيره ، وتكلم عن أن مؤتمرات الكيان الإسرائيلي السنوية التي يحضرها ويقرر فيها ويقدم توصياتها هم النخبة من مفكري الكيان والقادة السابقين والحاليين في الجيش والاستخبارات الذين يحللون تطورات المنطقة بواقعية وصدق ليحددوا الأهداف ويراجعوا ما تم إنجازه وأين ارتكبوا الأخطاء ، وكيف يمكن أن يتداركوا الخلل ، ويقدمون توصياتهم لخدمة ” إسرائيل ” ، وهو الأمر الذي يغيب كلياً عن الحكومات والقيادات في المعظم الغالب من الدول العربية والإسلامية.
ولعل أبرز ما يميز هؤلاء الخبراء هو تتبعهم وإصغاؤهم بكل جدية وانتباه وتركيز وتدقيق على الخطابات التي يدلي بها سماحة الأمين العام لحزب الله وهم يعلمون يقيناً بصدقه ودقته وجديته ، وهذا ما تؤكده كل التقارير الصحفية والبرامج التحليلية والبرامج الحوارية التلفزيونية في كيان العدو بعد خطاب سماحة الأمين العام مباشرة ، وكيف أن الكيان الصهيوني أصيب بذعر كبير على مستوى القيادة والجبهة الداخلية بعد تحذير السيد نصر الله من استهداف خزانات الأمونيا في حيفا.
وقد بيّن السيد بوضوح شديد وبالمسميات الطائفية التي لا يطيقها ، لكنه اضطر لاستخدامها حيث أن الخلاصات التي وصلوا إليها بأنهم يعتبرون أنفسهم أنهم أمام فرصتين وتهدديين : الفرصة الأولى: تشكل مناخاً مناسباً لإخراج الكثير من العلاقات من تحت الطاولة إلى فوقها مع الدول العربية السنية والتي تصب في مصلحة إسرائيل مستفيدين من المواجهة العربية لتلك الدول مع إيران.
والثانية : هي إمكانية تغيير النظام في سورية ، لأن سقوط النظام في سورية سيلحق ضربة قاصمة لمحور المقاومة ، ولهذا فإن ملخص الحرب على سورية ومنذ اللحظة الأولى هي الحرب على الرئيس الأسد لما يمثله من دور وفكر في قلب محور المقاومة ككل.
أما أول التهديدين فهو: إيران وما تشكله من تهديد وجودي كامل بالنسبة للكيان الصهيوني قبل أن تكون نووية ، فكيف سيكون الحال بعد أن أصبحت كذلك ، وبدأ التهافت الدولي عليها ، ورفع الحظر عنها وعن أموالها والتي يتيقن الصهيوني تماماً بأن النصيب الأوفر من هذه الأموال سيكون لمصلحة المحور المقاوم في سورية وفلسطين وحزب الله بشكل مؤكد.
والتهديد الثاني : فيتمثل في حركات المقاومة في فلسطين ولبنان ، ويصنف حزب الله أنه تهديداً أساسياً ، الأمر الذي جعلهم يتحدثون ويقولون ” حرب لبنان الثالثة “.
وقد صوب سماحة الأمين العام البوصلة في خطابه بالحديث عن تلك الفرص والتهديدات حيث تحدث بوضوح عن الفرصة الأولى فقال :
أنهم يعملون وبكل جهد لتحويل الصراع في المنطقة إلى صراع ” سني – شيعي ” ، عبر أضخم وأعتى ماكينات إعلامية ورموز دينية باستخدام الخطابات الدينية التحريضية العفنة الطائفية للتفريق بين المسلمين السنة والشيعة والتركيز على إبراز فكرة أن إيران ” الشيعية ” هي الخطر لا بل العدو الأخطر تمهيداً لتقديم سورية عدو وحزب الله عدو.
وسياسة الشيطنة هذه ليست جديدة على هذا المحور الممتد من اسطنبول إلى الرياض مروراً بتل أبيب ، فكلنا يذكر كيف أسقط الإخواني أردوغان قناعه الطائفي البغيض ، عندما وصف في أحد خطاباته النظام السوري بالنظام ” العلوي ” ، وكيف أن مفتي قبيلة آل سعود وصف الحرب الغاشمة على اليمن بأنها حرب طائفية لمواجهة الشيعة في اليمن ، ولوقف التمدد الشيعي في المنطقة .
وكذلك الإلحاح والإصرار الأمريكي على تسليح مناطق أهل السنة في العراق للدفاع عن أنفسهم في وجه التمدد الشيعي توطئةً لتنفيذ مخطط سيء الذكر جوبايدن بتقسيم العراق طائفياً ، وهو الأمر نفسه الذي تسعى إليه حكومة الكيان الصهيوني في سورية لتقسيمها طائفياً وعرقياً وصولاً لتفتيت المنطقة بأكملها إلى كانتونات صافية من الطوائف الضعيفة المتناحرة ليتم وبشكل منطقي وبسياسات التهجير ومنع عودة اللاجئين الفلسطينين إلى أراضيهم إلى إعلان يهودية الدولة في فلسطين المحتلة. وهذا ما يؤكده تطابق الأدبيات الإعلامية الإسرائيلية تماماً مع إعلام السعودية ، والعمل الدؤوب سراً وعلناً على إشعال تلك الحرب وتثبيت تلك المفردات لترسيخها إعلامياً في أذهان شعوب المنطقة التي يتم تدجينها عبر استخدام الصفحات الصفراء ومحطات معممة بلبوس الدين المتطرف الذي لا يقبل الآخر ، وكل من خالفهم فهو كافر ودمه حلال.
وأكد سماحة السيد بأن الإسرائيلي يحاول تقديم نفسه كصديق لأهل السنة بسبب الأبواب التي فتحت له من حكومات تلك الدول الجاهلية ، والتي تروج يومياً لوصفه صديقاً وحامياً وحليفاً لأهل السنة في مواجهة ” الخوارج والرافضة ” ، وأشار سماحة السيد إلى مصافحة العار العلنية بين تركي الفيصل الرئيس السابق للمخابرات السعودية وموشي يعلون وزير الأمن في كيان العدو الإسرائيلي في مؤتمر ميونخ .
وطرح سماحة الأمين العام أسئلة لأؤلئك المدعين في تصويبه للبوصلة تجاه فلسطين وقال : أليست الأرض في فلسطين سنية ، أوليست الأوقاف التي تدنس في فلسطين هي قانونياً أوقاف سنية ، وكيف يقبل من يدعون أنهم قادة الدول السنية أن يقبلوا الكيان الصهيوني صديقاً وحامياً ، وهناك عشرات الآلاف من الشهداء الفلسطينين عبر سنوات الاحتلال أمامهم.
ويوضح سماحة الأمين العام خطورة هذا المشروع بقوله : إن تثبيت ” إسرائيل ” كحليف لأهل السنة له معنى واحد فقط ، هو أن فلسطين قد ضاعت للأبد.
ولعل الأبرز في خطابه كان عبر الكلام عن أوهام التدخل البري لقوات آل سعود والعثمانين في سورية ، وبالرغم من صعوبة وحماقة اتخاذ هذا القرار ، ولكنه حسم الموقف على طريقته التي ترسخ النصر في قلوبنا حيث قال:
” إذا إجوا مليح ، وإذا ما أجوا مليح كمان ، لأنهم إذا ما أجوا بتكون خلصت قصة سورية وبدها شوية وقت ، وإذا أجوا بتكون خلصت قصة المنطقة كلها وبيكون بدها شوية وقت “.
وحسم السيد الموقف كله بتوصيف فشل هذا المحور في المنطقة فقال:
– إسرائيل فشلت في سوريا حتى الآن ، لأن الهدف كان إسقاط النظام ولم يسقط بل يتقدم ، وفشلت في التقسيم لأن الجيش السوري وحلفاءه يقاتلون في سورية.
– كما فشل مشروع القاعدة في السيطرة على سورية ليتمدد منها إلى لبنان ودول المنطقة ومصر والشمال الأفريقي.
– وكذلك فإن تركيا أيضاً فشلت في مشروع الإمبراطورية واستعادة أوهامه في قيام السلطنة العثمانية الجديدة ، وتحقيق نظرية العمق الاستراتيجي لمنظّر الإخوان أحمد داوود أوغلو.
– والسعودي سقط أيضاً وهو يتجرع كأس أحقاده وفشله من اليمن إلى لبنان فسورية والعراق ، وهو يتجرع كأس الهزائم مراً علقماً داخلياً وخارجياً ، حيث أن كل بوادر الانهيار الاقتصادي تلوح أمام أعين حكام أرض شبه جزيرة العرب بسبب تعنتهم وحقدهم وسياساتهم الكيدية في التعامل مع ملفات المنطقة
وفي الخلاصة ، قال السيد : أنه يجب أن يعلم الجميع أن إرادة الصمود في سوريا انتصرت حتى الآن ، وبالرغم من السنين الخمس التي كانت قوية جداً على سورية وشعبها وقيادتها وجيشها وحلفائهم ، وأكد على أنه لن يٌسمح لا لداعش ولا أمريكا ولا تركيا ولا إسرائيل ولا السعودية بأن يسيطروا على سورية أو يهزموها أو يدمروها لأن سورية هي عمود خيمة محور المقاومة في المنطقة ، وأكد بأنه نحن في حزب الله نفتخر أننا ساهمنا بمقدار طاقتنا في مواجهة هذه المشاريع الخطيرة ، وبأننا شركاء بالدم المقاوم ، وبأن دماء شهدائنا الذي ذرفت في سورية هي نفسها التي سفكت في حرب تموز، وهذا كان تصويب واضح للبوصلة بأن العدو الذي نقاتله في سورية بكل مسمياته هو أما صهيوني مباشرة أو صهيوني مداورة زُرع وأُوجد لخدمة الكيان الصهيوني في تدمير محور المقاومة ، واختصر سماحته بجملته الشهيرة ” سنكون حيث يجب أن نكون “
وثبت السيد المعادلة الذهبية للانتصارات عندما قال : إن ما يمنع إسرائيل من الحرب على لبنان هو أن إسرائيل لن تدخل حرباً لا يكون فيها النصر غير محسوم ، ونصرها في حربها الثالثة غير محسوم بسبب وجود مقاومة وحضن لهذه المقاومة وهو الشعب وجيش وطني جامع.
التعليقات مغلقة.