الأمة والقومية / جورج حدادين
جورج حدادين ( الأردن ) الإثنين 22/2/2016 م …
في سياق مشروع مطروح على صفحات ” ميسلون ” المفاهيم والمضامين نتطرق إلى مفهوم الأمة ومفهوم القومية، لفتح باب حوار حول المفاهيم من اجل محاولة التوحد حول المضامين.
لا بد من مقدمة توّضح وتمّيز هذين المفهومين – الأمة والقومية – كمفهومين مستقلين، حيث أن هناك التباس كبير في التمييز بينهما، وخاصة لدى النخب التي تتحاور حولهما.
باختصار شديد وللتوضيح يمكن تحديد تعريف مبسط ومكثّف جداً ليشكل مدخلاً للموضوع:
الأمة هي بنية والقومية هي ايدولوجيا.
الأمة: بنية اجتماعية لمجموعة بشرية محددة ترتكز على منظومة روابط اقتصادية وثقافية وحضارية ولغة وارض مشتركة ومجموعة خصوصيات من التكوين النفسي والعادات والتقاليد والسلوك، وتتمايز بخصوصيات البنى الفوقية والبنى التحتية لتكوين جمعي تراكم من الماضي السحيق إلى الحاضر الراهن، أي أن الأمة تتشكل كبنية عبر صيرورة تاريخية خاص بها وحدها، لا تتحدد بفترة زمنية محددة، فالأمة العربية هي نتاج تراكمات كافة الحضارات السابقة التي بناها الإنسان المنتج على هذه الأرض الجغرافية عبر التاريخ، بما فيها اللغة، وبناء عليه فأن مقولات المكونات والأقليات ومصالحها والحفاظ عليها، مقولات غير تاريخية غير علمية وتتعارض تماما مع صيرورة تشكل الأمة.
القومية: ايدولوجيا نسق من الأراء والأفكار والنظريات السياسية والحقوقية والدينية والأخلاقية والجمالية والفلسفية، مرتبطة بفترة محددة أو مرحلة محددة من التاريخ، وكونها جزء من الوعي الاجتماعي فأنها تتحدد بظروف حياة المجتمع المادية وتعكس منظومة العلاقات الاجتماعية الاقتصادية السائدة.
لم تعرف القومية بمعناها الحديث – ايدولوجيا – إلا نهاية القرن الثامن عشر، خلال فترة الانتقال من التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية الإقطاعية إلى التشكيلة – الاقتصادية الرأسمالية، وفي هذه الفترة بالذات تشكلت دول الرأسماليات القومية تبعاً.
في حين كانت وما زالت دول الماقبل رأسمالية تتبنى ايدولوجيا دينية، وسادت لغة الحامل للدين المحدد كلغة رسمية لكافة المجتمعات التي تبنت الدين المحدد، وخاصة النخب التي تشكل الرأي العام في المجتمع.
كافة دول مجتمعات التبعية الماقبل رأسمالية، هي بالضرورة دول دينية بغض النظر عن شكل تطبيقه، حيث تتضمن دساتيرها كافة بند دين الدولة، بما فيها الدول العربية التي تبنت الايدولوجيا القومية.
يجري في هذه المرحلة محاولات تفكيك الدول وتفتيت المجتمعات، بناء على تفكيك الايدولوجيا الدينية، التي هي في الواقع ايدولوجيا دول التبعية الماقبل رأسمالية، وهو ما نلمسه اليوم من سهولة تفكيك هذه الايدولوجيا الدينية الشمولية إلى عناصرها البدائية المذهبية ( سنة شيعة يزيدين علويين دروز…الخ) وتبعا تفكيك دول عربية تتبنى ايدولوجيا قومية – دينية هجينه، ليبيا العراق سوريا.
نتيجة لتقسيم العمل على الصعيد العالمي ، تشكلت أمم المركز الصناعي المنتج مقابل أمم أخرى هي أمم المحيط المستهلكة، ونتيجة هيمنة المركز على المحيط تحولت أمم المحيط إلى أمم تابعة، وبسبب هذه التبعية تأثرت بنيتها وتشوهت أيديولوجيتها الخاصة.
بعد الحرب العالمية الأولى تم تفكيك الدولة العثمانية الدينية الإقطاعية، حيث تمكنت المجتمعات الأوروبية التي كانت تحت الحكم العثماني من بناء دول الأمة، وبالمقابل لم تتمكن القوى السياسية العربية آنذاك ، بسبب موقفها المهادن والتابع لقوى الاستعمار، بالإضافة إلى مخطط التقسيم سايكس – بيكو الذي تبناه المركز الرأسمالي العالمي، من بناء دولة الأمة العربية.
تلعب حركات التحرر الوطني كبنى نضالية ، أطر الضرورة التي تمّكن كافة الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، والقوى الممثلة لها من التوحد على مشروع نضالي، الذي هو بالضرورة مشروع التحرر الوطني، مع الحفاظ على الخصوصيات الايدولوجية للشرائح والقوى الممثلة لها، إن انجاز التوحد على هذا المشروع وحده ما يمكّن من تحرير الأمم التابعة، ويضمن استقلالها وتطورها ويرسخ الوعي التاريخي الجمعي لها، وبذلك يمكن الظفر بالاستقلال الوطني الناجز وتكوين دولة الأمة التي تضمن السيادة، والتي تشكل شرط رئيس لضمان تطور الأمة سياسياً واقتصاديا وثقافيا.
التعليقات مغلقة.