إخوان مصر.. مآل الخلافات المستحكمة داخل «الجماعة» / فؤاد محجوب

 

فؤاد محجوب ( مصر ) الخميس 25/2/2016 م …

  الانقسام داخل الإخوان هو صراع بين أجيال ورؤى متباينة فيما بينها بشأن أهداف الجماعة واستراتيجيتها

يمرّ تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بواحدة من أصعب مراحله التاريخية، وذلك على وقع خلافات وانقسامات داخلية عميقة كادت أن تتسبّب بشطر التنظيم إلى جماعتين متصارعتين على الأقل، في وقت فشل فيه بتنظيم احتجاجات مؤثرة في الذكرى الخامسة لثورة «25 يناير»، وفي وقت ينحسر فيه كذلك الدعم المالي والسياسي السخيين اللذين كانت تحظى بهما الجماعة، بسبب اهتمام القوى الإقليمية الداعمة لها بانشغالات وأزمات متصاعدة، داخلها أو حولها.

ويتمحور الخلاف الناشب داخل «الجماعة» حول تقييم ما جرى لها بعد الثورة ووصولها إلى الحكم، ومحاولة الاتفاق على النهج الأمثل لإدارة الصراع مع الحكم الحالي، والاستراتيجية الواجب تبنيها في مواجهته، وهل يقع عليها الاستمرار في التزام السلمية أم اللجوء إلى ممارسة العنف، والانخراط في العمل المسلح ضده، بعد أن اعتبرت أنه «انقلب عليها وأطاح بسلطتها المنتخبة»؟.

خلافات محتدمة

ووصلت الخلافات إلى ذروتها خلال نهاية العام الماضي، عقب إعلان مكتب الجماعة في لندن إقالة محمد منتصر من مهمته كمتحدث إعلامي باسمها، وتعيين طلعت فهمي متحدثاً جديداً بدلاً منه، وهو ما رفضته قيادات في الداخل. وتلا ذلك تدشين موقع إلكتروني جديد للجماعة، واستمرار إصدار بيانات مضادة بين قيادات داخل الجماعة ومكاتب تنفيذية فيها، حول إدارة التنظيم وشكل التحركات التي ينتهجونها ضد النظام المصري.

وتقول السلطات المصرية إن أعضاء في «الإخوان» مسؤولون عن عمليات عنف واغتيالات استهدفت قوات الأمن وتخريب منشآت الدولة، وإنهم منخرطون في ما يُسمى «اللجان النوعية»، المسؤولة عن التخطيط وتنفيذ تلك العمليات.

وأوضحت النيابة العامة أن الناطق باسم الجماعة محمود غزلان، أقر في التحقيقات معه بأن القيادي في الجماعة محمد كمال مسؤول عن تشكيل تلك اللجان من دون علم قيادة الجماعة، التي رفضت الفكرة وأكدت انتهاجها السلمية، لكن توقيف غالبية قادة «الإخوان» حال دون التصدي له.

احتمالات الانهيار الداخلي

وكان «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» نشر دراسة بالتزامن مع ذكرى «25 يناير»، تحدّث فيها عمّا أسماه «انهيار قيادة تنظيم الإخوان في مصر»، وتداعيات هروب ما تبقى من قياداته إلى المنفى والصراع الداخلي الذي يتحكم في وجهة قيادته الداخلية.

وأوضح إريك تراغر، معدّ الدراسة، أن محمود عزت، الذي يوصف بـ«الرجل الحديدي» في الجماعة، نجح في الفرار إلى تركيا، وإعلان نفسه نائب المرشد العام، لكن هروبه هذا تسبّب في انهيار الانضباط الداخلي للتنظيم، وتفجّر خلاف حاد برز إلى العلن منذ ربيع العام 2015، معتبراً أن «الانقسام داخل الإخوان هو صراع بين أجيال ورؤى متباينة فيما بينها بشأن أهداف الجماعة واستراتيجيتها».

لكن، وعلى رغم الانقسامات والصراعات الجارية على موقع القرار والسلطة داخل الإخوان وتعدد الهيئات القيادية، بين من هم في داخل السجون، ومن هم خارجه، وبين من بقي داخل مصر، ومن انتقل إلى الخارج، وتَحوّل هذه الهيئات جميعها إلى منصات متناحرة، فإن هناك من يستبعد حتى الآن حدوث انشقاقات فعلية داخل الجماعة، لأن ذلك معناه تقوية الجناح المتطرف، الداعي إلى استخدام العنف، وهو ما ترفضه الدول الداعمة للجماعة، حسب بعض المراقبين، من منطلق الحفاظ على ورقة الإخوان وعدم التفريط بها، واعتبار أن استمرار وجود هذه الورقة يظل ضرورة استراتيجية بالنسبة لها؟!.

مبادرة القرضاوي

في ظل هذا الواقع، وبعد أن نقل مقربون من «الجماعة» أنها أخذت بالتشظي فعلاً، ووصل الحال بقياداتها في تركيا إلى مرحلة الصراع المعلن على المؤيدين، جاءت مبادرة «الداعية» يوسف القرضاوي، المقيم في قطر والمعروف بدعمه للجماعة، بدعوة طرفي النزاع إلى الحوار والتوافق حول معالجة مشاكل التنظيم الداخلية، و«التعاون في ما بينهما في إطار مؤسسات الجماعة، حتى إجراء الانتخابات».

ولقد تباينت تقديرات ردود الفعل داخل الجماعة على هذه الدعوة، فهناك من ذكر بأنها لم تلق صدى كبيراً لدى قيادات الجماعة، مرجّحين فشلها ومعتبرين أن الوضع داخل الجماعة «وصل إلى نقطة اللاعودة». وفي المقابل نقل عن مصادر أخرى، أن الفريقين المتصارعين وافقا على المبادرة وأبديا تجاوباً تجاهها.

كما قال مراقبون إن الغرض الرئيسي من المبادرة هو محاولة امتصاص غضب الشباب، وتهدئة الأجواء الساخنة داخل الجماعة، والإيحاء بأن القيادات التقليدية على استعداد للوحدة في الفترة المقبلة، كمحاولة لمنع انشقاق الشباب، وانضمامهم إلى جماعات تكفيرية متشدّدة.

مآلات الصراع

ويرى محللون أن مآلات الصراع داخل الجماعة تتأثر إلى حد كبير بتفاعل عوامل أساسية منها:

1ـ موقف الحاضنة الشعبية لـ «الإخوان»، والتي يعتبر هؤلاء أنها شهدت في الآونة الأخيرة انحساراً واضحاً أثر على أنشطة الجماعة الاحتجاجية.

2ـ موقف نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي من جماعة «الإخوان» ككيان سياسي، وهل سيستمرّ في انتهاج سياسة «الاجتثاث» ضدها، أم سينعطف في مرحلة لاحقة تجاه إمكانية المصالحة والتعايش معها؟. ويلاحظ المحللون أنّ تشدد النظام تجاه «الإخوان» ترافقه إشارات غامضة الى إمكانية المصالحة معهم، وهو ما يؤثر بدوره على حسابات «الإخوان» والأطراف الداعمة لهم.

3ـ حجم الدعم الخارجي والإقليمي للجماعة، والذي يأتي في معظمه من قطر وتركيا و«التنظيم الدولي» للإخوان. ومن البديهي أن يحظى الدعم الخارجي المقدّم للجماعة بأهمية كبرى في الوقت الحاضر، وخاصة بعد أن تمّت مصادرة مصادر تمويلها الداخلية. ويرجّح المحللون أن يكون التيار الأكثر قدرة على توفير التمويل هو الأقرب إلى حسم الصراع لمصلحته داخل الجماعة.

ولكن يجدر الانتباه هنا إلى أنّ قطر باتت تعاني من أزمة مالية كبيرة نتيجة التراجع الحاد في أسعار النفط، وبات المزاج العام فيها يميل إلى التركيز على تقليص النفقات ورفع الدعم عن المحروقات وإيقاف العمل في مشاريع كبرى، بدلاً من العمل على زيادة النفوذ السياسي الإقليمي للدوحة عبر دعم الإخوان المسلمين، مالياً أو سياسياً.

وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا، التي تبدو اليوم منشغلة أكثر بصراعها الدموي مع أكرادها الذين يطالبون بحكم ذاتي في المحافظات التركية الجنوبية من جهة، وبتداعيات الحرب في الساحة السورية التي تمرّ بمنعطفات ميدانية نوعية، على نحو مضاد تماماً، للآمال والأهداف التي كانت أنقرة تسعى إليها في سوريا.

أما بالنسبة للدعم السياسي الذي كان يقدّم للجماعة من بعض العواصم العالمية، فمن الواضح أنه بات الآن عرضة للمراجعة العميقة (كما حصل في لندن مؤخراً)، ولكن أغلب الظن أن الموقف النهائي لهذه العواصم سيرتبط بمآل الصراعات والحروب التي تشهدها المنطقة، بما فيها الحرب على «داعش» والإرهاب، ومستقبل «النظام الإقليمي» الذي يجري الإعداد له، ومستقبل ودور قوى وجماعات «الإسلام السياسي»، تالياً، في ظل هذا «النظام» العتيد والترتيبات الإقليمية الجديدة المتوقعة.

ويُلاحظ هنا أيضاً، أن فرضية استمرار وجود «الإخوان»، كجماعة إسلامية معتدلة في مواجهة بعض جماعات الإسلام السياسي المتطرفة الأخرى، مثل «القاعدة» و«داعش»، لم تعد صالحة أو مغرية للكثير من العواصم المعنية، من منطلق أن «الإخوان» لم يقدموا ما يبرهن على انحيازهم الأصيل لقيم الديموقراطية وآلياتها، إنما سعوا، على الضد من ذلك، إلى الانفراد في الحكم، ومحاولة «أخونة» الدولة والمجتمع، حتى لو ترافق ذلك مع غض النظر عن نشاط تنظيمات تكفيرية وإرهابية معروفة؟!.

قررت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تعديل نظامها الداخلي، وفك ارتباطها بإخوان مصر، وسط تباين التقديرات حول أسباب ودوافع هذه الخطوة.

واعتبر قيادي منشق عن «الجماعة» أن هذه الخطوة تهدف إلى تجنب صدور قرار بحظر نشاط الجماعة داخل المملكة، مشيراً إلى أن الجماعة في الأردن تعاني حالة شديدة من الانقسام. واعتبر أن إقرار التعديلات التي تفصل بين إخوان الأردن وإخوان مصر بمثابة تأكيد على تصدّع «التنظيم الدولي للجماعة». وكانت «جماعة» الأردن تعرّضت لانتقادات شديدة بسبب ارتباطها بجماعة الإخوان في مصر، وذلك منذ سقوط نظام الرئيس محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013، وإدراج الإخوان ضمن قوائم الجماعات الإرهابية في مصر.

لكن قياديين في التنظيم الأردني نفوا أن يكون التعديل الجديد مرتبطاً بتأزم العلاقة بين الإخوان والجهات الرسمية، علماً أن علاقة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مع السلطات شهدت توتراً حاداً في العام الماضي، تجلّى في اعتقال نائب المراقب العام زكي بن أرشيد، ومنح السلطة تصريحاً لمنشقين عن الجماعة لتأسيس كيان جديد يحمل الاسم ذاته؛ «جمعية جماعة الإخوان المسلمين» ويرأسه مراقب عام الجماعة الأسبق عبدالمجيد ذنيبات.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.