محاولة للفهم … نحن والمشهد الاسرائيلي
الخميس 25/2/2016 م …
لا تحدث الشكوى من تصعيد الاستيطان والقتل أية أصداء ، طالما لا ترفق بإجراءات عملية
تبنى حزب العمل الإسرائيلي رسمياً خطة شارون بالانفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد، خطوة رآها الكثيرون تعبيراً عن إفلاس الحزب من جهة، واستمرارا لمسار التحاقه باليمين الذي كان يرفع يافطة مناوءته.
الحالة التي يمر بها حزب العمل وغيره من الأحزاب الصهيونية رسخت مشهداً سياسياً وحزبياً مكّن نتنياهو من فرض زعامته على رأس هذا المشهد في ظل غياب منافسة جدية على هذا الموقع، وأتاحت له حيزاً واسعاً من المناورة داخل صفوف إئتلافه الحكومي وخارجه. هذا أيضاً مكّن رئيس الوزراء الإسرائيلي من قطع طريق المزايدة عليه في موضوع التسوية مع الجانب الفلسطيني وإبقاء مشروع «السلام الاقتصادي» الذي طرحه في مواجهة العروض الإسرائيلية.
محطات متوالية أوصلت نتنياهو إلى هذا الوضع، كان للجانب الفلسطيني مساهمة في ذلك.
اختار نتنياهو أفضل توقيت للعودة إلى الساحة الحزبية والسياسية، إثر غياب أريئيل شارون عن رأس حزبه «كاديما» ليتركه إلى كل من إيهود أولمرت، وتسيفي ليفني على التوالي، في مرحلة بدأ فيها العد العكسي لهذا الحزب الذي استقطب عند تشكيله في العام 2005 حشداً من قيادات وأعضاء الأحزاب الصهيونية الأخرى وخاصة حزبي الليكود والعمل.
عندما عاد نتنياهو إلى «الليكود» كان وجود هذا الحزب في الكنيست يقتصر على 11 مقعداً عقب انتخابات العام 2006. وهي أسوأ نتيجة له منذ تأسيسه. عندما خاض الحزب انتخابات العام 2009 برئاسة نتنياهو زادت حصته البرلمانية 16 مقعداً واحتل المركز الثاني بعد «كاديما» وبفارق مقعد واحد فقط. كان ذلك بالنسبة لنتنياهو نجاحاً في إثبات الذات مكنه بفضل المناورة وخريطة الكنيست آنذاك من إفشال محاولة ليفني تشكيل الحكومة وفاز هو بذلك.
ومنذ تلك الانتخابات بدأ تسلسل تراجع حزب العمل بعد تحالف رئيسه إيهود باراك مع نتنياهو على حساب مصالح الحزب وشعاراته. وهو ما أدى لانشقاقه إثر خروج باراك وبرفقته أربعة من كتلته البرلمانية.
في تلك الفترة، أجاد نتنياهو استخدام ورقة إيهود باراك ونجح في صيد عصفورين بحجر واحد ـ كما يقولون ـ فهو أولا وضع باراك على أول طريق نهايته السياسية وهو ما حصل بعد ذلك. وثانيا أضعف حزب العمل الذي كان أعضاؤه في الكنيست يعترضون على سياسة نتنياهو ويصوتون ضدها على الرغم من وجودهم في الائتلاف الحكومي.
المناورة ذاتها اعتمدها نتنياهو مع رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفغيدور ليبرمان عندها قدمه في الائتلاف الحكومي ودافع عنه في وجه المطالبات الأميركية بتعديل الحكومة عبر إخراج ليبرمان وإدخان ليفني كي يسير قطار التسوية. لكن هذه المعادلة تغيرت تماما بعدما تراجعت قوة حزب ليبرمان عقب الانتخابات الأخيرة، ليؤدي الأمر إلى تهميشه في المفاوضات التي سبقت تشكيل الحكومة الحالية وأدى ذلك إلى استنكاف ليبرمان وإعلان انتقاله إلى المعارضة.
ما بين الاهتمام بليبرمان وتهميشه مرحلة طويلة من الاستثمار خاضها نتنياهو، مستخدما تصريحات رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرفة لتسويغ امتناعه عن تجميد الاستيطان الذي طرحه الرئيس الأميركي باراك أوباما كمقدمة ضرورية لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
لكن أبرز المناورات التي قام بها نتنياهو كانت تجاه كل من رئيسي حزبي «يوجد مستقبل» ليبيد، و«الحركة» ليفني، عندما قرر فصلهما من الحكومة في خطوة استباقية قطعت الطريق على تقديمهما الاستقالة وحشر رئيس الوزراء في الزاوية. وكان نتنياهو يدرك عبر قراءته للخريطة الحزبية في إسرائيل أن فرص عودته إلى مقعد رئاسة الوزراء مجددا أمر في متناول اليد في ظل تخبط خصومه وخلافاتهم المتصاعدة.. وكان له ما أراد.
في السياسة، زايد نتنياهو على الجميع بخصوص الملف النووي الإيراني. وإذا كان الاتفاق الدولي وقع مع طهران في هذا الشأن، إلا أن نتنياهو لم يتراجع عن موقفه، وإن خفف كثيرا من مهاجته الاتفاق. في الوقت الذي كانت فيه أحزاب المعارضة تدعوه إلى عدم الخروج على السياسة الأميركية في هذا الشأن. ليبدو هو أمام الرأي العام الإسرائيلي كمدافع وحيد عن مصالح إسرائيل في ظل «المخاطر الوجودية» التي تهددها.. كما يقول خطابه.
وسياسيا أيضا، وعلى جبهة التسوية مع الجانب الفلسطيني، تمترس نتنياهو وراء مواقفه الرافضة تجميد الاستيطان وتقديم أية بادرات «ثقة» للفلسطينيين تتصل بإجراءات على الأرض يمكن أن يبنى عليها وقائع ذات طابع شبه سيادي، أو تؤثر على الرؤية الإسرائيلية في تحديد مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المساعدة الأميركية في تمكين نتنياهو وتعزيز موقعه كانت جاهزة، على الرغم من الحديث عن خلافات ما بينه وبين الرئيس أوباما. المساعدة الأولى كانت في تراجع الإدارة الأميركية عن مطلب تجميد الاستيطان وتوجيهها الضغط إلى المفاوض الفلسطيني، وألزمته بالالتحاق بالمفاوضات المباشرة صيف العام 2010. وفي مفاوضات العام 2014، ضغطت الإدارة الأميركية مرة أخرى للالتحاق بطاولة التفاوض وفق ما سمي «تفاهمات كيري» التي انحازت على نحو مكشوف للرؤية الأمنية والتوسعية الإسرائيلية: لتفشل جولة المفاوضات هذه كما سابقاتها فيما ارتفعت معدلات نشر الاستيطان بشكل قياسي. كل ذلك وسع من نفوذ نتنياهو وحزبه بين أوساط المستوطنين الذين وجدوا كل التسهيلات في ظل حكومات نتنياهو.
لكن عوامل هامة أخرى مكنت نتنياهو من الاستمرار في مناوراته وتمرير سياساته التوسعية على مرأى من المجتمع الدولي. أبرز هذه العوامل كان على يد التردد الذي واصل المفاوض الفلسطيني ممارسته.
وتبدى ذلك بوضوح باستمرار الرهان على المفاوضات العقيمة، وتبدى أكثر مع التردد في استخدام الأسلحة الفلسطينية المتاحة وخاصة بعد اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة تحت الاحتلال وترقية وضعها في المنتدى الدولي.
الالتحاق المتكرر بجولات المفاوضات المتعاقبة دون تنفيذ المطالب الفلسطينية، كان من أبرز العوامل التي شجعت نتنياهو على الاستمرار في سياساته وتصعيدها، ووضع ذلك المجتمع الدولي أمام وضع ملتبس، حيث يستمر الاستيطان ويستمر معه جلوس المفاوض الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات.
من هذه الزاوية، لا تحدث الشكاوى «الرسمية» الفلسطينية أمام واشنطن وغيرها من تصعيد الاستيطان والعنف والاعتقال بحق الفلسطينيين أية أصداء جدية، طالما لا ترفق هذه الشكاوى الإعلامية بإجراءات عملية ومن بينها الاحتكام إلى مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة بمحاكمة الاحتلال على جرائمه وخاصة محكمة الجنايات الدولية.
وجاءت الانتفاضة الشبابية الفلسطينية لتقدم فرصة هامة أمام الحالة الفلسطينية وخاصة «الرسمية» كي تجد مخرجا من مأزقها، لكن هذا كان يتطلب قراءة حقيقية للانتفاضة ربطا بالبرنامج الوطني التحرري. وهذا ما لم يحصل فبقيت القيادة الرسمية تتحدث بلغة غائمة عن الانتفاضة السلمية، في الوقت الذي أعلن فيه مدير المخابرات في السلطة الفلسطينية أن الأجهزة الأمنية اعتقلت 100 فلسطيني كانوا يخططون لعمليات ضد الاحتلال. والكل يعلم أن ما يقوم به الشباب الفلسطينيون إنما يأتي ردا على استمرار الاحتلال وجرائمه. ولا يزال وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال مجرد قرار اتخده المجلس الفلسطيني المركزي في دورته الأخيرة العام الماضي، ولم يجد طريقه للتنفيذ حتى اليوم.
عوامل كثيرة مكنت سياسات نتنياهو وحكوماته من مواصلة شق طريقها على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.. عوامل لم نكن بعيدين تماما.. عنها.
التعليقات مغلقة.