168 عاما على “البيان الشيوعي”
الجمعة 26/2/2016 م …
” على أنقاض المجتمع البورجوازي القديم، بطبقاته وتناقضاته الطبقية، يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر ” … (البيان الشوعي).…
بهذه الفقرة اختتم ماركس وإنجلز البيان الشيوعي، مؤكدين على أهداف البيان لتحرير الناس من كل أشكال الظلم والاستلاب والاضطهاد الطبقي، واستكمال الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحقيق الفرد الحر باعتباره الشرط لتطور المجموع الحر.
تصادف اليوم الذكرة الـ168 لصدور ‘البيان الشيوعي’ عام 1848، والذي صاغاه ماركس وإنجلز بتكليف من تنظيم الشيوعيين في مؤتمر عقده بلندن عام 1847، بهدف وضع برنامج مفصل للحزب الشيوعي، يوضح رؤى الشيوعيين.
وصدر البيان باللغة الألمانية، وترجم بعدها إلى الإنجليزية والفرنسية والروسية ولغات أخرى.
وأكد ماركس وإنجلز على ضرورة أخذ الظروف والخصائص والأوضاع المحلية والتغييرات التي طرأت منذ صدور البيان بعين الاعتبار، كذلك أكدوا على ضرورة إعادة التحليل والدراسة بعد كل تغيير يحدث، حيث يأخذ البيان المتغيرات العالمية والمحلية في الاعتبار ويفقد الجوانب القديمة ويكتسب أخرى جديدة.
وأشار ماركس وإنجلز في مقدمة الطبعة الصادرة عام 1872 للبيان، إلى أن ‘الظروف تبدلت منذ صدور البيان، إلا أن المبادئ العامة الواردة في البيان لاتزال بالإجمال تحتفظ برونقها وصحتها ودقتها، وإن كانت هناك فصول يجب إدخال بعض التعديل عليها (…) وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه، نظرا للتطور الكبير الذي تم في الصناعة’.
وتابعوا: ‘والبيان مع كل هذا، وثيقة تاريخية لا نملك حق تعديلها، وربما أرفقنا إحدى طبعاته بمقدمة تستطبع ملء الفراغ بين عام 1847م واليوم، أما الطبعة الحالية فقد فوجئنا بها مفاجأة، ولم يكن لدينا الوقت الكافي لكتابة مقدمة لها وافية بهذا الغرض’.
وتدور فكرة ‘البيان الشيوعي’، كما أشار إنجلز في مقدمة له عام 1883، بعد وفاة ماركس، حول الأوضاع الاقتصادية والبناء الاجتماعي الذي ينشأ منها، حيث يشكلان في كل عهد، التاريخ الفكري والسياسي لهذا العهد، ولذا فالتاريخ بأسره، منذ زوال المشاعة البدائية وظهور الطبقات، كان تاريخ الصراع بين الطبقات السائدة والمسوّدة في مختلف مراحل تطورها الاجتماعي، ولكن هذا النضال وصل في المجتمع الرأسمالي الحالي إلى مرحلة أصبحت فيها الطبقة العاملة (البروليتاريا) لا تستطيع أبدا أن تتحرر من الطبقة التي تستغلها (البورجوازية) دون أن تحرر في الوقت نفسه وإلى الأبد، المجتمع كله من الاستغلال والاضطهاد، ومن نضال الطبقات.
ويطرح ‘البيان الشيوعي’ الأفكار التالية: البرجوازيون والبروليتاريون، البروليتاريون والشيوعيون، الأدب الاشتراكي والشيوعي وموقف الشيوعيين من مختلف أحزاب المعارضة. كما ويدفع البيان التهم بأن الشيوعية تريد هدم العائلة واشاعة المرأة والملكية الشخصية الناتجة عن عمل وابداع الانسان، والغاء الوطن.
يبدأ ماركس وإنجلز البيان بتوضيح الآتي: ‘شبح ينتاب أوروبا- شبح الشيوعية. ضد هذا الشبح اتحدت في طراد رهيب قوى أوروبا القديمة كلها: البابا والقيصر، مترنيخ وغيزو، الراديكاليون الفرنسيون والبوليس الألماني.
فأي حزب معارض لم يتهمه خصومه في السلطة بالشيوعية؟
وأي حزب معارض لم يرد، بدوره، تهمة الشيوعية الشائنة، إلى أقسام المعارضة الأكثر تقدمية، وإلى خصومه الرجعيين؟
ومن هذا الواقع يستنتج أمران:
* إن قوى أوروبا كلها أصبحت تعترف بالشيوعية كـقوة.
* إن الشيوعيين قد آن لهم أن يعرضوا، أمام العالم كله، طرق تفكيرهم، وأهدافهم، واتجاهاتهم، وأن يواجهوا خرافة شبح الشيوعية ببيان من الحزب نفسه.
ولهذه الغاية، اجتمع في لندن شيوعيون من مختلف القوميات، ووضعوا البيان الآتي’.
وافتتح ماركس وإنجلز الفصل الأول من البيان بقولهم: ‘إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية.
حر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع، وبكلمة ظالمون ومظلومون، في تعارض دائم، خاضوا حربا متواصلة، تارة معلنة وطورا مستترة، حربا كانت تنتهي في كل مرة إما بتحول ثوري للمجتمع كله، إما بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين (…) والمجتمع البرجوازي العصري، الذي قام على أنقاض المجتمع الإقطاعي، لم يلغ التناحرات الطبقية، بل أحل فقط محل الطبقات القديمة طبقات جديدة، وحالات اضطهاد جديدة، وأشكالا جديدة للنضال. غير أن عصرنا، عصر البرجوازية، يتميز بتبسيطه التناحرات الطبقية. فالمجتمع كله ينقسم أكثر فأكثر إلى معسكرين كبيرين متعاديين، إلى طبقتين كبيرتين متجابهتين مباشرة: البرجوازية والبروليتاريا’.
ويحلل ماركس وإنجلز في البيان، أسلوب الإنتاج الرأسمالي، الذي يختلف عن أساليب الإنتاج الإقطاعية والاستعبادية الاستغلالية السابقة، ويوضحان أن البورجوازية لا تعيش إلا إذا دخلت تغييرات ثورية مستمرة على أدوات العمل، أي على أسلوب الإنتاج، أي على العلاقات الاجتماعية بأسرها.
ويلفت ماركس وإنجلز النظر إلى ظاهرة العولمة وسيادة نمط الإنتاج الرأسمالي، موضحان أن البورجوازية تغزو الكرة الأرضية بأسرها بدافع الحاجة الدائمة إلى أسواق جديدة، فينبغي لها أن تدخل وتتغلغل في كل مكان وتوطد دعائمها في كل مكان، وتخلق وسائل للمواصلة في كل مكان، وباستثمار السوق العالمية، تصبغ البورجوازية الإنتاج والاستهلاك في كل الأقطار بصبغة كونية وتنزع من الصناعية أساسها الوطني المحلي. فتنقرض الصناعات العتيقة أو تصبح على وشك الانقراض، وتخلي مكانها لصناعات جديدة يصبح إدخالها وتعميمها مسألة حيوية لكل الأمم المتمدنة.
ويوضح البيان المبادئ العامة لعلاقة الشيوعيين بالطبقة العاملة، ويشير إلى أن الشيوعيين لا يؤلفون حزبا خاصا معارضا لأحزاب العمال الأخرى، وليست لديهم مصالح تفصلهم عن مجموع الطبقة العاملة، وهم لا يناضلون بالنيابة عنها ولا يريدون صوغها وحشرها في مبادئ خاصة، وأن الشيوعيين لا يتميزون عن بقية أحزاب العمال إلا في نقطتين هما:
* في مختلف النضالات الوطنية التي يقوم بها العاملون يضع الشيوعيون في المقدمة المصالح المستقلة عن الجنسية والعامة لمجموع العاملين.
* في مختلف مراحل النضال بين العاملين والرأسماليين، يمثل الشيوعيون دائما وفي كل مكان المصالح العامة للحركة بكاملها.
وبالتالي، فان الشيوعيين من الوجهة النظرية يمتازون عن بقية العاملين بإدراك واضح لظروف حركة العاملين وسيرها وأهدافها العامة، وأن هدف الشيوعيين المباشر هو الهدف نفسه الذي تسعى إليه أحزاب العمال، وأن الشيوعية كما يوضح البيان الشيوعي: ‘لا تسلب أحدا القدرة على تملك منتجات اجتماعية، ولكنها لا تنزع سوى القدرة على استعباد عمل الغير بواسطة هذا التملك’.
التعليقات مغلقة.