العمل النقابي مرة أخرى / رحيل الغرايبة
رحيل الغرايبة ( الأردن ) الإثنين 29/2/2016 م …
أحياناً ينحصر الهدف الأكبر في الصراع الدائر في الساحة النقابية بين القوائم الانتخابية التي تسيطر عليها الاتجاهات الحزبية والقوى السياسية في الشعور بالنشوة حين إعلان هوية المنتصر لحظة ظهور نتيجة صناديق الاقتراع، ويكاد الاهتمام أن يكون منصباً على القول : «فاز الخُضر أوفاز البيض» أو الإعلان عن فوز كاسح للإسلاميين، أو الإعلان عن فوز مرشح القوميين واليساريين، ثم يذهب الجميع في سبات عميق لمدة عامين أو ثلاثة، حتى تتجدد الطموحات مرة أخرى في معاودة الكرّة وتبدأ السخونة تدب في الحوارات والكولسات بين الطامحين في الظهور وأنصارهم. كل معسكر يريد أن يثبت أنه يتمتع بشعبية أكبر وأنه ما زال هو الأكثر حضوراً في الشارع، وأحياناً يزيد الحرص على كسب الجولة لإثبات الحضور والانتصار في هذه المرحلة رغم الحصار والمضايقة ومحاولات الإضعاف، ويتحقق 90% من الهدف فيما يقوله المعلقون والإعلاميون والمحللون في مدة أسبوع من الزمن ثم تنقضي الحكاية وينفض السامر. الأطباء والمهندسون والصيادلة وأعضاء النقابات الأخرى هم عماد الشريحة المثقفة في المجتمع، وهم الفئة الأصدق تمثيلاً للطبقة الوسطى في المجتمع الأردني وكل المجتمعات في الأعم الأغلب، ولذلك هم يتحملون مسؤولية اجتماعية كبيرة، تتعدى مسألة خدمة الوسط النقابي، وتتعدى مهمة رفع شأن المهنة وحفظ كرامة الأعضاء إلى مهمة أضخم وأكثر أهمية تتعلق بتطوير المجتمع كله ورفع سويته الفكرية والثقافية، والانتقال بالمجتمع كله نحو آفاق الرفاه ورفع مستوى المعيشة بإجمال، من خلال القدرة على بناء النموذج المصغر على مستوى النقابة في التعاون والتسامح والتغافر وبناء جسور الحوار الفكري البناء، وردم خنادق التعصب والانتماءات الجهوية الضيقة، وهدم الجدران التي تحول دون بناء المجتمع الواحد الموّحد على صعيد الفكر والثقافة والأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تسبق الوحدة السياسية. أعتقد أن الذهاب الى هدر مزيد من الوقت في تكرار إثبات الذات الحزبية، وإثبات حضور التوجه السياسي عبر الشعارات أصبح جزءاً من عملية النحت في مصداقية النخب الفاشلة والعاجزة عن تطوير ذاتها ووطنها وتطوير مؤسسات العمل النقابي، لأن نشوة الحصول والاستحواذ على كافة مقاعد النقابة «كبوت» ، حصلت قبل ربع قرن ونيف، فليس معقولاً أن يبقى التشبث بحصول هذه النشوة الطفولية هو المسيطر على كلا المعسكرين المتصارعين، اللذين يتساويان في رفع شعار حب فلسطين ورفع شعار حب الأوطان وخدمة قضايا العرب. نحن بحاجة إلى نظرة أكثر تعقلاً وحكمة تتمثل في تغيير وجهة التنافس بين المتصارعين مقعد القيادة، بحيث نرفع سوية الهيئة الانتخابية العامة نحو امتلاك مهارة فرز القوي الأمين، وفرز الكفاءة النقابية بغض النظر عن الميول السياسية والفكرية والانتماءات الجهوية، وبحاجة إلى التخلص من تحويل النقابة إلى شبكة مصالح للكتلة الفائزة من خلال التوظيف والرواتب والتعيين في مجالس إدارة الشركات والمؤسسات حتى لا ترتبط معايير الفوز والخسارة بالشأن المادي، ويتم التغطية على ذلك بالمعارك السياسية والشعارات السطحية التي لا تقدم ولا تؤخر على صعيد القضايا الكبرى. النقابيون ينبغي أن يكونوا في مقدمة ركب التحول المجتمعي كله من ميدان معارك الجعجعة والمعارك الوهمية التي أسهمت في شرذمة المجتمع الأردني والمجتمعات العربية وأسهمت في هشاشة البنية الفكرية والثقافية، إلى ميدان التنافس على توحيد الجسم النقابي والإسهام في إعادة اللحمة لمجتمعاتنا المتهاوية ذات القابلية للاحتراب الداخلي ورفع السلاح في معارك السقوط القيمي والسياسي والفكري.
التعليقات مغلقة.