التقسيم الطائفي والمذهبي وخلق الدويلات، سياسة امبريالية صهيونية مصيرها الفشل / مليح الكوكاني

 

مليح الكوكاني ( فلسطين ) الثلاثاء 1/3/2016 م …

إسرائيل تدعو علانية إلى تقسيم سوريا على أساس طائفي ومذهبي، وكما تقول باعتباره الحل الأمثل، هذا ما جاء على لسان وزير الحرب يعلون في مؤتمر الأمن والسياسات الدولي الذي عقد في ميونيخ في ألمانيا قبل فترة. بالطبع مثل هذا الطرح التقسيمي الطائفي ليس بجديد على ساسة إسرائيل والحكومة اليمينية العنصرية الحالية بقيادة نتنياهو، والوزير المذكور إياه يعلون عضو نشيط وفعال مع الآخرين في وضع وتحديد السياسة اليمينية العنصرية لأكثر الحكومات سوءًا وعنصرية ودموية في تاريخ ووجود إسرائيل على الأرض.

من الواضح ان إسرائيل بصفتها العمود العملي والقوة الضاربة للحركة الصهيونية العالمية، وأجيرة الاستعمار والامبريالية منذ نشأتها في القرن التاسع عشر، قد حددت لها نوع المأجورية التي من الواجب ان تقوم به، بين شعوب المنطقة الا وهو الدور التفتيتي والتقسيمي لشعوب ودول الشرق الأوسط، إلى جانب رعاية المصالح الاستراتيجية لقوى رأس المال والامبريالية العالمية وخاصة الأمريكية والأوروبية عامة.

الوزير الإسرائيلي يعلون عندما يتحدث بأسلوب التقسيم الطائفي والمذهبي، يعني نيابة عن حكومته، وان في جوارير حكومة نتنياهو مثل هذه الخطة والمؤامرات والآن حان موعد تنفيذها على الأرض، اعتقادًا ان الظروف السياسية والأمنية والدولية تساعد وتعمل باتجاه دفع الأمور إلى بداية البدايات وتنفيذ السياسات القديمة بحق الشرق الأوسط والعالم العربي، الا وهي تجزئة وتفتيت العالم العربي ثم العالم الإسلامي وكل الشرق الأوسط والأدنى إلى كنتونات ودويلات، لتصبح عبارة عن محميات ومراكز وإمارات ومقاطعات، لكل منها حاكمها وبرلمانها، وكذلك جيش وشرطة لحفظ الأمن والأمان للمواطن وكل ما يتعلق بمتطلبات الحياة اليومية والشخصية والإدارية لهذه الإمارة أو تلك المحمية أو إمبراطورية ذاك الفرد أو الزعيم أو العائلة المعينة، على شاكلة آل سعود وآل ثاني وآل الصباح وآل حمد وهلمّ جرا.

أما في إطار السياسة الخارجية والاقتصادية والأمن الخارجي لهذه البؤر والمحميات، فهذه من صلاحية راسم السيناريو، أي الدول الامبريالية الكبرى وان إسرائيل التي ستحتل المركز الأول في رعاية نظام الوصاية الاستعماري بصفتها القوة الضاربة والتقدمية للاستعمار، وإحدى دول المنطقة المتفوقة والتي يمكن الاعتماد عليها ولها تجاربها القوية والفعالة في ضرب الروح التحررية والوطنية لشعوب المنطقة وتفسيخ وحدتها الوطنية وتقوية التناحرات الدينية والمذهبية المختلفة، على مر عشرات السنين الماضية.

من الواضح ان إسرائيل تتعامل بمنطق الاستعمار القديم وسياسة المستعمرين الجدد على أساس سياسة فرق تسد من منطلق ان عدو عدوي صديقي. في الوقت الذي توهم إسرائيل نفسها، بان مشروعها التقسيمي سواء في سوريا أو غيرها سيجلب لها الأمن والأمان، ويمكنها من بناء جسور الاستسلام مع دويلات لا تملك مقومات الدولة والبقاء، وان هذه الدويلات أو الكنتونات الصغيرة، لا تعدو أكثر من عِزب ومحميات لممارسة نوع من السلطة والنفوذ لبعض الشخصيات أو الزعامات أو العائلات والطوائف والمذاهب، التي هي الأخرى بالضرورة تشهد صراعات داخلية بين أجنحتها المختلفة والمتصارعة على مركز النفوذ والتسلط.

اعتماد إسرائيل وغيرها على سياسة التقسيم لبلدان وشعوب الشرق الأوسط والعالم العربي من شأنه في المدى ليس البعيد ان يجلب المزيد من الكوارث والحروب والمآسي على إسرائيل وشعبها، لن تكون إسرائيل بمعزل ومأمن عن الحاصل في الشرق الأوسط. وان زارع الشيء عليه ان يتذوقه أولا وإسرائيل تبقى الوحيدة والغريبة والشاردة عن حياة هذه المنطقة وشعوبها، وهي حتى الآن ترفض الاندماج والتواصل الطبيعي مع شعوب ودول المنطقة، الا من خلال الاحتلال والبطش والعدوان وسفك الدم، وتعاملها الفظ والقاتل مع الشعب الفلسطيني هو خير دليل على الطبيعة العدوانية والكراهية الحاقدة لشعوب المنطقة، خاصة تجاه الشعب السوري والفلسطيني واللبناني أو ما تسمى دول الجوار. بينما عاشت شعوب المنطقة والشعوب العربية كأمة واحدة متآخية، ولا تعرف حياة سوى الحياة المشتركة لكل المذاهب والطوائف والأديان التي تكوِّن معًا وحدة الشعب القومية والوطنية بتآخي الشعوب معًا في مكافحة قوى التقسيم والفتنة والاستعمار والصهيونية.

اعتماد قوى التقسيم والتفتيت بدءًا من حكام إسرائيل إلى أسيادهم في واشنطن وباريس ولندن وأنقرة ومرتزقة الخليج، من يجلب اشد الضرر بالمزيد من تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية للملايين من شعوب هذه المنطقة، وهذا بحد ذاته يقوي ويشكل قاعدة صلبة وأساسية لنمو الإرهاب ليس على مستوى المنطقة وإنما بالعالم اجمع، ويؤدي إلى انتشار التطرف والأصولية الإرهابية وهيمنة العقلية الدينية والمذهبية المتوحشة والتكفير، مما يحيد ويهمش ويقضي ويقوض أسس الدولة الديمقراطية ويساعد على بناء وانتشار وتمدد التنظيمات الإرهابية على شاكلة داعش والنصرة والتي أصبحت وانتقلت من ظاهرة إلى واقع ملموس في المجتمع العربي المعاصر، بعد ان عبرت الحدود والقارات وأصبحت حديث المجتمع الدولي الذي هو المسؤول الأول والأطلسي بالذات عن نموها وإعادة إنتاجها كجزء من الصراع.

إن بعض القوى المشاركة في المؤامرة لا تعي ولا تدرك جيدًا، عندما تسعى وتفعل من اجل إنجاح المشروع التقسيمي المطروح، فهو الأسلوب والمشروع القديم ولكن يجري طرحه باستمرار كجزء من إيجاد الحل لمشاكل المنطقة. لقد وجد المشروع قديمًا منذ ما يدنو عن قرن وسمي مؤامرة سايكس بيكو لتقسيم العالم العربي، لكن الشعوب العربية وقواها التحررية وحتى الآن ما زالت تتصدى لهذا المخطط اللعين والهدام، وتقف سوريا اليوم وهي تختلف عن سوريا قبل الحرب والعدوان، في مقدمة القوى التي حتمًا ستُفشل المشروع التآمري الاستعماري بالأساس، فمثل هذا المشروع كان وما زال مرفوضًا عربيًا وشعبيًا ورسميًا، وقد رفضته الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وحتى الحكام المتعاونون مع الغرب من الصعب القبول به. اليوم تقسيم سوريا، وكان بالأمس السودان، فان الشعب السوري بأكثريته الساحقة قاوم وسيقاوم بدم ووحدة أبنائه هذا المشروع، لأنه يدرك ان قوته في وحدة أبنائه في طوائفه وتعدد مذاهبه ليس في إفشال المشروع التفتيتي التقسيمي فحسب، وإنما في ضرورة الانتصار في الحرب المفروضة عليه، وإعادة بناء سوريا الوطن والشعب، سوريا الصمود والشموخ والصخرة التي تتكسر على صمودها كل مؤامرات النيل من وحدة وعظمة الشعب السوري الأصيل.

يدرك أصحاب المشروع التفتيتي التقسيمي ان صمود سوريا خلال الخمس سنوات من عمر الحرب المفروضة، هو حجر عثرة أمام إنجاح المشروع الهدام، لأن المخطط الجديد المطروح اليوم، هو تفتيت مجمل العالم العربي، وخاصة الدول الكبرى كالسعودية وليبيا والجزائر والعراق وسوريا والسودان، وإدخال العالم العربي في دوامة الحروب الداخلية الأهلية والمذهبية واستنزاف كافة الطاقات والموارد الاقتصادية وشل حركة هذه الشعوب وحرف نضالها في التحرر والتقدم والتطور والازدهار، وارجاعها إلى الوراء قرونًا عديدة، بعد إفراغها من كنوزها الطبيعية والقضاء بصورة كاملة على كافة أشكال النضال الاجتماعي والوطني التحرري، وإبقاء ما تبقى من هذه الشعوب مجرد خدم وعبيد وتوابع لقوى الاستعمار والصهيونية.

المطلوب اليوم وبأقصى درجات السرعة، العمل الجاد والمثابر من شعوبنا وامتنا العربية التي تملك كل مقومات الصمود والانطلاق، وفي مقدمتها الحركة الشيوعية في العالم العربي ومختلف القوى المناضلة والثورية والقومية بالرغم من شلال الدم المتدفق وحجم الجراح والخراب والدمار، ان لا نقف مكتوفي الأيدي، بل ان نتدفق بكل قوى إلى قلب المعركة لإفشال المخطط التصفوي المدمر لعالمنا العربي، وان تلقن يعلون وأمثاله وكذلك الطائفيين والتقسيميين درسًا في تحمل المسؤولية، ومعنى وحدة الوطن والوطنية التي هي عماد المستقبل والتي عليها نبني طموحاتنا وتطورنا ليس كشعوب فقط، وإنما كأمة لها مجدها وتاريخها العريق الممتد لقرون طويلة في باطن هذه الأرض وهذا الوطن العربي الكبير.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.