«حماس» بين المصالحة والتمسك بالهدنة مع الكيان / د.فايز رشيد
د.فايز رشيد ( الأردن ) الثلاثاء 1/3/2016 م …
اجتماعات الدوحة لثلاث مرات بين فتح وحماس، لم ولن تسفر عن خطوة ولو صغيرة باتجاه إنجاز المصالحة… والهدنة مع الكيان ستظل قائمة. هذا ما جاء في حديث القيادي في حركة حماس محمود الزهار (الأربعاء 24 فبراير 2016) لأعضاء رابطة الصحفيين الأجانب في غزة، حيث قال بالحرف: «إن الحركة لا تسعى لحرب جديدة مع «إسرائيل» وإن شبكة الأنفاق التي تحفرها الحركة، ووصل بعضها إلى الكيان في الماضي، دفاعية بحتة»، مضيفاً: أن فرص المصالحة مع حركة فتح ضئيلة برغم سنوات من الجهود من أجل الوحدة. معروف أن حركة حماس سيطرت على قطاع غزة في عام 2007 بعد اقتتال دام مع حركة فتح، وأحكمت بعدها سيطرتها الأمنية على قطاع غزة، حيث يعيش ما يزيد على المليوني فلسطيني.
بعض قيادات الحركة أشارت في السنوات الأخيرة إلى أنها مستعدة لقبول قيام دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، مقابل هدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني. لكن، رغم عدم اعتراف الكيان بأي من هذه الحقوق الفلسطينية، فإن حماس ما زالت تعقد هدنة مع الكيان، والأنباء تتحدث عن إمكانية موافقة الكيان على بناء ميناء في غزة، مقابل هدنة طويلة الأمد. هذا في ظل تواصل انتفاضة شعبنا الثالثة.
من قبل، جرت اجتماعات عديدة بين الحركتين..إلى حد أنه تم فيه لقاء بين الرئيس محمود عباس وزعيم الحركة خالد مشعل.. وجرى الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني من خارج الحركتين وبحضور مندوبي الفصائل الفلسطينية.. وتم التشكيل (في 2 يونيو 2014)، وجرت زيارة من قبل وفد من الحكومة إلى القطاع.. وفشلت الزيارة، وفرطت الحكومة، وظل كل من الطرفين يغني على ليلاه. للأسف لم ير الشعب الفلسطيني ولا أمتنا العربية بعد ذلك أية خطوات فعلية من الحركتين باتجاه التطبيق العملي لخطوات وبنود جرى بحثها والاتفاق عليها ( رغم الوعود بذلك)…تماماً مثلما حدث بعد اجتماعات ومفاوضات عديدة جرت بين الجانبين سابقاً في أماكن عديدة، وتم على إثر كل منها تشكيل لجان مشتركة وبمشاركة كافة الفصائل لبحث الخطوات وآلية تطبيق ما جرى الاتفاق عليه. بضعة أيام بعد كل مشاورات كان يتعزز فيها الأمل بتجاوز الانقسام، ثم ما تلبث أن تعود «حليمة إلى عادتها القديمة».
الغريب أن قادة الطرفين ينظرّون ويصرّحون ويتبارون في استعمال الجمل المؤثرة والعاطفية في (التغزّل) بأهمية المصالحة، لكن التصريحات تنطبق والمثل القائل: «نسمع جعجعة ولا نرى طحناً»، فمنذ ما يقارب العشرة أعوام (منذ صيف عام 2007) مرّت على الانقسام، لم تظهر أية بوادر وأي بصيص أمل لإمكانية تجاوزه.. لا الآن ولا في المستقبل القريب. هذا الوضع أدى بجماهيرنا الفلسطينية والعربية إلى اليأس من إمكانية عودة الوحدة إلى الساحة الفلسطينية، وإلى رؤية أية مباحثات بين الجانبين من منظار «رفع العتب»، وليس من أجل الوصول إلى اتفاق حقيقي، وهو ما يشي بأن الطرفين يفتقدان الإرادة للتخلص من الانقسام، ليس هذا فحسب، وإنما يتعاملان مع الموضوع بمنتهى التبسيط والتقزيم، وأن قوى الشد العكسي في الطرفين هي المؤثرة، وأن التصريحات لمسؤولي الحركتين هي من أجل تبرئة الذمة لكل فريق عن استمرار الانقسام، أمام الشعب الفلسطيني وأبناء أمتنا العربية.
الطرفان للأسف لا يدركان واقع الساحة الفلسطينية واستحقاقاتها، ولا طبيعة المرحلة الخطرة التي تمر بها القضية والمشروع الوطني الفلسطيني، ولا الأخطار المحدقة «إسرائيلياً» بكل ما تحمله من متغيرات قادمة عنوانها تشديد حكومة التطرف التي شكلها نتنياهو بعد الانتخابات «الإسرائيلية» الأخيرة (2015) من استيطانها وتهويدها للقدس، وإعداماتها الميدانية لأبناء وبنات شعبنا، وما سنشهده من تبعات قادمة لتشديد قبضتها، وسن المزيد من القوانين العنصرية الفاشية ضد أهلنا، وأثر ذلك في قضيتنا وفي المشروع الوطني الفلسطيني.
من ناحية ثانية من حقنا توجيه أسئلة لحماس، فحواها: لماذا تعقدون هدنة مع العدو المحتل لأرضنا والمحاصر لغزة ؟ ولماذا تشددون من قبضتكم على كل من يحاول المقاومة المسلحة من غزة؟ وكم من مرة اعتقلتم مقاومين من الفصائل الفلسطينية الأخرى؟ ولماذا اتفاق حركة حماس مع حركة فتح (السلطة) على المقاومة الشعبية (فقط) في وجه الاحتلال؟ وذلك في اللقاء الذي جمع بين زعيميهما في القاهرة في لقائهما الأخير قبل ما ينوف عن السنتين؟
بشكل موضوعي استطاعت الولايات المتحدة والكيان والدول الغربية تحقيق بعض النجاحات مؤخراً، في تركيز الحملة الدعائية المكثفة لوصف المقاومة المشروعة للشعوب المحتلة أراضيها، والمغتصبة إرادتها ب (الإرهاب).
يخطئ من يظن أن «إسرائيل» لن تقوم بجولات جديدة من العدوان على غزة، إضافة إلى ما تخططه الولايات المتحدة للمنطقة عموماً، وذلك يقتضي توجيه كل قوى المقاومة في الوطن العربي نحو هدف واحد، وهذا لن يتأتى إلا بتجاوز الانقسام الفلسطيني. السلطتان ما زالتا محتلتين و«إسرائيل» ما زالت تحاصر القطاع وتتحكم بمعابره والتسوية وصلت إلى طريق مسدود والمفاوضات لم تجلب سوى الدمار لقضيتنا وشعبنا، ألا يدرك القائمون عليها هذه الحقيقة؟ ثم ألا يدرك القائمون على السلطة في غزة أن «إسرائيل» لم ولن تلتزم بأية اتفاقية للهدنة؟
إدراك كل هذه العوامل يفترض تسريع إنجاز المصالحة، فلماذا يتأخر الطرفان في تحقيقها؟ لا نشك أنهما يدركان كل هذه المخاطر وما تقتضيه… لذا من الطبيعي والمنطقي أن يبادر الجانبان إلى الوحدة… أما إدراك كل تلك العوامل والإصرار على بقاء الانقسام فهو الانتحار بعينه.
جماهير شعبنا الفلسطيني وفي كل مناسبة تناشد الطرفين تجاوز الانقسام والعودة إلى الوحدة الوطنية ولن تكل ولن تمل من استمرار توجيه النداءات للطرفين لاستكمال المصالحة.
التعليقات مغلقة.