سوريا الفيدرالية / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الثلاثاء 1/2/2016 م …
في تصريح غريب ومسستهجن وصادم خرج علينا نائب وزير الخارجية الروسي السيد سيرغي ريابكوف يوم أمس(الاثنين) بتصريح قال فيه ” أن بلاده تؤيد ما يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية بما في ذلك فكرة انشاء جمهورية فيدرالية ” فيما أضاف في مؤتمره الصحفي ” استبعد تطور الاحداث في سورية وفق سيناريو كوسوفو، ولا بد من وضع معايير محددة للهيكلية السياسية في سورية في المستقبل تعتمد على الحفاظ على وحدة اراضي البلاد بما في ذلك انشاء جمهورية فيدرالية خلال المفاوضات السورية – السورية ” .
وفهل يأتي هذا التصريح كمقترح خفي من روسيا لحل الأزمة السورية حتى لو كان ذلك على حساب الروابط القومية ولمصلحة التقسيم العر قي والطائفي الخبيث ، وليضعنا ذلك أمام النموذج العراقي التي أودت الفيدرالية به ليصبح بلداً مفتتاً بصناعة أمريكية وبامتياز صهيوني ، فهل سنكون أمام سوريا مفككة مجزأة بصناعة روسية وبمباركة أمريكية … وهل ستسقط كلمة عربية من اسم الجمهورية العربية السورية ؟؟؟ وما هي الكونتونات الجديدة المقترحة ولمصلحة من ؟؟؟؟ ألا يذكرنا ذلك بجون بايدن نائب الرئيس الأمريكي الذي بشر بولادة العراق المفكك بحجة الفيدرالية .. وماذا كانت النتيجة .. عراق يستشري فيه القتل على الهوية منذ 13 عاماً وأطماع بالتقسم الكامل ونفوذ خارجي يزداد يوماً بعد يوم …
تغنينا كثيراً بالتدخل الروسي في سوريا ، ورأينا انه قد جاء مناصراً للدولة السورية في حربها ضد قوى الظلام والإرهاب ، ولقد كان واضحاً مدى نجاعة هذا التدخل في عمله على تثبيت الدولة السورية حيث حقق الجيش العربي السوري معه تقدماً ملموساً وعلى كل جبهات القتال ، وقد كان الهدف المعلن دائماً هو المحافظة على وحدة الأراضي السورية ، والحفاظ على سوريا الدولة والنظام والتاريخ والمستقبل ، أما أن يأتي هذا التصريح من نائب وزير الخارجية الروسي وفي هذا الوقت بالذات ، فلنا كل الحق ان نتساءل خاصة بعد سريان الاتفاق الروسي الأمريكي ووقف اطلاق النار وموافقة روسيا الضمنية على عدم استهداف بعض قوى المعارضة المحسوبة على أمريكا وحلفائها في المنطقة بالرغم من عدم موافقة النظام الرسمي السوري على الاعتراف بتلك القوى كقوى معارضة يمكن التفاهم معها ، الأمر الذي يقودنا معه إلى التوقف عند بعض التصريحات التي خرجت على لسان بعض السياسيين الروس والتي انتقدت بعض مواقف للرئيس السوري بشار الاسد ومطالبته بضرورة الاستماع لنصائح بلادهم والتصريحات الأخرى التي وردت لتبين بأن وجهات النظر السورية الروسية متشابهة ولكنها متطابقة بشكل كامل ، مما يعزز الخوف بأن يكون ما تم التصريح به من قبل السيد سيرغي ريابكوف ليس مجرد صدفة ، بل هو أحد السيناريوهات المحتملة للتباحث بشأنها خلال المفاوضات السورية – السورية ، تلك المفاوضات التي يتمنى الجميع بأن تكون الوسيلة الوحيدة للخلاص من الوضع القائم والتوصل لتفاهمات تعيد الأمن لسوريا ، فسيناريو الفيدرالية سيناريو ليس من المستبعد أن تتبناه بعض قوى المعارضة التي خلع عنها الاتفاق الروسي – الأمريكي صفة الإرهاب وأقر بعدم استهدافها ، في وقت سيضعف فيه موقف النظام الرسمي السوري برفض ذلك السيناريو كلياً خاصة إذا ما أيدته القوتان الرئيسيتان أمريكا وروسيا وفي وقت يصعب فيه تنظيم استفتاء لبيان رأي الشعب السوري لأسباب موضوعية ولوجستية وكبر حجم اللاجئين والنازحين من السوريين .
فالتخوف من مثل طرح هذا السيناريو ينبع أصلاً من :
• أن روسيا وإن تدخلت في سوريا فتدخلها جاء أصلاً للدفاع عن مصالحها فهي ليست الإتحاد السوفييتي الذي كان يتحرك – إن تحرك – للدفاع عن قضايا الشعوب وليس للمصالح المالية أو الاقتصادية .
• تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الذي لوح بالتقسيم كخيار محتمل إذا ما فشلت الهدنة ووقف إطلاق النار .
• قوة الدعم المادي والمعنوي والإعلامي والبشري الموجه لقوى ” المعارضة ” آخذين بعين الاعتبار مدى تأثير امبراطوريات الإعلام في تجميل مثل هذا المقترح .
• صعوبة أو استحالة تنظيم استفتاء لمعرفة رأي أغلبية الشعب السوري .
• وجود بؤر وقوى وأقليات تتمنى الوصول إلى الفيدرالية كحد أدنى ولهم في العراق مثالاً على ذلك الذي ورغم فيدراليته ” المزعومة ” إلا أن التقسيم بشكل كامل بين مكوناته الرئيسية أمر مازال يحتمل الوقوع في الأيام القادمة .
• تنامي النزعة القومية لدى الأكراد مع ما يقابل ذلك من تدني هذه النزعة لدى العرب في سوريا لحساب المذهبية والطائفية والعنصرية الدينية .
إن الفيدرالية السورية وفيما لو الأخذ بها سوف تعني وبالتأكيد تقسيم سورية على اسس عرقية وطائفية ( أكراد ، سنة ، علويين ، دروز ) ، ومهما أُتفق على تسمية الدولة الوليدة فلن تكون دولة واحدة تضم شعباً واحداً يشترك في الهموم والمصالح والأحلام ، ولن يكون ذلك إلا خلق كيانات وكونتونات لتحقيق حلم الكيان الصهيوني وبما يسهل سيطرته على تلك الكيانات والكونتونات أو الدويلات المبطنة من جهة وإشعال الفتنة فيما بينها من جهة أخرى.
لقد قلنا منذ البداية بأن كل ما حصل ويحصل في وطننا العربي ما هو إلا مؤامرة تم حبكها بكل مهارة للوصول إلى وصل إليه الحال من تقتيل وتدمير وفرقة ، في وقت تزهو به واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط بالفرج والسعادة وكما قيل – كله بيهون كرمالك يا إسرائيل – .
التعليقات مغلقة.