إسقاط الأسد يعني إسقاط فلاديمير بوتين وخامنئي هل تعي السعودية حقا ثمن هذا الخيار؟
اسماعيل القاسمي الحسني ( الأربعاء ) 2/3/2016 م …
الحقيقة لم تكن لي ثقة كبيرة بتعديل حدث على سياسات الانظمة الخليجية، عند صدور قرار وقف العمليات العسكرية في سوريا منذ ثلاثة أيام، فالمقدمات على مر شهور خلت تكشف جانبا مهما من النهايات، و الجميع وقف على تكرار السيد عادل جبير بمناسبة أو من دونها متلازمة “إسقاط الأسد سلما أو حربا”، و تعرضنا مرارا كذلك و بمرارة لسوء تقدير الأنظمة الخليجية لقراراتها حيال سوريا و غيرها في عالمنا العربي، من العراق الى ليبيا ثم سوريا و أخيرا و ليس آخرا اليمن، و ها نحن أمام صناعة أزمة تعد حلقة من هذا المسلسل الدرامي لتدمير دول عربية عنوانها لبنان.
حين نقول تدمير دول عربية فإنما نقرر واقعا ماثلا لا ينكره إلا مكابر، و اللافت أنها دول تقوم جميعها على أنظمة جمهورية، حتى و إن كان بعضها صوريا، غير أنها ليست ملكية مطلقة لعائلة ما، هذه الأخيرة على العلل التي تعانيها و الفساد الذي يتجاوز بمراحل فلكية ما اعتمد سببا موضوعيا و أخلاقيا و قانونيا لتدمير الانظمة الرئاسية، لم تكن الى غاية اليوم هدفا و غاية لتدميرها.
كان لابد من الاشارة لما سبق، لنعود الى تصريح السيد عادل جبير يوم أول أمس، بأن الخطة “ب” جاهزة، و الحل واضح لا خلاف بشأنه، و خلاصته سوريا من دون الأسد سلما تم ذلك، بناء على التفاهمات الأخيرة، التي اعتبرها غير ناجزة فعليا، و ألمح لفشلها محملا القيادة السورية المسؤولية عن ذلك، أو حربا إذا تأكد (السيد عادل جبير) بأن النظام السوري و حلفاؤه- روسيا العظمى و ايران الصاعدة- غير جاديّن في تحقيق هدف معالي وزير خارجية السعودية.
إعلان هذا الموقف السعودي يعود لعام 2012، بحدته و قوته و جرأته في تجاوز كل القوانين الدولية و المواثيق و المعاهدات، ذلك أنه في حدود ما نعرف: لا يحق لأي دولة أن تتدخل في شؤون داخلية لدولة أخرى، هذا من الأبجديات المعلومة و المعروفة، و لا يستقيم في عقل منصف بأن القيادة السعودية تجهل هذه القاعدة الأصيلة؛ و عملت من يومها بكل طاقتها لتحييد الطرف الروسي عن الصراع المفتعل، و أوفدت الى موسكو أبرز شخصياتها محملة بكل أدوات الإغراء كما حدث عام 1990 بخصوص تدمير العراق، تحت ذات الشعار الوهمي “إسقاط صدام حسين” (أربع مليارات دولار)، و تصاعد مستوى الوفود الخليجية التي حجت الى روسيا حتى بلغت مستوى أمير قطر و أمير الكويت و غيرهما، غير أن المتابع لا يقف على إخفاق الأنظمة الخليجية في تحييد روسيا فحسب، و إنما دفعت باصرارها – ميدانيا- و تعنتها، بروسيا الى ترجمة تحذير فلاديمير بوتين حين قال “ضرب دمشق يعني ضرب موسكو”2013 الى عمل قائم على الأرض.
لا ندري كيف لم تفهم القيادات في الخليج ماذا يعني “إسقاط الأسد” بعد كل هذه التطورات الخطيرة، و منها على وجه التحديد، التدخل العسكري الروسي في سماء سوريا و على أرضها؛ و لسان حال الواقع المشاهد على امتداد أربع سنوات، هو أن “اسقاط الأسد” أمر مستحيل تحقيقه، لسبب واضح جدا خلاصته أنه لا يوجد “الأسد” شخصا يمكن التخلص منه كما حدث من قبل مع غيره، و إنما يوجد “أسد” نظام حكم قوي التماسك، له قاعدة شعبية معتبرة المساحة، معزز بعلاقات دولية و اقليمية غاية في المتانة و الصلابة، هذا هو التعريف الواقعي و المجسد أمام من له عينين (اتفقنا معه أم اختلفنا)، تدخل حزب الله و هو القوة الضاربة في المنطقة، ثم التغطية الإيرانية الشاملة لمتطلبات صمود الدولة السورية، و ختاما تدخل روسيا، كل هذا يؤكد تعريفنا، و من المعيب و من الصبيانية السياسية، اعتبار تضحيات حزب الله و إيران و روسيا من أجل شخص الرئيس فقط.
كان يفترض أن تعي القيادات في الخليج، خصوصا بعد التطور الذي وقع منذ خمسة شهور، بالتدخل العسكري الروسي، بأنه لم يعد هناك مجال للتفكير في الإطاحة بالنظام السوري، و هذا ما فهمته جيدا الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي؛ و إن كانت نتائج كل مساعي الأنظمة الخليجية على امتداد عمر الأزمة السورية، قد انتهت الى تدخل حزب الله -بعد عامين من بدايتها- ثم التغطية الإيرانية بشكل كامل، ثم التدخل العسكري الروسي، يعني بالضرورة لدى كل عاقل بأن العلاقة بين خيارات الأنظمة الخليجية و بين خيارات الطرف المقابل سوريا و إيران و روسيا، باتت علاقة طردية، بمعنى كلما رفعت الأولى من مستوى التهديد الميداني، قابلها رفع قوة التدخل، و هنا لنا أن نسأل: هل تعي جيدا و بعمق السعودية حين صرحت أول أمس على لسان وزير خارجيتها، ماذا يمكن أن يفعل الطرف السوري و الروسي و الإيراني؟
و إجابة عن هذا السؤال أخشى من القول: بأن القيادات الخليجية كما أثبتت سوء تقديرها سابقا، فإنها مع الأسف الشديد لم تدرك مع كل هذه التطورات الخطيرة ما يمكن أن تواجهه، نتيجة إصرارها و عنادها حيال خيار التدخل العسكري، للإطاحة بالأسد كما تتوهم و تسوق.
من الضرورة بمكان أن نذكر هنا بثلاث معلومات محورية: القوة التي تدّخل بها حزب الله في سوريا قوة ثانوية، أي قوة فائضة عن نواته الصلبة الرئيسية، و منذ عام صرح الأمين العام لحزب الله بهذا، و أكد التزامه بتدخله هو شخصيا إن دعت الضرورة، و يعلن النفير العام، و إذا كانت قوة ثانوية قد أحدث على الميدان القتالي تغيرا ملحوظا و مؤثرا، فهل يعي من يريد التصعيد ماذا يعني تدخل الحزب بكل قوته و إعلانه النفير؟ الثانية: إيران كانت أقل قوة و هي تحت طائلة العقوبات الدولية و ضغط الملف النووي، و قدمت تحت تلكم الظروف ما أمكن للدولة السورية أن تصمد، فهل يعي من يريد التصعيد ماذا يمكنها أن تفعل اليوم حيال سوريا و قد أطلقت أياديها و فُكّت قيودها؟ و المعلومة الثالثة و الأخيرة: حين شعرت روسيا بضرورة التدخل العسكري، فقد قدّرت حاجة رد الخطر عن سوريا لا يزيد عن 05% من قوة سلاحها الجوي، فهل يعي من يريد التصعيد بأن روسيا يمكنها رفع هذه القوة الى 20 أو 25% ؟ بل و يمكنها التدخل بقواتها البرية، و هذا ما جرى في أوكرانيا و هي أكثر خطرا و حساسية بالنسبة للغرب، بمعنى الروس هناك كانوا في مواجهة مباشرة مع الناتو، أما هنا فالمواجهة المباشرة مع أنظمة الخليج، و في أخطر الأحوال مع تركيا.
أختم المقال بطرح سيناريو آخر لا علاقة له بالفقرة السابقة، إذا صممت السعودية و محورها على التدخل العسكري الذي تهدد به سوريا جديا، فإن روسيا و إيران سينقلان بضربة واحدة الحرب و الدمار الى داخل الدول الخليجية، هذا ليس وهما و لا تهديدا، هذا ما نراه مخرجا وحيدا لروسيا و الغرب معا من حالة الاحتقان، التي ترفع درجتها دون مراعاة تداعياتها قيادات خليجية؛ نعم و لن يحرك الغرب و الولايات المتحدة ساكنا لإنقاذ الأسر الحاكمة في الجزيرة العربية، فما يعني العالم الغربي أمران لا غير، ألا تحتل روسيا و إيران جغرافيا تلكم الدول، و أن تحفظ مصالح الغرب بخصوص مصادر الطاقة و ممراتها، و هذين لا تستهدفهما روسيا و إيران، و إنما يكتفيان بضرب مقرات و قصور الملوك و الأمراء، و قطع الممرات البحرية لمدة اسبوع، و وفق موازين القوى ستنتهي الأنظمة الخليجية في أجال لا تزيد عن بضعة أيام، و يُعطى للولايات المتحدة إعادة ترتيب الأنظمة و هيكلتها؛ هذا هو المشهد الذي لا يضعه قادة أنظمة الخليج في حسبانهم، و هم يجترون متلازمة إسقاط الأسد، في حين أنه يعني لدى الطرف المقابل إسقاط فلاديمير بوتين و خامنئي، و لن أتحدى هنا بالقول: جربوا لتروا هذا السيناريو المروع، لأنه متى أقدموا فإنهم لن يكون لديهم متسع من الوقت ليروا.
فلاح جزائري
التعليقات مغلقة.