خلال وقف إطلاق النار.. روسيا تخوض حربًا من نوعٍ آخر في سوريا! / عمر معربوني
عمر معربوني ( الأحد ) 6/3/2016 م …
لا يظنّنّ أحدٌ أنّ الهدنة في سوريا ستكون نهاية المطاف وانها ستشكل العنصر الوحيد للحل، ولكنها على ما يبدو ستكون سببًا في الكثير من المتغيرات المرتبطة باستمرار الجماعات المسلحة بنشاطها العسكري.
منذ بداية الكلام عن اتفاق لوقف الأعمال العدائية بين اميركا وروسيا، كان واضحًا أنّ الجانب الروسي يدرك ما يفعل، وعلى عكس ما كان يريده الجانب الأميركي الذي طالب بوقف لإطلاق النار بهدف ضمني هو اتاحة الفرصة للجماعات المسلحة باستعادة انفاسها وتحسين شروط دخولها الى المفاوضات.
المسألة الأساسية التي لا يمكن لأحد تجاهلها هي ان نتائج العمليات العسكرية في الميدان والتي راكمت انجازات كبيرة للجيش السوري كانت السبب الرئيسي الذي أفضى الى اتفاق وقف الأعمال العدائية، والذي بدوره تضمن بنودًا هي في معظمها تصب في صالح الدولة السورية لجهة تناغم بنود هذا القرار مع الطروحات التي طرحتها الدولة السورية منذ بداية الحرب.
منذ اليوم الأول لتطبيق الهدنة، يعمل الجانبان السوري والروسي على ضبط النفس وعدم الرد على الخروقات المتواصلة بموازاة العمل الأميركي الحثيث على وصف وقف العمليات العدائية بالـ”هشة”، ومحاولة تحميل الجيش السوري وحلفائه اسباب الخروقات المستمرة.
وبموازاة اعلان الهدنة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن انشاء مركز للتنسيق في قاعدة حميميم لمراقبة ومتابعة وقف الأعمال العدائية، إضافةً الى مهمة جديدة وهي تسهيل عمليات التسوية مع الدولة السورية للفصائل المسلحة الراغبة بإجراء مصالحة وبضمانات روسية ترتبط بأمن قادة هذه الفصائل، وهو ما بدأت بعض ملامحه تظهر بشكل جدي حيث استطاع مركز التنسيق ان يصل الى اتفاق مع جيش الإسلام في منطقة الرحيبة شرق الضمير الى هدنة ربما تليها تسوية دون موافقة القيادة المركزية لجيش الإسلام في دوما، وهو أمر هام يمكن اعتباره نوعًا من التفكيك لجماعات كانت تعتبرها روسيا ارهابية كجيش الإسلام، وهو امر لا يتعارض مع ما اعلنه الرئيس السوري بشار الأسد بخصوص اصداره عفوًا عن اي مسلح او جماعة مسلحة تعمد الى تسليم اسلحتها للجيش وابداء رغبة اعضائها بالعودة للحياة المدنية.
المثال الأهم المعلن عن التسويات حصل في الجنوب السوري حيث قام اكثر من الف مواطن من مدينة ابطع بتسليم اسلحتهم وتسوية اوضاعهم بحضور كبار المسؤولين السوريين، وهو أمر اعتقد انه سيتتابع في اكثر من مكان في سوريا نتيجة تغيير كبير في المزاج الشعبي وادراك العديد من المسلحين عبثية الإستمرار في القتال.
الأهمية الكبيرة لما يحصل سواء في مركز تنسيق حميميم او عبر وزارة المصالحة الوطنية انه سيجري عملية فرز واضحة ستؤدي الى تحييد اعداد كبيرة من المسلحين، وانخراط بعضهم ربما في فصائل الحماية الذاتية، ما يعطي تشكيلات الجيش امكانيات افضل في حشد القوات على الجبهات المرتبطة بداعش والنصرة بشكل اساسي، وما الذي حصل في محافظة ادلب من اعتراض على النصرة واقتحام المتظاهرين لمركز القضاء التابع للنصرة إلّا تعبير عن رغبتهم بالخلاص والعودة الى حضن الوطن.
مسألة هامة لا يجب ان تغيب عن بالنا، وهي أنّ الجيش السوري في هذه المرحلة يقوم بالتعاون مع الروس وحلفائه بتقييم طبيعة المتغيرات والمواقف والنتائج التي سيكون لها دور كبير في العمليات العسكرية في المرحلة القادمة على جبهات القتال مع الجماعات التي ستتملص من الهدنة اضافة الى داعش والنصرة، وهو يعتبر مسارًا ميدانيًا نحو حسم مواجهة الإرهاب كأولوية للدولة والفصائل التي ستعقد التسويات مع الدولة، وتجعل موضوع الحل السياسي يسير بخطى ثابتة ضمن الظروف الجديدة التي تتشكل يوميًا بجهد مباشر سواء من الدولة او الجانب الروسي، رغم أنّ هذا لا يعني أنّ المشهد هو مشهد مثالي ولكنه من دون شك مشهد جديد ومختلف ويعتبر انجازًا لا يقل اهمية عن انجازات الميدان.
*ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
التعليقات مغلقة.