حزب الله يرد الصاع صاعين لإسرائيل / د.خيام الزعبي

 

 

د.خيام الزعبي * ( سورية ) الجمعة 30/1/2015 م …

*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق

فعلها حزب الله، وضرب في العمق الإسرائيلي، في أول رد له على عملية القنيطرة التي إستهدفت رجاله، ففاجأ الجميع، وغيّر بسرعة فائقة خطاب عدم الجرأة والخوف إلى خطاب القوة والإنتقام، رافضاً بذلك تكريس معادلة تقول أن الضربات الإسرائيلية يمكن أن تمرّ مرور الكرام دون ردّ، فارضاً في المقابل معادلة من نوع آخر، معادلة عنوانها “من يعتدي على المقاومة سنحرقه ونجعل منه عبرة للعالم”، في إطار ذلك  إن العملية النوعية التي نفذها رجال المقاومة تدل على أن العدو ضعيف وهش ودليل آخر على قدرة المقاومة على تلقينه الدروس القاسية، وأن حادث الموساد لن يؤثر على قوات حزب الله، لكن يزيد من قدرتها على قهر جيش الإحتلال، وأنه عند إتخاذ قرار الحرب لن يستطيعوا الصمود أمام إرادتهم.

قرع حزب الله  طبول الحرب مع إسرائيل بعد أن نفذت غارة القنيطرة التي إستهدفت قادة في المقاومة، والصراع بين الجانبين طفا على السطح من جديد، وبدأ يكشر عن أنيابه، وبعد توعد إيران وحزب الله بالإنتقام، أعلن حزب الله مسئوليته عن إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على مركبة عسكرية إسرائيلية،إذ قتل وأصاب عدد من الجنود الإسرائيليين في هجوم إستهدف دوريتهم بمزارع شبعا اللبنانية المحتلة، هذا مما دفع الإسرائيليين إلى العيش في حالة خوف ورعب وتوترٍ، كونهم يخشون من أن تؤدّي هذه العملية إلى حرب شاملة ومفتوحة تندلع مع حزب الله وحتى مع إيران وسورية وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.

 

اليوم باتت المواجهة بين الكيان الإسرائيلي وحزب الله اللبناني قاب قوسين أو أدنى، فالردود الأخيرة المتبادلة بين الطرفين كانت عبارة عن رسائل أولية محسوبة بينهما، قد تتدحرج الكرة وتنزلق إلى معركة كبيرة كما حدث في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة الصيف الماضي، إن حزب الله نفذ عمليته الأخيرة اليوم بين حدي رفض القبول بأي إعتداء عليه ودون جر المنطقة إلى حرب إقليمية، مؤكداً على أنها لن تكون الأخيرة وقد يتبعها عمليات معقدة للجم الأقاويل عنها في ظل سخونة الجبهة الشمالية، وهنا يمكنني القول إن إنجاز حزب الله هذه العملية تحمل رسائل متعدّدة، وموجهة للكيان الصهيوني وحلفاؤه القدامى والجدد في الوطن العربي وعلى راسهم الجهاديين، الرسالة الأولى كرّس مقولة أنّ حزب الله لن يسكت على دماء مجاهديه، وأنّ ثأره لهم آتٍ لا محالة، مهما طال الزمن، وإنه على جهوزية كاملة لردع الإحتلال،  أما الرسالة الثانية، فتنطلق من رمزية مكان العملية في مزارع شبعا، بحيث حرص حزب الله إعادة تسليط الضوء على أرض لبنانية محتلة تكاد تصبح منسيّة بعدما شطبها كثيرون من المعادلة السياسية، ومن جهة أخرى أكّدت أنّه من يحدّد قواعد اللعبة ليست إسرائيل وإنما حزب الله ومقاومته من حيث تحديد المكان والزمان المناسبين، أما الهدف من تلك العملية هي رغبة إيرانية وسورية بمشاركة حزب الله اللبناني في خوض حرب إستنزاف تنهك الإقتصاد الإسرائيلي وتحبط المستوطنين في الشمال الإسرائيلي، بالتالي  في مثل هذه الطريقة قد يكون لها مزايا إيجابية بحيث أن الجيش الإسرائيلي المحتل سيبقى متأهباً في شمال إسرائيل وهو ما سيكلفه كثيراً من الأموال، وتترك أثراً سلبياً على برامج تدريب الجيش وتستهلك وقتاً من تحليق الطائرات المقاتلة وطائرات أخرى وهذا يكلف مئات آلاف الدولارات يومياً.

في سياق متصل هناك سؤال يردده معظم الإسرائيليين اليوم هو، هل تتورط إسرائيل في حرب شاملة مع حزب الله خاصة بعد العملية التي نفذها في منطقة مزارع شبعا؟ وهل تكون هذه العملية سيناريو تمهيدي مماثل لحرب تموز بين حزب الله وإسرائيل 2006، والتي نشبت عقب أسر حزب الله لجنديين إسرائيليين في يوليو 2006، الذي أعقبه هجوم إسرائيلي على الجنوب اللبناني؟  ﻻ يبدو أن هناك إجابات قاطعة على هذا السؤال، فرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو الذي توعد برد قاس وشديد خلال ترؤسه إجتماعاً طارئاً لحكومته، قد يكون متردداً في الإقدام على خطوة ربما يدفع ثمنها غالياً خلال إنتخابات الكنيست المقرر إجراؤها في 17 مارس القادم، فأجواء حرب لبنان الثانية عام 2006 لا تزال ماثلة وعالقة في أذهان الإسرائيليين في الشمال، ولا تزال ذكريات الملاجئ وأصوات صافرات الإنذار وصواريخ حزب الله، تقض مضاجع سكان عكا وحيفا ونهاريا وكريات شمونة وصفد والناصرة والخضيرة وطبرية، وغيرها من المناطق التي طالتها صواريخ المقاومة اللبنانية، وبالتالي فإن جبهة إسرائيل الداخلية غير مهيئة وغير جديرة بالدخول في حرب جديدة مع حزب الله الذي طور نفسه كثيراً عن حرب 2006، رغم كل التدريبات والتجهيزات التي تجريها، وإنطلاقاً من ذلك يمكنني القول أن إسرائيل ستتردد كثيراً في الرد على عملية حزب الله الأخيرة، والسبب طبعاً هو خوف إسرائيل من صواريخ حزب الله التي لديها القدرة للوصول الى قلب تل أبيب، بالإضافة الى وجود 15 ألف جندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة “اليونيفيل” بجنوب لبنان، كما أن إسرائيل تخشى الدخول في حرب لم تقرر تاريخ بدأها خاصة أن الظروف اللبنانية تختلف عن ما كانت عليه عام 2006، وبالتالي فإن عدم رد اسرائيل على عملية حزب الله ستكون بداية النهاية لهيبتها، خاصة أن إسرائيل واقعة تحت إختبار صعب للغاية، وفي حالة لجوء إسرائيل الى سيناريو ضرب مطار بيروت ومحطات الكهرباء والجسور، فإنه يجب أن تكون متأكدة أن “القبة الحديدية”ستحميها من صواريخ حزب الله، بمعنى أن نتنياهو فقد السيطرة والتركيز وإن مآلات السلوك الإسرائيلي رداً على العملية سيكون محدوداً ولكن إذا قرّرت إسرائيل غير ذلك، فإنّ المقاومة بالمرصاد وهي على أتمّ الجهوزية، لأن الإسرائيلي يعرف قبل غيره، أنّ “مفاجآتها” قد تطاله في العمق، خصوصاً إذا ما فُتِح الصراع  أبوابه.

وأخيراً ….. إن عملية شبعا البطولية وضعت نتنياهو بمأزق كبير فهو اليوم يغامر في مستقبله السياسي،  لذلك ليس من السهل على إسرائيل أن تفتح جبهة حرب على لبنان وسورية وهي مقبلة على إنتخابات قريبة، وأن القرار الآن سياسي بامتياز، وهو مرتبط بتقدير رئيس الوزراء الإسرائيلي وقياداته العسكرية في ضوء التطورات خلال الساعات المقبلة، حيث يعقد رئيس الأركان الإسرائيلي جلسات متكررة مع قادة الجيش لتقييم الأوضاع حتى هذه اللحظة، وبالتالي فإن  إيران وحزب الله يبحثان عن رد عنيف ومناسب، لإعادة الردع ولإعطاء إشارة لإسرائيل بأنهما لن يقبلا التغيير في قواعد اللعبة وإن المواجهات القادمة ستكون مدروسة ومحسوبة للغاية من قبل الجانبين، وبإختصار شديد إن العملية التي نفذتها المقاومة أكدت على مصداقية الحزب وقدرته في رد الصاع صاعين لإسرائيل، وعلى أهمية الثقة بالنفس وإمتلاك الإرادة والشجاعة لقوى المقاومة في التعامل مع العدو ووجوده الغاصب على أرض فلسطين وأي بقعة في الأراضي العربية، فالعملية رد طبيعي على جرائم الاحتلال، لذلك لا بد من تشكيل جبهة مقاومة وغرفة عمليات موحدة لوضع إستراتيجية جديدة للمقاومة في الأراضي الفلسطينية، واللبنانية، والعربية المحتلة.

[email protected]

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.