المبادرة الفرنسية لعبة جديدة لهواة المفاوضات / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الاردن ) الجمعة 11/3/2016 م …
من جديد تخرج علينا فرنسا بما أُطلق عليه في منتصف السنة الماضية بالمبادرة الفرنسية أو المشروع الفرنسي الذي تم الترويج لتقديمه لمجلس الأمن بهدف ايجاد تسوية نهائية للقضية الفلسطينية أو تصفيتها بمعنى أدق ، آخذين بعين الاعتبار ما تسرب في حينه من نصوص لتلك المبادرة والمتمثلة فيما يلي :
– إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 ، مع تبادل مناطق بمساحات متفق عليها وعلى أن تستجيب الدولة الناشئة “للاحتياجات الأمنية “الإسرائيلية.
– إجراء مفاوضات لا تزيد مدتها عن 18 شهراً للوصول إلى حل الدولتين لشعبين مع الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل.
– حل عادل ومتوازن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين ، بالاستناد على “آلية تعويض “.
– على الطرفين وضع معايير تضمن أمن كلا الدولتين ” إسرائيل” وفلسطين وتحافظ بشكل فعال على الحدود، وتصد الإرهاب وتمنع تدفق الوسائل القتالية ، وتحترم سيادة دولة فلسطين المنزوعة السلاح.
– الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي وعلى مراحل خلال فترة انتقالية يتم الاتفاق عليها.
– اعتبار هذه المبادرة بمثابة تسوية نهائية وليست اتفاقاً مؤقتاً.
وما كادت السلطة الفلسطينية وبعض الجهات العربية تبدي موافقتها المسبقة على المشروع / المبادرة الفرنسية حتى رفضه الكيان الصهيوني جملة وتفصيلاً مما جعل فرنسا تخرج لتقول في حينه انها لا تملك مبادرة أو مشروعاً لتقدمه لمجلس الأمن ، ولكن وزير الخارجية الفرنسي فابيوس عاد وطرح تلك المبادرة خلال خطاب ألقاه في باريس بتاريخ 29 كانون الثاني / ديسمبر 2015 والذي أشار في خطابه بأنه وحال فشل تلك المبادرة فإن فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية ، ولم تعرض المبادرة على مجلس الأمن ، واستقال فابيوس وتم تعيين الديبلوماسي الفرنسي المخضرم جان ماري ايرولت بدلاً عنه .
ويوم أمس قام وزير الخارجية الفرنسي بعرض تلك المبادرة على اللجنة الوزارية العربية المعنية بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي والتي عقدت اجتماعها بالقاهرة برئاسة وزير الخارجية المصري وبحضور الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، ووزير خارجية السلطة الفلسطينية ، ولقد بين الوزير الفرنسي في الاجتماع مراحل تنفيذ تلك المبادرة وعلى النحو التالي :
المرحلة الأولى : خلق مجموعة دعم ومواكبة من الدول المؤثرة في العالم بالإضافة إلى الدول العربية الملتزمة بعملية السلام والراغبة باستمرار السلام حتى تحقيق هدفها في فترة لا تتعدى نهاية نيسان/ إبريل المقبل.
المرحلة الثانية : العمل على عقد مؤتمر دولي للسلام بحضور جميع الأطراف، ومن المتوقع أن يكون موعد عقد المؤتمر قبل نهاية صيف 2016.
المرحلة الثالثة : التوجه لمجلس الأمن لإقرار نتائج مؤتمر السلام.
كما أشار الوزير الفرنسي بإن المبادرة الفرنسية ستكون مدار بحث مع نظيره الأميركي جون كيري الأحد المقبل كما سيتم عرضها على اجتماع وزراء الاتحاد الاوروبي الذي سيعقد الاثنين المقبل ، مشيرا انه لمس من خلال اتصالاته الدولية مع الدول المؤثرة بوجود إيجابية تجاه تلك المبادرة.
وفي مجال ردود الفعل فقد رحب وزير الخارجية في سلطة أوسلو بالمبادرة وقال بأن المبادرة الفرنسية قد جاءت في وقتها وذلك ” حتى لا يحدث المزيد من التصعيد على الأرض” وأن “ما يهمنا هو مخرجات ما سينتج عنها” فيما أكد على أنه لا مجال للعودة إلى المفاوضات كما كانت في السابق بدون مرجعيات وبدون إطار زمني كما تريدها اسرائيل ، مضيفا: ولذلك رحبنا بتلك المبادرة بهدف أن تَخَلَّق آلية دولية جديدة تستطيع ان توصلنا إلى الهدف وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين وفق جدول زمني محدد وضمانات دولية من خلال اللجوء إلى مجلس الأمن لإعطاء دعم قوي لتلك المبادرة حتى تستطيع ان تحقق أهدافها مؤكداً على أن ما تريده فلسطين هو “مرجعيات واضحة لعملية السلام وفق الشرعية الدولية والقانون الدولي وتحديد سقف زمني للمفاوضات وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي” فيما اضاف إن وجود فراغ بدون مفاوضات وبدون مبادرات دولية مثل المبادرة الفرنسية سيخلق المزيد من الإحباط وبالتالي سيؤدي إلى المزيد والعنف في المنطقة، كما رحبت الحكومة الفلسطينية أمس، على لسان الناطق باسمها يوسف المحمود بالمبادرة الفرنسية، وقالت إنها تخدم تحقيق السلام في الشرق الأوسط وتحقيق حل الدولتين، مشيراً بأن المبادرة قد جاءت ” تتويجاً لجهود الرئيس محمود عباس وانتصار للدبلوماسية الفلسطينية ” .
وفي المقابل رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي لاستئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، واعتبرها مبادرة داعمة للجانب الفلسطيني، وقال نتنياهو في افتتاح جلسة حكومته الأسبوعية، “إن فرنسا دعت إلى عقد مؤتمر دولي لاستئناف المفاوضات، وأنه في حال لم تنجح هذه المبادرة، فإن فرنسا ستتبنى إلى مدى كبير، الموقف الفلسطيني، وهذا يشكل تشجيعا للفلسطينيين، كي لا يقدموا تنازلات. فجوهر المفاوضات هو الحل الوسط، والمبادرة الفرنسية، بحسب ما وردت، تقدم للفلسطينيين الأسباب الكافية كي لا يقدموا تنازلات”. وأضاف، “إن مواقف واضح للغاية، وهو أننا مستعدون للدخول في مفاوضات دون شروط مسبقة، ومن دون إملاءات”.
مع الرجوع إلى ما تسرب من نصوص في السابق وما تم طرحه من قبل وزير الخارجية لفرنسي يوم أمس نلاحظ ما يلي :
• على الرغم من الرفض الصهيوني فإن هذه المبادرة تلتقي بالقطع وتحقق بالكامل طموح الصهاينة من تبادل للأراضي والإعتراف بيهودية ” الدولة الصهيونية ” .
• تلغي هذه المبادرة بشكل قطعي حق العودة واستبدال العودة بالتعويض مناقضةً في ذلك كافة قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية السابقة.
• إن ما تضمنته هذه المبادرة من مطبات خطيرة من حيث مبادلة الأراضي يعني تهديد مليون ونصف المليون من الشعب الفلسطيني المقيمين على أرضهم المحتلة عام 1948 ويجعلهم عرضة بشكل مباشر للتهجير القسري.
• أما عن دولة ” فلسطين ” أو دولة ما تبقى من فلسطين !!! منزوعة السلاح والتي يجب ان تستجيب للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية !!!!! فحدث ولا حرج ومثلها في ذلك سلطة دون سلطة ودولة دون سيادة .
• إن كل ما سيتم بحثه أو الاتفاق عليه سيحال إلى مجلس الأمن وهنا نقول ماذا سيكون موقف الولايات التحدة الأمريكية من ذلك وهل ستوافق على اي برنامج أو حل لا يخدم الكيان الصهيوني بشكل مطلق .
• غياب مرتكزات ومعايير ومرجعيات الشرعية للعودة إليها عند الاختلاف فكل ما هو مطروح مؤتمر دولي ليخرج بنتائج يتم عرضها على مجلس الأمن .
وخلاصة القول ، فإن تلك المبادرة و في ظل تمترس الجانب الصهيوني ومن خلفه الداعم الأمريكي بإنكار أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني سوف لن تؤدي إلا إلى مفاوضات عبثية ماراثونية جديدة ، مع ما يقابل ذلك من لهفة من سلطة اوسلو للجلوس ثانية على طاولة المفاوضات التي قد تكون دولية في ظاهرها وثنائية في جوهرها ، فما لم توافق عليه دويلة الإحتلال لن يتبناه المؤتمر الدولي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مرتكزات الشرعية في كل ما يطرح غائبة وغير معترف أصلاً بوجودها ، كما وأن والحق الذي لا تسنده قوة وقيادة واعية لا يمكن أن يتحقق .
التعليقات مغلقة.