مواطنون وليسوا لاجئين / توجان فيصل

 

توجان فيصل  ( الأردن ) الجمعة 11/3/2016 م …

في أواخر حكم مبارك، نُشر خبر مصوّر عن قيام جهة أمريكية زائرة لمصر (لا أذكر من هي تحديداً) بتوزيع حزم معونات على مصريين، بحضور مسؤولين كبار في الدولة المصرية.. فكتبتُ مقالة غاضبة ، منتقدة قبول الدولة المصرية أن يصطف أبناء شعبها “المفقرين” لتلقي معونات من أجانب.

وقبل أسبوع، نشرت السفارة الأمريكية في عمّان خبراً يقول: “قامت السفارة الأمريكية، من خلال الفريق العسكري للدعم المدني، بالتعاون مع القوات المسلحة الأردنية وقادة المجتمع المحلي، بتوزيع أكثر من خمسة آلاف قطعة ملابس تتضمّن معاطف وأوشحة وقفازات وبطانيات على طلاب المدارس في الرويشد. ويعتبر توزيع الملابس هذا جزءاً من المساعدات العديدة التي تقدّمها الولايات المتحدة للمجتمعات المحلية في مختلف أنحاء الأردن”!، ونشر الخبر في مواقع عدة، لكن لحينه لم أقرأ أي تعليق على الخبر في أية صحيفة على شح المواضيع التي يكرّر فيها كتّاب تلك الصحف أنفسهم.. ومدائحهم!.

بداية، ولمن لا يعرف، الرويشد بلدة في الصحراء في أقصى شرق الأردن، شكّلت مع محيطها المتناثر ما يُمسى “لواء” يتبع محافظة المفرق. والرويشد أقرب للحدود السورية والعراقية والسعودية منها للمفرق. وتصل نسبة الفقر فيها 73%. والفقر هنا هو بمعناه “المدقع” إذ أن معدّل دخل الأسرة الشهري في الرويشد ستون ديناراً، وقلّة هي الأسر التي يصل دخلها لمئة دينار، بل إن أغلب الأسر ليس لها مصدر دخل معروف. فنسبة البطالة كانت (حسب تحقيق صحفي ميداني نشر قبل أكثر من عامين) حوالي 60%، وشكاوى الناس تصل لسعر الخبز وعدم القدرة على شرائه.. وتمتد لتقول إن المعونات التي ترسل لهم مرة في السنة ، يسمعون عنها ولا يرونها كونها تذهب لغير مستحقيها.. أي أن يد الفساد تطال حتى أهل الرويشد في حالهم هذا!.

وقد يقول قائل إنه لهذا حرص الأمريكان على توزيع تلك الملابس بأنفسهم.. فيما نعتقد نحن أن أمريكا تتعمّد القيام بدور “المُحسن” كما فعلت من قبل في مصر. ونعتقد أن “الفريق العسكري” يتعمّد تقديم هذا الدعم “المدني” للّواء الذي باتت “العين عليه” مع امتداد “الهلال الداعشي” من شرقه وشماله بما يهدّد بأن يُصبح أقرب إليه من “المفرق”!.

ومع أن الفقر والبطالة المتفشيان بهذه الدرجة مع غياب كلي لأية مشاريع تنموية تشغيلية، وغياب الخدمات الذي يصل لغياب الإضاءة عن شوارع بلدة الرويشد الرئيسة.. تسبّب في هجرة أهلها وبخاصة شبابها لمناطق أخرى بحثاً عن عمل. وهو ما يُفسّر انخفاض عدد سكان اللواء للنصف هبوطاً من 14،5ألف نسمة في الإحصاء الرسمي لعام 2010، لـ 7-8 آلاف نسمة عام 2013 . وبما أن ثالوث البطالة والفقر وبالتالي الجهل يشكّل أبرز عناصر الجذب لداعش، فاستثناء الرويشد من مخاوف امتدادات داعش لها يقع حتماً في خانة السذاجة.

لهذا، وكسبب مضاف، يتوجب أن يكون السند الذي تلقاه تلك المنطقة آتياً تحديداً من جهة سيادية وطنية. وإن كانت المهمة مما تتولاه جهة عسكرية فيجب أن يتولاها الجيش الأردني الذي تقع على عاتقه حماية أرض الأردن وأهله من أي خطر خارجي، وعليه يعول الأردنيون بشكل كبير وله يطمئنون. وبغض النظر عما يتيحه أو يفرضه الشأن العسكري من تحالفات إقليمية أو حتى دولية، فلا يجوز أن يتاح لجهة عسكرية أجنبية أن تتولى حاجات أهل الرويشد، فهم جزء من شعب على أرض وطنه، وليسوا لاجئين فيه ليقوم آخرون بتوزيع معونات معيشية عليهم.. فكيف إن كانت المعونة عينية بخسه تتمثل في معطف أو وشاح.. ومتى؟ في نهاية الشتاء! أي أن المعطف والبطانية والوشاح والقفازات كلها باتت بضائع تصفية تباع في موطنها- وحتى في أسواق التصفية في مدن الأردن حيث تورد دون انتقاء في أكياس كالتي ظهرت في الخبر- بسعر أقل من كلفة الإنتاج.. بمعنى أن ما تمنن به “الفريق العسكري الأمريكي للدعم المدني” هو بضاعة “ستوك” بقيمة لا تزيد حصة متلقيها عن دولارين أو ثلاثة.. وما وزّع كان بحدود خمسة آلاف قطعة، أي بكلفة حوالي خمسة عشر آلاف دولار.. ولا فرق إن قلنا عشرين أو ثلاثين ألفاً!.

فأكثر من هذا وأفضل بكثير كان يمكن جمعه من فائض ملابس وأغطية سكان غرب عمان.. أو من نصف دزينة تجار تصفية فيها. وهذا غير كون من أفقروا الرويشد وغيرها من “مجتمّعات محلية في مختلف أنحاء الأردن”، يرتدون بذلاً ونساؤهم يرتدين أثواباً، سعر الواحد منها يساوي كامل تلك المعونة الأمريكية.. فيما الثوب المصمّم خصيصاً للواحدة منهن يقفز لرقم لا يخطر ببال غالبية الأردنيين، وإن أوردته قد تكون تلك أول مرة لا يصدقني فيها أردنيون!.

ملاحظة : نضم صوتنا للكاتبة والناشطة السياسية والنائب الأسبق توجان الفيصل ، على هذا الصعيد ـ رئيس التحرير المسؤول .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.