طفل في المحطة / نور العزام
نور العزام ( الأردن ) الجمعة 11/3/2016 م …
مات وحيدا فلا أحد يذكر كيف كان الكفن والدفن لا نعرف أحدا من الحضور عاش في المجهول ومات في المجهول لكنه قرأ الكثير.
يعد النقاط في كل كتاب يقرؤه كما يعدون قروش الصدقة في بحر الدولارات المبيضة في أفواه دور الخير كان يحب الرسم لكنه يكره اللوحات المكررة ويراها مملة ويقول للسياح قرب المحيط : يكفيكم رسم قلاع ونوارس وأصداف رملية فمنذ آلاف السنين والأمواج تجرف الأحلام الكبرى والشاطىء يخضع كأسير مقهور من ضعفه ويفرط في توزيع الألوان على جدارية نرجسية سرعان ما تنهار فتعيق طريق المارة.
كان شجاعا لا يخاف الحرية ولا يخاف الكلمات كان يراقب أصحاب القبعات الهولندية وكؤوس الشامبين وهم يتقاسمون الغلال في نهاية كل موسم من كل عام يترقب فيه الفلاح تنقلات الغيمة صباحا ومساء في كل محطة تقف عندها 360 مرة.
يرى قريته بعينيه وقلبه وذاكرته كامرأة وديعة وطيبة وذكية ويدعو الألهة أن تطرد منها المندسين والمتنكرين وفي الحرب يرقب القنابل الجحيمية على ابتسامات اطفال يلعبون وقت الظهيرة في الحارات العربية و يشهد ثورة صخور الارض لهم كقهر سجين في غير وطنه ومن شدة غضبه كان يرسم على الجدران قصائد عادلة بزيت الزيتون المقروء عليه ليجد هدوء يبطل مفعول قنابل الشر.
كان يكره تلك الأصوات التي تكسر الأمزجة برنينها الذي يجرح طبلة الأذن في أوبرا الرجعية ويدعو السماء أن تعيد للبشرية حلاوة الصوت للنفوس المتعبة، ويصرخ على الملأ: كونوا انتم كفاكم شر وازدواجية.
عاش في المنفى اعواما طويلة وهنالك اعتاد على الوحدة حيث كانت تتزاحم الاشياء على مساحة مبيت فتجد الطفل بلا طفولة والعصفور بلا أجنحة والكتاب بلا مقدمة والأفعى بلا لسان والأسد وديعا، كان هنالك الكثير، عند كل غروب يستند على رؤوس قدميه وينظر نحو السماء وبصوت عال ينادى لعل الفرح يأتي قريبا، بين السحب السوداء يختبىء لينسج قصة قصيرة من الحوارات القاسية بأقلام شكسبير عن بكاء يشبه بكاء طفل مريض في خيام اللاجئين.
حين صنع ثروة اشترى بها حبرا وكتب: بيني وبين الحياة جسرا مستحيلا وكتب الى القمر شكوى ضد الذين سرقوا قبر جدته وسيجوا حلمه لتحلق أحلامهم، وبعد يوم أعلنوه مجنونا في القرية فقد كان يكتب سطورا تشبه الطلسم والتعويذه لا يستطيع أحدا حلها أو تحليلها، عندما غضب بعد أن أعلنوه مجنونا كان يردد:
“لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب”
على مقاعد الانتظار يجلس طويلا يتأمل القطار على السكة حتى تنطفىء أضواء المحطة ويشهد المتمردين يسرقون في العتمة ملابس المسافرين وسلال الثمار.
لا تناسبه الحضارة مزاجي خلق همجي يصحو كل صباح بلا عمل مفيد يجمع عظاما متعفنة في خيوط ويتزين بها ويأكل أشياء بلا مذاق ويسير على أدراج طينية نحو عرش مجهول وعندما يغادر الوحل الحظ يسقط وينكسر كاحله ثم يبدأ من جديد…هكذا كانت حياته.
التعليقات مغلقة.