بوتين السريع يفاجئ دائماً …والغرب بطيء الاستيعاب والحركة

 

ناصر قنديل ( لبنان ) الثلاثاء 15/3/2016 م …

– بعدما ثبت أن داعش والنصرة قد التهما الجغرافيا التي كان يدّعي الغرب أنها تحت سيطرة المعارضة السورية، وأن الغرب وعلى رأسه واشنطن يدرك ذلك ويدرك مخاطره على أمنه مع ما بدأ يجري في أوروبا، ويدرك ويقول على ألسنة كبار قادته أن القيادة التركية السعودية للأزمة السورية أوصلت الأمور إلى هذا الحد، لكن ثبت أيضاً أن هذا الغرب يبدو عاجزاً عن وضع حد لهذا المسار التآكلي بسبب الانتهازية السياسية من جهة والمصالح الشخصية لحكامه من جهة مقابلة، ولعبة المزايدات التي تحكم صراعاته السياسية الداخلية من جهة ثالثة، عندها قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل العسكري المباشر في سوريا، وأظهر العزم والقدرة على تغيير الموازين، فاستردّ الجيش السوري زمام المبادرة عسكرياً، وأغلق الحدود التركية مع سوريا، ومنح القوى الكردية المعارضة والمسلحة فرصة إمساك جزء من هذه الحدود، وأجبر الغرب على تصنيف جبهة النصرة على لائحة الإرهاب رغماً عن السعودية وتركيا وإسرائيل وبعض أميركا، وفرض على داعش والنصرة الانتقال من الهجوم إلى الدفاع، وعلى سائر الجماعات المسلحة الاختيار بين حل سياسي يبدأ بهدنة وينتهي بشراكة من ضمن مؤسسات الدولة السورية وغطاء المجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب، أو الانضواء تحت جناح النصرة وداعش وتلقي نتائج هذه الحرب من ضمن معسكر الإرهاب.

– بقي الغرب وعلى رأسه أميركا ثلاثة شهور حتى فهم المتغيّرات وجدية ما أحدثه التدخل الروسي من جهة، ولكنه بقي يناور متصوراً قدرة على ابتزاز روسيا بحاجتها لتغطية دورها في سوريا، وتركها وحدها تخوض الحرب على الإرهاب وهو مرتاح للشراكة في الغنم دون شراكة في الغرم، يكسب من نتائج التدخل الروسي وبالمقابل يرشقه بالحجارة، حتى وصل الضغط الروسي إلى التهديد بالقدرة على إحداث تغيير عسكري يصير الغرب فيه حاجة تجميلية في سوريا، فبدأ الغرب الاستجابة متأخراً، وكان مسار فيينا ومن بعده قرار مجلس الأمن بترتيب الأولويات لحل سياسي يضع جانباً مصير الرئاسة السورية ويترك تحديدها للسوريين عبر صناديق الاقتراع ما يسقط كل المشروع الذي قامت الحرب على أساسه، لكن الغرب يمارس الاحتيال في مجالين، في مجال التباطؤ والتلكؤ بتصنيف التنظيمات الإرهابية وهو يحلم بتحييد جبهة النصرة لفرضها شريكاً في الحل السياسي، وفي مجال آخر يحصر بالرياض تشكيل وفد المعارضة ويستبعد أصدقاء روسيا وقوى حية في المعارضة تسرع بوجودها بالحل السياسي، ويمنح جماعة المعارضة في الرياض حق الفيتو ويختبئ وراءها بمطالب تعيد المفاوضات على الحل السياسي إلى نقطة الصفر، تحت شعار هيئة الحكم الانتقالي، فكان ميونيخ وكانت الهدنة وحسمت آلية تصنيف التنظيمات الإرهابية بقوة الضغط الروسي وحسم أمر النصرة، وجاء وقت جنيف والمفاوضات وظهور الطريق المسدود مرة أخرى في إطار التفاوض وسقف الحل السياسي معاً، كما في المرة التي سبقت.

– بدا لروسيا أن سلوك الغرب المتباطئ والمتلكئ ينطلق من فهم خاطئ يحكمه وهم أن روسيا متورّطة في سوريا عسكرياً وتحتاج تحقيق إنجازات سياسية لتغطية مواصلة الدور العسكري، وأن عليها أن تدفع ثمن هذه الإنجازات السياسية بدلال ودلع جماعة الرياض والرياض نفسها، وأن الغرب غير مضطر لدفع ثمن الشراكة في إنتاج الحل السياسي المتفق عليه، وأن عائدات الدور الروسي في إضعاف وكبح الإرهاب يقطف ثمارها الغرب بلا شراكة في أي كلفة بعدما كان مذعوراً من تناميها، وراهن الغرب أن موسكو التي ضمنت تقوية موقع حليفها الرئيس بشار الأسد وضمنت شراكته بمفهوم موحّد معها في الحل السياسي، يمكن أن تضغط عليه لتضمن المزيد مما تحتاجه وتطلبه الرياض وجماعتها، ويمكن أن تتخلى عن مشاركة الأكراد في المفاوضات، وتتخلى عن معادلة حكومة في ظل الرئيس الأسد وصلاحياته، وترتضي بقاءه بلا صلاحيات فيفوّض هذه الصلاحيات للحكومة التي تتشكل عبر المفاوضات. عندها للمرة الثانية ضرب فلاديمير بوتين ضربته بسرعة، فقرر الرئيس الروسي أن يقول لقادة الغرب، كلاماً فاصلاً، مضمونه أن روسيا ليست في مأزق، ولا تحتاج لتغطية دورها في سوريا من أحد فقواعدها شرعية وباقية، ومحمية، وحليفها قوي وقادر، وتأخير الحل السياسي تأخير للحرب على الإرهاب، والخسائر الناجمة عن التأخير ستكون على الجميع، لكنها على الغرب قبل روسيا وأكثر، ومن يريد أمنه عليه أن يدفع ثمن هذا الأمن، والدلال والدلع للرياض وجماعتها إذا كان هو سبب وجود الإرهاب وتجذّره، كما يقول الرئيس الأميركي باراك أوباما، فليكن أيضاً سبباً لضياع فرص الحل السياسي وتوحيد جهود الحرب على الإرهاب، وليكن السبب للثمن الذي سيدفعه الغرب بكامل وعيه وعلمه، لكن من حسابه وليس من حساب روسيا.

– قال الرئيس بوتين حققنا أغلب أهداف تدخلنا العسكري، فمنعنا تنامي قدرات الإرهاب وأغلقنا الحدود التركية السورية خط الدعم الرئيس لهذا الإرهاب، وفرضنا سقفاً سياسياً واقعياً للحل السياسي وبدأت مندرجات هدنة جدية للمرة الأولى في تاريخ الحرب، وحسم تصنيف الإرهاب، وأمننا نحفظه من سوريا دون منّة من أحد وحاجة لأحد، لأن قواعدنا باقية وكما تحمينا سنحميها، لكن طالما أن المهمة شارفت على النهاية وإكمالها لا يتوقف علينا وحدنا، بل ينتظر جدية وحسماً من سوانا فلن نبقى أسرى الانتظار وسنسحب أغلب القوات، والقصد هنا، الغارات الكثيفة ستتوقف، وقد صار أغلبها على داعش، ما يعني أن الحرب المتسارعة على داعش، تستدعي تسريع الحل السياسي وتجميع القدرات الدولية بالتعاون مع حكومة سورية موحدة، ويبدو أنكم غير جاهزين لذلك بعد، وتخترعون الأعذار للتباطؤ، فليكن. نحن سنبتعد قليلاً وننتظر، ولكن تحملوا أنتم ثمن الانتظار.

– كما فاجأهم بوتين بقرار التدخل السريع، يفاجئهم بقرار الانسحاب السريع، وليقرروا الآن مصالحهم ويحسبوها بدقة، ويختاروا بين دلع الرياض وجماعتها، لقاء حساباتهم السياسية الخاطئة وحساباتهم المالية المشبوهة والسرية في سويسرا، وبين أمن بلادهم ومستقبل حكوماتهم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.