كلمة فريدريك أنجلز بعد وفاة رفيق دربه المفكر كارل ماركس
الأحد 20/3/2016 م …
توفي كارل ماركس يوم 14 مارس 1883. و بعد ثلاثة أيام ألقى رفيقه فريدريك انجلز هذا الخطاب على ضريحه بمقبرة هايغايت بلندن:
“في الرابع عشر من مارس وعلى الساعة الثالثة إلا ربع ظهراً توقف أعظم مفكر عن التفكير. لقد ترك وحيداً لدقيقتين بالكاد وحينما عدنا وجدناه جالساً في كرسيه نائماً في هدوء ولكن إلى الأبد.
إنها خسارة لا تقاس ضربت كلاً من الطبقة العاملة المناضلة في اوروبا و امريكا وعلم التاريخ بوفاة هذا الرجل. ان الثغرة التي نجمت عن رحيل هذه الروح العظيمة ستبرز بجلاء قريباً.
فمثلما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري: الحقيقة البسيطة التي تخفيها هيمنة الايديولوجيا و هي ان الانسان يجب اولاً أن ياكل ويشرب ويجد المأوى والملبس قبل أن يصبح في استطاعته الاهتمام بالسياسة والعلم والفن والدين الخ… و بالتالي فإن إنتاج الوسائل المادية الضرورية للعيش ومن ثمة درجة التطور الاقتصادي المحققة من طرف شعب ما او في حقبة ما تشكل الاساس الذي تقوم عليه مؤسسات الدولة والمفاهيم الشرعية والفن وحتى الافكار حول الدين التي يختص بها هذا الشعب او ذاك وعلى ضوئها يجب ان تفسر وليس العكس كما هو الحال.
ولكن ليس هذا كل ما في الامر. فقد اكتشف ماركس ايضا القانون الخاص بالحركة الذي يحكم نمط الانتاج الرأسمالي لعصرنا والمجتمع البرجوازي الذي خلقه هذا النمط من الانتاج. ان اكتشاف فائض القيمة سلط الضوء فجاة على المشكلة محاولاً حل ما عجزت عن حله جميع البحوثات السابقة من لدن الاقتصاديين البرجوازيين وكذلك النقاد الاشتراكيين.
ان هذين الاكتشافين لامر كاف في حياة شخص. و سيكون سعيداً ذاك الذي يتسنى له تحقيق ولو احدى هذين الاكتشافين.
علاوة على ذلك فانه و في كل حقل بحث فيه ماركس – و لئن بحث في حقول عديدة و لم يكن ذلك بسطحية في اي منها -.
هكذا كان ماركس رجل علم. إلا ان ذلك لم يكن يمثل ولو نصف هذا الرجل. لقد كان العلم بالنسبة لماركس حركية-دينامية- تاريخية و قوة ثورية. و مهما كان سروره عظيما باي اكتشاف جديد في العلوم النظرية و لئن كانت تطبيقاتها مستحيلة البلوغ فانه كان يعيش سروراً من نوع اخر حين يشمل الاكتشاف الجديد تغييرا ثوريا مباشرا في الصناعة وفي التطور التاريخي عموما.
كان ماركس قبل كل شيء ثورياً. و كانت مهمته الاولى في الحياة المساهمة بطريقة او باخرى في الاطاحة بالمجتمع الراسمالي و بمؤسسات الدولة التي جلبها معه و كذلك المساهمة في تحرير البروليتاريا الحديثة الذي كان اول من جعلها تعي بموقعها و حاجاتها و تعي بشروط تحررها. لقد كان الكفاح امرا اساسيا بالنسبة له فكافح بحب و عزم و نجاح لا ينافسه فيهم الا قليلون.
و كنتيجة لذلك كان ماركس افضل المكروهين و اكثر المشهرين بهم في عصره فقامت حكومات مطلقة و جمهورية على حد السواء بترحيله عن اراضيها و تنافس البرجوازيون من المحافظين او من اقصى الديمقراطيين بالتشهير و الثلب لشخصه. لقد ازاحوا ماركس كما تزاح خيوط العنكبوت. لكن لم يعر ماركس اهتمامه بذلك و لم يرد الا عندما دعته الضرورة الى الرد. و مات محبوبا ممجدا و نعته الملايين من العمال الثوريين- من مناجم سيبيريا الى كاليفورنيا و في كافة انحاء اوروبا و امريكا.
و لمن المهم القول انه برغم خصومه العديدين فبالكاد ان كان له عدو شخصي واحد.
سيخلد اسمه على مر العصور و كذلك اعماله!”
التعليقات مغلقة.