جشع الاغنياء .. ظلم الدولة وفساد المؤسسات / المحامي محمد الصبيحي

 

المحامي محمد الصبيحي ( الأردن ) الإثنين 28/3/2016 م …

لا القبضة الأمنية ولا الصواريخ والطائرات يمكن أن تفلح في الانتصار على التطرف الدموي، فما دام هناك ظلم وجشع وفساد فان هناك من ينتقمون من المجتمع والدول باسم الدين او باسم اليأس وغياب الامل.

ان نظرة فاحصة الى جهود مكافحة الارهاب بمؤتمراتها وتحالفاتها العسكرية ستخرج بنتيجة واحدة وهي أن التركيز على الجوانب العسكرية والامنية يأخذ بُعدا عمليا تنفيذيا صارما بينما التركيز على الجوانب الفكرية والاجتماعية يأخذ بُعدا نظريا لا يتجاوز حدود المؤتمرات والندوات.

صحيح ان الجانب الامني ضروري ومطلوب ولكن اغفال مصادر تفريخ التطرف وترك الجانب الفكري العقائدي لمؤسسات الاسلام الرسمي التي فقدت قاعدتها الشعبية بل واستشرى فيها الفساد الاداري انما يفقد الجانب الامني فاعليته ويجعله في دوامة لا تنتهي من المواجهات، فكلما اشتدت الحملة الامنية ارتفع الركود الاقتصادي بسبب عامل التوجس والخوف وتراجع الاستثمار فارتفعت نسبة البطالة والفقر وزاد عدد اليائسين الذين يشكلون الحديقة الخلفية للأنتقام والتطرف والارهاب.

وفي ظروف الركود الاقتصادي فان من يملك المال يستطيع أن يقتنص الفرص في الشركات المتهاوية والافراد الواقفين على شفا الافلاس في وقت يزداد حرص المؤسسات المالية فتمسك يدها عن التمويل فتكتنز الاموال في خزائنها وتطلق يدها في مطالبة المدينين المعسرين وتضيق الخناق عليهم ليصبحوا فريسة للأغنياء من المرابين والانتهازيين الجشعين.

وهكذا تتهاوى المنظومة الاجتماعية وتتفكك وتنحسر الطبقة الوسطى وينقسم المجتمع الى قلة غنية وكثرة فقيرة معدمة ولست ادرى كيف سيكون شكل المجتمع لو تراخت قبضة مؤسسات الدولة الامنية وانهارت سيادة القانون ؟؟ فهناك من يرى أن الكارثة التي ستحصل حينها تتلخص في مشاهد من الفوضى تاكل فيها جموع الفقراء مكتسبات الدولة واغنياءها على السواء، مشاهد مؤلمة نسأل الله ألا تحدث ولكننا في الوقت نفسه نقول بأن الدعاء وحده لايكفي لدرء الخطر , فالنظام بكل مكوناته مطالب بالتحرك وفق استراتيجية (ثورية) تصحح مسار العدالة في الدولة فالشعوب تتحمل الجوع مع العدل، وتقاتل من اجل أمن نظام عادل نزيه , ولكنها لن تتحرك لتأمين الحماية والامن للظلم والجشع والفساد.

ان ما يقال في الخطابات الرسمية ووسائل الاعلام يختلف عما يهمس به الناس في دواوينهم , ومن المؤسف أن أحدا لا يجاهر بالكلمات الصادمة فالناس في غالبيتهم بين متملق متسلق وبين خائف لايجرؤ على رفع رأسه وصوته وبين صادق عالم أقعده الجبن عن الجهر بالنصيحة وكلمة الحق.

اقول لكم بصراحة وهي صراحة مؤلمة اننا نسمع جملة تتكرر كثيرا على السنة شباب عندما تسألهم عن (داعش) يقولون لك (اذا جاءت داعش فليس لدينا ما نخسره فالخاسر الوحيد هو الفساد والاغنياء) يقولونها عن يأس يختلط بالجهل.. جهل لحقيقة اجندات التطرف الدموي ولكن اليائس والجائع لا يجدان متسعا من الوقت او جدوى للحوار الفكري.

لن نجامل بالقول أن كل شيء على ما يرام فهناك مؤشرات واضحة حتى لكل من فقد البصر ولم يفقد البصيرة، أن منظومة العدالة وسيادة القانون في تراجع مستمر ومتسارع وأن هناك مؤسسات في الدولة بالكاد تستطيع انجاز معاملة فيها دون واسطة او رشوة وان هناك مسؤولين يتقنون فن تزيين الاخطاء وتجميل بشاعة الظلم والفساد، وان الثقة بالمؤسسة الادارية والمالية في الدولة في أدنى مستوياتها، واذا كان هناك من يتبجح بغياب التظاهرات والمسيرات والاحتجاجات فعليه أن يدرك ان ذلك ليس مرده انجازات الحكومة واصلاحاتها وانما لشعور جمعي بين الناس بأن البديل أسوأ، ولكننا نرتكب خطأ فادحا اذا استثمرنا خوف الناس من البديل الاسوأ بترك الحبل على غاربه للفساد والمفسدين وترك مؤسسة العدالة والمساءلة دون اصلاح جذري شامل..

من هنا فان استراتيجية مواجهة التطرف يجب ان تبدأ باصلاح منظومة العدالة في المجتمع ابتداء من السلطة القضائية والاجهزة الادارية للدولة بحيث تنظر جميعها الى المواطن كمواطن بحياد مهما كان مركزه أو وضعه أو أصله , واعادة النظر في التكليف المالي للفئات القادرة عبر سن قانون للزكاة واصلاح المؤسسة الدينية اصلاحا جذريا ووضعها في يد المفكرين المشهود لهم بالاستقامة والقبول الشعبي , ولا بد ايضا من مواجهة الفساد الاخلاقي المرخص من الدولة المتمثل في النوادي الليلية وسيل المومسات المستورد، الذي اعتقد بعض قصار النظر انه يجلب سياحة وثراء!

ومن جانب آخر فان على المؤسسات المالية الخاصة والعامة وعلى الاغنياء الوطنيين التقدم بمبادرات تكافل اجتماعي وطنى كبرى بجانب صندوق المعونة الوطنية لضبط فوضى التبرعات والتسول الخيري الذي يتخلله فساد مستديم , مبادرات مؤسسية تسلط الضوء على الام الفقراء والمرضى والعاطلين عن العمل والمدينين المطاردين , حتى يشعر الناس جميعا ان قلوبهم على بعض وانهم اسرة واحدة كبيرة بالفعل وليس بالكلام.

ان نظامنا السياسي يحتاج الى ثورة بيضاء شاملة تعيد لحمة المجتمع متينة متراصة كما كانت , فالمجتمع الموحد المتكاتف , المجتمع العادل لايمكن لقوة في الدنيا او لفكر مهما كان مغريا أن يخترقه او يؤثر فيه فالعدل اساس الملك وهذه سنة كونية لا تتبدل .

لنقرأ اسباب سقوط الامبراطوريات الفارسية والرومانية والاموية والعباسية والعثمانية وسنجد قاسما مشتركا واحدا بينها .. الفساد الأخلاقي والمالي والظلم ..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.