تحرير تدمر..معاني ودلالات / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) السبت 2/4/2016 م …

” يُعدّ تحرير تدمر، نصرا كبيرا للجيش العربي السوري وحلفائه، وإضافة إلى أنه يتيح السيطرة على عقدة المواصلات المتحكمة في وسط بادية الشام، فإنه يعني إفساح الطريق أمام تقدم الجيش السوري: شمالا باتجاه مدينة الرقة، أهم معاقل تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، كما يفتح الطريق أمام التقدم إلى دير الزور شمالا، وإلى الغوطة الشرقية لريف دمشق، وريفي السويداء ودرعا جنوبا.”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحرير مدينة تدمر يكتسب أهمية استراتيجية كثيرة، ويمهد الطريق لاجتثاث تنظيم “داعش” الإرهابي، وبخاصة في ظل التطورات الميدانية في العراق.ففضلا عن الأهمية الاستراتيجية، فإن تحرير مدينة الآثار العريقة وعلى رأسها آثارملكتها زنوبيا (لما لها من بعد حضاري) يكتسب أهمية رمزية أخرى. فالحريصون على وحدة سوريا، تنفسوا الصعداء لهزيمة ظلاميي التاريخ. أما الممتعضين من هزيمة “داعش” فهم كثر على الأصعدة المحلية وبعض المناطقية والأخرى الإقليمية والدولية!. “داعش” وأمثالها عاثوا إرهابا في العراق وافغانستان وباريس وبروكسل وغيرها. وطال عبثهم وتخريبهم في سوريا التاريخ والإرث الحضاري والواقع المرّ! راهن كثيرون على تفتيت سوريا كما العراق! أيدوا داعش مباشرة أو بشكل غير مباشر، مريحين بذلك الوجه الثاني للعملة الداعشية: العدو الصهيوني وحلفاءه أيا كان المظهر الذي يحرصون على الظهور فيه زورا وبهتانا! العدو البغيض وأنصاره هم المستفيدين من الإرهاب الداعشي.

يُعدّ تحرير تدمر، نصرا كبيرا للجيش العربي السوري وحلفائه، وإضافة إلى أنه يتيح السيطرة على عقدة المواصلات المتحكمة في وسط بادية الشام، فإنه يعني إفساح الطريق أمام تقدم الجيش السوري: شمالا باتجاه مدينة الرقة، أهم معاقل تنظيم “داعش” الإرهابي في سورية، كما يفتح الطريق أمام التقدم إلى دير الزور شمالا، وإلى الغوطة الشرقية لريف دمشق، وريفي السويداء ودرعا جنوبا. تحرير المدينة يسهم في عزل التواصل الجغرافي لـ”داعش” مع أرياف حمص وحماة غربا، والحدود العراقية شرقا. ويُضيّق الخناق على التنظيم الإرهابي، ويقلّص من مساحة سيطرته الجغرافية كثيرا. كما أن تحرير المدينة ينهي سيطرة أعداء العروبة والإسلام وكل ما هو إنساني، على عدد من حقول الغاز المهمة في محيط المدينة، ويبعد تهديداته المباشرة لجزء مهم من المطارات والقواعد العسكرية للجيش العربي السوري في ريفي حمص لشرقا وشمالا.

يأتي تحرير تدمر بعد نحو شهر من فرض الهدنة بتفاهم روسي- أميركي ( وليس صفقة مثلما يروجون)، وهو ما ساعد الجيش العربي السوري وحلفاءه من التركيز على محاربة “داعش”، فكل التقارير أن دحر “داعش” في المدينة جاء بدعم روسي جوي كبير، ومشاركة في القصف، والتشويش على منظومة اتصالات الإرهابيين، وتحديد إحداثيات القصف بعد رصد دقيق لمواقعهم.كما يلقي الضوء على طبيعة المشاركة الروسية في سوريا (بأنها ليست احتلالا!)، وبأن موسكو ملتزمة بمواصلة محاربة الإرهاب، رغم إعلان سحبها ( وليس انسحابها!) لجزء كبير من قواتها قبل ثلاثة أسابيع. كما يؤكدعلى أن الجانب الروسي أوفى بتوضيحات، أطلقها بوتين من أن سحب جزء من القوات لا يعني الغاء الدور الروسي في دعم الحليف السوري،تماما كما التعهدات التي أطلقها وزير الخارجية سيرغي لافروف في وقت سابق، معلنا فيها:أن موسكو سوف تعمل على طرد “داعش” من تدمر، وأنها ستواصل العمل من أجل محاربة الإرهاب، والبحث عن حل سياسي للأزمة السورية في شكل متواز.

إن تحرير تدمر يضع الولايات المتحدة وحلفاءها في التحالف الدولي في الزاوية. فمن جهة، يكشف عدم نجاعة غارات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في محاربة “داعش”، بالرغم من الإعلان عن ألوف الطلعات والغارات على مواقع التنظيم الإرهابي في سورية، منذ نحوعامين. ومن جهة أخرى، فهو يضعها أمام مسؤوليتها في إثبات حقيقة نواياها في محاربة “داعش”!.

تخليص المدينة من براثن الداعشيين يوضح أيضا: إن الغارات الجوية وحدها لن تكون مؤثرة في حال غياب تنسيق مع قوى على الأرض؛ ما يضع واشنطن أمام خيارات، ربما لم تكن ترغب فيها. ومنها زيادة التنسيق مع القوات السورية، التي أصبح بمقدورها الآن: التقدم نحو كل مراكز التنظيم في الجزيرة السورية.

بالطبع:ان أهمية تحرير تدمر تتضاعف مع ربطها بإطلاق الجيش العراقي معركة تحرير الموصل، العاصمة الثانية لـ “دولة خلافة” آخر زمن!، كما تضييق الخناق على التنظيم الإرهابي في كل من سوريا والعراق.الجيش العربي السوري دخل تدمر، والجيش العراقي يقترب من الموصل. الاتجاه أصبح واضحاً، فالقضاء على دولة داعش أصبح مسألة وقت.

هزيمة داعش نهائيا في سوريا ( وهي لا بد آتية)، تعني خروج التنظيم الإرهابي من الجغرافيا والتاريخ، فمن المؤكد أنه سيكون لها موقع في كتب الأخيرلسنوات قليلة قادمة، تماماً كمواقع الفاشية، والنازية والصهيونية وغيرها من الظواهر الشبيهة على هامش التاريخ. الأهم من كل ما سبق: أن تحرير تدمر قد وضع بداية النهاية لوأد أحلام ومخططات من راهنوا على تفتيت سوريا،من خلال الدويلات الطائفية والمذهبية والإثنية أو حتى بتقسيمها من خلال كل الأشكال الفيديرالية والكونفيديرالية الأخرى.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.