تجديد العقل النهضوي / د. هشام غصيب

 

د. هشام غصيب ( الأردن ) الأحد 3/4/2016 م …

يمكن تصنيف الرؤى العربية السائدة بصدد الغرب في ثلاثة تصورات رئيسية تحدد معالم الخارطة الفكرية الايديولوجية في الوطن العربي اليوم. ويقع اثنان منها على المستوى ذاته ويكملان بعضهما، رغم تنقاضهما الظاهري. أما التصور الثالث فيقع على مستوى آخر ويتناقض جوهرياً مع التصورين الاخرين. هذه التصورات هي: 1) التصور الغربوي أو التغريبي، 2)التصور الشرقوي السلفي، 3)التصور الاستغرابي. أما الغربوي أو التغريبي فنجده مستشرياً في أوساط البرجوازية الكبيرة وجل الأنظمة السياسية العربية وفي بعض شرائح الطبقة الوسطى المعتمدة على ما يسمى القطاع الرأسمالي الحديث، الذي تهيمن عليه البرجوازية الكبيرة ورأس المال الأجنبي. ولا يحاول أصحاب هذا التصور عادة أن ينفذوا إلى قلب الغرب الحديث وواقعه الفعلي ولا إلى جوهر علاقتنا به، وإنما يكتقون بالنظر إلى السطح الزائف الذي يسلطه الغرب علينا. وبتعبير آخر فإن أصحاب هذا التصور لا ينطلقون منع الواقع التاريخي المدروس علمياً، وإنما ينطلقون من الصورة الايديولوجية الزائفة عن الغرب التي يصنعها ويروجها الغرب ذاته ويسلطها علينا لتجديد سيطرته وهيمنته علينا. فالتصور الغربوي أسير لهذه الصورة من حيث إنه يعتبرها المقياس المطلق لكل ما هو متقدم وحديث ومفيد. لذلك، فإن أصحاب هذا التصور يضعون عقولهم وإرادتهم وسلوكهم رهن مشيئة من يصنعون هذه الصورة وعناصرها في الغرب. ويعمد الغربيون إلى نزع عناصر صورتهم عن الغرب وبناها وأشكالها من سياقها الحضاري الاجتماعي وعزلها عن شروط انتاجها المادية التاريخية، ثم محاولة زرعها في بيئتنا من أجل تأييد واقع التبعية والتخلف في منطقتنا. إن التصور الغربوي إذاً ليس أكثر من تبرير ايديولوجي تزويري لتبعيتنا البنيوية للغرب ولفتح مجتمعنا الواهن على مصراعيه أمام فيض النفوذ والعدوان الغربيين، مع ما يصاحب ذلك من تخلف وحرمان ونهب وفقر وجوع.

ولتوضيح ما سبق ، سأطرح بعض الأمثلة العيانية على الكيفية التي يتعامل بها أصحاب التصور الغربوي مع الغرب ومفرزاته. ولنبدأ بالتقانة. إن أصحاب هذا التصور لا ينظرون إلى التقانة بوصفها أداة للإنتاج، ومن ثم لا يتعاملون معها من منظور القاعدة الانتاجية للمجتمع المحلي واحتياجاته التنموية التاريخية، وإنما ينظرون إليها نظرة وثنية أو صنمية تتمثل في اعتبار التقانة تجسيداً رفيعاً لتفوق مثلهم الأعلى، أي للصورة الزائفة عن الغرب التي يصنعها الغرب نفسه ويسلطها علينا. فليس المهم استعمال التقانة إنتاجياً، وإنما يكفي اقتناؤها حتى نلحق بركب الحضارة الغربية ونظل على صلة مع ينبوع التقدم. إن فعل الاقتناء، لا الانتاج ولا الاستعمال المجدي، هو ضمان التقدم والعصرية، في نظر هؤلاء. وينعكس هذا الموقف في النزعة الاستهلاكية (الاقتنائية التملكية في الواقع) المستشرية في صفوف الناس في الوطن العربي، حيث يتنافس الكثيرون على اقتناء آخر المنتجات الغربية العصرية لإعتقادهم أن اقتناء هذه المنتجات هو في حد ذاته مقياس للرقي الحضاري وأنه يرفع من شأنهم ويعزز موقعهم الاجتماعي. ونرى أن نزوعهم نحو تقليد الصورة السطحية الزائفة للغرب والتي يصنعها الغرب نفسه يدفعهم صوب تلقف الصرعات التقانية التي تظهر في الغرب واصطيادها و”التبرج” بها وكأنها حلية والمباهاة بها ومحاولة محاكاة سلوك صانعيها محاكاة القرد لصاحبه.ويتناسى الغربويون أن هذه الصرعات تعبر عن واقع غربي معين، وأنها تنتج لسد حاجات معينة على صعيدي المنتج والمستهلك، وأن قاعدتنا الانتاجية البدائية أو شبه البدائية ليست قادرة على استيعاب هذه الصرعات. لذلك نرى، مثلاً، ان اخر تقليعات الحاسوب قد استشرت في مؤسساتنا (العامة والخاصة)، لكن جلها لا يُستعمل، أو يستعمل مجرد آلات طابعة لا أكثر ولأ أقل.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.