سرقة ثروات العرب / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الخميس 7/4/2016 م …
* باحث في السياسة والاقتصاد …
ميّزَ اللهُ الشعوب العربية بأن جعل منهم خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنزل معه قرآناً بلغة عربية صريحة جعلهم به خير أمة أُخرجت للناس لما عليها من فعل الخير وأمر بالمعروف وابتعاد ونهي عن الفحشاء والرذيلة.
وقد عُرف عن الشعوب العربية في تلك الحقبة الفطنة والذكاء والدهاء، فكانت الحضارات والدولة القوية والعدل والثراء، حتى أتى زمن خلافة عمر بن عبد العزيز وكان يقول لعماله أن ينثروا الحب على الجبال حتى لا يُقال بأن طيراً جاع في زمنه، لعدم وجود الفقراء والجياع في الدولة. وقد اتبع من خلفه نهجاً مغايراً بدأ معه تبديد الثروات تدريجياً تحت مسميات مختلفة كان أشهرها الإنفاق على الجواري والإماء واللهو، ولكن كان أخطرها الإنفاق في غير مكانه على غير العرب وعلى القصور والمنح مقابل المديح وشراء الولاءات الوهمية أو الضعيفة.
ولم يختلف الأمر كثيراً بين اليوم والأمس القريب أو الأمس البعيد من ناحية تبديد الثروات والأسلوب المتبع في تبديدها من الناحية النظرية، ولكنه أخذ من الناحية العملية قي يومنا هذا منحاً خطيراً جدا، فالظاهر الذي تتلهى به الشعوب هو إنفاق الحكام وبعض المسؤلين للأموال الكبيرة تحت مسميات اللهو والترف ويجعلون الشعوب تعتبره خطراً جسيماً، بينما السرقة الحقيقية لثروات ومكتسبات الشعوب العربية تتجلى بمكان آخر وبمجالات أخرى كثيرة، يعمل الإعلام المعادي على إخفاء سلبياتها وتسويقها على أنها مزايا بمجملها، وتتبعهم أدوات الإعلام المحلي جهلاً وسذاجة في أثارها.
فالدول التي تتسلح للمظاهر فقط أو للحفاظ على عروش أمرائها هي أولى السرقات لأموال الشعوب وتبديد ثرواتها، والبذخ الهائل الذي ينفقه الأمراء والحكام من باب المنح والهبات السياسة للدول الأخرى هو قمة السرقة لثروات هذه الشعوب أيضاً.
وتبني خطط تنموية محكوم عليها بكل مؤشراتها المسبقة بالفشل، أو إعادة إنشاء المدن وتنظيمها بالاستعانة بخبراء أجانب فقط ولا يدركون ثقافة الشعوب التي يعملون من أجلها ولا يعملون في الوقت نفسه على تثقيف هذه الشعوب هو أيضاً في رأس هرم الأدوات المتبعة لسرقة أموال الشعوب.
والإنفاق على خطط وبرامج تعليمية غير صالحة لأجيال ثورة التكنولوجيا والمعلومات سواء كان الإنفاق على إنتاجها محلياً أو استيرادها هو أيضاً أكبر أبواب الاستيلاء على أموال ومكتسبات الشعوب العربية.
وتحريض القوى الناعمة على تدمير بلدانها باسم الثورات والعدالة والحرية هو أحد أهم الأدوات الحديثة لسرقة ثروات الشعوب.
ولعل أخطر اسلوب السرقات المتبع حالياً في زمن دجل ثورات القوى الناعمة هو تجارة الفوركس وشركات التداول، فخطورتها أنها تقوم بالسرقة أولاً بتوقيت ما يسمى ثورات الربيع العربي، ثم لأنها تتم عبر قناعة المواطن البسيط بعمله الذي يبدد به أمواله، فالمواطن يعطي اللص أمواله بنفسه عن رضا وقناعة دونما عناء، عبر سماسرة عرب تنطق اللهجة الفلسطينية والأردنية وتدافع عن هذه الشركات في الخليج العربي وتستهدف أبناء الخليج والمقيمين به.
فقد روى لي أحد الأصحاب كيف قامت إحدى شركات التداول وتدعى cbftrade بتبديد مكاسبه وأمواله عندما لم تستطع أن تستولي على أمواله بتوصياتها واقتراحاتها لأنه متخصص بالتداول، الأمر الذي كان يجهله موظفو هذه الشركة ، والذي يؤكد أيضاً المعلومات التي تمكنت الحصول عليها عن هذه الشركات من المواقع الالكترونية والمنتديات وبعض وثائق مراكز الدراسات وتقاريرها -وأخص مقالة بعنوان العرب لسرقة العرب- والتي تشير إلى ارتباط هذه الشركات مباشرة بالكيان الصهيوني والتي تؤكد أيضاً ما رواه لي صديقي من تنوع في أدوات السرقة التي لم تفلح معه على اعتبار خبرته النظرية بتجارة الفوركس والعملات.
لقد أصبحنا الآن في زمن أدوات المواطنة المشوهة والمشبوهة، فصحافة المواطن أصبحت أداة للتضليل والكذب بدلاً من كونها أداة لكشف الحقائق وتوثيقها ومكافحة الفساد. وشركات التداول لكسب الأموال بدراسة مرونتي العرض والطلب والمؤشرات المالية أصبحت موارد هامة لسرقة الأموال وتبديد ثروات الشعوب.
والأخطر من ذلك هو ترافق تحول الثورات التي تتغنى بها الشعوب لبناء الأمم وصناعة نهضتها إلى أدوات تدمير هذه الأمم والفتك بشعوبها، مع هدر المواطن لأمواله ووضعها في جيب السارق تحت مسمى شركات التداول باعتبارها الوسيلة الأكثر انتشاراً والأكثر رقياً لسرقة ثروات الشعوب من قيام المستعمر أو الحاكم بالنيابة عن المستعمر في سرقتها.
حمى الله بلادنا العربية وحفظ لنا ثرواتنا ومتعنا بها، لأننا كنا ولا زلنا وسنبقى أمة عربية واحدة.
التعليقات مغلقة.