دراسة / التربية النقابية والتربية الحزبية … أو التناقض الذي يولد الضعف المتبادل

 

محمد الحنفي ( المغرب ) الجمعة 8/4/2016 م …

إهــــــــداء:

 

v إلى أي مناضل نقابي قاوم التحريف.

v إلى القادة النقابيين الذين أخلصوا للعمل النقابي الصحيح.

v إلى الشغيلة التي تنبذ تحريف العمل النقابي عن مساره الصحيح.

v إلى الطبقة العاملة التي تخلص في نضالها النقابي إذا اقتنعت به

v إلى شهداء الطبقة العاملة الذين سقطوا في مختلف المحطات النضالية في كل مكان .

v إلى روح شهيد الطبقة العاملة الشهيد عمر بن جلون الذي عانى الأمرين من أجل مناهضة تحريف العمل النقابي

v من أجل أن تصبح مناهضة تحريف العمل النقابي هما عماليا.

v من أجل نقابة تقتلع جذور التحريف.

v من أجل ك.د.ش نقابة مناضلة .

مقدمة :

كثيرا ما تعمل الكثير من الجمعيات على عقد ندوات تكوينية تهم التربية على نوع النشاط الذي تهتم به . وكثيرا ما نجد أن الجمعيات الحقوقية تهتم بعقد دورات تكوينية في موضوع التربية على حقوق الإنسان . وقد قطعت في هذا الإطار عدة أشواط . وأخذت تسري هذه التربية كمصطلح وكممارسة في العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية . وخاصة منها الجمعيات المهتمة بحقوق الإنسان وعلى الأخص الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي عقدت دورات تكوينية في موضوع حقوق الإنسان وحقوق العمال .وقد كان من المفروض أن تعمل النقابات المناضلة على عقد دورات تكوينية من أجل التربية على العمل النقابي من أجل التأسيس لممارسة نقدية مبدئية ومناضلة بعيدة عن التأثر بالعمل الحزبي ، وقادرة على الفعل في شرائح الشغيلة . والتربية على العمل النقابي تقتضي تحديد المفهوم فيما يخص العمل النقابي واختلافه عن العمل الحزبي وعلاقته بالعمل السياسي ولماذا يسعى الحزبيون إلى التأثير على العمل النقابي وجعله تابعا للحزب أو لمجموعة من الأحزاب، ولماذا تتحول النقابة إلى مجال للصراع الحزبي، أو ما هي الوسيلة أو الوسائل التي تساعد على إبعاد كل ذلك من الساحة النقابية حتى تبقى خالصة للعمل النقابي الصحيح

إننا عندما نطرح التربية على العمل النقابي في مواجهة التربية الحزبوية ، إنما نريد أن نلفت الانتباه إلى المخاطر التي تحدق بالعمل النقابي في الإطارات المناضلة ، تلك المخاطر التي قادت إلى ما وقع في بنية الك.د.ش التي عرفت صراعا حزبيا ،حزبيا قاد إلى انقسامها إلى نقابتين ، وإذا لم يتم التخلص من الممارسة المنتجة لذلك الصراع فإن الك.د.ش ستعرف نفس الصراع الذي يقود إلى ضعفها . واستنزاف قدرتها على الفعل.لأنه لازال هناك من يعمل على تحزيب النقابة والنقابيين بالدفع في اتجاه التطابق بين النقابة والحزب وهو ما يمكن اعتباره تعسفا على العمل النقابي الذي يقحم في أمور لا علاقة لها بالنقابة

ولذلك ، فالعمل النقابي في حاجة إلى ممارسة تربوية مبدئية تعد النقابيين بصفة عامة ، والأطر النقابية مهما كان انتماؤهم الحزبي لإنتاج ممارسة نقابية صحيحة حتى تكتسب النقابة والعمل النقابي إشعاعا إيجابيا وسط الشغيلة بصفة عامة ووسط الطبقة العاملة بصفة خاصة

وللوصول إلى ذلك لابد من العمل على تحديد مفهوم التربية النقابية ، ومفهوم التربية الحزبية وعلاقة التربية النقابية بالتربية الحزبية وضرورة تحديد أهداف التربية النقابية وتحديد أهداف التربية الحزبية ، والوقوف على أثر التربية النقابية على العمل الحزبي وأثر التربية الحزبية على العمل النقابي ومصير النقابة المتأثرة بالعمل الحزبي ومصير الحزب المتأثر بالعمل النقابي وآفاق الفصل بين النقابي والحزبي وتحديد نقط الالتقاء والاختلاف بين النقابي والحزبي، وكيف نحافظ على ربط النقابي والسياسي لنصل إلى الك.د.ش كإطار لتفاعل النقابي والسياسي الذي يراد له ان يفيد معنى تفاعل النقابي والحزبي الذي لا يمكن اعتباره إلا تحريفا للعمل النقابي .

وبذلك نتبين ضرورة التربية على العمل النقابي الصحيح حتى نعمل على استئصال الأمراض التي تعشش في النقابة وفق برنامج مدقق يستهدف المحلي و الجهوي والوطني أو يعمل على التمرس على كيفية التأطير والبرمجة والتنفيذ والتواصل والاستقطاب والتنسيق وقيادة النضالات المطلبية القطاعية والعامة حتى يصبح ذلك التكوين وسيلة لبناء نقابة مبدئية قوية . ووجود إشعاع نقابي يقود إلى ارتباط الشغيلة بالنقابة التي تخلص في الدفاع عن مصالحها

فهل تقدم النقابات المناضلة على وضع تصور شامل وعلى جميع المستويات للتربية على العمل النقابي إسوة بالتربية على العمل الحقوقي ؟ أم أنها ستبقى مجال تفريخ أشكال التحريف ؟

إننا عندما نطرح هذا الموضوع للنقاش إنما تتوخى إعادة النظر في الممارسة النقابية حتى تساهم في بناء عمل نقابي صحيح يمتلك مناعة ضد التحريف . وضد المحرفين مهما كان لونهم الحزبي وموقفهم السياسي رغبة في الوصول إلى جعل الشغيلة وطليعتها الطبقة العاملة تحتمي بالنقابة باعتبارها الإطار الذي يقود نضالها في أفق تحسين أوضاعها المادية والمعنوية . ومجالا لامتلاك أسس قيام وعي طبقي حقيقي يؤهل الشغيلة وطليعتها الطبقة العاملة لأن تلعب دورها في حدة الصراع الطبقي في أفق القضاء الاستغلال المادي والمعنوي للشغيلة .

مفهوم التربية النقابية:

إن مفهوم التربية النقابية بالنسبة إلينا هو مفهوم عام لعلاقته بالنظام التربوي السائد الذي يعيد انتاج نفس التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية السائدة ،وانطلاقا من هذه العلاقة نجد أن الممارسة النقابية السائدة هي نتيجة لتلك التربية. ولذلك لا نستغرب إذا وجدنا أن الممارسات التحريفية تعشش في النقابة .لأنها تتسرب إليها من خلال النقابيين الذين يصبحون أطرا نقابية . وتعقد عليهم آمال ايجاد تربية على العمل النقابي الصحيح ومن خلال الأطر النقابية تتسرب الذاتية والحزبية والشعبوية و الاسلاموية والانتهازية و الوصولية . وممارسات تحريفية أخرى .و إذا كان لابد من معاناة في العمل النقابي فإن تلك المعاناة تأتي من خلال تسرب الأمراض المشار إليها والتي لا يمكن تجاوزها إلا بتكريس تربية نقابية بديلة تضع حدا فاصلا أمام كل أشكال التحريف مهما كان مصدرها

ومفهوم التربية النقابية أيضا هو مفهوم خاص .لأنه يقودنا إلى الرجوع إلى الأدبيات النقابية التي تحمل تصور للعمل النقابي الصحيح .إلا أن ذلك التصور لم تتم تترجمته على أرض واقع العمل النقابي ولم تتم أجرأته عبر برامج للتربية على العمل النقابي تستهدف القوانين النقابية وقوانين الشغل ، وقوانين الحريات العامة والنقابية وقوانين الوظيفة العمومية ومبادئ العمل النقابي وعلاقة النقابي بالسياسي والنقابي بالحزبي وتوسيع القاعدة النقابية وأشياء أخرى حتى تكون الاطر النقابية في مستوى متطلبات العمل النقابي الذي يستهدف تحقيق المطلب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية . ورفع مستوى الشغيلة على جميع المستويات

وانطلاقا من البعد العام والبعد الخاص لمفهوم التربية على العمل النقابي نجد أنه التمرس على احترام العمل النقابي لإكساب الممارسة النقابية بعدها الديموقراطي والتقدمي والجماهيري والاستقلالي والوحدوي حتى يتم انضاج الشروط الضرورية الموضوعية والذاتية لجعل العمل النقابي مؤديا دوره في استقطاب الشغيلة .و طليعتها الطبقة العاملة وجعلها تساهم في صياغة المطالب العامة والقطاعية ووضع برنامج نضالي قابل للتنفيذ . والعمل على تنفيذه في مراحل محددة وصولا إلى انتزاع مكاسب لصالح الشغيلة ولصالح الطبقة العاملة بالخصوص ومرورا بالتمرس على اختيار الأجهزة المختلفة اختيارا حرا ونزيها

فالتربية النقابية إذن هي ممارسة يومية تنتجها الاجهزة النقابية المختلفة ، وينتجها النقابيون لتحقيق الأهداف الآتية:

1) تحصين النقابة والعمل النقابي ضد كل أشكال التحريف النقابي البيروقراطية أو الحزبية أو الشعبوية أو الاسلاموية ، بل واستئصال ما هو قائم منها بالفعل إما في الأجهزة أو في الممارسة اليومية النقابيين .

2) إعادة الاعتبار لمبادئ العمل النقابي على مستوى بناء الأداة النقابية ، وعلى مستوى الممارسة اليومية حتى تصبح الديمقراطية حاضرة بشكل مختلف في بناء الأجهزة النقابية . وفي تصنيف المطالب ووضع البرامج وتنفيذها وهو ما يزيد الشغيلة ارتباطا بالنقابة واستجابة للعمل النقابي وحتى تصبح التقدمية باعتبارها تعبيرا عن تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة ، وعن امتلاك الوعي الطبقي في مستواه النقابي . حاضرة في الممارسة اليومية للأجهزة النقابية والنقابيين وحتى تصبح الجماهيرية متمثلة في الإشعاع الواسع للنقابة في أوساط الشغيلة التي تزداد ارتباطا بها . ومساهمة في تنفيذ برامجها ، وحتى تصير الاستقلالية جزءا من بنية العمل النقابي لتقطع الطريق أمام حزبية العمل النقابي او اسلامويته أو شعبويته ،أوبيرقراطيته. وحتى تصبح الوحدوية في التنظيم وفي البرنامج النقابي وفي النضال النقابي هي الهاجس الذي يحكم الشغيلة كامتداد لما تسعى إليه الأجهزة النقابية ويسعى إليه النقابيون .

3) خلق الاهتمام بالعمل النقابي ، وبالنقابة وبالمحافظة عليها كتنظيم يؤطر الشغيلة ، وجعله حاضرا في الممارسة اليومية. لأن الشغيلة عندما تهتم بالعمل النقابي تحرص على الانتماء إلى النقابة وتؤطر نفسها فيها وتسعى بواسطتها إلى تحسين أوضاعها المادية والمعنوية وتسعى باستمرار إلى تحصين مكتسباتها ، و تناضل من أجل المتع بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية كما هي مدونة في المواثيق الدولية ويترتب عن ذلك الاهتمام : امتلاك الوعي النقابي والوعي الحقوقي كمظهر من مظاهر امتلاك الوعي الطبقي من قبل الشغيلة التي لا يكتمل وعيها إلا بامتلاك الوعي الإيديولوجي ، والوعي السياسي الذي ينقلها إلى مستوى النضال من أجل القضاء على الاستغلال

4) اعتبار العمل النقابي قنطرة يمر عبرها الوعي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والمطلبي والحقوقي والتنظيمي إلى عموم أفراد الشعب فيكون ذلك حافزا على الانخراط في الإطارات الجماهيرية والديموقراطية والنضال بواسطتها من اجل تحسين أوضاعها المادية والمعنوية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية لتجاوز الأزمات الحادة التي تعاني منها الجماهير ولقطع الطريق أمام إمكانية حدوث أزمات أخرى .

5) إعداد الأجيال على أسس تربوية بديلة ، و نقيضة للأسس التربوية التي يقوم عليها النظام التربوي السائد والذي أبان عن فشله في إعداد أجيال مسؤولة عن مصير المجتمع .فإعداد الأجيال على أسس الديموقراطية والتقدمية والجماهيرية والاستقلالية والوحدوية سيعطينا ، ولاشك ، أجيالا من نوع جديد . وسينعكس وجود هذه الأجيال على جميع جوانب الحياة ، كما ينعكس على العمل النقابي ، وعلى المنظمات الجماهيرية الأخرى . وعلى مستوى أداء الأحزاب السياسية وسيعمل على وضع حد لكل أشكال التحريف التي تعرفها جميع الإطارات .

وبذلك نكون قد وضعنا تصورا للتربية النقابية التي تقتضي منا وضع برنامج لتلك التربية يختلف في أبعاده المحلية والجهوية والوطنية بسبب الاختلاف في الشروط الذاتية والموضوعية التي تستلزم اعتبارها في وضع أي برنامج حتى يكون فاعلا في الواقع وبتنفيذ البرنامج المحتمل تتحول النقابة والعمل النقابي إلى مدرسة لتكوين الأطر من جهة . ومدرسة لتربية الشغيلة على العمل النقابي الصحيح من جهة ثانية ، ومدرسة لتربية الجماهير الشعبية على المطالبة بحقوقها من جهة ثالثة وهكذا ….

مفهوم التربية الحزبية :

 وعلى خلاف التربية النقابية نجد أن التربية الحزبية تقتضي التعبير الإيديولوجي والتنظيمي  والسياسي في الممارسة اليومية للمناضل الحزبي الذي يجب أن يكون على بينة مما يجري في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .

فالتعبير الأيديولوجي يقتضي التمييز بين الايديولوجيات لتحديد  ما هي الإيديولوجية التي يتم الاقتناع بها . وهل هي الأيديولوجية الإقطاعية أو البوجوزية التابعة أو البورجوازية أو أيديولوجية البورجوازية الصغرى أو أيديولوجية الطبقة العاملة؟ و ما هي ضوابط هذه الأيديولوجية و قوانينها ؟ و ما هي الطبقة التي تعبر تلك الأيديولوجية عن مصالحها ؟ و ما موقفها من وسائل الإنتاج ؟ هل هي مالكة لها ؟ أو مشغلة لتلك الوسائل ؟ وهل هي مستفيدة من الاستغلال ؟ أم يمارس عليها؟ هل هي تملك أدوات السيطرة الطبقية؟ أم أنها تسعى إلى امتلاك تلك الوسائل ؟ و هل تعتبر تلك الأيديولوجية تقدمية أو رجعية ؟ و هل تستطيع أن تنفذ إلى أعماق المجتمع ؟ أم أنها تجد نفسها محاصرة بأيديولوجيات أخرى ؟ و هل تحتاج إلى عمق في التفكير و التحليل من اجل استيعابها ؟ أم أن ذلك لا يحتاج إلى أي مجهود ؟ و هل تعتمد على أسس مثالية أو مادية ؟

فالمناضل الحزبي عندما لا يستوعب أيديولوجية الحزب لا يستطيع الاستمرار في الارتباط به ليبقى مجرد تابع قابل لتغيير تبعيته في أية لحظة. و لامتلاك الحصانة الأيديولوجية التي تضمن الاستمرار في حزب معين لابد من : 

 (1 امتلاك أسس الأيديولوجية سواء كانت مثالية أو مادية و إدراك أبعادها الفلسفية و مرجعيتها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و آفاقها السياسية حتى تجعل حاملها قادرا على الصمود في الموقع الطبقي الذي ينتمي إليه أو الذي اختار الانتماء إليه، و حتى يستطيع مقاومة كل التوجهات التي تستهدفه من اجل استقطابه إليها، و حتى يستطيع الفعل في الواقع الذي يتحرك فيه، فيقنع الناس بتلك الأيديولوجية.

(2 التمكن من القوانين التي تنتظم بواسطتها تلك الأيديولوجية لأنه بدون ذلك التمكن لا يستطيع حامل الأيديولوجية إدراك موقفه من عملية الإنتاج، و لا الطبقة التي ينتمي إليها. و لا يمكن أن يعمل على تحليل الواقع باعتبار تلك القوانين هي نفسها أدوات التحليل الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي.

(3 القدرة على تحديد الحزب المناسب لتلك الأيديولوجية، و هل هو حزب الإقطاع، أو حزب البورجوازية، أو حزب البورجوازية الصغرى، أو حزب الطبقة العاملة لأن لكل أيديولوجية حزبها الذي يناسبها.

(4 معرفة المصالح التي تعبر عنها تلك الايديولوجية، و هل هي مصالح الإقطاعيين أو البورجوازيين، أو البورجوازية الصغرى أو الطبقة العاملة، لأنه بتلك المعرفة يتحدد الانتماء الأيديولوجي الذي تترتب عنه انتماءات أخرى.

و بذلك تكون التربية الأيديولوجية للمناضل الحزبي هي الأساس الذي تقوم عليه أشكال أخرى من التربية. لأن عدم التمييز بين الأيديولوجيات قد يقود بدوره إلى الخلط بين الأحزاب الذي يقود بدوره إلى الخلط بين المواقف السياسية. و هذا الخلط هو الذي يفقد نجاعة وأهمية  و دور التربية الأيديولوجية.

أما التعبير التنظيمي فيقتضي التمرس على التنظيم الحزبي ابتداء من استيعاب القوانين الحزبية، و الانضباط وفق ما تقتضيه تلك القوانين، و مرورا بكيفية اتخاذ القرارات، و انتهاء بتنفيذها. و بناء على ذلك نجد :

(1 أن استيعاب القوانين الحزبية يجعل المناضل الحزبي يميز بين الحزب الذي ينتمي إليه، و بين بقية الاحزاب، و هل التنظيم الحزبي الذي يقتنع به يتناسب مع الايديولوجية التي يقتنع بها أم لا؟ و ما هي المستويات التنظيمية للحزب ؟ و ما هي المهام الموكولة إلى كل مستوى؟ و ما هي الاهداف التي يسعى إلى تحقيقها ؟ حتى يستطيع المناضل الحزبي أن يتصرف وفق ما يقتضيه التنظيم الحزبي ،  وأن يكون في ممارسته الحزبية فاعلا منضبطا  ومقررا ومنفذا في إطار الوضوح التنظيمي المتناسب مع الوضوح الايديولوجي المتميز في الوضوح في الفروق القائمة بين التنظيم الحزبي الذي ينتمي إلية المناضل الحزبي وبين باقي التنظيمات الحزبية الأخرى تجنبا لكل خلط في الرؤيا وفي الممارسة الحزبيين .

2 ) أن الانضباط وفق ما تقتضيه القوانين يجعل المناضل  الحزبي يتصرف بناء على ما هو موحد في القوانين الحزبية ،لا يتجاوزه  ولا يسعى إلى الاجتهاد فيه إلا في إطار تنظيمي يلتزم بمهام التنظيم الأدنى ، والتنظيم الأعلى ومابينهما ، يتخد القرارات ، ويلتزم بتنفيذها ، وفق ما تقتضيه مختلف المستويات التنظيمية حتى لا يخرج  عن التنظيم ، وحتى يصير التنظيم بذلك فاعلا  في الواقع  ومطورا له ، ومتطورا به .ومحققا للتحول المنشود في أفق التغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي الذي يسعى إليه التنظيم الحزبي . ويعتبر الانضباط الحزبي ممارسة أساسية تقود إلى حماية الحزب من الاختراق من جهة وإلى جعل الحزب متميزا بمناضليه وفاعلا في الواقع من جهة أخرى، إلى جانب القدرة الفائقة على قيادة الصراع السياسي .

3) أن كيفية اتخاذ القرارات تقتضي التربية على الممارسة الداخلية الديموقراطية التي تستحضر إرادة جميع المناضلين الحزبيين في اختيار الأجهزة الحزبية ، وفي اتخاذ القرارات وتنفيذها. والديموقراطية الداخلية تعتبر من أهم عوامل تقوية الحزب ، أي حزب ، مهما كانت الإيديولوجية التي يقتنع بها أعضاؤه .وإن طبيعة الأحزاب القائمة تقتضي طرح التساؤل  : ما هو الحزب الذي يكون  محافظا على الممارسة الديموقراطية الداخلية؟ لأن الأحزاب القائمة في معظمها لا تعرف الممارسة الديموقراطية  ولا تسعى إليها . والحزب الوحيد الذي يتبنى  مبدأ المركزية الديموقراطية الذي يؤدي إلى المحافظة على استحضار إرادة الأعضاء قبل اتخاذ القرار .هو حزب الطبقة العاملة . قبل أن تتكلف الأجهزة المركزية بتنفيذ ذلك القرار . بخلاف الأحزاب الأخرى التي لا إرادة لأعضائها، وعلى الجميع الخضوع لما يقرره قادتها . وإذا اجتمعت أجهزة معينة فإن على أعضائها أن يصفقوا عل قرارات القائد.

4) ان تنفيذ  القرارات  يكون  بمساهمة جميع الأعضاء وبإشراف جميع الهياكل الحزبية المحلية والاقليمية والوطنية . لأن مرحلة التنفيذ هي التي يقوم فيها الارتباط بالجماهير الشعبية بصفة عامة ،وبالجماهير المعنية بتنفيذ تلك القرارات بصفة خاصة ، ولذلك نجد أن مرحلة التنفيذ  تعتبر مناسبة لتمرير الخطاب الأيديولوجي ، والتصور التنظيمي المتناسب معه إلى المجتمع من اجل خلق محيط جماهيري للحزب من جهة ومن أجل استقطاب مناضلين جدد من جهة أخرى حتى يستمر الحزب في النمو من خلال تفاعله مع القضايا الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية المطروحة في الساحة.

و بذلك يكون التعبير التنظيمي مناسبة للتربية على التنظيم الحزبي الذي ينتظر منه أن يلعب دوره في الواقع وفق برنامج محدد و محسوب، يتحرك من اجل الالتزام بتنفيذه مناضلوا الحزب من اجل التأثير في الواقع على جميع المستويات، وفي افق تغييره انطلاقا من تصور الحزب لمفهوم التغيير الذي ينشده.

و فيما يخص التعبير السياسي فإننا نجد  أنه هو التعبير الأسمى عن الاقتناع بأيديولوجية معينة، و الخلاصة الأمثل للعمل الحزبي الهادف. و التعبير السياسي يتخذ مجموعة من المستويات :

(1 المستوى الآني الذي يقتضي من المناضل الحزبي إدراك الموقف السياسي الذي يجب أن يتخذه التنظيم الحزبي الذي ينتمي إليه و الدفع في اتجاه بلورته على المستوى المركزي، و الدخول في عملية أجرأته على المستوى الحزبي الخاص، و على المستوى الجماهير العام. و توظيف جميع الوسائل الإعلامية و الجماهيرية لجعل ذلك الموقف الآني ساريا في نسيج المجتمع. و الموقف السياسي الآني يجب أن يكون منسجما مع البرنامجين المرحلي و الاستراتيجي، حتى يكون وسيلة لتقوية الحزب.

(2 المستوى المرحلي المتوسط المدى الذي يجب أن يعكس المواقف المبدئية للحزب حول القضايا الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و أن يدخل في أجرأة تنفيذ لك البرنامج. و على جميع المستويات من أجل جعل ذلك البرنامج أداة و وسيلة لتغيير الواقع في أفق تحقيق الهدف الاستراتيجي الرامي إلى التغيير الجذري للهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية بعد الوصول إلى مراكز القرار، و السيطرة على السلطة السياسية. و المناضل الحزبي يسعى إلى استحضار فقرات البرنامج المرحلي في ممارسته اليومية، و في علاقاته، و في حضوره المستمر في اجتماعات الهيئات الحزبية و الجماهيرية، لأنه بذلك يسعى إلى أجرأة البرنامج المرحلي، و تنفيذه.

(3  المستوى الاستراتيجي البعيد المدى الذي يقتضي الوضوح في الأيديولوجية وفي التنظيم حتى يسهل استيعاب ذلك البرنامج الاستراتيجي من قبل الجماهير من جهة، و حتى تساهم تلك الجماهير في العمل على تحقيقه من جهة أخرى. فالمستوى الاستراتيجي يتحكم في المستوى الآني. و في المستوى المرحلي و يوجه فكر و ممارسة الحزب، و يحدد طبيعة أيديولوجيته، و هو بالنسبة لكل حزب الأساس الذي تبنى عليه الأيديولوجية و التصور التنظيمي، و الموقف السياسي الآني و المرحلي.

و المناضل الحزبي يجب أن يتمرس على التمييز بين الموقف السياسي الآني، و الموقف السياسي المرحلي الاستراتيجي حتى يتحول إلى قوة للجماهير الشعبية الكادحة التي تفتقر إلى التربية السياسية، كما تفتقر إلى التربية النقابية و الحقوقية و الجمعوية.

و التربية على العمل الحزبي تحقق مجموعة من الأهداف :

(1 اهتمام المناضل الحزبي بالواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، مما يجعله يعيش في صلب المجتمع مؤثرا و متأثرا،و فاعلا و منفعلا، مطورا و متطورا، و جاعلا حزبه يتطور باستمرار في اتجاه استيعاب التحولات التي تحصل في الواقع، و العمل على تطوير الأداء الحزبي وفق ما يقتضيه ذلك الواقع.

(2 جعل الناس يهتمون بالعمل الحزبي و يعتبرونه وسيلة للتربية على ممارسة العمل السياسي الذي يعتبر خير وسيلة للتعامل مع القضايا الكبرى في مجالات الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة و السياسة. و أهم هذه القضايا هي قضية الديمقراطية التي تشغل بال الجميع و التي يمكن اعتبارها حلا سياسيا للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية.

(3 اعتبار النضال السياسي هو الوسيلة التي تجعل الناس يسعون إلى مناهضة الاختيارات القائمة، و التي لا تخدم مصلحة غالبية الجماهير بقدر ما تخدم الأقلية القليلة المتحكمة في القرار السياسي، و العمل على استبدالها باختيارات ديمقراطية، و شعبية تلبي حاجية معظم المواطنين.

(4 التمرس على التمييز بين النضال السياسي الحزبي و النضال السياسي العام، حتى يستطيع العمل السياسي الحزبي أن يساهم بما هو إيجابي في النضال السياسي العام.

(5 إدراك العلاقة القائمة بين النضال الحزبي من جهة، و النضال النقابي من جهة أخرى، و حتى تكون هذه العلاقة إيجابية، و حتى تكون سليمة.

(6 إدراك العلاقة بين النضال السياسي، و النضال الجماهيري في أبعاده النقابية و الحقوقية، و الجمعوية، حتى تستغل تلك العلاقة في جعل العمل السياسي في خدمة العمل الجماهيري و النضال الجماهيري في خدمة العمل السياسي.

و بذلك تكون التربية الحزبية قد أدت دورها، وحققت أهدافها، ، و رسمت خط النضال الديمقراطي الصحيح الذي سيقود إلى تحقيق الأهداف المنشودة في الحرية و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية باعتبارها أهدافا إنسانية و سياسية في نفس الوقت. بالإضافة إلى كونها أهدافا جماهيرية تساهم كل الإطارات المناضلة سواء كانت نقابية أو حقوقية، أو جمعوية أو حزبية في تحقيقها.

علاقة التربية النقابية بالتربية الحزبية :

و علاقة التربية النقابية بالتربية الحزبية هي علاقة تبقى واردة، ليس لأن العمل النقابي ملازم للعمل الحزبي أو العكس، و لكن لأن العمل النقابي، و العمل الحزبي يندمجان معا من خلال شخصية المناضل الحزبي/النقابي الذي هو في نفس الوقت قد يكون مناضلا نقابيا/حزبيا، أو قد يكون مستهدفا بالتربية الحزبية/النقابية، أو بالتربية النقابية/الحزبية. و هو ما يجعل التفاعل بين التربية النقابية و التربية الحزبية حاصلا في الواقع، شئنا ذلك أم أبينا، إلا أن هذه العلاقة الموضوعية قد تتحول إلى :

(1 علاقة احتواء حزبي للعمل النقابي من خلال سيطرة حزبيين معينين على الأجهزة النقابية لتحقيق هدفين :

الهدف الأول : جعل النقابة تابعة للحزب، و وسيلة استقطاب حزبي من أجل جعل العاملين في النقابة أو المنخرطين، أعضاء في الحزب لحل مشكل الكم الذي يفتقر إليه الحزب في مرحلة معينة.

الهدف الثاني : استغلال تلك السيطرة لتحريف مختلف القرارات الحزبية بواسطة النقابة لجعل المعنيين بالعمل النقابي مرتبطين بالحزب.

و الحرص على تحقيق هذين الهدفين هو الذي جعل معظم الأحزاب عاجزة عن احتواء النقابات القائمة، و خاصة منها تلك التي حققت تراكما نضاليا معينا، و لها قاعدة لا بأس بها، تلجأ إلى تكوين نقابات تابعة لها حتى توظفها لتحقيق الهدفين أعلاه.

و النتيجة التي وصلت إليها الشغيلة هي شرذمة العمل النقابي، و تعدد الإطارات النقابية بسبب الاحتواء الحزبي، الأمر الذي ترتب عنه إضعاف العمل النقابي خدمة للطبقة التي تستغل شرائح الشغيلة.

(2 علاقة احتواء نقابي للعمل الحزبي المترتب عن سعي القائد النقابي بالخصوص لجعل حزب معين تحت سيطرته. فإذا افتقد ذلك يسعى إلى تكوين حزب تابع له، يسعى إلى أن يكون رهن إشارة النقابة و في خدمتها.

و هذا النوع من العلاقة يحرص على تحقيق هدفين أساسين :

الهدف الأول : جعل النقابة هي الأصل و الحزب هو الفرع حتى لا يعتقد أحد أن الحزب اكثر نضالية من النقابة، و بدل استغلال النقابة لتصريف القرارات الحزبية، يلجأ القائد النقابي إلى استغلال الحزب لتصريف القرارات النقابية. و تصور كهذا لا يمكن اعتباره إلا فوضويا، و ناتجا عن ممارسة لا يمكن اعتبارها إلا بيروقراطية أو شعبوية تؤمم الشارع، و تفاعل الشغيلة مع العمل النقابي لصالح ما يريده القائد النقابي، و الحزب الذي انبثق عن النقابة.

و الهدف الثاني : هو حلول النقابة محل حزب الطبقة العاملة لقطع الطريق أمام إمكانية انبثاق وعي حقيقي من خلال ممارسة العمل النقابي ليتحول اتجاه بناء حزب الطبقة العاملة الذي يمكن اعتباره حزبا ثوريا يقود نضالات الطبقة العاملة في اتجاه القضاء النهائي على الاستغلال. و حلول النقابة محل حزب الطبقة العاملة لا يمكن اعتباره إلا ممارسة تحريفية توهم الشغيلة بإمكانية امتلاك الشغيلة للوعي الطبقي الحقيقي، و الحكم عليها بسيطرة الوعي الزائف على مصيرها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي.

و علاقة الاحتواء النقابي للحزب، أو الاحتواء الحزبي للنقابة هي علاقة تحريفية بالدرجة الأولى، و لا يمكن أن يترتب عنها التفاعل بين العمل النقابي و العمل الحزبي الذي يمكن اعتباره وسيلة للتفاعل بين العمل النقابي والعمل السياسي. و هذا النوع من علاقة الاحتواء لا يمكن أن ينتج تربية نقابية أو تربية حزبية وفق التحول الذي رأيناه في مفهوم التربية النقابية ومفهوم التربية الحزبية، و لا يمكن أن يحقق أهداف التربية النقابية و أهداف التربية الحزبية.

  و العلاقة الحقيقية و الصحيحة التي يجب أن تقوم بين العمل النقابي و العمل الحزبي هي التي تقوم على أساس :

(1 احترام العمل النقابي و حدود قيام ذلك العمل، و اعتبار النقابة مجالا لتفاعل الآراء المختلفة في إطار وجود ممارسة ناجعة لتدبير الاختلاف في الرأي من خلال احترام مبادئ العمل النقابي المتمثلة في الديمقراطية، و التقدمية و الجماهيرية و الاستقلالية و الوحدوية حتى تتعايش مختلف الآراء في إطار النقابة. و حتى يتحول الاختلاف إلى عامل قوة بدل أن يصير عامل هدم كما هو حاصل الآن في مختلف الإطارات النقابية، و خاصة تلك التي تدعي تمثيلية الشغيلة، أو قدرتها على تمثيلية الشغيلة.

(2 احترام العمل الحزبي، و حدود ذلك العمل و اعتبار الحزب مجالا للممارسة الأيديولوجية، و التنظيمية المتناسبة معها، من أجل بلورة المواقف السياسية المعبرة عنها من اجل توظيف تلك المواقف في الصراع العام الذي يقوده الحزب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية في أفق الوصول إلى مراكز القرار، لتحويل تلك المواقف إلى برنامج سياسي رسمي قابل للتنفيذ بعد المصادقة عليه في الإطارات المختصة.

(3 التمييز بين العمل النقابي، و العمل الحزبي في الممارسة اليومية التي ينتجها المناضل النقابي-الحزبي، من اجل المحافظة على استقلالية النقابة من جهة، و على تميز العمل النقابي عن العمل الحزبي من جهة أخرى، حتى يبقى العمل النقابي مستقطبا للشغيلة على جميع المستويات و في جميع القطاعات.

(4 التمييز بين الربط الجدلي بين العمل النقابي و العمل السياسي، و بين جعل النقابة تابعة للحزب من أجل إزالة الخلط الذي قد يصيب الاذهان التي قد تعتبر تلك التبعية ربطا للعمل النقابي بالعمل السياسي، و الذي يقف وراء الانقسام و التشرذم، و النزيف الذي تعرفه النقابة.

5) التمييز الواضح بين البرنامج النقابي الذي يستهدف تحسين الاوضاع المادية و المعنوية للشغيلة، و بين البرنامج الحزبي يستهدف الوصول إلى مراكز القرار لأنه بدون ذلك الوضوح في البرنامج النقابي والبرنامج الحزبي سيختلط البرنامج النقابي بالبرنامج الحزبي، وسيصبح العمل النقابي عملا حزبيا بامتياز.

و بهذه الاسس يمكن أن تبلور علاقة سليمة و صحيحة و علمية بين العمل النقابي و العمل السياسي.

أما العلاقة بين العمل النقابي  والعمل الحزبي باعتبارها علاقة بين العمل النقابي و العمل السياسي في مستواه الحزبي، فإنها تتم من خلال شخصية المناضل النقابي الذي هو في نفس الوقت مناضل حزبي على خلاف العلاقة بين العمل النقابي و العمل السياسي الذي يتم من خلال عناصر الملف المطلبي التي تجمع بين المطالب المادية و المطالب المعنوية، و من خلال البرنامج المطلبي في مراحله المختلفة مع مراعاة الشروط الذاتية و الموضوعية لتنفيذ ذلك البرنامج.

و الدور الذي يوكل للتربية النقابية و التربية الحزبية يكمن في اقامة الحدود بين العمل النقابي و العمل الحزبي، و الحرص على أن تصير النقابة مبدئية، و أن يصير الحزب ديمقراطيا و أن تقوم النقابة بدورها في استقطاب الشغيلة إليها، للمساهمة في انتزاع مكاسب لصالحها، و النضال من أجل حماية تلك المصالح المادية و المعنوية.

و بذلك تكون التربية النقابية قد أدت دورها في التميز عن التربية الحزبية التي لها دور آخر يختلف في التميز عن التربية النقابية في اطار التفاعل بين التربيتن في شخص المناضل النقابي- الحزبي، أو المنا النقابي.

أثر التربية النقابية على العمل الحزبي :

و للتربية النقابية على العمل الحزبي أثر كبير، لأنه بواسطة التربية النقابية يحضر الاهتمام البعيد و العميق بمختلف  القضايا التي تهم الشغيلة ، كالقضايا الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في مستوى السعي إلى تحسين الاوضاع المادية و المعنوية للشغيلة و طليعتها الطبقة العاملة. و هذا الاهتمام هو نفسه الذي يتحول على المستوى الحزبي إلى الاهتمام بمصير المجتمع و على جميع المستويات :

1) فالتربية النقابية تقود إلى تعميق الرؤيا في الواقع الاقتصادي للمجتمع ككل، و ربطه بالاختيارات القائمة و التي تقف وراء التردي الاقتصادي للشغيلة أولا، ثم التردي الاقتصادي للمجتمع ككل. و هذا الربط يقود. و هذا الربط يقود إلى تغيير في الرؤيا من رؤيا نقابية تقف وراء السعي إلى مجرد تحسين الاوضاع المادية و المعنوية للشغيلة، إلى رؤيا حزبية تسعى إلى القضاء على تلك الاختيارات القائمة و استبدالها باختيارات تنتج ممارسة اقتصادية يتم في اطارها التوزيع العادل للثروة بين جميع أفراد المجتمع لتكون التربية على العمل النقابي وسيلة إلى التشبع بالتربية الحزبية بعد امتلاك الوعي الطبقي الذي هو الغاية من التربية النقابية، و التربية الحزبية معا.

2) و التربية النقابية تقود كذلك إلى تعميق الرؤيا في الواقع الاجتماعي للمجتمع ككل، و ربطه بالاختيارات الاجتماعية القائمة على مصادرة الحقوق الاجتماعية لعموم أفراد المجتمع لصالح الطبقة المستفيدة من تلك الاختيارات، و ربط الواقع الاجتماعي بالاختيارات القائمة، و العمل على تكريس اختيارات شعبية و ديمقراطية تجعل المجتمع ينعم بالخدمات الاجتماعية المختلفة كالتعليم و الصحة و السكن و الشغل و الترفيه، و الحماية الصحية و الاجتماعية، و أشياء أخرى يحتاج إليها المجتمع.

3) و تعمل التربية النقابية كذلك على تعميق الرؤيا الثقافية التي تمد الشغيلة بالقيم النبيلة التي تحقق وحدتها و اقدامها على النضال المؤدي إلى امتلاك بدايات الوعي الطبقي التي تدفع في اتجاه الوقوف على طبيعة الاختيارات الثقافية القائمة، و المنتجة للوعي المقلوب في المجتمع ككل. و في أوساط الشغيلة بصفة خاصة و في صفوف الطبقة العاملة بصفة أخص حتى يبقى المستفيدون من الاستغلال مستمرين في استغلالهم، و متمادين في الاستبداد بكل شيء و لذلك نجد ضرورة تحول التربية النقابية في مستواها الثقافي إلى تربية حزبية لانتاج ثقافة مضادة للثقافة الرسمية لانتاج قيم نقيضة للقيم السائدة و للعمل على امتلاك الوعي الطبقي الحقيقي المناهض للوعي الزائف، وانطلاقا من اختيارات ديمقراطية و شعبية مناهضة للاختيارات الثقافية القائمة، و سعيا إلى تحقيق الوصول إلى مراكز القرار لفرض سيادة ثقافة شعبية و ديمقراطية بقيمها النبيلة.

4) و إلى جانب ما ذكرنا فالتربية النقابية تسعى إلى تعميق الرؤيا الحقوقية لدى الشغيلة التي تصير مدركة لحقوقها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و لكن في حدود الحرص على تحسين الاوضاع المادية و المعنوية للشغيلة، و نظرا لأن الشغيلة لازالت تعاني من الكثير من الخروقات التي تستهدفها. و هذا التغيير لا يتم إلا بتطوير التربية النقابية إلى تربية حزبية تستهدف تحقيق ذلك التغيير.

5) و التربية النقابية التي تسعى إلى تعميق الرؤيا السياسية للمطالب النقابية في مستوياتها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية لا تتجاوز مجرد تحقيق تلك المطالب المؤدي إلى تحسين الاوضاع المادية و المعنوية فقط، بل يتعدى ذلك إلى بث الوعي الطبقي في صفوف العمال و سائر شرائح الشغيلة مما يدفعهم إلى الانتظام في حزب سياسي معين للنضال من أجل الوصول إلى مراكز القرار لتحقيق الاهداف السياسية المتمثلة في تغيير الاختيارات القائمة باختيارات نقيضة لها حتى تقف وراء تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية التي ينتفي في اطارها استغلال الانسان للانسان.

و لكن هل يوجد عمل نقابي و اطارات نقابية تقوم بدور التربية النقابية للشغيلة من أجل أن تحلم بالقضاء على الاختيارات اللاديمقراطية و اللاشعبية و تعويضها باختيارات ديمقراطية و شعبية ؟

إن التربية النقابية السائدة الآن لا تنتج إلا الوعي الزائف الذي يمكن تصنيفه في :

1) وعي حزبوي يجعل الشغيلة تعتقد أنها تنتمي إلى حزب معين بمجرد انخراطها في نقابة لذلك الحزب.

2) وعي نقابي يجعل المنخرطين في النقابة يعتقدون أن النقابة هي البديل الطبيعي للحزب، و في أحسن الاحوال هي الاطار الذي يفرز الحزب الذي توجهه النقابة.

3) وعي اسلاموي يعتبر النقابة هي الاطار الذي يستغل برنامج توجه الحزبوسلامي في اوساط الشغيلة التي عليها أن تقتنع بالجهاد بدل الاقتناع بالنضال.

4) وعي بيروقراطي بجعل كل منخرط يحلم بالوصول إلى المسؤولية النقابية من أجل استغلالها لتحقيق المصالح الخاصة على حساب مصالح الشغيلة.

و لذلك نجد أن التربية النقابية الصحيحة لا يمكن أن تكون إلا نقيضة للتربية الحزبية لكونها لا تؤهل العمال لامتلاك الوعي الحزبي الحقيقي الذي لا يكون إلا طبقيا. و يعتبر من أرقى أشكال الوعي الذي لا يتجسد إلا في إطار الحزب الذي يناسب ايديولوجية الكادحين و طليعتهم الطبقة العاملة. و هذا الحزب هو حزب الطبقة العاملة الذي لا يكون إلا ثوريا لكونه يخلص في العمل من أجل تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.

و انطلاقا مما رأيناه نجد أن أثر التربية النقابية على العمل الحزبي قد تتخذ بعدا ايجابيا، إذا هي ساهمت في اعداد الشغيلة لامتلاك الوعي الحقيقي الذي ينقلها من مستوى العمل على التقليص ممن حدة الاستغلال الممارس عليها إلى العمل  الذي يسعى إلى القضاء على الاستغلال المادي و المعنوي، و قد تتخذ بعدا سلبيا إذا هي ساهمت في انتاج أشكال الوعي الزائف الذي يقف وراء شرذمة الطبقة العاملة، و سائر شرائح الشغيلة، تلك الشرذمة الناتجة عن اشاعة أشكال الوعي الزائف المشار إليها.

أثر التربية الحزبية على العمل النقابي :

و كما أن للتربية النقابية أثر على العمل الحزبي ايجابا و سلبا، فإن للتربية الحزبية اثرا على العمل النقابي ايجابا و سلبا.

فالمناضل الحزبي عندما يتلقى في حزبه تربية معينة، فإنه قد يكون مبدئيا أو غير مبدئي انطلاقا من طبيعة الحزب الذي تشبع بتربيته. هل هي تربية مبدئية، أو تربية انتهازية ؟ فإذا كانت مبدئية فإن المناضل الحزبي عندما يتوجه للعمل في اطار نقابة معينة فإنه يحترم مبادئ العمل في تلك النقابة، و يخضع لضوابطه و يعمل بالنتائج التي يتم التوصل إليها، و يتجنب ما أمكن أن يفرض توجهه الحزبي، أو يشترط تواجده في الاجهزة المقررة أو المسيرة بل يترك اختياره لتحمل المسؤولية في احدى مستوياتها، أو في بعض مستوياتها أو في كل المستويات لإدارة العاملين في النقابة، و انطلاقا من هذه الممارسة المبدئية. فإن المناضل الحزبي لا يقحم الممارسة الحزبية في الممارسة النقابية، بل يميز في سلوكه بين ما هو حزبي، و ما هو نقابي حتى لا يتسبب في تضليل الشغيلة و جعلها تعتقد أن النقابة تابعة لحزب معين، و إذا أراد تصريف توجهه الحزبي فإنه يفعل ذلك من خلال فكره، و من خلال ممارسة يومية، و من خلال عمله اليومي في النقابة حتى يحافظ على سلامة الاطار النقابي من التحريف الحزبي الذي يمكن أن يتسرب إليه عبر المنتمين إلى حزب معين.

أما إذا كانت التربية غير مبدئية، فإن الحزبي لا يأتي إلى النقابة إلا بخلفية السيطرة على الاجهزة النقابية التي تعمل على تصريف التوجه الحزبي في الاطارات النقابية لتتحول النقابة بذلك إلى نقابة حزبية بسبب التحريف الحزبي الذي تسرب إليها. و إذا تعذر عليه ذلك فإنه يسعى إلى تقسيم النقابة حتى يستفرد بنقابة حزبية منبثقة عن النقابة الاصلية لا ينازع الحزب فيها أحد.

و معلوم أن الحركة النقابية عانت كثيرا من هذا النوع من التحريف. كما عانت من أنواع أخرى من التحريف الشعبوي و البيروقراطي.

و إذا كان المناضل الحزبي يسعى إلى جعل النقابة تابعة للحزب أو مجالا لتصريف التصور الحزبي لمختلف القضايا التي تهم الشغيلة من اجل استقطابها إلى الحزب أو على الاقل من أجل جعلها تتعاطف معه و تدعمه في مختلف المحطات الانتخابية إن كانت هناك ديمقراطية، أو الانتخابوية أن لم تكن هناك ممارسة ديمقراطية حقيقية، فإن المناضل الحزبي النقابي ، لا يهتم إلا بالنضال الصحيح الذي يحرص عليه و يسعى إلى المحافظة عليه باعتباره وسيلة لتقوية الطبقة العاملة و سائر شرائح الشغيلة التي تتحقق وحدتها في اطار النقابة المبدئية التي تناضل من أجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية.

و إذا كان الحزبي يسعى إلى استفادة الحزب من تحويل النقابة إلى منظمة حزبية، أو العمل على خلق نقابة تكون كذلك. فإن الحزبي المبدئي يعتبر أن النقابة المبدئية و القوية، و المناضلة تعتبر مساهمة فعالة في تقوية العمل الحزبي الجاد و المسؤول و المبدئي نظرا للتفاعل الايجابي القائم بين التربية الحزبية المبدئية و التربية النقابية المبدئية.

و لذلك نرى أن أثر التربية الحزبية على العمل النقابي يتجسد في :

1)    كون التربية الحزبية المبدئية تقف وراء وجود عمل نقابي صحيح.

2)    كونها تحرص على مبدئية النقابة المحققة لوحدة الشغيلة.

3)    كونها تحرص على استفادة الشغيلة من النضالات المطلبية.

4)    تركها أمر انتماء الشغيلة للاحزاب إلى إرادة الشغيلة نفسها حتى لا تتحول النقابة إلى منظمة حزبية.

و بذلك يكتسب المناضل الحزبي مصداقية في الاطار النقابي الذي ينتمي إليه، و يتحول إلى قوة للنقابة، و قائدا لنضالاتها المطلبية حسب المستوى التنظيمي الذي ينتمي إليه.

و هذا التصور هو الذي يساعدنا على معرفة لماذا تكون نقابة مبدئية معينة قوية في بعض المناطق و ضعيفة في مناطق أخرى لمصداقية أو عدم مصداقية المناضل النقابي الذي يتحدد انتماؤه إلى حزب ينتج تربية حزبية مبدئية، أو إلى حزب ينتج عكس تلك التربية.

أما التربية الحزبية اللامبدئية على العمل النقابي فيتجسد في :

1)    اعتبار النقابة منظمة حزبية أو السعي إلى جعلها كذلك حتى تلعب دورا كبيرا في تقوية الحزب.

2) اعتبارها مجالا لتصريف التصور الحزبي في مختلف القطاعات حتى تفرض فقرات البرامج الحزبية في برامجها حتى تلعب دورا كبيرا في جعل تلك البرامج تستقطب للحزب من داخل كل القطاعات.

3)    اعتبار استفادة الشغيلة مسألة ثانوية بالمقارنة مع ما يستفيده الحزب من العمل النقابي.

4)    اعطاء الاولوية في المفاوضات لاستفادة النقابيين الحزبيين، و اشتراط الانتماء إلى الحزب لحصول تلك الاستفادة.

5)    تغييب المبدئية في الممارسة اليومية للعمل النقابي، فلا ديمقراطية، و لا تقدمية، و لا جماهيرية، و لا استقلالية، و لا وحدوية.

6)    استغلال المحطات النضالية المختلفة لفرض شروط الحزب على الطبقة الحاكمة بدل الشروط التي تؤدي إلى حماية الشغيلة من شراسة الاستغلال.

7)    ربط وجود النقابة و استمرارها بالتبعية للحزب، و إلا قام الحزبيون بتخريب النقابة أو العمل على اضعافها ما أمكن حتى لا تلعب دورها.

و بهذا الرصد للفرق بين أثر التربية الحزبية المبدئية، و أثر التربية الحزبية اللامبدئية على العمل النقابي، نتبين بوضوح من يسعى إلى وحدة العمل النقابي الذي يقف وراء قوة الشغيلة، و من يسعى إلى تقسيم النقابة، و شرذمة العمل النقابي.

مصير النقابة المتأثرة بالعمل الحزبي :

و كما أشرنا إلى ذلك في الفقرات السابقة فإن التربية الحزبية المبدئية لا يمكن أن تقود إلا إلى احترام العمل النقابي و تقويته و العمل على وحدته مطلبيا، و برنامجيا، و نضاليا في أفق وحدته تنظيميا. و بخلاف التربية الحزبية المبدئية، فإن التربية الحزبية اللامبدئية تنعكس سلبا على النقابة و على العمل النقابي كما يتجلى ذلك في :

1) تحويل النقابة و العمل النقابي و المقرات النقابية إلى مجال للصراع بين التوجهات الحزبية المختلفة التي قد تصل العلاقة بينها إلى درجة التناقض. و هذا الصراع كان يمكن أن يكون طبيعيا في حالة ممارسته بطريقة ديمقراطية تؤدي إلى ايجاد حلول للتناقضات المختلفة، إلا أنه و بسبب وجود من يستغل العمل النقابي لأجل التسلق الطبقي، و التصنيف إلى جانب الطبقات المستفيدة من الاستغلال، فإن الصراع الديمقراطي تراجع إلى الوراء لصالح الصراع التناحري الذي يؤدي إلى إضعاف النقابة من جهة، و فقدان الثقة في العمل النقابي من جهة أخرى.

2) الاقدام على تقسيم النقابة إلى نقابتين أو أكثر إذا تعذر تواجد الاحزاب و التوجهات الحزبية المتناقضة في نقابة واحدة، فيتم اللجوء إلى السيطرة على الاجهزة النقابية بواسطة القوة ، و إقصاء المخالفين تحت التهديد لضمان تبعية النقابة لحزب معين أو لمجموعة من الاحزاب، و للوصول إلى ذلك يتم استغلال المحطات التنظيمية كالمؤتمرات و مجالس الفروع و الجهات و الاقاليم لإقصاء المخالفين، كما يتم استغلال المحطات الوطنية الاخرى لتوظيف المليشيات ضد المخالفين من أجل السيطرة على المقرات، و اقصاء الرأي المخالف من النقابة و بصفة نهائية، ليتحول الصراع من صراع ديمقراطي إلى صراع تناحري لا يمكن وصفه إلا بالصراع الطبقي، و نظرا للانقسام الطبقي الحاد الذي طال صفوف النقابيين الذين تنفرز من بينهم طبقة صارت مصلحتها مع الطبقات المستفيدة من الاستغلال. فأصبحت تسعى إلى حماية تلك المصلحة بالحرص على تحزيب النقابة و وضع حد لمبدئيتها، و الدفع في اتجاه الانشطار النقابي إلى ما لا نهاية، لايصال الشغيلة إلى اليأس من اعتبار العمل النقابي وسيلة لتحسن الاوضاع المادية و المعنوية المتردية التي نعاني منها.

3) السعي إلى تأسيس نقابة جديدة في حالة الوصول إلى مرحلة اليأس من إمكانية تدجين النقابة المبدئية، و جعلها تابعة للحزب. و هذا السعي يترتب عنه الرفع من عدد الاطارات النقابية التي تقود إلى المساهمة في تمزيق جسد الشغيلة، و شرذمتها، و التشويش عليها حتى لا تمتلك وعيها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الحقوقي و السياسي الذي يدفعها إلى المساهمة في رفع حدة الصراع ضد المستغلين. و يؤدي التشرذم النقابي و تعدد الاطارات النقابية إلى إخماده و القضاء عليه لصالح المستفيدين من الاستغلال. و الاحزاب السياسية التي تدفع في اتجاه تأسيس نقابات جديدة مسؤولة عن وضعية التعدد في الاطارات النقابية، و تراجع مساهمة الشغيلة في العمل النقابي، لأن عدد النقابات يكاد يوازي عدد الاحزاب بما فيها الاحزاب الرجعية التي أسست نقاباتها لتدجين جزء من الشغيلة لصالح المستغلين الذين يقودون تلك الاحزاب.

4) تحويل الحزب إلى إطار يقوم مقام النقابة، إذ غالبا ما تلجأ بعض الاحزاب إلى فتح مقراتها و جعلها مكانا لاجتماعات الشغيلة التي تتدارس قضاياها لينوب عنها الحزب في طرحها أمام الجهات المعنية، و عمل كهذا يعتبر قمة في تحريف العمل النقابي الذي يتحول إلى عمل حزبي بدون منازع. و الحزب الذي يقوم بهذه الممارسة النقابية الصرفة، إنما يعمل على تحزيب العمل النقابي، و يخلط بين ما هو حزبي و ما هو نقابي. و هو تضليل لا يخدم إلا استغلال الاحزاب للعمل النقابي.

و بناء على هذه الممارسات التي تقوم بين معظم الاحزاب في حق النقابة و العمل النقابي، نجد أن مصير النقابة يتخذ الاشكال الاتية :

الشكل الاول : تصير فيه النقابة تابعة لحزب معين يتحكم في أجهزتها، و يحول مطالبها إلى مطالب حزبية، و برامجها إلى برامج حزبية، و أهدافها إلى أهداف حزبية، و المنتمين إليها إلى منتمين للحزب لدرجة أن النقابة لا تستطيع فعل أي شيء إلا بإرادة الحزب.

الشكل الثاني : تصير فيه النقابة منظمة حزبية لا يميزها عن الحزب إلا الاسم، و الباقي لا تحتاج إلى تحويله لصالح الحزب الذي يقوم بصياغة المطالب، و وضع البرامج، و تحديد الاهداف انطلاقا من ايديولوجيته، و من برنامجه الحزبي، و ما على الاجهزة الحزبية-النقابية، إلا أن تقوم بتنفيذ ذلك و دون تغيير.

و الشكل الثالث : هو الذي تصير فيه النقابة مجالا للصراع بين العمل على تحزيب النقابة و بين العمل على المحافظة على مبدئية النقابة. و هو ما يؤدي إما إلى الانقسام أو العجز عن القيام بالعمل النقابي الصحيح.

و الشكل الرابع : هو الذي تصير فيه النقابة وسيلة للعمل من أجل تأسيس حزب معين، و هو ما يجعل هذا التوجه يصطدم بباقي التوجهات التي تحرص على سلامة النقابة من كل الممارسات التحريفية.

و الشكل الخامس : هو الذي تصير فيه النقابة متحكمة في مجموعة من الاحزاب التي عليها أن تستقي توجهها من القيادة النقابية.

و معلوم أن جميع هذه الاشكال التي تصير إليها النقابة هي أشكال تحريفية لا علاقة لها بالعمل النقابي المبدئي، و الوصول إليها ناتج عن تفاعل التربية الحزبية اللامبدئية بالتربية النقابية اللامبدئة. لأن تربية من هذا النوع هي وحدها التي تؤدي إلى تحريف العمل النقابي عن مساره الصحيح. و وضع نقابي هذا مصيره لا يمكن تجاوزه إلا بإعادة الاعتبار للمبدئية سواء على المستوى الحزبي، أو على المستوى النقابي، و رسم الحدود الفاصلة بين العمل الحزبي و العمل النقابي، و النضال من أجل انضاج شروط الانفراز الحزبي و الانفراز النقابي في نفس الوقت. فهل تعمل الاحزاب على احترام مبدئيةالعمل النقابي؟

إن المصير الذي آل إليه العمل النقابي يقتضي ذلك.

مصير الحزب المتأثر بالعمل النقابي :

و إذا كان مصير النقابة المتأثرة بالعمل الحزبي اللامبدئي واللاديموقراطي ، واللاشعبي هو الضعف والانقسام والتشرذم والانفصال  عن شرائح الشغيلة ، وطليعتها الطبقة  العاملة فإن الحزب الذي يعمل أعضاؤه في نقابة معينة ، لابد أن يتأثر بدوره  بالنقابة تأثرا ايجابيا وسلبيا ، وفي الحالتين معا قد يعرف الحزب مدا جماهيريا وسط الشغيلية ، وقد يعرف حزرا . والمد  والجزر لا يعنيان تأثر الحزب ايجابا أو سلبا بالعمل النقابي لأن ذلك له علاقة بشروط أخرى نذكر منها :

1) ارتباط الحزب بالقضايا الجماهيرية الحساسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. ومن خلال هذا الارتباط فإن الشغيلة معنية بدعوة مناضلي الحزب إلى الانخراط في النقابة، وقد تستجيب  للمحطات النضالية التي تدعو النقابة إلى خوضها رغبة في الارتباط بالحزب حامل الهم الجماهيري.

 (2ارتباط الحزب بأيديولوجية الطبقة العاملة التي هي ايديولوجية الشغيلة في نفس الوقت باعتبارها معبرة عن مصالح الكادحين، وباعتبارها ايديولوجية علمية يمكن اعتماد قوانينها العلمية في تحليل الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي. وبناء برنامج علمي للنضال من أجل تغيير أوضاع الشغيلة بالقضاء على كل أشكال الاستغلال .

 (3 قابلية الحزب لتنظيم الشغيلة في صفوفه إذا تمكنت من امتلاك وعيها الطبقي الذي يؤهلها للارتباط بحزبها الذي يقودها في النضال من اجل القضاء على الاستغلال المادي والمعنوي ، وبواسطة النضال الديموقراطي القريب والبعيد .

 (4كون الحزب ذو طبيعة  اقطاعية أو بوجوازية تابعة أو بوجوازية أو بوجوازية صغرى، لايهمه من الارتباط بالنقابة  إلا السيطرة  على أجهزتها،  والعمل على جعلها تابعة للحزب .

 (5كون الحزب متورطا في البرلمان أو في الجماعات  المحلية أو في المجالس الإقليمية أو الجهوية  التي تصدر قرارات تلحق الضرر بالطبقة العاملة ، وسائر شرائح الشغيلة .

 (6كون الحزب حزبوسلاميا يتخذ النقابة وسيلة لنشر أدلجة  الدين الاسلامي وتجييش الشغيلة وراء الحزبوسلامي وتحويل النقابات إلى إطار لتمرس فكر الشغيلة على الأدلجة .

 (7كون الحزب متحملا للمسؤولية في الحكومة التي تمارس كافة أشكال القمع الاقتصادي والاجتماعي على الشغيلة  .

 (8الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لعموم الكادحين التي تتسم بالتردي .

 (9تدني الوعي الطبقي لدى الشغيلة، ذلك الوعي الذي يؤهلها للعب دور كبير على المستوى السياسي وعن طريق الانخراط في الأحزاب السياسية .

 (10مساهمة الاحزاب والنقابات  في النضال الديموقراطي العام  وكيفية الأداء . وفي ذلك النضال . وإلى أي حد يستطيع  فرض الممارسة الديموقراطية .

وبهذه الشروط الموضوعية يمكن أن يكون التاثير ايجابا او سلبا .

فالحزب الذي يخلص للشغيلة، ويرتبط بقضاياها المصيرية ويحترم مبادئ العمل النقابي . ويدعم النضالات المطلبية للشغيلة يصبح مستفيدا من العمل النقابي، ولكونه يحتل مكانة لدى الشغيلة ولدى النقابيين بصفة عامة، ولكونه يتفاعل  ايجابا مع النقابة، أو يتجنب ما أمكن أن يملي عليها ماتقوم به، ويعتبر ندا له. وهو ما يعتبر نموه طبيعيا .

أما الحزب الذي لايرى في النقابة إلا إطارا لفرض الإملاءات الحزبية، ومجالا  للاستقطاب،  وهدفا للسيطرة على الأجهزة فإنه لا يرتبط إلا بالعناصر الانتهازية التي تتحين الفرص للارتباط بحزب معين من أجل تحقيق التطلعات البوجوازية بواسطة ذلك الحزب الذي يتحول إلى معبر في اتجاه المجالس المنتخبة  فإذا تحقق ذلك التطلع زاد توسع قاعدة ذلك الحزب، أما إذا لم يتحقق، فإن القاعدة الحزبية ستتقلص .أي أن نمو الحزب سوف لا يكون طبيعيا نظرا لانتهازيته، ولانتهازية  العناصر النقابية التي ترتبط به .

 وانطلاقا من هذين المعطيين نجد أن مصير الأحزاب المتأثرة بالعمل النقابي يتلخص في :

1) التوسع الناتج عن الاخلاص لقضايا الشغيلة واحترام مبادئ العمل النقابي ، والسعي إلى القضاء على أشكال الاستغلال التي تتعرض لها الشغيلة .أو الناتج عن انتهازية الشغيلة التي لاترى  في الحزب إلا وسيلة للتسلق ومعبرا للوصول إلى المؤسسات ” المنتخبة” التي تحقق ذلك التسلق .

2) الانقسام  بسبب الصراع  بين  التوجهات الحزبية التي تمارس  الانتهازية  في الإطارات النقابية  والتي ترى ضرورة تبعية الحزب للنقابة . وهو ما يؤدي إلى تكسير قوة الحزب وتشرذمه .

3) الذوبان والتقلص بسبب الانسحابات المتوالية من الحزب نظرا لعدم استفادته  الانتهازية من العمل  النقابي .

4) التموقف من النقابة  والانسحاب منها ، والعمل على تأسيس نقابة تابعة للحزب التي تبقى عاجزة عن التوسع ، مما يؤدي على انحسار الحزب وتقوقعه .

5) انسحاب الشغيلة من الحزب والبقاء في النقابة أو الانسحاب منها بسبب القمع المادي والمعنوي الذي يتعرض له الحزب ، ويتعرض له مناضلوه في النقابة .

6) ربط مصير قوة الحزب بقوة النقابة ، وضعفه بضعفها  بسبب الانتهازية النقابية والانتهازية الحزبية معا .

وبذلك نصل إلى أن الحزب المتأثر بالعمل النقابي قد يصير قويا، وعليه أن يقف على عوامل قوته، فيعمل على المحافظة عليها، وقد يصير ضعيفا، وعليه  أن يرصد عوامل ضعفه فيتجنبها في ممارسته اليومية، وفي علاقته مع العمل النقابي ، وقد  يؤدي ذلك إلى انقسام الحزب  الحزب إلى تيارين  أواكثر، فيصبح من الواجب رصد الاسباب التي تؤدي إلى انقسام الحزب بسبب التأثر  بالعمل النقابي، وقد ينتج  عن التاثر بالعمل النقابي أن يذوب الحزب أو يضمحل  بسبب الانسحاب المتوالي من صفوفه إلى أحزاب أخرى.   وفي هذه الحالة على قيادته أن تعمل على إعادة النظر في مجمل الممارسة الحزبية الصادرة عن الحزب تجاه العمل النقابي للوصول إلى ممارسة حزبية مبدئية تحترم الممارسة النقابية  المبدئية ، أي أن من واجب الحزب ان يعيد النظر في النظام التربوي  الحزبي المنتج للحزبيين المبدئيين من أجل قوة الحزب والنقابة معا المنتجين لقوة الحركة النقابية و الحركة الجماهيرية التي تعتبر اطارا لانتزاع مكاسب مادية و معنوية لصالح الجماهير الشعبية الكادحة التي لا تستفيد إلا من خلال تكاثف الجهود الحزبية و النقابية والجمعوية والحقوقية، باعتبارها مكونات النضال الديموقراطي الحق .

آفاق الفصل بين النقابي والحزبي :

فما العمل من اجل ان يكون التاثير المتبادل بين النقابة والحزب ايجابيا ؟

فهل يكفي طرح الشعارات الجوفاء ليلجأ كل حزب إلى انتاج  ممارسة تضر العمل النقابي ؟أم انه لابد من وجود برنامج للحزب يؤدي إلى انتاج ممارسة حزبية مبدئية ؟

وهل يكفي طرح الشعارات  الجوفاء ليلجأ كل قائد نقابي إلى جعل النقابة منظمة حزبية أو تابعة للحزب او عاملة على تأسيس الحزب ؟

إننا في الواقع أمام اشكالية أدت إلى هذا الخلط القائم بين العمل الحزبي والعمل  النقابي ، واعتبار العمل الحزبي عملا نقابيا  والعمل النقابي عملا حزبيا. وللفصل بين العمل النقابي والعمل الحزبي، نرى  ضرورة وضع برنامج ملزم  للحزب أو الأحزاب، وللنقابة أو النقابات معا لتجاوز ظاهرة الخلط التي تطال العمل النقابي والعمل الحزبي. وفي أفق وضع هذا البرنامج نقترح الالتزام بالخطوات التالية التي نرى  قابليتها للنقاش والتطور  وهذه الخطوات هي :

1) انتاج تربية نقابية مبدئية تقوم على أساس احترام مبادئ العمل النقابي المتمثلة في التقدمية والديموقراطية والجماهيرية والاستقلالية .

فالتقدمية  تقتضي نبذ الفكر الرجعي المتخلف الذي يولد قبول الاستغلال الممارس على أنه قضاء وقدر، ونبذ كل الممارسات التي تقود الشغيلة إلى اعتبار النقابة تابعة لحزب معين أومنظمة حزبية أو بيرقراطية، أو إطارا لتفريخ الاحزاب لأن كل ذلك يفوت على الطبقة العاملة وسائر شرائح الشغيلة تحقيق وحدتها وسعيها إلى تحسين اوضاعها المادية والمعنوية ، كما يفوت عليها امتلاك وعيها الطبقي .

والديموقراطية تقتضي فسح المجال أمام أعضاء النقابة للمساهمة في اختيار الاجهزة واتخاد القرارات وصياغة  البرامج والمساهمة في تنفيذها على ارض الواقع بالاضافة إلى النضال من أجل ممارسة ديموقراطية حقيقية بمضمون اقتصادي واجتماعي وثقافي وحقوقي وسياسي في الواقع الذي تتحرك فيه النقابة.

والجماهيرية تقتضي فسح المجال أمام جميع شرائح الشغيلة من أجل الالتحاق بالنقابة عن طريق طرح مطالبه المادية  والمعنوية ، والنضال من اجل تحقيق تلك المطالب ،ودون حسابات ضيقة .

والاستقلالية التي تقتضي الحفاظ على عدم تبعية النقابة للاجهزة  الرسمية او لحزب معين ، والحفاظ على عدم وقوعها تحت تأثير القائد مهما كان، لأن القائد تختصر مهمة قيادته في الإشراف على تنفيذ القرارات ، وتنفيذ التوجه العام للنقابة على المستويين المطلبي والنضالي مع الحرص على ان لاتكون النقابة مجالا لتفريخ حزب معين لأن ذلك يعني الإخلال بمبدأ  الاستقلالية الذي يعتبر عصب المبادئ .

وبديموقراطية النقابة وتقدميتها وجماهيريتها واستقلاليتها تفرش أرضية العمل النقابي بأسس قيام وحدودية العمل النقابي في إطار المنظمة النقابية المنتجة للعمل النقابي المبدئي أو العمل على المستوى العام.  وفي إطار تعدد الإطارات النقابية التي يلجأ بعضها أو كلها إلى التنسيق في المحطات النضالية أودعمها،أو الانخراط فيها لتتحقق بذلك وحدوية العمل النقابي التي تعتبر هدفا للعمل النقابي المبدئي .

وبهذا النوع من التربية النقابية كما وضحنا ذلك يمكن ابراز وتكريس الفصل بين العمل النقابي والعمل الحزبي . لأن مبادئ العمل النقابي تختلف عن مبادئ العمل الحزبي .

1) انتاج  تربية حزبية مبدئية لإعداد المناضلين الذين يحترمون مبادئ العمل النقابي ، ويميزون بين الممارسة النقابية والممارسة الحزبية سعيا إلى أداء نقابي سليم، وفي نفس الوقت على أداء حزبي سليم . والتربية الحزبية المبدئية هي التي يستوعب فيها المناضل الحزبي الاسس الحزبية الثلاثة : الاساس الايديولوجي ، والاساس التنظيمي، والاساس السياسي، ويتمرس عليها. وهي أسس لا وجود لها في الساحة النقابية  . فالحزب ليس هو النقابة، والنقابة ليست هي الحزب،  وما يقوم  عليه  الحزب يختلف عن ما تقوم عليه النقابة ، والغاية  تختلف. والمناضل الحزبي المتشبع بالتربية الحزبية المبدئية لابد أن يدرك ذلك ولابد أن يستوعبه، إلا فإنه ليس مبدئيا .

2) الحرص على ديموقراطية النقابية وتقدميتها وجماهيريتها  واستقلاليتها ، ووحدويتها لأن العمل في النقابة  بدون ذلك الحرص قد يقود النقابة إلى القيام بممارسة تحريفية بيرقراطية أوحزبية او اسلاموية أو شعبوية او نقابوية، وتجنبا لكل ذلك فإن الحرص على مبدئية النقابة سيجعلها قوية وقادرة على قيادة  النضالات  المطلبية، ومخلصة إلى قضايا الشغيلة، ومحققة لاهدافه المتعلقة بتحسين الاوضاع المادية والمعنوية  للشغيلة  وطليعتها الطبقة العاملة. ويحصل هذا الخرص من قبل المتشبعين  بالتربية الحزبية  المبدئية  والتربية  النقابية  المبدئية. أما  الذين  لا يتشبعون بتلك التربية  فلا يمكن  أن تنتظر منهم  ذلك لكونهم محكومين بالممارسة التحريفية في جميع مستوياتها التي تتناقض جملة وتفيصلا مع الممارسة المبدئية.

3) نبذ سيطرة الحزب على الأجهزة  النقابية ، لأن عملية السيطرة تلك تحول النقابة إلى تنظيم  تابع للحزب  أو إلى تنظيم مواز للحزب،  يعمل  بخطته ويسعى إلى تحقيق أهدافه، ويصير إطارا للاستقطاب  الحزبي الفج  الامر  الذي يتنافى مع العمل النقابي المبدئي .

4) وتبعا لذلك  يصبح من الضروري نبذ  تبعية النقابة إلى الحزب نظرا لما يترتب عنها من تحريف للعمل النقابي الصحيح الذي يعتبر شرطا  في النضال النقابي الهادف .

5) نبذ تبعية  الحزب إلى النقابة التي  تحول النقابة  إلى إطار الاعداد والاستعداد لتكوين حزب على مقاس  القائد النقابي الذي يوجهه للإعلان عن مواقف يريدها .

6) نبذ اعتبار النقابة منظمة حزبية تجعل من  العمل النقابي عملا حزبيا . ومن العمل الحزبي عملا نقابيا. نظرا للتطابق الحاصل بين العمل النقابي والعمل الحزبي  إلى درجة التماثل الامر الذي يجعل الشغيلة تعتبر نفسها جزءا  من الحزب في حالة التحاقها بالنقابة، أو تجعل كل من يلتحق بالحزب جزءا من النقابة  حتى وإن كان ينتمي إلى المستفيدين  من الاستغلال كما هو واقع الحال في بعض النقابات في المغرب التي ينتظم في إطارها المستغل والمستفيد من الاستغلال، بسبب اعتبار النقابة  منظمة حزبية. ولذلك يجب نبد اعتبار النقابة  منظمة  حزبية .

7) نبذ اعتبار النقابة مجالا للاستغلال الحزبي  بحيث تصير النقابة مظهريا لجميع شرائح الشغيلة. وهي في الواقع ليست إلا إطارا للاستقطاب الفج الذي يجعلها غير قادرة على  إنتاج عمل نقابي مبدئي. نظرا للتحريف الذي يستهدفها. ولذلك فممارسة نوع معين من الرقابة على العاملين المنتمين إلى مختلف الاحزاب  يعتبر ضروريا حتى لايتمادوا  في اعتبار النقابة مجالا للاستقطاب وتجنيبها مزالق التحريف .

8) التمييز بين علاقة النقابي  بالسياسي من جهة وعلاقة النقابي  بالحزبي من جهة أخرى، لأن رفع النقابة لشعار الربط الجدلي بين العمل النقابي و العمل السياسي باعتباره سمة اساسية ومركزية  للعمل النقابي الصحيح،  يستغلها البعض لربط العمل النقابي بالعمل الحزبي الذي يعتبر عملا تحريفيا  صرفا، و لذلك نرى من الضروري  أن تنصب التربية النقابية و التربية الحزبية على التمرس على التمييز بين علاقة النقابي بالسياسي الذي لا يعني إلا تسييس المطالب والبرنامج المطلبي، والنضالات المطلبية الذي يحقق امتلاك  الشغيلة لمستوى من الوعي يتناسب مع طبيعة العمل النقابي، وبين علاقة النقابي بالحزبي التي يجب أن تكون مبدئية ، وأن لا تتحول إلى ممارسة لتحريف العمل النقابي عن مساره الصحيح .

9) نبذ تحريك النقابة  في محطات انتخابية معينة لأن القيادة  النقابية المنتمية لحزب معين تسعى إلى  تحريك النقابة في محطات انتخابية معينة كالانتخابات البرلمانية او الانتخابات الجماعية لجذب الأصوات لصالح جهة معينة حتى تمتلك تلك الجهة المقاعد التي توصلها إلى فرض القرارات التي تجعلها تستفيذ أكثر من المؤسسات المنتخبة لصالح أعضائها ولصالح الحزب الذي  يمثلها، لتتحول الشغيلة بذلك إلى مجرد قنطرة للوصول إلى  المؤسسات المنتخبة. وحتى  تتجنب استغلال العمل النقابي في العمل الحزبي الضيق، فإنه يجب نبذ القيام بأي عمل نقابي  كيفما كان نوعه في المحطات الانتخابية التي لاتعني النقابة في شيء . ولكن لايعني امساك النقابة  عن  اعلان موقفها من الانتخابات و من الصيغة التي تمت بها، و من النتائج التي اسفرت عنها. فمن حقها أن تعلن عن موقفها من كل ذلك نظرا لانعكاسه سلبا  أو ايجابا على العمل النقابي .

10) نبذ استغلال المقرات الحزبية في العمل النقابي الصرف، لأن بعض الاحزاب  تحول مقراتها إلى مجال لاجتماع  القطاعات لمناقشة مطالبها، وتكوين ملفاتها المطلبية لينوب الجهاز الحزبي في طرحها امام الجهات المعنية . وهذا النوع من الاستغلال يعتبر أعلى درجات التحريف التي تلحق العمل النقابي بالعمل الحزبي. و لتجنيب العمل النقابي هذا النوع من التحريف يجب أن تمتنع الاحزاب عن استغلال مقراتها في العمل النقابي. وتبعا لذلك يجب أن تمتنع الأحزاب عن طرح الملفات المطلبية النقابية أمام الجهات المسؤولة . وفي مقابل ذلك فمن حقها أن تعلن عن موقفها مما يمارس على الشغيلة .وأن تناضل من أجل وضع حد للقمع الذي يمارس على النقابات ، وأن تحترم حرية العمل النقابي.

11) إعادة النظر في مجمل الممارسة النقابية التي أصبحت تعرف اشكال التحريف.نظرا لأن سلامة الجسد النقابي رهين بأحد أمرين :

الأمر الأول : قيام الأجهزة النقابية بإعادة النظر  في الممارسة النقابية مهما كان مستواها حتى تنتفي منها  الممارسة التحريفية كيفما كان مصدرها، وتتحول إلى ممارسة نقابية يمكن أن تصير سليمة من التحريف، وفاعلة في الساحة النقابية .

 الامر الثاني :  قيام الاجهزة الحزبية بالتوقف عن انتاج الممارسة  التحريفية في الاطارات النقابية الصحيحة.

12) تجنب اقحام النقابة  في طرح المطالب ذات الطبيعة الحزبية الصرفة . ولأن ذلك يعني أن النقابة ستتحول إلى حزب ، وهي بذلك تفقد قدرتها على استقطاب الشغيلة وتعبئتها ،وقيادة نضالاتها المطلبية.  وتجنب اقحام النقابة في طرح المطالب ذات الطبيعة  الحزبية، يستوجب  امتلاك القدرة العالية على التمييز بين الحزبي والنقابي في جميع المستويات، وفي جميع الشروط حتى لايتم اقحام النقابة فيما ليس لها وحتى تحافظ النقابة على علاقتها السليمة بالشغيلة التي لاتتم إلا في إطار انجاز ممارسة نقابية صحيحة .

13) اعتبار العمل النقابي مكملا للعمل الحزبي من خلال العلاقة الجدلية القائمة بين العمل النقابي والعمل السياسي الذي يعتبر العمل الحزبي جزءا منه . فالعمل النقابي يهتم  بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي  والسياسي للشغيلة، ويسعى إلى تحسين الاوضاع المادية  والمعنوية لها ، وهو وضع خاص وجزء من الوضع العام للمجتمع ككل الذي يهتم به الحزب ويسعى إلى تغييره لصالح الجماهير الشعبية  وفق التصور السياسي الذي يسعى إليه الحزب. ولذلك فالعمل النقابي يعتبر مكملا للعمل  الحزبي. وهو ما يستدعي احترام مبدئية النقابة ، ودعم عملها من قبل الحزب .

14) اعتبار العمل الحزبي الملتزم داعما للعمل النقابي  والمراد هنا بالعمل الحزبي  الملتزم هو ذلك العمل الذي  يهدف إلى احترام  مبدئية العمل النقابي، ويدعم النضالات المطلبية للشغيلة، ويناضل من اجل قيام ديموقراطية حقيقية  من الشعب وإلى الشعب ، وبمضمون  اقتصادي  واجتماعي  وثقافي ومدني وسياسي،  وبمشاركة جميع الإطارات التي تجمعها نفس الأهداف . وهو بذلك ينجز ممارسة تقود إلى توفير مناخ سليم لقيام عمل نقابي صحيح يستفيذ إلى حد كبير من العمل الحزبي، ودون تدخل من الحزب ، أو فرض وصاية منه، أو سعي للسيطرة على اجهزة النقابة .

15) خلق إطار للتداول بين مختلف التنظيمات المتقاربة الأهداف ليرسم الحدود الخاصة بكل تنظيم والحدود المشتركة بين التنظيمات المختلفة حتى لا يتداخل العمل الحزبي والعمل النقابي والعمل الحقوقي والعمل الجمعوي، وحتى يتبين ما يجب عمله للنضال المشترك لتحقيق الاهداف المشتركة بين مختلف التنظيمات. وإطار التداول هذا هو الذي تفتقده التنظيمات المختلفة مما يجعل التواصل بينها مغيبا ، ويجعلها غير قادرة على التنسيق بينها للقيام بالعمل المشترك من أجل تحقيق  الديموقراطية الحقيقية من الشعب وإلى الشعب .

وبالالتزام بالخطوات التي ادرجناها نصل إلى تحقيق عملية الفصل بين العمل النقابي والعمل السياسي . وتحقيق المبدئية في كلا العملين حتى تبقى العلاقة بينهما علاقة ديموقراطية .

نقط الالتقاء والاختلاف بين النقابي والحزبي:

 ومع إصرارنا على انتاج  ممارسة حزبية مبدئية وإنتاج ممارسة نقابية مبدئية ، إلا أن ذلك لا يعني أن العمل النقابي  لا يتكامل مع العمل الحزبي، وأن العمل الحزبي يتناقض  العمل النقابي ونقاط اخرى يختلف فيها العمل النقابي مع العمل الحزبي  . وهذا الالتقاء  والاختلاف هو الذي يقود إلى ضرورة استحضار التشبع بالتربية الحزبية المبدئية حتى تتم تجنب الخلط بين العمل النقابي والعمل الحزبي ، وبناء على احترام المبدئية في العمل النقابي والعمل الحزبي فإننا  نجد أن نقط الالتقاء تتجسد في :

1) العمل على تحسين اوضاع الشغيلة الذي يقتضي من النقابة السعي إلى الشغيلة تنخرط في النضال من أجل تحسين أوضاعها المادية والمعنوية والحرص على حماية  مصالحها الاقتصادية والاجتماعية  والثقافية والسياسية  كما يقتضي  من الحزب بالغضافة إلى ذلك تحسين الاوضاع الجماهيرية العامة  بما فيها شرائح الشغيلة التي تروم تغيير الاوضاع لصالحها وإذا كان العمل النقابي يركز على تغيير أوضاع الشغيلة فإن  العمل الحزبي  يشمل جميع أفراد  المجتمع من أجل  تغيير الاختيارات القائمة باختيارات  بديلة .             

          2) النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية الذي يقتضي من النقابة النضال من أجل أن تكون أجور الشغيلة متناسبة مع متطلبات الخدمات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية من أجل أن تكون الخدمات الاجتماعية في متناول الجميع على أساس المساواة فيما بينهم، و من أجل مساهمة الشغيلة في اختيار المؤسسات التمثيلية اختيارا حرا و نزيها. كما يقتضي من الحزب النضال من أجل دستور يضمن سيادة الشعب، و من أجل قوانين تضمن نزاهة الانتخابات من اجل قيام حكومة على أساس نتائج صناديق الاقتراع، لأن الديمقراطية التي تناضل من أجلها النقابة ذات بعد اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و سياسي، و هي نفس الابعاد التي يناضل من أجلها الحزب مع الاختلاف في الاولويات التي لها علاقة بطبيعة العمل.

          3) تربية الجماهير على التنظيم، لأنه بالتنظيم، و بالتنظيم وحده، يمكن أن تنجز الجماهير الشعبية، و منها الشغيلة، الكثير مما يتعلق بتحقيق المكاسب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية، و حماية تلك المكاسب. فالتنظيم النقابي يعمل على تنظيم الشغيلة لأجل مناقشة أوضاعها، و صياغة مطالبها القطاعية و العامة، و رسم خطة للعمل من أجل تحقيق المطالب و العمل على تحقيق وحدة الشغيلة التي تتحقق بها حماية مكاسب الشغيلة نظرا لكون الوحدة تتحول إلى قوة مادية و معنوية. أما التنظيم الحزبي، فيعمل على إقناع الناس بأيديولوجيته التي يقتنع بها أعضاؤه  و التي على أساسها يتم استقطابهم إلى الحزب ليتمرسوا في اطاره على التنظيم المتناسب مع الايديولوجية من أجل مناقشة الاوضاع العامة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي تهم المجتمع ككل و رسم البرنامج السياسي و العمل على تنفيذه من أجل تغيير الاوضاع حسب تصور الحزب لصالح الجماهير المعنية بذلك التغيير، و العمل على المحافظة عليه و تطويره.

          فالتمرس على التنظيم مهمة نقابية و حزبية في نفس الوقت مع الاختلاف في الغاية من التنظيم لاختلاف طبيعة النقابي عن التنظيم الحزبي.

          4) الاهتمام بالاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية لعموم الجماهير الشعبية الكادحة. فالتنظيم النقابي يهتم بتلك الاوضاع في حدود تحسين الوضعية المادية و المعنوية للشغيلة، و حماية المكاسب المحققة. و التنظيم الحزبي يهتم بتلك الاوضاع من منطلق ربطها بالاختيارات القائمة على أنها نتيجة لها، و العمل على تغيير تلك الاختيارات باختيارات تخدم مصالح الشعب الكادح، و تعمل على رفع مستواه.

          5) كون الحزب يمثل طبقة معية، و النقابة تنتظم فيها طبقة. فالطبقة التي تنتظم في الحزب قد تكون اقطاعية أو بورجوازية تابعة أو بورجوازية ، أو بورجوازية صغرى أو طبقة عاملة و سائر الكادحين. و قد يكون نضال الحزب متناسبا مع نضال النقابة، و قد يكون متناقضا معه. أما الطبقة التي تنتظم في النقابة فهي الطبقة العاملة و سائر شرائح الشغيلة، و في الحالتين معا كلاهما طبقي.

          6) سعي كل منهما إلى تحقيق التغيير في الواقع. فالحزب يسعىانطلاقا من ايديولوجيته و برنامجه السياسي إلى الوصول إلى مراكز القرار لتحقيق الاهداف التي يسعى إلى تحقيقها و التي تتخذ بعدين : البعد المرحلي، و البعد الاستراتيجي أما النقابة فتسعى إلى تغيير الاوضاع المادية و المعنوية للشغيلة نحو الاحسن.

          7) الحرص على المبدئية في الممارسة النقابية و الحزبية لأن المبدئية في الممارسة النقابية تقتضي احترام ديمقراطية الاطار النقابي، و تقدميته، و جماهيريته، و استقلاليته و وحدويته، و استحضار ذلك الاحترام، و الحرص عليه في اختيار الاجهزة، ة اتخاذ القرارات، و صياغة البرامج و تنفيذها حتى تبقى النقابة قوية فعلا، عن طريق نبذ كل الممارسات التي تتناقض مع تلك المبدئية. أما بالتسبة للمبدئية في الممارسة الحزبية فتقتضي التمييز بينها و بين الممارسة النقابية، و التزام الحياد في ما يجري في الاطار النقابي. و تجنب الدفع في اتجاه سيطرة الحزب على الاجهزة النقابية. و الامساك عن توجيه قراراتها، و اعتبار النقابة مجرد مجال لعمل مناضلي الحزب الذين يصيرون مثلهم مثل بقية الاعضاء ، يدلون بآرائهم التي قد تكون ذات أبعاد حزبية، و ليس من الضروري الاخذ بها فإن ذلك لا يعني أبدا تدخل الحزب في شؤون النقابة.

          و تعتبر الممارسة الحزبية المبدئية أكبر دعم للنقابة المبدئية، و أكبر عامل على قوتها التي تجعلها قادرة على قيادة الشغيلة لتحقيق مطالبها المادية و المعنوية، كما أن الممارسة النقابية المبدئية تعتبر أكبر داعم للعمل الحزبي المبدئي مما يجعله قادرا على النضال من أجل تحقيق برنامجه المرحلي و الاستراتيجي.

          8) العلاقة بالسياسي بالنسبة للحزب و النقابة معا، لأن العمل الحزبي حتى و إن كان عملا سياسيا صرفا، لابد أن تكون له علاقة إما بالاختيارات السياسية النقيضة لها، فنجده يعمل على تكريس تلك الاختيارات، و إما على مناهضة الاختيارات القائمة عن طريق اضعاف تأثيرها على وضعية الشغيلة المادية و المعنوية حتى و إن كان لا يعمل على تغييرها باختيارات أخرى.

          9) النضال بالجماهير و وسط الجماهير، و مع الجماهير و قيادتها إما بالعمل على تحسين الوضعية الماية و المعنوية للشغيلة التي تعتبر جزءا من الجماهير الكادحة، و هو ما يقوم العمل النقابي. و إما بالعمل على تغيير الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية لصالح الجماهير المكتوية بنار الاختيارات القائمة. فالعمل النقابي المبدئي، و العمل الحزبي المبدئي لابد أن يضع في اعتباره جعل الجماهير تساهمم مساهمة فعالة في النضال النقابي، و النضال الحزبي، و إلا فالنقابة و الحزب سينفصلان عن الجماهير و سيفقدان تلك الامتدادات التي تعطيها شرعية الحركة و العمل.

          10) الارتباط بالواقع، و الاستفادة منه. فالحزب يفترض فيه أن يقوم بدراسة الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي،و معرفة الاسباب التي تقف وراء تأزيمه، و ماذا يجب عمله لاخراجه من تلك الازمة أولا، ثم لتغييره ثانيا لصالح الجماهير المعنية بذلك التغيير. و النقابة تقوم بدراسة الواقع دراسة تتناسب مع طبيعة العمل النقابي لمعرفة طبيعة الوضعية المادية و المعنوية للشغيلة، و الوقوف على ما يجب عمله لتحسين تلك الوضعية، و كيفية حماية مصالح الشغيلة. فالحزب و النقابة معا يرتبطان بالواقع مع الاختلاف بطبيعة الحال بدرجة الارتباط.

          و بذلك نتبين أن نقط الالتقاء بين النقابة و الحزب تفرض قيام علاقة جدلية بينهما. و يبقى : إلى أي حد تحترم تلك العلاقة التي لا تكون إلا مبدئية من قبل الحزبيين و النقابيين معا.

          أما نقط الاختلاف فتبرز بوضوح ضرورة استقلالية النقابة عن الحزب، و تميز العمل النقابي عن العمل الحزبي، و ضرورة المحافظة على تلك الاستقلالية حتى تستمر النقابة قوية، و يستمر الحزب قويا.

ونقط الاختلاف القائمة بين الحزب و النقابة  يمكن أن ندرج منها :

1) اختلاف مبادئ الحزب عن مبادئ النقابة الذي يرجع إلى كون الحزب يتبنى ايديولوجية معينة تقتضي تصورا تنظيميا معينا يستلزم مواقف سياسية معينة. و لذلك فالتنظيم الحزبي يمكن أن يتبنى على سبيل المثال مبادئ المركزية الديمقراطية، و النقد و النقد الذاتي، و المحاسبة الفردية و الجماعية، كما يمكن أن يتبنى مبادئ أخرى تنسجم مع تصور تنظيمي آخر. أما النقابة، فلا يمكن أن تتمبدأ إلا بالديمقراطية و التقدمية و الجماهيرية و الاستقلالية باعتبارها وسيلة لتحصين العمل النقابي بصفة خاصة حتى تبقى النقابة قوية و متميزة عن سائر التنظيمات، و عن التنظيمات الحزبية بالخصوص.

فالاختلاف بين النقابة و الحزب على مستوى المبادئ  يعتبر مسألة ضرورية لوجود ممارسة نقابية مبدئية، و ممارسة حزبية مبدئية حتى تبقى العلاقة بين النقابة و الحزب مبدئية.

2) اختلاف التربية الحزبية عن التربية النقابية. فالتربية الحزبية تستهدف امتلاك المناضل الحزبي لأيديولوجية الحزب والتمرس على توظيفها في التعامل مع الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و امتلاك التصور التنظيمي المنسجم مع ايديولوجية الحزب، و التمرس عليه، و استغلاله لبناء رؤيا سياسية منسجمة مع الايديولوجية و توظيف تلك الرؤيا لاتخاذ مواقف سياسية تدفع في اتجاه تقوية الحزب، و ربطه بالجماهير المستهدفة بالتنظيم الحزبي. أما التربية النقابية فتسعى إلى امتلاك المناضل النقابي للتصور التنظيمي، و للمبادئ النقابية، و تدقيق فهمها، و التمرس على تكوين الملف المطلبي و القطاعي، و كيفية صياغة البرنامج المطلبي، و القيام باجراءات تنفيذه، و كيفية نسج العلاقة مع باقي التنظيمات الجماهيرية و النقابية و الحزبية، و هذا الاختلاف القائم بين التربية الحزبية و التربية النقابية بعتبر ضروريا للتمييز بيت الممارسة الحزبية و الممارسة النقابية، و تجنب الخلط القائم بينهما في الممارسة اليومية لا يتم تضليل الشغيلة.

3) عمومية مطالب الحزب، و خصوصية مطالب النقابة نظرا لاختلاف الاهداف العامة عن الاهداف الخاصة، و لكون الحزب يطرح مطالب تهم جميع الجماهير و النقابة لا تطرح إلا مطالب الشغيلة وحدها و لذلك نجد :

أ- أن مطالب الحزب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسيةتستهدف استفادة مجموع أفراد الشعب من تلك المطالب التب لا يتحقق بعضها أو معظمها أو كلها إلا بوصول الحزب إلى مركز التقرير و التنفيذ. أي امتلاك الاغلبية في المؤسسة التشريعية التي تؤهله لتحمل مسؤولية الحكومة للقيام بتحويل البرنامج الحزبي إلى قوانين تشرف الحكومة على تنفيذها لتجعل جميع افراد الشعب يستفيدون من ذلك البرنامج.    

         ب- أن مطالب النقابة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية  و السياسية التي لا تهم إلا الشغيلة أم من لهم علاقة بهم بطريقة غير مباشرة. و هذه المطالب لا يتحقق بعضها أو جلها، أو كلها إلا بتعبئة الشغيلة للدخول في تنفيذ البرنامج المطلبي من أجل ممارسة الضغط على الحكومة و إلزامها بالتفاوض حول الملف المطلبي من أجل تحقيق مطالب الشغيلة التي قد يستفيد منها من لهم علاقة بهم.

          و العلاقة تبقى قائمة بين مطالب الحزب و مطالب النقابة هي علاقة العام بالخاص ، و ما سوى ذلك يبقى للنقابة خصوصيتها، و للحزب بخصوصيته فيما يخص طبيعة المطالب.

          4) استهداف عموم الجماهير من قبل الحزب، و استهداف الشغيلة فقط من قبل النقابة. و هذا الاستهداف المختلف هو الذي يساعد على قيام الجماهير بالتمييز بين العمل الحزبي، و العمل النقابي، كما يجعل الحزب يبقى بعيدا عن التأثير في العمل الحزبي.

          و اختلاف الاستهداف يجعل الحزب يعيش على الجماهير و بدون استثناء حول البرنامج الحزبي من أجل فرض أجرأة بنوده في البرنامج السياسي العام للدولة ليتحول بذلك إلى قوانين يتم تفعيلها بواسطة أجهزة الدولة على المستوى المتوسط. أما على المستوى البعيد فإن استهداف عموم الجماهيريقود إلى الوصول إلى مراكز التقرير و التنفيذ، كما يجعل النقابة تعبئ الشغيلة من أجل تحقيق المطالب العامة و القطاعية عن طريق تنفيذ البرنامج المطلبي لفرض تحسين أوضاع الشغيلة المادية و المعنوية على المسؤولين في أجهزة الدولة، و في القطاع الخاص.

          5) استهداف الوصول إلى السلطة من قبل الحزب، و الوقوف عند حدود تحسين الاوضاع المادية و المعنوية بالنسبة للشغيلة من قبل النقابة، لأن الاختلاف القائم بين الحزب و النقابة، قائم على طبيعة الاهداف التي يسعى إليها الحزب و تسعى إليها النقابة . فالحزب عندما يضع برنامجه المرحلي فلأنه يريد بذلك البرنامج أن يحقق هدفا استراتيجيا يتمثل في الوصول إلى امتلاك السلطة باعتبارها وسيلة لتحقيق الاهداف الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. أما النقابة فهدفها ليس هو الوصول إلى امتلاك السلطة. لذلك فبرنامج النقابة المرحلي هو نفسه الهدف الاستراتيجي المتجدد باستمرار و المتمثل في تحسين الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية  و السياسية للشغيلة.

          6) اختلاف طبيعة التنظيم الحزبي عن طبيعة التنظيم النقابي، لأن التنظيم الحزبي رهين بالاقتناع بالايديولوجية و بالتصور التنظيمي المتناسب معها، و بالموقف السياسي المعبر عنها، و المستقطب للجماهير المعنية، و هو بذلك يمثل طبقة اجتماعية قد تكون اقطاعية أو بورجوازية تابعة أو بورجوازبة، أو بورجوازية صغرى، أو طبقة عاملة. أما النقابة فتبقى مفتوحة على الشغيييلة و طليعتها الطبقة العاملة و هي لا تقوم على الاقتناع بأيديولوجية معينة بقدر ما تقوم على الحاجة إلى التئام الشغيلة للنضال من أجل تحقيق مكاسب مادية و معنوية، و بالتالي فإن التنظيم الحزبي لا يكون إلا مغلقا، و التنظيم النقابي يكون مفتوحا على جميع شرائح الشغيلة.

          7) اختلاف الاسس التي يقوم عليها التنظيم النقابي، فالحزب يقوم على الاساس الايديولوجي، و الاساس التنظيمي و الاساس السياسي. و هي أسس لا يقوم حزب بدونها بشرط أن تكون متلائمة. أما النقابة فلا وجود فيها لشيء اسمه الأيديولوجية التي يحل محلها الملف المطلبي، و البرنامج النضالي، و التنظيم الذي ينفذ ذلك البرنامج.

          8) اختلاف برنامج الحزب عن برنامج النقابة، لأن برنامج الحزب يتكون من مستويين مستوى مرحلي يركز على تحليل الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية  و السياسية في مرحلة معينة، و بناء العمل على ذلك التحليل لتجاوز تلك المرحلة إلى مرحلة أخرى، و مستوى استراتيجي يحدد فيه الاهداف الكبرى و البعيدة المدى التي يروم تحقيقها. أما برنامج النقابة فلا يتكون إلا من مستوى واحد هو المستوى المطلبي الآني الذي يتحدد بناء على دراسة لأوضاع الشغيلة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية  و السياسية و المدنية في علاقتها بالواقع العام للدولة و المجتمع، و اختلاف برنامج الحزب هن برنامج النقابة يعتبر مؤشرا بارزا على اختلاف الممارسة الحزبية عن الممارسة النقابية، و على اختلاف النقابة عن الحزب. مما يجعل التداخل بينهما ممارسة تحريفية صرفة يجب التصدي لها بكل الوسائل لحماية مبدئية العمل الحزبي، و مبدئية العمل النقابي في نفس الوقت.

          9) اختلاف طبيعة النضال الحزبي عن طبيعة النضال النقابي. فطبيعة النضال الحزبي تدخل في اطاره سيرورة التتبع و رسم الافاق، و العمل على تنفيذ البرنامج المرحلي في أفق تحقيق الاهداف الاستراتيجية. و النضال الحزبي يتخذ ثلاث مستويات منفصلة و مندمجة في نفس الوقت. المستوى الايديولوجي، و المستوى التنظيمي، و المستوى السياسي. و هذه المستويات الثلاث تحضر في سلوك المناضل الحزبي في كل لحظات حياته، و في جميع علاقاته، لأنها تداخل سلوكه، أما النضال النقابي فقد يتصف بالموسمية و الانية، و قد يعرف ركودا، و لا يعرف إلا مستوى واحد هو المستوى المطلبي الذي له علاقة بالوضعية الانية للشغيلة، فإذا تحسنت تلك الوضعية عرف النضال النقابي خفوتا و تراجعا إلى الوراء في انتظار تردي الوضعية من جديد. و يعد الاختلاف بين طبيعة النضال الحزبي، و طبيعة النضال النقابي كذلك سمة بارزة على ضرورة الفصل بين النقابي و الحزبي.

          10) اختلاف أهداف الحزب عن أهداف النقابة، فأهداف الحزب لها علاقة بالخطوات المرحلية التي يتبعها الحزب في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية  و السياسية و المدنية لإنضاج شروط تحقيق الاهداف الاستراتيجية التي يراها الحزب قيمته بالتغيير المنشود أما أهداف النقابة فلا تتجاوز مجرد تحسين الاوضاع القائمة بعد بناء التنظيمات القطاعية و المركزية سعيا إلى تحقيق المطالب المرسومة من أجل التفكير في مطالب جديدة لها علاقة بالتحولات التي يعرفها الواقع.

          و بذلك نستطيه التمييز بين نقط الالتقاء و الاختلاف القائمة بين العمل الحزبي و العمل النقابي لنصل إلى الوقوف على البون الشاسع القائم بين العمل النقابي و العمل الحزبي الذس يدعو إلى ضرورة انتاج تربية حزبية حزبية مبدئية في مقابل انتاج تربية نقابية مبدئية تجعل الحزب و النقابة قائمين على أساس تلك المبدئية التي تساهم في زوال التضليل الذي يصيب الجماهير بصفة عامة، و جماهير الشغيلة بصفة خاصة.

كيف نحافظ على ربط النقابي بالسياسي :

و بالوقوف على نقط الالتقاء و الاختلاف بين العمل النقابي والعمل السياسي نجد أنفسنا مضطرين لطرح السؤال : ما العمل  من اجل المحافظة  على ربط النقابي بالسياسي ؟ وها هي الخطوات التي يجب اتباعها للوصول على تحقيق تلك المحافظة ؟

فطرح السؤال يجد مبرره في هذا الخلط القائم في الواقع وفي التضليل الذي يستهدف الشغيلة وباقي الجماهير الشعبية  الكادحة التي لم تعد تميز بين العمل الحزبي والعمل النقابي  كنتيجة لفرض الوصاية الحزبية على العمل النقابي وفي نفس الوقت كنتيجة لاستغلال النقابة للسيطرة على حزب معين أو لغنشاء حزب معين .

وللخروج من هذا الخلط ، والمحافظة على علاقة النقابي بالسياسي نحرص على أن تكون مقاربة الجواب على السؤال المطروح موضوعية للخروج من أزمة التضليل والخلط وللوصول  إلى ذلك لابد من :

 1) الحرص على مبدئية العمل الحزبي والعمل النقابي باعتبار تلك المبدئية صمام الحزب المستمر على استحضارها  . وعلى التمييز بين مبدئية العمل الحزبي والعمل النقابي ورصد كل أشكال التحريف التي يمكن أن تخل بالمبدئية سواء في الحزب أو في النقابة  ووضع خطة  محكمة لصيانة الحزب والنقابة من التحريف  المخل بالمبدئية .

2 )الحرص على الفصل بين النقابي والحزبي الذي يفرض معرفة الحدود   الدقيقة الفاصلة بين العمل النقابي والعمل  الذي ينجزه الحزب ، والعمل الي تنجزه النقابة بالإضافة إلى معرفة القاسم المشترك بينهما حتى يستطيع المناضل الحزبي النقابي المبدئي التمييز بين مستوى الممارسة الحزبية  من جهة ومستوى الممارسة النقابية من جهة اخرى ومستوى إمكانية قيام جبهة  بين النقابة والحزب   غما في مستوى التنسيق فقط . أو في مستوى التخطيط والتنفيذ المستمر بين النقابة  والحزب وتنظيمات أخرى من أجل العمل على انتزاع مكاسب اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية للجماهير الشعبية الكادحة .

3 ) التجسيد الموضوعي لعلاقة النقابي بالسياسي الذي يتم :

أ-تبني النقابة لمطالب سياسية معينة ترى ضرورة طرحها . والعمل على تحقيقها نظرا لعلاقتها بحماية جماهير الشغيلة من الاستغلا الهمجي وحماية مصالحها من الضياع .

ب-اعتبار الاصلاح الدستوري شرطا لقيام ديموقراطية حقيقية بمضمون اقتصادي واجتماعي  وثقافي وسياسي .

ح- الدخول في التنسيق مع الاحزاب والجمعيات من أجل طرح الملف المشترك والنضال من أجل تحقيقه لرفع الحيف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي الذي يلحق الجماهير الشعبيةالكادحة .

وهذا التجسيد في طرح الملفات المطلبية السياسية والانخراط  في النضال المطلبي – السياسي  الفردي أو في غطار التنسيق مع جهات أخرى هو الذي يقود إلى عدم الحاجة إلى السيطرة على الأجهزة النقابية أو إلى توظيف النقابة لأجل السيطرة على قيادة حزب معين ،أو استغلال النقابة لإنشاء حزب سياسي على مقاس القائد النقابي .

5 ) احترام الديموقراطية الداخلية للنقابة التي تييح الفرصة  لجميع أعضاء النقابة من أجل المساهمة في اختيار الأجهزة والموفقة على الملف المطلبي والمساهمة في صياغة البرنامج النضالي وفي اختيار القرارات الحاسمة دون أن يكون كل ذلك فوقيا ودون أن يملى من جارج الأجهزة التقريرية  والتفيذية للنقابة . واحترام الديموقراطية الداخلية لا يمكن أن يترتب عنه إلا جماهيرية النقابة وتقدميتها واستقلاليتها ومساهمتها في وحدة العمل النقابي .

6 ) دعم الحزب المبدئي للقرارات النضالية للنقابة المبدئية لأنها تكون في حاجة إلى دعم الإطارات المناضلة سواء كانت حزبية أو غير حزبية  ، ولأن ذلك الدعم الذي يقدمه الحزب للنقابة يكسبه مصداقية وسط الشغيلة التي يمكن أن تمتلك وعيها الطبقي وأن تنخرط في الحزب الذي يناسبها والذي يقدم الدعم المستمر للعمل النقابي المبدئي .

 7 ) تجنب اقحام النقابة في الامور الحزبية الصرفة أي أن النقابة المبدئية تبقى بعيدة عن إقحام نفسها في الامور الحزبية الضيقة إلا إذا تسرب إلى صفوفها تحريف العمل النقابي ولذلك . فعلى النقابيين أن يعملوا على تجنب إقحام النقابة فيما هو حزبي الذي لايعني التعاطي مع ماهو سياسي الذي يشكل بعد اساسيا في الملف المطلبي والبرنامج النضالي والنضالات المطلبية .

8  ) التقليص من السيطرة من حدة الحزبيين على الاجهزة النقابية بقرار من الحزبيين أنفسهم  وبوعي من النقابيين الذين يدركون خطورة ذلك . لأن سيطرة الحزبيين على الاجهزة ستجعل الشغيلة تعتقد أن النقابة تابعة للحزب الذي يسيطر على الاجهزة  النقابية مما يؤدي إلى إمكانية تخليهم عن الانخراط في النقابة  أو انسحابهم منها . خاصة إذاكان  عندهم انتماء سياسي مخالف .ولذلك فالتقليص من حدة سيطرة الحزبيين على الأجهزة النقابية يعتبر ضروريا لتجنب النقابة إمكانية الغخلال بالمبدئية .

9 ) تحديد ولاية جميع المسؤولين النقابيين في ولايتين متواليتين حتى تتاح الفرصة أمام حصول تجارب أخرى لمناضلين آخرين . وحتى لا نسقط في الممارسة البيروقراطية التي ابتلى بها العمل النقابي في المغرب ، وفي العديد من المركزيات النقابية من أجل فسح المجال أمام تنافس الكفاءات  النضالية .وأمام المواهب المتفتقة في مجال العمل النقابي  ومساهمة  من النقابة في إعداد الأطر النقابية الكفأة .

10 ) غتاحة الفرصة أمام الشباب الواعي ليتحمل المسؤولية النقابية حتى لا تبتلى النقابة بالشيخوخة  على مستوى العقلية وعلى المستوى العمري . وعلى مستوى الأداة وتجنبا لما درجت عليه التنظيمات  المختلفة في المغرب من استمرار نفس القائد في قيادة التنظيم إلى أن يغادر الحياة .

 وبذلك يمكننا أن نعمل على المحافظة على ربط النقابي بالسياسي الذي يكسب النقابة زحما نضاليا من جهة . ومبدا جماهيريا وسط الشغيلة ووسط الجماهير الشعبية الكادحة من جهة أخرى لتكون النقابة بذلك سيدة المجال النقابي .

الك.د.ش  أو المنظمة الإطار لتفاعل النقابي والسياسي:

 وبناء على هذا التصور الذي تناولناه بالتحليل في الفقرات السابقة نتساءل : هل يمكن قيام نقابة مبدئية ؟ وإذا وجدت هل يمكن تطويرها والمحافظة عليها ؟ وإذا انحرفت فهل يمكن تقديمالتحريف الذي أصابها وإعادتها إلى مبدئيتها ؟

  وهذه التساؤلات وغيرها يمكن أن تضايقنا ونحن نتعاطى الممارسة النقابية . وفي هذا الإطار أوذاك بحثا عن الجواب السليم والناجح . وبالتالي فالإطار النقابي المبدئي يكاد يفتقد من خلال الممارسة  النقابية المنجزة على مدار  السنوات الماضية .  وخاصة منذ استقلال المغرب وإلى الآن . غير أنه يمكن أن نستثني الك.د.ش من الإطارات التي تمرست على التحريف أو نشأت على أساسه لعدة اعتبارات :

الاعتبار الأول : أن الك.د.ش جاءت تتويحا لنضال مرير من أجل تجاوز الوضعية المتردية للعمل النقابي الذي أصبح مفرخة للتحريف . لذلك فإن تاسيسها اعتبر ثورة على التحريف في العمل النقابي .

والاعتبار الثاني : أنها تاسست ومنذ البداية على المبدئية فكانت ديموقارطية تقدمية جماهيرية مستقلة . وهو ماجعل الشغيلة تلتحق بها . وتلتف حولها منذ البداية .

والاعتبار الثالث : قيامها على أساس الربط الجدلي بين العمل النقابي والعمل السياسي الذي يجعل النضال من أجل تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة نضالا من أجل الجماهير الشعبية الكادحة في نفس الوقت .

والاعتبار الرابع :  أن الك.د.ش  كانت مخلصة للشغيلة منذ بداية التأسيس  ، لاتعرف خيانتها . ولم تسع لذلك .

والاعتبار الخامس : أن مؤسسي الك.د.ش  كانوا معروفين باخلاصهم واستماتتهم من أجل الشعب . مما أعطاها مصداقية منقطعة النظير في ذلك الوقت .

 والاعتبار السادس : أنها كانت مدعومة ، وبدون قيد أو شرط من قبل الحركة الاتحادية الاصيلة باعتبار ذلك الدعم واجبا نضاليا .

والاعتبار السابع :أنها استطاعت وفي ظرف وجيز استقطاب أظار الجماهير المعنية بالعمل النقابي بطريقة مباشرة .مما جعلها تنخرط في النضالات المطلبية التي تخوضها الك.د.ش بعد تأسيسها مباشرة .

والاعتبار الثامن :أن الك.د.ش افردت وحدها بوضع ملف مطلبي وبرنامج نضالي معبر عن إرادة الشغيلة وعن إرادة الجماهير الشعبية الكادحة مما أكسبها تعاطفا جماهيريا واسعا .

     وهذه الاعتبارات وغيرها مما لم نأت على ذكره جاءت نتيجة للشروط الموضوعية اتي كانت  سائدة  في ذلك الوقت . ونظرا لتغير تلك الشروط فإن واقع الك.د.ش تغير أيضا ، وأصبحت مجالا لتفريخ أشكال التحريف التي أفسدت العديد من الإطارات النقابية لتفقد  الك.د.ش بذلك كونها استثناء .

 ويمكن تصنيف التحريف الذي أصاب العمل النقابي قبل تأسيس الك.د.ش في مستويين :

المستوى الاول : التحريف البيرقراطي  الذي أصبح سمة اساسية  من سمات الاتحاد المغربي للشغل الذي نشأ  في خضم الصراع ضد الاستعمار .وتأسس تحت الحصار الاستعماري وفي ارتباط بحركة التحرر الوطني ذلك الاررتباط الذي كان يفرض أن يبقى كما بدأ إطارا للربط الجدلي بين العمل النقابي والعمل السياسي ،إلا أن اللوبي المستفيذ من السيطرة على القيادة النقابية  محليا وإقليميا  وجهويا  ووطنيا  صار يوظف  العمل النقابي لخدمة مصالحه الخاصة التي أصبحت لا تختلف عن مصالح الطبقات المستفيدة من الاستغلال ، وفي أفق  ذلك تحول الاتحاد المغربي للشغل إلى مجرد إطار لابتزاز المستفيدين من الاستغلال المادي والمعنوي  للشغيلة لصالح الأجهزة البيرقراطية وضدا على مصالح الطبقة العاملة  . فالبيرقراطية  التي أصابت الاتحاد المغربي للشغل أفقدته أن يكون مبدئيا .وأن يربط بين العمل النقابي والعمل السياسي  ربطا جدليا . ولذلك نجد أمر انتاج ممارسة نقابية  مبدئية في إطار الاتحاد المغربي للشغل رهينة بوجود ما في قطاع ما ، في فرع ما ، يقتنع بمبدئية العمل النقابي .

ولاداعي لأن نستعرض ما قام  به المناضلون الاوفياء من اجل استعادة مبدئية العمل النقابي في غطار الاتحاد المغربي للشغل .

 والمستوى الثاني : التحريف الحزبي الذي انفرز عن ممارسة البيرقراطية داخل الاتحاد المغربي للشغل .حيث لجأ حزب الاستقلال على تأسيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب على أنه منظمة حزبية يقوم الحزب بتنصيب أجهزته واتخاذ قراراته ، وتوجيه حركيته المطلبية والتحكم في المفاوضات التي يحضرها . ويصير كل منخرطيه أعضاء في الحزب وبالتالي .فإنشاء منظمة حزبية تمارس العمل النقابي أكبر ممارسة تحريفية عرفها تاريخ الحركة النقابية في المغر لأنه أنتج :

 1 ) لجوء مختلف الأحزاب إلى تاسيس نقابات  تابعة لها ، وهو ماكرس عرف حزبية العمل النقابي .

2  )عمل بعض الأحزاب على تحزيب الناقبة المبدئية ، وهو ما يؤدي على إضعاف تلك النقابة .

3 ) عمل بعض القياديين النقابيين ومن داخل استغلال العمل النقابي على تاسيس أحزاب تتحكم في الأجهزة النقابية وتعمل على توجيه العمل في إطارتها لصالح استفادةالحزب من ذلك العمل .

والتحريف الحزبي الذي أصبح عادة متتبعة صار عائقا  في طريق انتاج ممارسة نقابية مبدئية . وفي نفس الوقت  صار عقبة في طريق انتاج ممارسة حزبية مبدئية .

ولتجاوز هذين النوعين ، كما أشرنا إلى ذلك في هذه المعالجة لابد من مراجعة شاملة للممارسة الحزبية والنقابية من منطلق ممارسة النقد والنقد الذاتي الذي يمكن اعتباره هو المخرج وممارسة النقد والنقد الذاتي الذي يمكن اعتباره المخرج والطريق المناسب إلى إعادة الاعتبار للعمل الحزبي  والعمل  النقابي معا لتحقيق التغيير المنشود.

وقد تولد عن اتحريف البيرقراطي  البيرقراطي والحزبي الذي كان سائدا خلال الستينات والسبعيينات من القرنالعشرين حاجة الشغيلة إلى تنظيم نقابي مبدئي  وقد تصدى المناضلون المخلصون للشغيلة إلى العمل  على ايجاد هذا التنظيم عن طريق بناء تنظيمات قطاعية  مبدئية ثم الإقدام على تأسيس الك.د.ش بعد تحديد المبادئ التي يجب أن تقوم عليها . والتي افرزها واقع الصراع في مختلف الإطارات النقابية ، وتلك المبادئ التي لازاالت أدبيات الك.د.ش ومقررات مؤتمراتها تتناولها بالمناقشة  والتحليل هي الديموقراطية والتقدمية والجماهيرية والاستقلالية . وذلك من أجل ايجاد إطار بعيد عن الاستهداف بالتحريف الحزبي  أو البيروقراطي وقد يقول قائل :إن حزبا معينا وقف من وراء تأسيس الك.د.ش فنرد عليه بأن مناضلي الحركة النقابية الأصلية  الذين يساهموا بشكل فعال في تأسيس الك.د.ش لم يفعلوا ذلك من أجل سيطرة  الحزب على الأجهزة النقابية  كما قد يتوهم البعض . بل إن اقتناعهم هو الذي قادهم إلى ذلك حتى يتم بناء منظمة نقابية مبدئية عتيدة تقود نضالات الشغيلة المطلبية  ،  ويعتبر مناضلو الحركة الاتحادية الأصيلة مجرد أعضاء فيها ، وإذا وصلوا إلى قيادتاه فبنضالهم وصمودهم وتضحياتهم التي لا حدود لها .

ولذلك فالك.د.ش هي الإطار الذي تأسس في نهاية 1978  على المبدئية .وأنتج عملا نقابيا واستطاع في ظرف وجيز أن يقوم بتغطية المناطق المغربية من الشمال إلى الجنوب  ومن الشرق على الغرب وقادت نظالات مطلبية قطاعية وعامة  رائدة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات ، وتعرض مناضلوها للتوقيف والطرد والمحاكمات على مدى التراب الوطني ومنعت من غقامة مسيراتها في فاتح من ماي . وأغلقت مقراتها كل ذلك دون دعم قيادة الاتحاد  الاشتراكي في ذلك الوقت  ودن تدخل لدى الجهات برفع الحيف الذي لحق المناضلين الذين ينتمي معظمهم إلى نفس الحزب  ، والذين لم تجسد القيادة الحزبية حين ذاك أي دعم مادي أو معنوي لصالحهم . والذين كان بعضهم في القيادة الحزبية أثناء تعرضه للتوقيف أو الطرد أو المحاكمة . وما ذلك إلا لأن القيادة الحزبية كانت تدرك بعمق أن مبدئية الك.د.ش تحول دون توظيف النقابة لأهداف حزبية ضيقة ولأن الحزب هو الذي تبنى ايديولوجية الطبقة العاملة : الاشتراكية  العلمية . لاتريد قيادته التي تحرفه عن مساره الصحيح أن تتورط في دعم نضالات الطبقة العاملة المطلبية حتى لا يسجل عليهم أنهم يسعون إلى بناء حزب  الطبقة العاملة  ا. فالذين يتنعون بالاشتراكية العلمية وحدهم الذين يدعمون الك.د.ش ويناضلون بإخلاص في إطارها وهم وحدهم الذين قدموا تضحيات كبيرة م أجل انجاح  المحطات التي قررتها الك.د.ش  وهم وحدهم الذين طالتهم قرارات التوقيف والطرد والمحاكمات  على مستوى  التراب الوطني . وهم الذين تم اعتقالهم من باب مقر  الحزب في 8 ماي1983  ، وحوكما بسبب موقفهم من الانتخابات لتعطيل تاثيرهم في الحركة النقابية بصفة عامة وفي النضالات التي تقرر الك.د.ش خوضها أما ما يصطلح على تسميته بالخط الانتخابي . فلايدعم نضالات الك.د.ش منذ البداية بقدر ما يراها مجالا الاستقطاب الحزبي الضيق في أفق الانتخابات . ولذلك فالك.د.ش التي تأسست على المبدئية  عرفت وتعرف ، وستعرف صراعا نضالا من أجل المحافظة على  مبدئيتها ضد كل أشكال التحريف التي تستهدفها والحركة الاتحادية الأصلية وحدها ناضلت وتناضل وستناضل ، وعلى جميع المستويات من أجل المحافظة على مبدئية الك.د.ش صارعت  منذ 8 ماي1983  من اجل :

  1 ) المحافظة على نضالية الك.د.ش حتى لاتتحول إلى مجال للتسوق والاستقطاب من أجل المساهمة في المحطات الانتخابية المختلفة .

2  ) قطع الطريق أمام من يسعى إلى تحويلها إلى نقابة  حزبية أتابعة للحزب عن طريق السيطرة  على الأجزة المحلية والوطنية .

3 ) عدم تحويل القرارات  والبرامج  الحزبية  إلى قرارات  وبرامج نقابية تتحول إلى بوق حزبي يقوم بالدعاية للحزب في الأحوال العادية استعدادا لما يستقبل من الانتخابات .

4   )الوقوف ضد كل  توجه يسعى إلى تحويل الك.د.ش إلى منظمة رجعية كما يحصل ذلك في العديد من قطاعاتها ، وبدعم من الجهات المسيطرة على معظم قيادات الك.د.ش .

 5 ) قطع الطريق أمام أي تنسيق ذي بعد حزبي والحرص على أن يكون  التنسيق النقابي بخلفية العمل النقابي  أو حدوي ليس إلا للحفاظ على تكريس الك.د.ش .

6 )استهداف تحسين الوضعية المادية والمعنوية للشغيلة والحيلولة دون تحويل النقابة إلى إطار لاستهداف أشياء أخرى من أجل أشياء تسيء إلى الك.د.ش .

7 ) اعتبار الك.د.ش إطار لبث الوعي الطبقي مادامت الشغيلة تنتمي إلى شرائح متجانسة تختار الانتماء إلى إطار الك.د.ش .

8 ) اعتبار الك.د.ش أكبر مساند  للغطارات الحزبية المناضلة  من أجل تحقيق الحرية والديموقراطية والاشتراكية .

9 ) الاشراك الواسع للشغيلة في صياغة المطالب والبرامج النقابية واتخاد القرارات النضالية والمساهمة في تنفيذها .

10 ) تقوية وتوسيع وتركيز التنظيم الكونفيدرالي على أسس مبدئية سلمية .

        وبذلك تكون الحركة الاتحادية قد كرست الخطوط العريضة للدور المنوط بها تجاه المنظمة النقابية العتيدة الك.د.ش .

   وبالنسبة للخط الانتخابي داخل الحركة الاتحادية فإنه سعى ويسعى وسيسعى إلى تحزيب العمل النقابي داخل الك.د.ش ومنذ تأسيس الك.د.ش ومرورا بمرحلى الثمانيات التي تميزت بصراع حاد بين الحركة الاتحادية الأصيلة والحرة الاتحادية الانتخابية أفرز محطة 8 ماي1983   والتي تدخلت فيهاالأجهزة القمعية للدولة لحسم الصراع لصالح  الحركة الاتحادية الانتخابية ووصولا إلى تحويل الك.دِ.ش ومنذ أواخر الثمانييات وخلال التسعينيات لدعم توجه معين داخل الحزب وانتهاء بخروج توجه معين لدعم توجه معين داخل الحزب وانتهاء بخروج توجه معين لتاسيس نقابة أخرى على مقاسه بعدأن تحول الصراع داخل الكزد.ش إلى صراع تناحري بين التوجهين .

التوجه  الانتخابي داخل الحركة الاتحادية عمل ولازال يعمل وسيعمل داخل الك.د.ش من أجل :

 1 ) التحكم في الأجهزة النقابية من أجل توظيفها في الاتجاه الذي يريده الحزب والخروج بقرارات متناسبة مع البرنامج المرحلي للحزب لتصبح الك.د.ش في الحزب وليس العكس .

2 ) تحويل  النقابة إلى منظمة تابعة للحزب أو تنظيما موازيا  له لتتحول الك.د.ش بذلك إلى إطار لتصريف  القرارات الحزبية في حالة التبعية للحزب أو إطارا لتطبيق البرنامج الحزبي في حالة تحولها إلى منظمة حزبية .

 3 ) القضاء على مبدئية  العمل النقابي والعمل على تجنب طرحها حتى تتحول الك.د.ش  إلى مجرد منظمة جوفاء تتخلى عن مبدئيتها وتراثها  النضالي لصالح حزبيتها .

 4 ) التخلي النهائي عن إشراك الشغيلة  في صياغة  القرارات والبرامج النقابية ، والعمل على مساهمتها  في انجاز المحطات النضالية التي تدعوا إليها النقابة .

5)ابعاد النقابة عن الربط الجدلي بين العمل النقابي  والعمل السياسي حتى لا تتحول  إلى مجال لامتلاك  الشغيلة للوعي الطبقي الحقيقي حتى تصبح الك. د.ش مجرد إطار لإشاعة الوعي الحزبي  الذي يساهم في نمو أعضاء الحزب .

6 ) اعتبار الك.د.ش مجالا الاستقطاب الحزبي أو غطارا الاستعداد إلى تأسيس حزب معين ينسجم مع تصور القائد للحزب .

7  ) الحيلولة دون قيام الك.د.ش بمساندة  الإطارات الحزبية  المناضلة من أجل تحقيق الك.د.ش بمساندة الإطارات الحزبية المناضلة من أجل تحقيق الحرية والديموقراطية والاشتراكية حتى تقيم مسافة فاصلة بينهما 8) التخلي عن اشراك الشغيلة في صياغة المطالب والبرامج واتخاد القرارات والاكتفاء بتنفيذ البرنامج الحزبي .

 وقد تم استغلال التنسيق مع الاتحاد العام للشغالين بالمغرب كامتداد للتنسيق الحزبي حينداك في البرلمان لتكريس  تحزيب الك.د.ش  من القرن العشرين  خاصة وأن حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال  كانا يقودان ماكان يعرف بالكتلة الديموقراطية  التي كانت تسعى إلى الوصول  إلى السلطة في ظل ماكان يعرف بالمعارضة البرلمانية قبل مجيء حكومة التناوب المخزني السابقة . وقد كان المسؤولون البرلمانيون يعتبرون التنسيق النقابي دعما ومساندة  للنقابتين خارج البرلمان لأن كلا من الحزبين  يعتبر إحدى النقابتين  خارج البرلمان  لأن كلا من الحزبيين يعتبر إحدى النقابتين نقابته هو . وهو ما يتناقض بالخصوص  مع الك.د.ش  نقابة مبدئية .لأن الاتحاد  العام للشغالين  في المغرب وجد في الاصل ليكون  نقابة حزبية  وبذلك يتبين أن التنسيق بين الحزبين الذي كان قائما في غطار المعرضة البرلمانية السابقة ليس مبدئيا والدعم الذي كان متبالا بين النقابتين من جهة وبين الحزبيين من جهة أخرى لم يكن مبدئيا .لأن الغرض  من كل ذلك هو تحزيب العمل النقابي في أفق الاستقواء  من أجل وصول الحزبيين إلى تحمل المسوؤلية الحكومية . وقد افرض كل  ذلك فعلا .

بمجرد وجود حكومة التناوب التي انتخب التخلف  على  مستوى الممارسة الحزبية وعلى مستوى الممارسة النقابية التي تحولت فيها  الك.د.ش  في مرحلة معينة إلى نقابة حزبية حكومية مماجعلها تتعرض لانتقادات من داخل  النقابة وخارجها ، مما حولها إلى مجال للصراع الحزبي –الحزبي الذي طبع المسار العام للك.د.ش  خلال مسيرة حكومة التناوب المخزني .

      وبما أن الصراع الذي كان يجري  داخل الاتحاد الاشتراكي يتحول صراع حزبي-حزبي داخل النقابة فإن الأطراف التي كانت تتصرع داخل الاتحاد الاشتراكي كان كل طرف منها يسعى إلى الاستفراد بالك.د.ش الأمر الذي جعل العملالنقابي شبه معطل ليتحول إلى مجرد انزال من هذا الطرف أو ذاك من أجل السيطرة على المقرات ولتتحول الك.د.ش إلى   نقابتين مختلفتين . كل واحدة منها تقع تحت سيطرة أحد التوجهين داخل الاتحاد الاشتراكي قبل تحول الحزب إلى أحزاب . وقبل تحول الك.د.ش إلى نقابات ، وهو ما زاد في شرذمة الأحزاب والنقابات معا . وتلك هي نتيجة ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي الذي جعل الك.د.ش تؤدي ضريبة ماجرى داخل الاتحاد الاشتراكي قبل تحوله إلى أحزاب .

 وقبل عملية الانقسام التي عرفتها ك.د.ش وعرفها الاتحاد الاشتراكي  كان التوجه المهيمن والمسيطر على أجهزة الك.د.ش توظف النقابة داخل الاتحاد الاشتراكي لأجل السيطرة على الأجهزة أو لفرض رأي معين على المستوى المحلي أو الجهوي أو الوطني وهو ماجعل الك.د.ش مجرد وسيلة الاستقواء داخل الحزب في مرحلة معينة لتبقى الشعارات المرفوعة مجرد شعارات جوفاء لا قيمة  على أرض الواقع .

   وهذا التوظيف تطور بعد انعقاد المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي  وانسحاب التوجه المهيمن  والمسيطر على الأجهزة النقابة إلى توظيف لأجل تأسيس حزب على مقاس القائد النقابي الذي حشر فيه الكونفيدراليين حشرا  دون اقتناع  كما حشر كل من له علاقة بهم  .الأمر الذي زاد من أزمة الك.د.ش التي أصبحت  بعد ذلك مجالا للصراع بين حزبين متناقضين ، حزب حكومي  وحزب معارض منفرز عن نفس الحزب الحكومي . والصراع في هذه الحالة صار صراعا تناحريا واضحا ، ومكشوفا . وأمام كامرات التلفزيون . وفيه تم الحسم ومعرفة من بقي في إطار الك.د.ش  ومن بقي خارجها على مستوى القطاعات وعلى مستوى المركزية .

   وتطور الصراع إلى هذا المستوى كرس سيطرة الحزب خارج من رحم الك.د.ش على الأجهزة  النقابية إل القطاعية والمركزية  والذي سيعيدنا إلى البداية ، بداية مابعد 8  ماي  1983   حيث صار الطرف المسيطر على الأجهزة الكونفيدرالية محكوما بها بهاجس المحافظة على التحكم في الك.د.ش دون التفريط في التأثيت الضروري لإظهار الك.د.ش نقابة مبدئية لكنها المبدئية المشروطة بتحكم معين . فأزمة العمل النقابي في الك.د.ش لازالت كما كانت فهي رهينة  بسيطرة التوجه المؤتث  للأجهزة الأمر الذي يؤدي إلى إقصاء من لايتفق على ذلك وفي نفس الوقت يستطيع أن يعطي الكثير في العمل النقابي .

  فهل يعني ذلك استحالة استرجاع المبدئية في الممارسة الكونفيدرالية ؟

      إن مانعتقده أن الك.د.ش  وحدت لتكون مبدئية ومبدئيتها تقتضي استئصال كل الممارسات التحريفية التي تنتجها الأجهزة النقابية التي يسود فيها . أو يسيطر عليها توجه معين . وبدون استئصال الممارسات التحريفية ستبقى الك.د.ش إطارا للصراع في اتجاهين :

1 ) اتجاه تكريس الممارسات التحريفية التي تغيب المبدئية  وتكرس  سيطرة توجه معين .

2 ) اتجاه السعي إلى المحافظة على المبدئية .

  وصراع من هذا النوع وعلى هذا المستوى سوف لن يكون إلا ديموقراطيا لجعل الك.د.ش  للشغيلة ، وللشغيلة وحدها  لا لتوجه أو لمجموعة من التوجهات . لكن الشغيلة المنتمية إلى الك.د.ش لا يمكن أن تصارع  من اجل المحافظة على مبدئية العمل النقابي مالم تمتلك وعيها الديموقراطي  التقدمي والجماهيري والاستقلالي والوحدي الذي لا يتأتى إلا بعقد دورات تكوينية للنقابيين من أجل امتلاك ذلك الوعي حتى يسعوا فعلا إلى المحافظة اللازمة للعمل داخل الك.د.ش .

   وبناء على امتلاك الوعي المبدئي الذي أصبحنا في حاجة إليه أكثر من أي وقت مضى .فإن الك.د.ش ستصير مبدئية كما بدأت اعتمادا على :

1 ) التجارب النضالية التي راكمها المناضلون النقابيون قبل تأسيس الك.د.ش  ومن خلال القطاعات التي كانت منظمة ، وبعد تأسيس هذه المنظمة العتيدة ، تلك التراكمات التي كانت ولازالت وستبقى مرشداللعمل ، وعامل قوة للعمل النقابي بصفة عامة وفي الك.د.ش  وتنظيماتها القطاعية بصفة خاصة .

2 ) ارتباط مصير الك.د.ش بمبدئيتها ، لأنه :إما أن تكون مبدئية فيؤدي ذلك إلى تكاثف جهود أعضائها في أفق مصادرة أشكال التحريف التي تسربت إلى صفوف التنظيمات الكونفيدرالية  المختلفة . وتحت اشراف دهاقنة التحريف الذين يربضون في  مكانهم . ويرسلون التوجيهات تلو الأخرى  من أجل تكريس الممارسات التحريفية التي تؤثر سلبا  على مسار العمل النقابي .وأن يتم الإبقاء على الممارسات التحريف على أنه  هو العمل النقابي الصحيح مما يؤدي إلى إضعاف  النقابة ، وتراجع العمل  النقابي ، وضياع مصالح الشغيلة . ولذلك فالك.د.ش لا بد أن تكون مبدئية وإلا فإنها ستفقد قيمتها في الاستمرار في لعب دورها .

 وللمحافظة على مبدئية العمل النقابي في الك.د.ش نرى ضرورة المراجعة الشاملة للممارسة النقابية في في إطارتها المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية من أجل تحصين استمرار مبدئيتها أو القيام بالتقويم اللازم في حالة قيامه بانتاج التحريف .فالمراجعة الشاملة للممارسة النقابية  في إطار الك.د.ش تقتضي :

1)                رصد مدىاحترام العمل النقابي من أجل التاكد المستمر من ديموقراطية الك.د.ش  وتقدميتها وجماهيرتها واستقلاليتها ووحدويتها ، فإذا اختل ذلك الاحترام لصالح الممارسة التحريفية  كيفما كانتوجب الوقوف لتقويم التحريف

    2 ) رصد مدى احترام القوانين الكونفيدرالية من قبل الأجهزةالنقابية المختلفة حتى لا تتحول الممارسة النقابية إلى  عرف يغرق النقابة في المزيد من متاهات التحريف .

  3 )رصد مدى احترام  آجال إعادة الهيكلة حتى لاتتكرس الممارسة الديموقراطية في إطار الأجهزة النقابية

   4 ) رصد مدى احترام النضال النقابي في إطار الك.د.ش  للملف المطلبي حتى لاتقوم الاجهزة النقابية بعمل لا علاقة له بالملف المطلبي للشغيلة .

    5 ) رصد مدى احترام الأجهزة النقابية للعمل  وفق مخطط له في إطار الملف المطلبي .

    6 )رصد احترام الأجهزة النقابية للقرارات الصادرة عنالأجهزة التقريرية  سواء تعلق الأمر بالمؤتمر أو بالمجلس الوطني .

   فإذا كانت الأجهزة النقابية لا تحترم المبادئ ولا القوانين ولا الملف المطلبي ولا البرنامج المطلبي ولا قرارات الأجهزة  التقريرية  فإن محاسبة هذه الأجهزة تصبح ضرورية إذا أردنا المحافظة على مبدئية الك.د.ش التي هي قوام وجودها .

         وحتى تكون المراجعة النقابية مفيدة  فإن المراجعة الشاملة للممارسة الحزبية التي تدعي دعمها للك.د.ش لإيقاف  سعيها المستمر لتحريف العمل النقابي في إطار الك.د.ش والمراجعة الشاملة للممارسة الحزبية لاتتم إلا عن طريق :

 1 ) الامتناع عن التدخل في الشؤون النقابية المتعلقة بالنقابة سواء تعلق الأمر بالهيكلة أو اتخاذ القرارات أو تنفيذها .

2 )الدعم اللامشروط للنضالات التي تخوضها النقابة .

3 ) اعتبار العمل الحزبي المستمر الهادف ضروريا لإحداث حركة جماهيرية تساعد على نشر الوعي الطبقي الذي يشكل أرضية خصبة لإشاعة العمل النقابي الصحيح .

4 ) العمل على خلق إطار للتنسيق بين الإطارات النقابية  والحقوقية إلى جانب الإطارات الحزبية التقدمية للتداول  حول القضايا العامة ، وحول قضايا الشغيلة بالخصوص .

 وبذلك يتصرف الحزب وفق ما تقتضيه مبدئية العمل الحزبي  ومبدئية العمل النقابي في نفس الوقت..

   وممارسة نقانية سليمة  توازيها ممارسة حزبية سليمة تؤدي بالضرورة إلى الربط السليم بين النقابي والسياسي على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لأن الك.د.ش عندما لا تربط بين النقابي والحزبي الذي  يعتبر تحريفا للعمل النقابي . وعندما تحترم فيها المبدئية في العمل النقابي ، وعندما تحترم المبدئية في العمل النقابي  ، فإن الربط السليم بين النقابي والسياسي سيكون ملازما للعمل الكونفيدرالي . وسيصير كما كما بدأ وستلفظ الك.د.ش كل الطحالب التي انفتحت فيها  بسبب التحريف وسيتمرس المناضلون الكونفيدراليون على تقويم ما اعوج عن ممارسة نقابية في مختلف الإطارات النقابية لتبقى الك.د.ش خالصة سائغة للعمل النقابي المبدئي الذي يستهدف إلا الحرص على تحسين الاوضاع المادية والمعنوية للشغيلة الذي هو المبتدأ أو المنتهى في الممارسة النقابية المبدئية في الك.د.ش التي تعبر عن حقيقة التنظيم الكونفيدرالي .

خـــاتــمـــة :

  وهكذا تكون التربية النقابية المبدئية والتربية الحزبية خير  وسيلة لانتاج  ممارسة نقابية مبدئية . وفي نفس الوقت ممارسة حزبية مبدئية . وانتاج علاقة مبدئية . وفي نفس الوقت ممارسة حزبية مبدئية . وانتاج علاقة مبدئية بين العمل النقابي والعمل الحزبي كامتداد  للعلاقة الجدلية بين النقابي والسياسي من أجل تحقيق أهداف التربية النقابية ، واهداف التربية الحزبية دون إلغاء التأثير المتبادل بين التربية النقابية المبدئية على العمل الحزبي  . والتربية الحزبية المبدئية على العمل النقابي ذلك الاثر الذي يحدد مصير النقابة ، ومصير الحزب الذي يقود إلى رسم آفاق العمل النقابي ، والعمل الحزبي  يتبين الجميع نقط الالتقاء والاختلاف بين النقابي والحزبي . وكيف تتم المحافظة على الربط النقابي بالسياسي ليقف الجميع على أن  الك.د.ش هي الإطار الذي يبقى مؤهلا لتفاعل النقابي والسياسي .

 فهل يتحدد في أذهان النقابييت مفهوم العمل النقابي المبدئي ؟

وهل يتحددفي اذهان الحزبيين مفهوم العمل الحزبي المبدئي ؟

 وهل يتم الحرص على قيام علاقة مبدئية  بين النقابي المبدئي ؟

 وهل يتم احترام أهداف التربية على العمل الحزبي المبدئي ؟

وهل يتم احترام أهداف التربية على العمل النقابي  المبدئي ؟

 وهل يتبين الجميع أثر التربية النقابية على العمل الحزبي ؟

 وهل يتبينون أثر التربية الحزبية على العمل النقابي  ؟

 وما مصير الحزب المتأثر بالعمل النقابي ؟

   وهل يمكن احترام نقط الالتقاء والاختلاف بين العمل النقابة والحزب وبين العمل النقابي والعمل الحزبي ؟

وكيف يحافظ النقابيون على ربط النقابي بالسياسي ؟

 وكيف  نجعل من الك.د.ش  المنظمة النقابية العتيدة التي يتفاعل في إطارها العمل النقابي والعمل السياسي لصالح تحقيق أهداف الشغيلة المغربية ؟

   إننا في الواقع عندما اختمر لدينا تناول موضوع التربية على العمل النقابي المبدئي . والتربية على العمل الحزبي  المبدئي .فلأننا نلاحظ المسار المظلم الذي آل إليه العمل النقابي الذي  صار في معظم الاحيان نسخة مشوهة للعمل الحزبي بعد أن أصبح مجالا  لتفريخ أشكال التحريف المنسوبة ظلما  إلى العمل النقابي  وهي في الواقع لاعلاقة لها بالعمل النقابي المبدئي وقد توخينا من وراء هذه المعالجة ضرورة القيام بمراجعة شاملة للممارسة النقابية التي يجب أن تتم بالموزاة مع القيام بمراجعة شاملة للممارسة الحزبية  بهدف جعلهما  معا سليمتين من كل أشكال التحريف التي تسيء إلى العمل النقابي ، ومن أجل الدخول في عصر التربية على الممارسة  المبدئية النقابية  والحزبية معا .لتلازمهما من أجل التعود على احترام حدود العمل الحزبي وحدود العمل النقابي ، وهو ما تسعى هذه المعالجة إلى تحقيقه ، والتأكيد على ممارسته على أرض الواقع .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.