القيادة الفلسطينية إلى أين؟ دروس وعبر / د. غازي حسين

 

د. غازي حسين ( فلسطين ) الجمعة 8/4/2016 م …

الأردن العربي … تخلى نظام كمب ديفيد وآل سعود وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية عن عروبة فلسطين وباعوا فلسطين للصهاينة لقاء حل مشاكلهم مع الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف وحقوق العرب والمسلمين فيها، وباعوا فلسطين العربية لليهود أعداء الله والرسل والوطن والمواطن والبشرية جمعاء وبعضهم لقاء المساعدات الأمريكية والبعض الآخر للمحافظة على عروشهم التي أقامتها بريطانية وتحميها الإمبريالية الأمريكية وترضى عنها الصهيونية العالمية وجراء الترويض والفشل والإحباط والصهينة والتكلس والتحجر والفساد.

ووصل الوضع الفلسطيني إلى أردأ أحواله بسبب توقيع اتفاقات الإذعان برعاية الولايات المتحدة في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وتطبيع العلاقات بين معظم دول الخليج والعدو الصهيوني والشراكة الأمنية المتنامية بين السعودية وإسرائيل، وتالياً بسبب مواقف وممارسات قيادات فلسطينية وعربية وإقليمية وتكالب الدول الغربية والصهيونية العالمية والرجعية العربية لتمرير الحل الإسرائيلي لقضية فلسطين وتصفيتها وإنهاء الصراع العربي ـــ الصهيوني، وتفتيت الدول العربية على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية بدلاً من إسرائيل الكبرى الجغرافية وجعلها المركز للصهيونية العالمية والقائد لجميع بلدان الشرق الأوسط.

فقدت قضية فلسطين مكانتها كقضية مركزية لجميع البلدان العربية والإسلامية بسبب تنازلات وممارسات معظم قياداتها، وبشكل خاص بعد توقيع اتفاقات الإذعان في أوسلو والقاهرة وطابا ووادي ريفير، والاعتراف بإسرائيل في 78% من مساحة فلسطين والتخلي عن المقاومة المسلحة وإدانتها وتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال واعتماد المفاوضات طريقاً وحيداً لحل القضية برعاية الولايات المتحدة الأمريكية العدو الأساسي للشعب الفلسطيني وللعروبة والإسلام ولجميع الشعوب في العالم والحليف الاستراتيجي لدولة الاحتلال.

تحولت منظمة التحرير من أهم حركة تحرر وطني في العالم إلى نظام كبقية أنظمة الإمارات والممالك التي أقامتها بريطانيا، وبذلك لا تختلف قيادة منظمة التحرير عن بقية الأنظمة العربية التي باعت حقوق وثروات ومصالح شعوبها لقاء كسب ود الإدارات الأمريكية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

ومن المؤلم حقاً أن القيادة الفلسطينية التي وقعت اتفاقات الإذعان لم تتعرض حتى الآن إلى هبّات وثورات وحركات شعبية من شعبنا الفلسطيني البطل الذي سجَّل ويسجّل ملاحم بطولية طيلة قرن من ذلك. وتعود أسباب ذلك إلى استغلال الماضي المقاوم لمنظمة التحرير وفصائلها المقاومة عندما اندلعت المقاومة الفلسطينية المعاصرة من دمشق بدعم من الشعب ومؤسسات النظام القومي فيها.

ولعب النظام العربي الرسمي ودبلوماسيته وسياساته وممارسته وإعلامه وخاصة الجزيرة والعربية دوراً في إدخال اليأس والقنوط والإحباط في نفسية الإنسان الفلسطيني والعربي تنفيذاً لمخططات وضعتها أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية، وساهمت في تمويلها وتنفيذها إمارات ومالك النفط العربية وأجهزة المخابرات فيها، وقامت بعض الدول العربية ومارست وتمارس تجاه الفلسطينيين المتواجدين فيها أخطر أنواع العنصرية والتمييز العنصري، وأقامت بعض دول الطوق علاقات استراتيجية مع الكيان الصهيوني.

وجاءت أموال الدول المانحة لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني التي ابتكرها مجرمو الحرب رابين وبيرس والرئيس الأميركي المتصهين بيل كلنتون لتقضي على الحراك الوطني والمقاومة المسلحة وربط الاقتصاد الفلسطيني من خلال اتفاق باريس الاقتصادي بالاقتصاد الإسرائيلي.

ووضعت معظم القيادات الفلسطينية فصائلها ومصالحها ومناصبها وامتيازاتها فوق قضية فلسطين وحقوق شعبها وثوابت الأمة، واستغل الأمراء والملوك وبعض رؤساء الغرب هذا الوضع الجديد والخطير ووضعوا مصالح استمرار عروشهم وتلبية الإملاءات الإسرائيلية والرغبات الأمريكية فوق مكانة أعدل قضية في تاريخ الإنسانية.

وخضعت عدالة قضية فلسطين للبيع والتنازل والمساومة وفقدت مكانتها كقضية مركزية، وانقسمت الساحة الفلسطينية والعربية إلى تيارين (بعد الخروج من بيروت وتوقيع الاتفاقات مع فيليب جيب واتفاق الإذعان في أوسلو) الأول: تمسك بالمقاومة المسلحة حتى زوال الاحتلال وعودة اللاجئين إلى ديارهم. والثاني: تخلى عن المقاومة وحق العودة والتحرير واعترف بإسرائيل ويعمل على تمرير الحل الإسرائيلي لقضية فلسطين وإنهاء الصراع والاعتراف بيهودية الدولة لتبرير إقامة دولة الخلافة الإسلامية.

ونجحت إسرائيل في تعميق الخلاف بين فتح وحماس وترسيخه، وبنفس الوقت وضعت أجهزة المخابرات الإسرائيلية دراسة قدمتها لحكومة مجرم الحرب نتنياهو الكذاب وأوصت وجوب توقيع فتح وحماس على اتفاق الحل النهائي.

وأدت سياسات قيادة منظمة التحرير وممارساتها وفساد العديد منها إلى شل منظمة التحرير الفلسطينية وأطرها القيادية ومؤسساتها والفصائل المنضوية تحت لوائها والخارجة عنها.

وأصبح النظام الفلسطيني الرسمي مشلولاً وعاجزاً وفاشلاً ويخرج من كارثة ويدخل في كارثة أخرى ومن هزيمة إلى هزيمة وغير قادر على تحقيق حتى المصالحة بين فتح وحماس أو تطوير وتفعيل وإصلاح منظمة التحرير. ومما يزيد الطين بلة استمرار القيادات منذ اندلاع المقاومة الفلسطينية المعاصرة في بداية عام 1965 في مراكزها القيادية وإصابتها بالعجز والفشل والتكلس والتحجر والهرم والخرف والمرض وترويض البعض منها وصهينتهم.

لقد فشلت جميع مساعي دمقرطة منظمة التحرير وإعادة بنائها وتطويرها وتفعيلها وتحقيق استقلاليتها عن إسرائيل وأمريكا والإمارات والممالك النفطية وغير النفطية التي باعت فلسطين لليهود، كما فشلت مساعي رأب الصدع وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية، بسبب المصالح الفئوية وهيمنة الفصيل الواحد والمحاصصة بين أهم فصيلين. وأصبحت الوحدة الوطنية ودعم الانتفاضة الثالثة وتسليح الضفة الغربية والتمسك بوحدة الأرض والشعب والقضية في واد ومعظم القيادات الفلسطينية في واد آخر، ولم يبق أمامهم من خيار إلاَّ بدعم شباب وشابات الانتفاضة الثالثة والعودة إلى الشعب الفلسطيني والأمة العربية كحراس أمناء على عروبة فلسطين ومستودع لا ينضب لتزويد الانتفاضة والمقاومة المسلحة بالطاقات البشرية والمادية والسلاح كما فعلوا حتى توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو الذي اعتبره شمعون بيرس ثاني أهم إنجاز في تاريخ الحركة الصهيونية.

إن شباب وشابات الانتفاضة ومعهم النخب الوطنية والقومية واليسارية والإسلام المقاوم (حزب الله) وأحزاب ومنظمات عربية وقيادات شعبية مطالبون بالعمل الفوري لتحريك الشارع العربي لمواجهة جمود وتكلس وشلل وفشل وتعفن مؤسسات منظمة التحرير وبعض قيادات الفصائل المنضوية لها، والخارجة عنها لحل السلطة وإلغاء اتفاق الإذعان في أوسلو وإسقاط النظام الرسمي الفلسطيني والعودة إلى الميثاق الوطني وإعادة بناء وتطوير منظمة التحرير ومؤسساتها على أسس ديمقراطية واحتواء الشباب والمرأة وتوليهم مناصب قيادية، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

ويعتقد العديد من الباحثين باستحالة إحياء دور منظمة التحرير النضالي في ظل وجود القيادات الحالية لأنها اعتادت الفئوية والفردية والانحراف واستزلام الجهلة والانتهازيين والمشبوهين وخدمة مخططات العدو الصهيوني والتعاون والتنسيق الأمني معه وحتى قضاء البعض منهم إجازاته في مواخير تل أبيب والانصياع أيضاً لرغبات الإدارة الأمريكية.

إن الوضع الفلسطيني الحالي بقياداته ومؤسساته واتحاداته المهنية ومنظماته الشعبية والانقسام وغياب الوحدة الوطنية وبأطره المنتهية شرعيتها وصلاحيتها الدستورية والنضالية بما فيها اللجنة التنفيذية للمنظمة والمجلس الوطني الفلسطيني الذي انتهت شرعيته منذ عام 1982 وألغى الميثاق الوطني في عام 1998 في غزة وبحضور الرئيس الأمريكي المتصهين بيل كلنتون ووقوفاً ويرفع الأيدي كما اشترط مجرم الحرب نتنياهو يبعث على اليأس والقنوط ويشير إلى إمكانية نجاح العدو بتهويد فلسطين من البحر حتى النهر، ومدينة القدس بشطريها المحتلين، وتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه وإقامة الإمبراطورية الإسرائيلية وعاصمتها القدس وحكمها للشرق الأوسط والعالم ألف عام تحقيقاً للتعاليم والخرافات والأكاذيب والأطماع التي رسخها كتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الصهاينة وقادة إسرائيل وأتباعهم من الرؤساء الأمريكيين وقادة الاتحاد الأوروبي والإمارات والممالك التي تدعمها وتنهبها وتحميها الولايات المتحدة الأمريكية.

إن الرؤية الاستراتيجية النضالية تقوم على التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني والعودة إلى الميثاق الوطني والمقاومة المسلحة وحرب التحرير الشعبية وتحرير القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم وزوال الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني وآخر نظام عنصري وإقامة الدولة المدنية لكل مواطنيها بدون تمييز بالجنس أو الدين أو الطائفة أو العرق في كل فلسطين العربية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.