رغم تصريحات عباس .. الانتفاضة القادمة ستكون الخاتمة والنصر ..*
الإثنين 11/4/2016 م …
محمد شريف الجيوسي …
تتجه القضية الفلسطينية الى مزيد من التعقيد ، فمشروع الدولتين أصبح من الماضي حيث تجاوزته الوقائع الصهيونية ، الأمر الذي جعل مجرد الحديث عنه ، كلاماً سخريا في الهواء ، وتمضية وقت بروتوكولي يجري الحديث عنه عبثاً ، دون معطيات حقيقية على الأرض ، ومن قبل أضحت معاهدة أوسلو على ما بها من ثغرات ونواقص وعيوب ، منتهية الصلاحية آيلة للسقوط .
وكانت عقلية التفاوض ووهم الحلول (السلمية) قد أفرغ الإنتفاضة الأولى من مكاسبها ، متمخضة عن فأر( أوسلو ) فيما الإنتفاضة الثانية ، أخطأت التقدير باستخدام السلاح ، وعمليات التفجير والمفخخات في أوساط المدنيين (الإسرائيليين) فوحّدت )مجتمعهم( المعادي للأمة أصلاً ، وعمقت التطرف ضد الشعب العربي الفلسطيني فوق ما هم عليه ( أي الصهاينة ) من عدوانية وعنصرية .
وزاد الطين بلة بتعمق الإستيطان الصهيوني في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، بالتزامن مع بناء جدار الفصل العنصري الذي اقتطع مساحات واسعة جديدة من الأراضي الفلسطينية ، وما سبق ولحق بها من تجريف للأراضي وهدم للبيوت وطرد للسكان الفلسطينيين ، وتضييق ممنهج على فلسطينيي القدس من مسيحيين ومسلمين ، واعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك تمهيدا لهدمه ، ومن بيوع احتيالية لمقدسات مسيحية فلسطينية.
ورغم أن ذلك كان ينبغي أن يقابله تعميق الوحدة الوطنية الفلسطينية ، بدلا من تكريس إمارة إسلاموية إخونية عازلة ومعزولة ومحاصرة في غزة ، وسلطة فلسطينية شكلية في الضفة الفلسطينية، لا سلطة حقيقية لها سواء في غزة أو على أراضي الضفة ، بل وتفاقم الأمر بمخالفة قيادتها لقرارات وتوجهات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، الداعية بوقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، وبإعادة النظر في مجمل العلاقات معه ، وتفعيل وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ، بحيث تصبح الإطار الجامع الواحد لكل فصائل ومؤسسات الشعب العربي الفلسطيني .
وباءت بالفشل محاولات استعادة الوحدة، حتى اللحظة، الأمر الذي أضعف ويضعف الأطراف التي ترفع مسمى فلسطين وتقول أنها تعمل لصالح القضية الفلسطينية، وبغض النظر عن الأسباب و(الموجبات والضغوط ) ومن يتحمل المسؤولية بدرجاتها المختلفة ،بات أمل استعادة الوحدة بعيداً،والحديث يشتد عن مشاريع للوطن البديل في الأردن،الأمر الذي يدفع البعض للتعامل مع هذا الخطر بشكل مقلوب في الأردن ، وليس بتوحيد الجهود لمحاربته ، وإنما بصب جام الغضب على الأردنيين من أصول فلسطينية ، الذين عندما أصبحوا جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية ، ضموا جزءاً مهما من وطنهم للمملكة الأردنية ، وكان رصيد الذهب الفلسطيني عماد إصدار الدينار الأردني ، وغير ذلك.
هذا القلب السياسي للواقع يمثل خطراً ماثلاً ، ذلك أن الوجود الفلسطيني الراهن في الأردن ، لا يشكل أي خطر على الأردن وشرق الأردنيين بل على العكس ، وإنما يتمثل الخطر بما قد يقدم عليه الكيان الصهيوني من تهجير جديد لفلسطينيي الضفة أو لعرب فلسطين المحتلة سنة 1948 ، إلى الأردن، وهو خطر لا يقتصر على شرقي الأردن فحسب وإنما يتعداه إلى القضية الفلسطينية ككل ، ما يستوجب حشد شرق وغرب الأردنيين ، لمواجهته ، وليس بتشتيت الجهد ، وبحرف البوصلة في الصراع عن الكيان الصهيوني إلى صراع مع فلسطينيي الأردن ( غرب الأردنيين ) وهو ما قد ينذر بحرب اهلية في حال أصرار البعض على حرف البوصلة .
هذا الحرف للبوصلة ، يذكر بما أقدم عليه البعض من حرف بوصلات المنطقة إلى صراعات مذهبية وطائفية وإثنية ، وبرفع شعارات حرياتية كاذبة فيما هي في حقيقة الامر، حراكات إخونية ووهابية ومؤسسات مجتمع مدني ممولة أجنبياً، مرتبطة بأجندات خارجية، استغلت ظروفاً وأخطاء وممارسات ، لتفرز في النهاية عصابات إرهابية مصنعة أمريكياً وإقليمياً ، كـ داعش والنصرة والقاعدة وأضرابها من الأسماء الرديفة ، بدلاً من أن تتوحد باتجاه العدو الرئيس ممثلا بالكيان الصهيوني .
ووسط هذه الأجواء المسمومة من جهة، ووسط عوامل إيجابية من جهة أخرى ، تمثلت في تنامي قوة الدولة الوطنية السورية المسنودة من قوى المقاومة الشعبية ، ومن محور المقاومة وحلفاء سورية كروسيا والصين ، تزامنت الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة ، معتمدة هذه المرة سلاح السكين والدهس لمواجهة صلف المحتلين الصهاينة ، وأحيانا القنص في حالات محدودة .
ورغم أن المجلس الوطني الفلسطيني أكد في بيان صريح مؤخراً ، على أهمية مقاومة المحتل (الإسرائيلي ) ودعم هبة الشباب الفلسطيني ، وداعياً في أكثر من مناسبة إلى تطبيق مقررات المجلس المركزي الداعية إلى وقف التنسيق الأمني مع تل ابيب وغير ذلك ، إلا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، خرج قبل أيام لينسف (كل امل) مؤكدا على إستمرار التنسيق الأمني مع الصهاينة، وقالت الأنباء، أن بحثاً دؤوبا عن السكاكين يتم في حقائب طلبة المدارس ؛ يقوم به رجال أمن السلطة .. حماية للصهاينة !؟ مع بالغ الأسف والمرارة .
ولا بد أن ما اعلنه عباس آنفاً ، فضلاً عن كون ذلك يمثل إساءة شخصية بالغة له ، قد تكون ختام تاريخه السياسي ، فهي هدية مجانية لخصومه السياسيين الذين ينتظرون خطيئآت مماثلة ، رغم ان بعضهم قدم من العري السياسي والإنحطاط أكثر من ذلك بكثير ، ما يعجز عباس عن تقديمه ، كما قدمت تصريحات عباس خدمة مجانية لحماس ، وطعنة في كبد حركة فتح ، والأهم من كل ذلك أنها شكلت إساءة بالغة للقضية الفلسطينية ولإنتفاضتها الثالثة .
ولكن تاريخ الشعب العربي الفلسطيني المقاوم للمشروع الصهيوني على مدى أكثر من قرن من الزمن ، وطبيعة القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب الأولى ، شاء البعض أم أبى ،ستبقى مجرياتها تحدد مصير المنطقة العربية وجوارها والعكس صحيح ، وفي حال لم تحقق هذه الهبة أغراضها ، وتمكن العدو ودهاته ودعاته من وأدها ، فلا بد أننا سنكون أمام انتفاضة فلسطينية رابعة ، أشد عمقاً وإتساعاً ، تأخذ بعين الاعتبار دروس الانتفاضات الـ 3 السابقة وكل دروس الهبات والثورات التي قام بها الشعب العربي الفلسطيني وكل شعب عربي مجاور وغير مجاور بمواجهة كل أشكال الاحتلال ، وستعكس إنتصارات سورية ولبنان والعراق واليمن ومصر وليبيا والجزائر على الإرهاب نتائج إيجابية ؛ على انتفاضة الختام المعززة بالنصر.
* عن ورقية المجد
التعليقات مغلقة.