التهرب الضريبي .. وجشع رأس المال / فهمي الكتوت
فهمي الكتوت ( الأردن ) الثلاثاء 12/4/2016 م …
كشفت فضائح التهرب الضريبي وتبييض الأموال القذرة، عن تورط مسؤولين سياسيين كبارًا من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك رجال أعمال وشخصيات سياسية واقتصادية في البلدان العربية، ومشاهير في عالم الرياضة، في أكبر عمليات تهرب ضريبي. زلزال أحدثته الوثائق السرية المسربة من مكتب المحاماة البنمي “موساك فونسيكا” بلغت نحو 11,5 مليون وثيقة. طالت نحو 214000 جهة وشخص، من بينها شركات ومؤسسات. وأولى ضحايا الفضائح رئيس حكومة أيسلندا ديفيد سيغموندور غونلوغسون الذي قدم استقالته بعدما كشفت “أوراق بنما” أنه أسس مع زوجته شركة في الجزر العذراء البريطانية ليخفي فيها ملايين الدولارات.
بغض النظر عن الاتهامات الموجهة إلى واشنطن باستخدام هذه الفضائح لأهداف سياسية، خاصة وأنه لا توجد أسماء أمريكية وإسرائيلية في قوائم الفضائح، ما يعني أنها كشفت عن جانب من الحقيقة لاستخدام هذه الوجبة من الفضائح لأهداف سياسية، والخافي أعظم. مع ذلك؛ فهي جرائم تقترف ضد الإنسانية، وبحق الطبقات المقهورة التي تعاني من شظف الحياة، إنّ هذه المليارات المهربة هي حصيلة استغلال الطبقة العاملة والفقراء الكادحين الذين حرمتهم الرأسمالية المتوحشة من حقهم في الحياة كباقي البشر.
لم يكتف رأس المال بخفض أجور العمال، وتقليص موازنات الخدمات الصحية والاجتماعية، ورفع سن التقاعد من 60 إلى 65 وربما إلى 70، لتوفير المال لموازنات تآكلت، بعد ضخ الأموال لشركات مالية واقتصادية مسؤولة عن تفاقم الأزمة الرأسمالية، فهو يحرم العمال من أبسط حقوقهم الإنسانية. ويجند أبناءهم للقتال في حروب استعمارية للاستيلاء على الثروات ومنابع النفط. وما يجري في وطننا العربي مثال ساطع على ذلك.
كل ذلك يجري بذريعة إنعاش الاقتصاد وتوفير فرص عمل وتخفيض نسبة البطالة،في حين تعلن كريستين لاغارد مدير عام صندوق النقد الدولي، أن انتعاش الاقتصاد العالمي “بطيء جداً” و “هش جداً” في مواجهة الأخطار المتزايدة المرتبطة بتباطؤ الصين والانكماش في الدول المتطورة.وأنّ الغموض الاقتصادي يتفاقم بتهديد الإرهاب والخطر “الصامت” للأوبئة والحروب والاضطهاد التي تدفع الناس إلى الهرب. وتابعت أنّ الصندوق “في حال تأهب”، داعية من جديد القوى الكبرى إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكليّة، والمقصود هنا بالإصلاحات الهيكلية المزيد من التقشّف، وخفض الإنفاق العام على الخدمات العامة.
لم يكتف رأس المال بذلك؛ فهو يبحث عن ملاذ آمن للتهرب الضريبي، فالعمال يمولون خزينة الدولة من جيوبهم (الضرائب) ويمولون رأس المال (بفاَئض القيمة) التي يجنيها من قوة عمل العمال وكدهم وعرقهم، إذن هم؛ يسرقون الأموال من الفقراء والكادحين والبسطاء ويخفونها في ملاذات لا تطالها الضريبة، ويمارسون المضاربات المالية التي أسهمت في إفلاس اقتصادات دول، وإفقار وتجويع ملايين البشر، وتدمير دول وتهجير شعوب وتعريض حياة الأطفال والنساء والشيوخ للهلاك.
ليس هذا فحسب؛ يتهرب القسم الأعظم من الأثرياء جزئيا أو كليا من المساهمة في خزينة الدولة التي تسن القوانين، وتتخذ القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية وتنشئ السجون والمعتقلات، وتنفق على البوليس السياسي، والأجهزة القمعية لفرض شروط الاستغلال على العمال خدمة لرأس المال.
لقد نجح رأس المال من خلال المحافظين الجدد في عهد ريغين – تاتشر بفتح الباب على مصراعيه أمام الاحتكارات الرأسمالية بنهب الشركات الحكومية الكبرى باسم التخاصية، وتحويل الخدمات العامة إلى “سلعة” لتحقيق الأرباح، وتصفية ما عرف بسياسات الرعاية والرفاه الاجتماعي. وتجنيد صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية بصفتها المؤسسات التي تتولى خدمة الشريحة العليا من رأس المال، خدمة لبضعة آلاف من الأثرياء.
وفي ضوء ردود الأفعال على فضائح “أوراق بنما” طالبت منظمات غير حكومية تحارب الفساد بحظر الشركات الوهمية، إذ اعتبرت منظمة “الشفافية الدولية” أنّها تشكل “الجانب المظلم للنظام المالي العالمي”، هذا صحيح ولكن؛ من هي الجهات التي أنشأت الملاذات الآمنة ضريبيا وحماية الأموال القذرة من المساءلة والمحاسبة القانونية؟ أليس حكومات الاحتكارات الرأسماليّة نفسها، هي التي أنشأتها ووفّرت لها الحماية، وهل القانون الدولي عاجز عن تجريم ومعاقبة الدول التي توفر الملاذات الآمنة، آلا تستطيع المؤسسات الدولية إغلاق هذه الأوكار إذا توفرت الإرادة السياسية لدى الدول الكبرى. لكن مسارب الهروب؛ صناعة الاحتكارات الرأسماليّة وطغاة المال، لتهريب وغسيل الأموال والاتجار بالمخدرات والبشر.
والسؤال الآخر، هناك دول غير خاضعة للقوانين الضريبية، ماذا وراء تهريب أموالها إلى الملاذات الآمنة!؟ فهي لا تخضع للضرائب في بلادها، هل لعدم الشعور بالأمان في أوطانها؟ خاصة وأنّ هذه الأموال لم تأت من مصادر مشروعة، فهي حصيلة صفقات مشبوهة ونتيجة استشراء مظاهر الفساد، رغم أن المتنفذين في هذه البلدان يملكون الحصانة الكافية لحماية الأموال التي في حوزتهم، من أية إجراءات قانونية إن وجدت. مع ذلك؛ من أهم فوائد تسريب المعلومات والفضائح التي كُشف عنها، أن إيداع الأموال في هذه الأوكار لم يعد آمنا.
التعليقات مغلقة.