تركيا وداعش …هل بدأت الحرب فعلاً؟ / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) الجمعة 15/4/2016 م …

بعد تأخر الحسم العسكري في سورية قبلت تركيا دون أي تردد بوجود تنظيم داعش عند حدودها وعلى أراضيها، وقد أجمعت مختلف وسائل الإعلام العالمية على أن  التنظيمات الإرهابية المتورطة في إرتكاب أبشع الجرائم والمجازر في سورية تستمد تمويلها ودعمها من تركيا وحلفاؤها إذ أن أكثر من90%  من الإرهابيين الأجانب تدفقوا إلى سورية والعراق عبر حدودها المتراخية وتحت إشراف ومتابعة الإستخبارات الغربية، والتي تعد نقطة عبور للنفط الرخيص والأسلحة ونهب الآثار.

تركيا التي تساهلت مع المجموعات المسلحة ضد الحكومة السورية، إنضمت الصيف الماضي إلى التحالف الدولي ضد المسلحين بقيادة واشنطن وكثفت الإعتقالات في أوساط الإرهابيين بعد سلسلة عمليات إنتحارية على أراضيها، وفي تطور ملفت دعا تنظيم داعش بإعلان الحرب على أردوغان وحزبه، وبذلك تجد الحكومة التركية نفسها بين نارين، فهي من جهة تواجه إتهامات بعدم التصدي بشكل كاف للتنظيم المتطرف، بل إنّ هناك من يتهمها بالتواطؤ معه، وهو ما تنفيه بشدة، ومن جهة أخرى ما تعتبره مصالح أمنها القومي وما تراه أن الأكراد من الجانب السوري يهددون وحدتها الترابية.

في سياق متصل تبادلت تركيا وتنظيم داعش، القصف بين طرفي الحدود من جهة بلدة الراعي وسقطت عدة صواريخ على مدينة كيليس”جنوب” التركية، خاصة بعد أن عاشت أنقرة في فترة إنسجام تام مع داعش طوال فترة هيمنته على الراعي وعلى الشريط الحدودي معها، بل إنها تمادت في دعم التنظيم بالعتاد العسكري والذخيرة لتقويته في مواجهة الجيش العربي السوري، وكانت الراعي بشكل مستمر نقطة لتبادل البضائع والسلع بين طرفي الحدود التي تتربع قرى تركمانية على الطرف التركي منها إلى أن قررت حكومة العدالة والتنمية الإنقلاب على التنظيم بتشجيع من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ومد التنظيمات المسلحة لوجستياً للسيطرة على الشريط والبلدة، وهو ما أثار حنق التنظيم وعمد للرد على مصدر القذائف التركية، وهذا ما يهدد بإقتراب مواجهة بين الطرفين.

في السياق ذاته كان ضرب الطيران التركي لمواقع داعش داخل التراب السوري يشكل تحولاً مفاجئاً في موقف أنقرة ومنعطفاً لا يخلو من مجازفة لأنه قد يجعلها هدفاً لأعمال إنتقامية من قبل التنظيم المتطرف، ويفاقم بالتالي أجواء عدم الاستقرار التي تعصف بالمنطقة حالياً، وهذا معناه عملياً أن تركيا ستتخلى عن لعبة غض النظر وتزويد المتشددين بالإمدادات اللوجستية وكذلك الأموال والسلاح،  فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل يعني هذا التطور نهاية ما يمكن تسميته بـ “التحالف غير المعلن” القائم على التجاهل المتبادل بين أنقرة والتنظيم؟، خاصة بعد أن أكد مراقبون دوليين أن ما يجري بين داعش والسلطات التركية يشكل سابقة في العلاقة الحميمة بينهما، وقد يؤدي إلى انهيار الهدنة غير المكتوبة بين الطرفين في حال استمر الجيش التركي بخرقها وقصف مواقع التنظيم التي يسيطر عليها في ريف حلب الشمالي الشرقي.

وحول أسباب وأهداف التدخل العسكري التركي في هذا التوقيت هو محاولة إيجاد مناطق آمنة تفصل تركيا عن مسلحي داعش شمال سورية، وإقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع سورية، وإقامة منطقة حظر طيران تسمح لأنقرة بضرب مواقع داعش وحزب العمال، في هذا الصدد إن الأهداف التركية لهذا التدخل تكمن بتطهير ما يسيطر عليه مسلحو داعش من مناطق شمال سورية لتكون آمنة، كما بدأت تركيا عملياتها ضد داعش بالتزامن مع عملية أمنية واسعة طالت عناصر لحزب العمال، في وقت إستهدفت المقاتلات التركية مواقع تابعة للحزب شمال العراق، لتخفف بذلك من خطورته، كون أن من مصلحة تركيا حفظ أمنها وحدودها، ومنع قيام أي كيان يهددها مستقبلاً، سواء كان للأكراد أو لداعش، والذي يمكنه مباغتتها بهجمات دامية مفاجئة، وهو أمر تنبهت له القيادة التركية مؤخراً، لهذا يرى الكثير من المحللين أن هذا التهديد الأمني المضطرد في تركيا، هو نتيجة لسياسة التخبط  والتردد المتبعة في مواجهة وتوجيه الإرهاب من السلطة التركية، وخاصة عملية تجنيد ودعم بعض المجاميع الإرهابية بصور غير مباشرة وزجهم في الحرب السورية.

لذلك يبدو أن تركيا على أبواب سيناريوهات مرعبة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة وحاسمة، إذ إن تركيا تتجه بسرعة كبيرة إلى فخ الحرب إذا إستمرات حكومة أردوغان فى الدفع تجاه تأجيج الصراع المسلح مع الأكراد مما يعيد إلى الأذهان حقبة التسيعنيات السوداء إلى ذاكرة الشعب التركى من جديد.

مجملاً….إن تركيا مرشحة اليوم لدفع ثمن فاتورة تدخلها في القضية السورية بسبب سياسة التعنت واللعب بشكل منفرد في مسرح إعتقدت أنه ساحة فارغة، وهنا نتساءل: هل ينبغي على تركيا أن تراجع سياستها تجاه سورية؟ بدلاً من تأييدها للحرب التي تشنها العصابات والقوى المتطرفة ضد دمشق؟، وهل بدأت أيضاً تركيا بدفع الثمن كونها طرفاً  أساسياً في الأزمة السورية؟، أعتقد بأنه يجدر على أنقرة أن تتراجع تدريجياً عن موقفها وأن تعتمد موقفاً أكثر حيادية خاصة بعد فشل مشروعها في سورية، وإتساع دائرة المعارضة داخل تركيا لهذا التدخل كما ينبغي على تركيا إعادة النظر في علاقاتها مع الدول المجاورة لها وخاصة دمشق، فالدور السلبي لأردوغان في سورية، لم ولن يكون في صالح تركيا، فمن الخطأ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والإستقرار، فيما ألسنة النيران تشتعل في وطننا الكبير “سورية”.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.