من قلب شرم الشيخ: الوز يتحدى الحرب بمقاعد الدراسة / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي * ( سورية ) الإثنين 2/2/2015 م …
* مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق
الوزير الوز يصمم على الإستمرار في تعزيز وتطوير التعليم متحدياً الدمار والحرب بمقاعد الدراسة، كونه يدرك تماماً بأن طلابه يخاطرون برغم كل شيء للحفاظ على حقهم في التعليم، من دون أن يأبهوا بالدمار الذي لحق بمدارسهم والتفجيرات التي طالت مراكزهم التعليمية، هكذا، يستمر قطاع التعليم في سورية بتحقيق إنجازات يومية، بقدرته على الصمود والتكيّف مع مآسي الصراع، بهذه العبارات اختتمت فاعليات المؤتمر الإقليمي للدول العربية، حول التربية ما بعد 2015، المنعقد في شرم الشيخ بمصر والذي نظمته الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) وبمشاركة 13وزيراً للتربية والتعليم العرب، ورئيس المؤتمر العام لليونسكو، والخبراء والمختصين بشأن التربوي، وممثلين عن المنظمات الدولية والإقليمية المختصة في الشأن التعليمي.
كانت سورية في مقدمة الدول المشاركة في هذا المؤتمر بوفد يرأسه هزوان الوز وزير التربية ورئيس اللجنة الوطنية السورية لليونسكو، الذي طالب الأنظمة التعليمية في العالم، وليس المنطقة العربية فقط بمراجعة سياستها التعليمية وتنقيتها من غرس بذور الكراهية والحقد، من خلال تأكيده على إن جماعة داعش الإرهابية تحاول القضاء على مشروع التعليم السوري بشكل كامل، وإستبداله بمشروع آخر يعمل على بث روح العنف والأفكار المتطرفة، إذ قام هذا التنظيم في المناطق التى سيطر عليها بإلغاء مواد التربية الموسيقية والدينية وإستبدالها بمناهج غير مفهومة كما قام بفصل الطلاب عن الطالبات، بالإضافة الى إدخال ثقافة غريبة على أهالي تلك المناطق, وعملها على أدلجة التعليم, عملاُ على تهيئة بيئة حاضنه لوجودها في تلك المناطق بين جيل الشباب ليكون جاهزاُ للإنخراط مستقبلاُ في مشاريعها التي تسعى الى تطبيقها في تلك المناطق والمناطق المحيطة بها، وتزداد الصورة قتامة مع الأخذ بالحسبان الأضرار البشرية، المتمثلة بتعرض عشرات العاملين في مجال التربية للقتل والخطف والتشويه، وكذلك تعرّض عدد كبير من التلاميذ والمعلمين للإرهاب والترهيب لمنع صيرورة العملية التعليمية، وبذلك فرضت الأزمة السورية تحديات كبيرة أهمها، توقف مشروع تطوير التعليم الثانوي لتوقف الجهة الداعمة “الإتحاد الأوربي”، مما أدى إلى عودة الكثير من المدارس إلى العمل النصفي “نظام الفترتين” بسبب خروج أعداد كبيرة من المدراس عن الخدمة جراء تعرضها للأذى والتدمير الكلي أو الجزئي، إذ خرج نحو خمسة آلاف مدرسة من الخدمة وإستشهد 850 من الأطر التربوية والمتعلمين، بالإضافة الى توقف ربط تلك المدارس بالشبكات الإلكترونية، إذ أصبح من الصعب وصول الكتاب المدرسي إلى بعض المناطق بسبب إعتداءات المجموعات المسلحة، وصعوبة تنفيذ الأنشطة المدرسية الصفية في ضوء زيادة الكثافة والدوام النصفي، برغم كل هذه التحديات واصلت وزارة التربية بكل ثقة العملية التعليمية والإمتحانية حرصا منها على مستقبل سورية وبناء الأجيال القادمة وتعزيز إنتمائهم لأمتهم العربية إضافة إلى تطوير البيئة المدرسية والارتقاء بنوعية التعليم العام والمهني لتحقق بذلك الأهداف الستة الموضوعة للتعليم للجميع قبل عام 2015
في سياق متصل قطعت وزارة التربية شوطاً كبيراً في مجال التعليم من خلال تحقيق مبدأ ديمقراطية التعليم، وربط التعليم بالتنمية الشاملة، ووضع التعليم في متناول الجميع ذكوراً وإناثاً، كونه حقاً تكفله الدولة لأبنائها وذلك بتطبيق إلزامية التعليم، وإلحاق جميع السوريين ومن في حكمهم من سن 6 إلى 12 سنة في مدارس التعليم الأساسي، وجراء تطبيق هذه السياسات ظهرت النتائج من خلال المؤشرات التعليمية الأساسية، حيث وصلت نسبة الإلتحاق بالصف الأول إلى 99.5 %، وبلغت نسبة التسرب من التعليم 3.6% في عام 2011، وأظهرت الإحصائيات أن العام الدراسي 2011-2012 تأثر بشكل جزئي، أما أعوام الدراسية 2013 و2014 وهى الأعوام التي شهدت تصاعداً كبيراً في الأحداث، حيث شهدت المدارس أضرارا مادية وبشرية طالت جميع جوانب العملية التعليمية، كما تعرض الأطفال لإصابات جسدية ونفسية، فقد شهدت تراجعا كبيراً، وبذلك ركزت السياسات التربوية السورية وإجراءاتها التنفيذية على نوعية التعليم وجودته وإزالة أوجه التفاوت بين الجنسين، وإنطلاقاً من ذلك فقد عملت سورية على إصدار معاييرها الوطنية لبناء المناهج المطبقة على التعليم ما قبل الجامعي ومواكبة التطورات العلمية والتربوية وتعميق تأهيل المعلمين والمدرسين، فضلاً عن الجهود المبذولة لوضع منهاج تربوي قادر على إستيعاب الحداثة العلمية ورفع نسب إلتحاق الأطفال بالتعليم ما قبل الأساسي ومواكبة الأطر التعليمية والإدارية والتوجيهية للمناهج المطورة وتطوير نظام تقويم المتعلمين والبيئة المدرسية إضافة إلى الإرتقاء بالمستوى التعليمي لتحقيق الجودة في التعليم والوصول إلى مخرجات بشرية قادرة على صنع مستقبل الوطن.
في إطار ذلك تعاملت الحكومة السورية مع جدول أعمال التعليم إلى ما بعد العام 2015 كأساس وطني وإستثمار في الرأسمال البشري وأنجزت لهذا المؤتمر دراسة تتصل ببيان واقع التربية في سورية تركز على رعاية الطفولة المبكرة والتعليم الأساسي والثانوي والتعليم الجامعي ومحو أمية الشباب والبالغين والمهارات والقيم للعمل والحياة والمعلمين والإنصاف والمساواة بين الجنسين والجودة في المخرجات التعليمية والمعايير الوطنية للتعليم والخطط والتمويل والرصد والتقويم، بمعنى إن سورية أكدت إلتزاماتها الدولية وبذلك تمكنت من تحقيق اهداف التعليم للجميع في وقت مبكر، بفضل السياسة الحكيمة لقيادة بلدنا الغالي، والتي أولت التعليم مركز الصدارة ضمن اولويات العمل التنموي، لذلك كانت صورة سورية في جميع التقارير الصادر عن اليونسكو ناصعة ومشرفة، حيث صنفت بشكل مستمر من بين الدول ذات الأداء العالي في تحقيق تلك الأهداف، خاصة لجهة نسبة القيد في التعليم الإبتدائي التي وصلت الى نسب عالية جداً، وبذلك خطت خطوات حثيثة لتنفيذ إطار داكار عام 2000، وحققت مستويات عالية بما يواكب رؤية سورية الوطنية في التعليم.
مهمتنا الآن غلق الصفحات السوداوية التي ملأتها سيئات الماضي الكئيب وفتح صفحات جديدة ناصعة البياض نرسم فيها مستقبلنا المشرق ونخطط في ثناياها ملامح قادمنا الجميل في سورية، ليكن شعارنا لهذا العام “الإنطلاقة” نحو البناء وإعمار سورية وبناؤها بالتوعية المجتمعية للوصول به الى ناصية الدول المتقدمة، إن سورية ستبقى على الدوام صامدة بفضل محبة والتفاف الشباب حولها، فالطلاب أكّدوا للعالم أجمع على أنهم سوريون بإنتمائهم وقيمهم، تعالوا معي كي ننطلق ونُكسر القيود ونزيل الجدار الإسمنتي الذي بناه الأعداء وتجار الحروب، وتفويت الفرصة على أصحاب الأجندات بإستغلال الأزمات وإستثمارها لتحقيق مآربها، وعدم الوقوع في فخ الفوضى الهدامة، وتحقيق مصالح الوطن والمجتمع العليا، والتوحد حول المشروع الكفيل بمجابهة الهجمة على بلدنا وشعبنا وأمتنا وبناء المستقبل الزاهر، ومن هنا فكل ما يجري في سورية من تدمير وتخريب لمدارسنا ولمعالمنا الثقافية هو مخططاً رهيباً وحاقداً لإزالة شواخص سورية، يريدون من خلاله القضاء على ذاكرتنا …وحضارتنا… وثقافتنا… وإستبدال العلم بهمجية التخلف والوفاء والمحبة بالبغض والكراهية، كما فعل الكيان الصهيوني الذي دمر وما زال يدمر حضارة فلسطين وآثارها وكذلك أمريكا ومن ورائها الغرب الذين سرقوا حضارة العراق ونهبوا متاحفه، برغم ذلك يظل الأمل معلقاً على أعتاق شبابنا وطلابنا الذين وبلا أدنى شك مازال يجمعهم حب سورية، يتطلعون صوب المستقبل وهم يخططون له، هم الآن يزرعون الأمل الجديد في نفوسهم، ويتحفزون لكي يكون لهم الدور الأكبر ليعملوا وينتجوا، ويؤكدوا وجودهم، إنهم شباب يجري في عروقه حب سورية وكرامتها والدفاع عنها، هذا هو الولاء الوطني وهذه هي محبة الأوطان التي يجب أن تسود، وفي النهاية آمل أن يعود السلام إلى أرض السلام التي حوّلوها الغرب وحلفاؤه أرضاً للحديد والنار والقتل والدمار والذبح والخطف، باسم الحرية وهم أبعد الناس عنها.
التعليقات مغلقة.